هذا المقال ينشر ضمن مسابقة إضاءات وأسبوع العلوم المصري للمقال العلمي/التقني.

بداية من طائر «أرخيتاس» البخاري، وصولاً إلى صواريخ «إيلون ماسك» المعززة، قمنا نحن البشر بقطع رحلة طويلة عبر مئات السنوات لتحقيق حلم الطيران الخاص بنا. حيث استطعنا صنع آلاف الصواريخ والمركبات كي نحاول استكشاف ذلك الفضاء الشاسع؛ إشباعًا لفضولنا البشري المتسائل، وتشربًا لتلك العلوم التي تُزيد من رغبتنا في البحث كلما تعمقنا بها. رحلتنا للفضاء لم تكن سهلة، فبها مئات المرات من الفشل وعشرات التضحيات البشرية.


لحظات الانطلاق الأولى

مقذوفة V2 الأولى

لتُحكم ربط أحزمة الأمان الخاصة بك، فأنت الآن على متن المقذوفة «V2»، وبمجرد أن تبدأ مقطوعة Lacrimosa الموسيقية، ستشتعل المحركات كي تنطلق المقذوفة الألمانية إلى الفضاء للمرة الأولى في تاريخ البشرية. لكن نظراً لأنك بعام 1944، فلسوء الحظ لن تستطيع أن تمتلك مقصورة قيادة على متن القذيفة، ولن تتمكن أيضًا من العودة إلى الأرض مرة أخرى. ورغم ذلك هناك أخبار سعيدة، حيث إن الأحزمة التي تم تثبيتك بها على القذيفة من الخارج لم تحترق أثناء اختراق الغلاف الجوي، وأنك تمتلك قوة خارقة سوف تمكنك من العيش في الفضاء ومراقبة الأرض.

هل تعلم ماذا سوف ترى حينها؟

بعد خمسة عشر عامًا فقط من مراقبتك لنا وبالتحديد أكتوبر عام 1957م، قرر علماء الاتحاد السوفيتي أن يمنعوا الملل عنك بإرسالهم صاروخ «R-7» للفضاء. نعم، ما تراه حقيقيًا، فالصاروخ يحمل أول قمر صناعي بتاريخنا، في مشهد مهيب وانتصار جديد للبشرية.

حدث مماثل سوف يتسبب في تغيرات سياسية واقتصادية كبيرة، لذا عبرت الأخبار كرتنا الأرضية بسرعة البرق وانقلبت المجتمعات العلمية في العالم كله، هل استطعنا للتو من إطلاق معداتنا التكنولوجية إلى الفضاء؟


سباق القوى العظمى

لقد استطعنا للتو من تحقيق الأمر، وأصبح لدينا أول قمر صناعي «Sputnik 1» يطوف حول الأرض في سابقة تكنولوجية عظيمة.

وبينما كان العلماء بأمريكا وأوروبا يتخبطون ويسقِطون أوراقهم بممرات المؤسسات العلمية والتكنولوجية، كان العالم «سيرجي كوروليوف» يجلس مبتسمًا على مكتبه بالاتحاد السوفيتي وهو يُحضِّر للعالم مفاجأته الثانية. فبعد شهر واحد فقط من إطلاق صاروخه الأول، قام الاتحاد السوفيتي بإطلاق صاروخه الثاني حاملاً القمر الصناعي «Sputnik 2» بحمولة تُقدر بأضعاف حمولة شقيقه الأول «R-7»!

آلمت تلك الضربة الثانية مجتمع صناعات الصواريخ بأمريكا حقًا، وبدأ أكثر من 5000 عالم ومهندس في العمل ليل نهار على البرنامج «Explorer» بقيادة المهندس ومخترع الصواريخ «فون براون»، حتى استطاعوا في النهاية إطلاق قمرهم الصناعي «Explorer 1» بشهر يناير عام 1958 م، أي بعد أشهر قليلة فقط من الإنجاز السوفيتي، بل واستطاعوا رد الضربة من خلال اكتشافهم «حزام فان آلن الإشعاعي».

