تتراجع أسواق المال في جميع أنحاء العالم، وسط المزيد من الشعور بالقلق حول مستقبل الاقتصاد العالمي، في ظل الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد عدد من الدول، بالإضافة إلى الديون الصينية التي وصلت لمستوى قياسي يُنذر بالخطر حول متانة الاقتصاد الصيني، فضلاً عن ارتفاع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي ومؤشرات العمالة الأمريكية الضعيفة غير المُطمأنة من قبل المستثمرين.

وكان انخفاض مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 800 نقطة، يوم الأربعاء الموافق 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بمثابة أول نقطة ضعف في أسواق المال العالمية، والتي تراجعت على إثرها أسواق المال العالمية والعربية خلال تداولات اليوم الخميس 11 أكتوبر/تشرين الثاني، وسط قلق حذر حول شركات التقنية الأمريكية، بقيادة أبل، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، والتي سيطرت على جزء كبير من الارتفاع في قيمة السوق الأمريكي خلال الفترة الماضية.

وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، حذر صندوق النقد الدولي من أن التوترات التجارية القائمة على الساحة، مثل التوترات بين الولايات المتحدة والصين، يمكن أن تؤدي إلى تدهور مفاجئ في معنويات المخاطرة، مما يؤدي إلى تصحيح واسع النطاق في أسواق رأس المال العالمية وحالة من التذبذب، وهو أمر يزيد من تشديد الظروف المالية العالمية.

وضربت موجات البيع وول ستريت وسط تساؤلات حول وتيرة النمو الاقتصادي وتأثير النزاع التجاري الذي لا يزال مستمرًا بين واشنطن وبكين، وفقد المستثمرون أعصابهم من ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية والقلق الجديد بشأن التباطؤ الاقتصادي.


الأسواق الآسيوية والأوروبية تنهار

بعد انهيار سوق الأسهم الأمريكية، يوم الأربعاء، تراجعت أسواق الأسهم الآسيوية بشكل كبير عند افتتاحها صباح، اليوم الخميس. وتراجع مؤشر نيكاي الياباني بنحو 4٪ بينما أغلقت بورصة شنغهاي في المنطقة الحمراء منخفضة بنحو 5.22%، وسط عمليات بيع حادة مع القلق حول المدى الذي سوف ترتفع به العائدات على السندات، وارتفاع أسعار الفائدة بما يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يبطئ النشاط الاقتصادي ويضر شهية المستثمرين للمخاطرة.

كذلك فإن تحذيرات صندوق النقد الدولي بشأن مخاطر الاستقرار المالي واستمرار التوتر التجاري، قد تؤدي إلى عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد العالمي.

وكانت أكبر الخسائر في الأسهم العالمية في آسيا، حيث تعاني بعض الأسواق الإقليمية بالفعل من التباطؤ الاقتصادي. وكما هو الحال في الولايات المتحدة، كانت أسهم شركات التكنولوجيا من بين أكبر الخاسرين. فانخفضت مبيعات وسائل الإعلام الاجتماعية وشركات الألعاب الصينية «Tencent TCEHY» بنسبة 6%، بينما انخفض سهم شركة Xiaomi لصناعة الهواتف الذكية بأكثر من 8%.

وعلى صعيد الأسواق الأوروبية، تراجعت مؤشرات الأسهم الرئيسية في المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا بأكثر من 1% في التعاملات المبكرة الخميس، بعد التراجع الحاد في الأسواق الأمريكية خلال يومي الأربعاء والخميس.

وكانت أسهم شركات صناعة السيارات من بين أكثر الأسواق تضررًا في أوروبا، حيث تراجعت فيات كرايسلر وفولكس فاجن بأكثر من 3% في التعاملات المبكرة، في حين انخفضت ديملر بنسبة 2.6%. كما عانت البنوك هي الأخرى من انخفاض أسعار الأسهم، حيث تراجع كل من بنك «سانتاندر» و«إتش إس بي سي» بأكثر من 2%.


كيف تأثرت الأسواق العربية بانهيار البورصة الأمريكية؟

مؤشرات أسواق المال العربية – يوم الخميس 11 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

كان مؤشر السوق السعودي «تداول»، قائدًا لتراجعات الأسواق العربية، في نهاية تداولات الخميس، متراجعًا بما يقرب من 4% ليفقد نحو 304 نقطة، مدفوعًا بخسائر في قطاعات الخدمات المالية، والبتروكيماويات، والإسمنت.

كذلك تراجعت مؤشرات البورصة المصرية متأثرة باتجاه المؤسسات الأجنبية للبيع، ليفقد رأس المال السوقي 14.13 مليار جنيه وصولاً إلى مستوى 744.19 مليار جنيه، وخسر المؤشر الرئيسي egx30 للسوق 2.48% فاقدًا نحو 338 نقطة.

وتلا البورصة المصرية في الانخفاض الأسواق الإماراتية، التي تعاني ضعفًا في أسسها الهيكلية منذ بداية النصف الثاني من العام. وبنهاية تداولات، الخميس، تراجع مؤشر سوق دبي بنسبة 1.97%، بينما انخفض مؤشر أبو ظبي بنحو 0.93%. ليُسجل المؤشران خسائر في قطاعات التمويل والاستثمار، العقارات والتشييد والبنوك.


