تم عرض فيلم الجزيرة الوثائقي «العساكر: حكايات التجنيد الإجباري في مصر» اليوم الأحد 27 نوفمبر/ تشرين الثاني في التاسعة مساءً على قناة الجزيرة، بعد حالة من الترقب والانتظار دامت أسبوعًا، بعدما أثار برومو الفيلم المعروض على قناة الجزيرة حالة من الغضب والرعب للنظام المصري، حيث أوضح البرومو أن الفيلم به شهادات تُنشر لأول مرة لمجندين وضباط صف وضباط عن فترة التجنيد الإجباري.


الفيلم الأكثر جدلا في 3 محطات

يستعرض الفيلم محطات الجيش الثلاث التي يتعرض لها أي مجند من خلال شاب يلتحق بالجيش بعد تخرجه، فتبدأ رحلته مع الجيش بإجراء الكشف الطبي لمعرفة إن كان لائقًا أو غير لائق للالتحاق بالجيش، ثم تأتي فترة مركز التدريب وبداية الحياة الميري التي تكون مدتها في الغالب 45 يومًا أو على حسب نظام كل مركز تدريب، ثم بداية تأدية الخدمة العسكرية بالتحاق المجندين كل منهم بوحدته العسكرية على حسب سلاحه.

اعتمد الفيلم على حكايات وشهادات تبث لأول مرة من خلال عساكر وضباط وصف ضباط، هذا إلى جانب ما نقله من لقطات مسربة وأرشيفية من داخل الجيش، كما اعتمد بشكل جزئي على المشاهد التمثيلية التي يحاكي فيها وقائع مختلفة يواجهها المجندون داخل الجيش، كما استضاف الفيلم نورفيل دي أتكين، مدير البرامج العسكرية ببرنامج التعاون العسكري المصري الأمريكي سابقًا.

الفيلم من إخراج عماد الدين السيد، واستغرق مدة تجاوزت العام في صناعته، ليسجل مع من خاض تجربة الالتحاق بالجيش المصري في سرية تامة، وهناك من رفض التسجيل صوتًا أو صورة، والبعض طلب تغيير الصوت وإخفاء الوجه.

1. بداية الرحلة: الكشف الطبي

يعرض الفيلم في بدايته مواد الدستور الثلاث الخاصة بالتجنيد الاجباري لمن يبلغ الـ 18 من عمره، ومدة الخدمة العسكرية لكل فئة شبابية على حسب مؤهله الدراسي، ومواد الحبس والغرامة للمتهربين من تأدية الخدمة العسكرية.

يبدأ العساكر في رواية قصصهم مع التجنيد باعتباره عقبة في مستقبل أي فرد ووقت ضائع يهينون به أنفسهم، بداية من الكشف الطبي الذي يتم على يد أطباء تابعين للقوات المسلحة من خلال «خلع» كافة الملابس والوقوف بالداخلية فقط، يمر الفرد على العيادات المختلفة للكشف عليه ومن بينها الكشف على أعضاء الذكر التانسلية لمعرفة «أنت راجل ولا مش راجل»، حسبما يوضح أحد المجندين بالجيش.

بعد الانتهاء من الكشف الطبي تبدأ مرحلة جديدة، وهي سماع السلاح الخاص بك، ومن ثم تسمع الجملة المعادة من أحد أفراد الجيش: «مرحبا بكم في القوات المسلحة».

2. مركز التدريب: شكل جمالي فقط

يروى أحد المجندين أن المهمة الأساسية لمركز التدريب هي تدريبك على الإمكانيات اللازمة الخاصة بسلاحك، هذا إلى جانب تعلم ضرب النار بكفاءة عالية أيًا كان السلاح المنتمي إليه المجند؛ إلا أن الواقع مختلف.

فبالنسبة لضرب النار يتم الشرح نظريًا أكثر منه عمليًا، مما لا يؤهل المجند لمعرفة كيفية استخدام السلاح بشكل صحيح والتنشين على الهدف، حيث «أهم حاجة في النشان الفوارغ، هو مش هيسألني العيال نشنّوا، جابوا ولا لأ، هو هيسألني عن الفوارغ»، حسبما يوضح صف ظابط بالجيش.