هل أنت هنا؟ هل ما زلت تراقبنا من الفضاء؟

أعتقد أنك قمت باستلام الكلبة «لايكا» التي أرسلها لك علماء الاتحاد السوفيتي منذ فترة بداخل قمرهم الصناعي الثاني، الآن كن مستعدًا لاستلام الشمبانزي «هام» الذي سيرسله لك علماء الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مدرب على الصعود إلى الفضاء أيضًا! لا بد من أنك متحمس الآن فقد بدأت المنافسة لتوها، لتطلب بعض الفشار الفضائي وتجلس بأحد المقاعد الأولى، فالسباق على وشك الاشتعال.

انظر يمينك فنحن بسبتمبر/أيلول 1959، وستمر من جانبك مركبة «Luna 2» السوفيتية، وهي مركبة غير مأهولة في طريقها إلى القمر.

الأيام تمر بسرعة، فاليوم يوافق العاشر من أبريل/نيسان عام 1961 أليس كذلك؟

إذاً لتحضر بعض الطعام على العشاء واستعد كي تستقبل «يوري جاجارين»، وهو البشري الأول الذي سيصعد لك إلى الفضاء على متن مركبة مُجهزة.

هل نحن الآن بعام 1964؟

حانت الضربة الأمريكية المضادة، وتذكر أن تحذر ذلك المسار فستمر من جانك المركبة الأمريكية «Ranger 7» وهي في طريقها إلى التقاط بعض الصور للقمر قبل أن تصطدم به!

هبوط نيل أرمسترونج على القمر.

أعلم أني أثقلت عليك، لكن لتُحضّر الطعام مرة أخرى فنحن بعام 1969 م، و«نيل أرمسترونج» في طريقه إليك مع بعض أصدقائه على متن بعثة «أبولو 11» الأمريكية.

ماذا؟ هل قام بالإشارة إليك من زجاج نافذة المركبة ولم يتوقف لتناول بعض الطعام الفضائي معك؟ إذاً فالشائعات لم تكن حقيقية وقد أكملوا رحلتهم وهبطوا على القمر حقًا!


معجزات في زمن العلم

استكشاف الفضاء، ناسا، وكالة الفضاء الروسية، فضاء

السباق لم يتوقف وعليك أن تُجهز بعض الألعاب النارية، حيث انضمت أوروبا وشرق آسيا إلى المنافسة، وآلاف الأقمار الصناعية سوف يتم إطلاقها إليك في خلال الأعوام التالية.

انتظر هل نحن في العقد الأول من القرن الواحد وعشرين؟!

محطة الفضاء الدولية (iss)

كن حذراً، ستمر الآن محطة الفضاء الدولية بجانبك وهي أحد أكبر وأعظم الهياكل البشرية، معجزة متحركة بتكلفة مائة مليار يورو، بدأ بناؤها بعام 1998 م باتفاقية شملت العديد من دول العالم. سوف تلاحظها جيداً فهي بطول ملعب لكرة القدم، لكن عليك أن تشير بسرعة إلى رواد الفضاء المقيمين بها فهي تسير بسرعة 28 ألف كيلو متر في الساعة!

صاروخ فالكون المعزز

لا بد من أنك سعيد الآن، فلديك أصدقاء بالفضاء، وآلاف من الصواريخ التي أطلقناها ولم نستطع إعادتها مرة أخرى إلى الأرض فتركناها. لا بد من أنها تطوف وتعيق حركتك هناك، لكنها لن تفعل بعد الآن، فقد أطلق «إيلون ماسك»صقوره الفضائية حاملة أقمارنا الصناعية إلى الفضاء، كي تتركها هناك وتعود من جديد سالمة إلى عِشاشها بالأرض.

أعتقد أنه علم بحزنك على تقاعد «كاسيني» أيضًا، فقد أرسل لك سيارة تيسلا الكهربائية على متن صاروخه «Falcon Heavy» منذ عدة أيام، لا أعلم ما الحاجة لك إلى سيارة في الفضاء، لكن لتعذره فقد اعتاد «إيلون» على صنع أشياء عجيبة ومستحيلة، وفي جميع الأحوال أتمنى أن تعجبك حقًا فهي رائعة وباهظة الثمن.

كما أن هناك مفاجأة أخرى، فسوف يبعث إليك قريبًا عدة أقمار صناعية كي تزودنا بالإنترنت من الفضاء، وقد تتمكن أنت أيضًا من التقاط بعض الإشارات وتتصفح أخبارنا كما شئت.

أتمنى أن تكون في حالة جيدة يا صديقي، ولتنتظر رحلاتنا إلى المريخ قريبًا.