مسببات الأزمة

البورصة, أسواق المال

وفقًا لحسابات الإحصائيين، يعتبر انهيار أسواق المال العالمية بهذا الشكل بمثابة تصحيح رئيسي بعد 10 سنوات من النمو الاقتصادي في أعقاب وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008، وخلال تلك السنوات نمت أسواق الأسهم والأصول بشكل جيد مما يدفعها في الوقت الحالي للتصحيح من أجل العودة للمتوسط مرة أخرى لاستكمال الدورات الاقتصادية المتضمنة الركود والانتعاش والهبوط والارتفاع لأسواق المال العالمية.

ومن الطبيعي أن تحدث الانخفاضات في أسواق المال بنسب تتراوح من 5% إلى 10%، أو حتى أعلى من ذلك، خلال حالة عدم اليقين المالي والسياسي العالمي، ولكنها تقترن بارتفاع مماثل في حال انتهت التوترات السياسية أو المالية. لذا، فإن الإشارات التي يجب مراقبتها في الأسابيع والأشهر المقبلة ليست حالة التقلب بين الارتفاع والانخفاض، ولكن لابد من مراقبة ميل السوق إلى الاتجاه الهبوطي خلال فترة تتراوح من أربعة إلى ثمانية أسابيع.

وهناك الكثير من العوامل التي أدت إلى تشويه الأسواق العالمية على مدى السنوات القليلة الماضية، مما عزّز من التراجع الحاد لها في الوقت الحالي، ومنها:

1. صندوق النقد الدولي

دأب صندوق النقد الدولي على التحذير من الخطر المتمثل في احتمال تدهور الأوضاع المالية بشكل حاد خلال السنوات المُقبلة، مع زيادة المخاطر قصيرة الأجل على الاستقرار المالي العالمي. وقال الصندوق إن الأسهم الأمريكية ارتفعت «بشكل يتجاوز» التقييمات التي كانت تتمتع بها قبل الأزمة المالية العالمية. ويأتي تحذير الصندوق في الذكرى العاشرة لانهيار بنك «ليمان براذر»، الذي أوقع العالم في الأزمة المالية في العام 2018 وساعد في إطلاق أسوأ ركود منذ الكساد الكبير.

2. الحرب التجارية العالمية

وسط إستراتيجية الرئيس دونالد ترامب التجارية، التي تضع حواجز أمام منافسة السلع الأجنبية، وتفرض مزيدًا من الضرائب على خدمات الدول الأخرى، تزيد تكلفة الإنتاج المحلي والاستيراد على المدى الطويل مما ينتج عنه ارتفاع في التضخم، ونقص في حجم التجارة الإجمالية العالمية، وهو ما ينسحب في النهاية على اقتصادات الدول واحدة تلو الأخرى، ولأن السوق المالية هي مرآة الاقتصاد، فعادةً ما يظهر عليها علامات القوة والضعف قُبيل أن يتعرض الاقتصاد لحالات الركود والانتعاش.

3. فقاعة الديون الصينية

وصلت فقاعة الديون الصينية لنحو 320٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الوقت ذاته؛ تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي. ولسنوات طويلة، سمحت الحكومة الصينية لوكالاتها الحكومية والصناعات المدعومة بأن تأخذ القروض الرخيصة لتغذية النمو، وهو ما أنتج معجزة اقتصادية دفعت الاقتصاد الصيني إلى أن يُصبح الاقتصاد الأهم في العالم. لكن مع ارتفاع الديون الصينية، انخفض النمو الذي حققته الصين في الأساس اعتمادًا على الدين، والذي أصبح أكبر بكثير مما كان عليه قبل 10 سنوات، وبالتالي تتضرر الأسهم الآسيوية نتيجة لذلك.

4. أزمة سندات

هناك أزمة سندات تلوح في الأفق، في ظل الزيادة الكبيرة في قروض الرافعة المالية، التي وصلت لنحو 2.5 تريليون دولار عالميًا، بما يُثير القلق حول إمكانية تسوية تلك الديون، وذلك النوع من القروض يعتبر عالي المخاطر وذات جودة منخفضة. ومع احتفاظ البنوك المركزية بأسعار فائدة قريبة من الصفر على مدى سنوات، لجأ المستثرون إلى الاستثمارات ذات معدلات الفائدة الأعلى كالسندات، التي تنطوي على المخاطر العالية، فكلما ارتفع العائد، انخفضت أسعار السندات ومن ثَمَّ يتجه الكثير من المستثمرين إلى بيع ما بحوزتهم من تلك السندات، ومن هنا تتراكم الديون العالمية.

وبالفعل ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، يوم الأربعاء، إلى 3.22٪ ليصل العائد إلى أعلى مستوى له منذ سبع سنوات، ويأتي هذا الارتفاع بسبب البيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة القوية، التي تزيد من توقعات رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع، مع تصاعد الضغوط التضخمية في أكبر اقتصاد في العالم.

5. التوسع الاستثماري في صناديق الاستثمار المتداولة

فقد أدى الشراء المتزايد إلى خلق طفرة في الأسهم على أساس الزخم وليس على أساسيات السوق من عرض وطلب، ولا أحد من أصحاب تلك الصناديق يقوم بفحص الممتلكات بداخلها أو قيمها الأساسية.

6. فشل إيطاليا

إيطاليا، وهي ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا وتاسع أكبر اقتصاد عالمي، فشلت في إصلاح سياساتها وبنوكها، فنظامها المصرفي مليء بالديون المشكوك فيها، والاقتصاد الإيطالي غير قادر على النمو بتلك السرعة الكافية لحل مشاكله. وتظل الحكومة الإيطالية في تصادم مالي مع الاتحاد الأوروبي، الذي يرغب في إجبار إيطاليا على وضع ميزانية لا تريدها الحكومة المنتخبة.