وهناك من المجندين من لم يزُر ميدان الرماية سوى 3 مرات خلال فترة تجنيده كاملة، فضبّاط الاحتياط غير مؤهلين لضرب النار أثناء الحرب، خاصة وأن التدريب على ضرب النار لا يتم في وضعيات مختلفة.

يتم تدريب العساكر أثناء فترة مركز التدريب على العرض العسكري الذي يقام عند انتهاء فترتهم بالمركز أمام الوزير والقيادات العسكرية المختلفة، حسبما أوضح أحد المجندين سابقًا: «هما بيجهزونا عشان حفلة التخرج اللي هيحضرها الوزير»، وجزء أساسي من تلك التدريبات يقتصر على المشي العسكري والخطوة المعتادة. بينما يتم تدريب الصاعقة بشكل مختلف ومنفصل على تدريبات أكثر احترافية، لتكون النتيجة في النهاية «شكل جمالي» من دون أي استفادة حقيقية من فرد مقاتل.

وتحدث نورفيل دي أتكين عن كون المصريين أكثر مهارة من الأمريكان في العروض العسكرية، لأنها هدف في حد ذاته يتم التدريب عليه بالمؤسسة العسكرية المصرية، إلا أن تلك العروض لا تعبر عن مستوى الجنود الحقيقي.

3. وحدة الخدمة: حيث الإهانة والانتحار

تحدث ضيوف الفيلم عن «التشريفة» وهي طريقة استقبال المجندين بوحدات التدريب من خلال الزحف بالشورتات على التراب والرش بالماء وغيرها من الأساليب المهينة، ليعلم المجند قدره الحقيقي داخل الجيش، ويقول صف الظباط بالفيلم: «انت لو ريحت الطالب هيطلع عينك انما لو طلعت عينه هيريحك».

ويبدأ يوم المجند بالخامسة صباحًا لتنظيف الوحدة وتسوية أرض الطابور، ومسح وكنس وتنظيف الحمامات والمباني، وأشياء لا تمت للعسكرية بصلة. ويظهر الفيلم طابع الحياة القاسية التي يواجهها المجندون من ضغط نفسي ومعاملة مهينة خاصة العساكر، حيث تحدث البعض عن وجود الشتائم الميري مثل: يا مقطف أو يا زبالة؛ إلا أن أحد المجندين سابقًا تحدث عن شتائم بالأم وتعرضه للضرب.

وتكلم البعض في الفيلم عن استخدام الظباط لبعض العساكر سخرة في بيوتهم ولأداء خدمات شخصية بعيدًا عن خدمتهم العسكرية، هذا إلى جانب استخدام المجندين في المشاريع الاقتصادية الخاصة بالقوات المسلحة في مجالاتها المختلفة من بناء وإنتاج زراعي وحيواني وخدمات عامة، فهناك جزء من المجندين يقضون خدمتهم العسكرية في بنزينات وطنية وأكشاك صافي ودور وفنادق القوات المسلحة، ويقول أحد ضيوف الفيلم: «أي عامل عشان يشتغل الشغل ده هياخد مبلغ وقدره وعمرك ما هتعرف تسخره زي عسكري».

فتعمل المؤسسة العسكرية على استغلال المجندين بالمشاريع الاقتصادية براتب لا يتعدى الـ 230 جنيه مصري، بدلًا من توظيف مدنيين برواتب تصل إلى 1500 جنيه على أقل تقدير.

كما تكلم الفيلم عن العسكري «سيكه» وهو لقب يطلق على من يخدم بمكتب القائد، يحضر له الشاي والقهوة ويعمل على خدمته الشخصية وأحيانا يكون «عصفورة» تنقل أخبار زملاءه المجندين إلى القائد. ويكون صف الظابط هو الوصلة بين العسكري والظابط، وعادة يحمل الإعدادية ويكون متطوعًا بالجيش مما يشعره بدونية وسط المؤهلات العليا، فيتعمد أن يهين العساكر.

وتتحكم «الأقدمية» في الجيش بشكل ملحوظ، ويتم التكدير من خلال 6 استعددات أو الحرمان من الاجازة وأحيانا المحاكمة، كما أن على المجند تنفيذ الأمر مهما كان ثم – إذا أراد – يمكنه التظلم لاحقًا.

وبسبب كل تلك القسوة تحدث أحد المجندين عن جنود يهربون من الجيش وآخرين يحاولون الانتحار وينجح بعضهم، وينتهي الفيلم بأخبار استشهاد الجنود بسيناء الأعوام الماضية.


الإعلام يغضب والدولة تستبق بـ «يوم في حياة مقاتل»

شنت أجهزة الدولة حملة استباقية لتشويه الفيلم باعتباره محاولة قطرية جديدة مدعومة من أمريكا لهدم الجيش المصري، وعملت على تقديم صورة مغايرة لما تم تناوله في برومو فيلم العساكر وقبل عرضه.

وقامت وزارة الدفاع المصرية بنشر فيلم عن حياة المقاتلين بالقوات المسلحة عبر يوتيوب، وحاول الفيلم تقديم صورة وردية لمعاملة المجندين داخل الجيش المصري وأثناء تأدية خدمتهم.

يحمل الفيلم عنوان «يوم في حياة مقاتل» ويتناول كيف يعيش أحد المجندين يومه بأحد مراكز التدريب للجيش المصري، مدة الفيلم لا تتعدي ربع ساعة، ونقل الفيلم طبيعة معاملة الجيش للمجندين بشكل يحترمهم بداية من التحاقهم حتى انتهائهم من تأدية الخدمة العسكرية.

ونقل الفيلم تعليقات وشهادات للمجندين ومدى فخرهم بتجربتهم بالجيش، واعتمد الفيلم على مشاهد تمثيلية بتعليق صوتي، كما احتوى على مشاهد خاصة بالطوابير في بداية يوم المجندين ثم الرياضة التي يمارسونها، هذا إلى جانب التدريبات التي يتم ممارستها بالجيش.

وتناول الفيلم طرق إعداد الأكل والتدريب بجودة عالية والصلاة جماعة بمسجد الوحدة، هذا إلى جانب اللقاءات المختلفة التي يتم تنظيمها مع رتب عالية بالجيش المصري مع المجندين. هذا بالإضافة إلى وجود وقت ترفيهي للمجنديين للعب كرة الطائرة والشطرنج وقراءة الكتب بالمكتبة العسكرية، ووجود نقطة طبية كفء لعلاج المرضى من المجندين، وينتهي الفيلم بصور من داخل الجيش ويوم 30 يونيو.

كما قامت الجزيرة بنشر فيديو يوضح تعامل الإعلام المصري مع برومو الفيلم بحالة من الغضب الشديد، وتوجيه الإساءة لقناة الجزيرة وقطر، والجدير بالذكر أن الحملة التي قادها الإعلام جاءت قبل عرض الفيلم أو معرفة حقيقة ما يتناوله.


ماذا بعد «العساكر»؟

عرف البعض عن فيلم العساكر بسبب الحملة الشرسة التي تم شنها عليه، حيث كانت أكبر وأقوى دعاية له، والفيلم في حد ذاته لم يأتِ بالجديد عن حياة المجندين، التي اعتدتً على سماعها من أفراد أسرتك أو أصدقائك الذين سبق لهم تأدية الخدمة العسكري، وإن كان يعتبر الأول من نوعه.

استطاع الإعلام أن يجعل من فيلم العساكر حديث الساعة، فاستمرت مواقع التواصل الاجتماعي في ترقبه استعدادًا لبث الفيلم لأول مرة اليوم، ثم بعد مشاهدته كتب الكثيرون عن رأيهم فيه والبعض اتخذها فرصة لرواية ما يحمل في جعبته من معاناة وآثار نفسية خلفتها فترة التجنيد في شخصه على هاشتاج «العساكر».

إلا أن الفيلم لم يدهش الجمهور كثيرًا وكتب الكثيرون عن مستواه «الرديء»، هذا إلى جانب ضعف المحتوى المقدم مما أثار السخرية حول خوف الدولة ورعب الإعلام من فيلم لم يشاهدوه واتهامه واتهام دولة قطر بمحاولة إسقاط الجيش المصري، من خلال فيلم ومحتوى ضعيف لم يقدم سوى الصورة النمطية المعروفة لدى الكثيرين عن فترة التجنيد.