يعود إلى منزله في حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهرًا، على وجهه ابتسامه مختلطه بالإجهاد، عيناه تحوم يسارًا ويمينًا بجفون تحاول جاهدة ألا يهزمها النوم، حيث قضى ليلة الأمس في عناء المذاكرة إلى أن شقت أشعة الشمس طريقها إليه، فاتجه إلى الامتحان وانتهى منه بأداء جيد. إلا أن فرحته بانتهائه من الامتحان لم تكتمل؛ حيث قررت وزارة التربية والتعليم إلغاء امتحان «الديناميكا» وإعادته بأول أسبوع من شهر يوليو مع عدد من المواد الأخرى التي تم تسريبها على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأمر أثار غضب قطاع كبير من طلاب الثانوية العامة وتظاهروا اليوم 27 يوليو 2016 بميدان التحرير تعبيرًا عن غضبهم، كما أعلنوا رفضهم لإلغاء أي من الامتحانات أو تأجيلها لمدى زمني بعيد.


مواليد عام 2000 يثورون

يوقفه أحد الشباب الصغار ليسأله: عمو هو التحرير يمين ولا شمال؟.

اعتاد المتظاهرون على التجمع بميدان التحرير منذ بداية ثورة 25 يناير 2011؛ للتظاهر حينًا والاحتفال حينًا، فشهد الميدان خلال السنوات الخمس الماضية حركة لم تكن معتادة، تظاهرات عدة وتجمعات لمختلف التيارات السياسية والطبقات الاجتماعية، سيارات للإسعاف وعربات للشرطة ودبابات للجيش، مواجهات واشتبكات وغاز وكمامات. إلا أن الميدان اليوم استقبل فاعلًا جديدًا لم يكن له تواجد واضح من قبل، طلاب الثانوية العامة ممن دون العشرين عامًا.

استطاعت الثورة أن ترسخ مبادئها بداخل الأجيال الصغيرة وإن لم يشاركوا بشكل مباشر في تظاهراتها، فظهر طلاب الثانوية العامة اليوم 27 يونيو 2016 للاحتجاج على ما يتعرضون له من ظلم، لنكتشف أن الثورة استطاعت أن تمنح الشاب الصغير سنًا حافزًا وشعورًا بالمسئولية تجاه المطالبة بالحق، وصوتًا يبوح بهتافاتها لتجوب الشوارع المختلفة من جديد، فعاد هتاف «والله زمان وبعودة ليلة أبوكو ليلة سودة» ليرجّ أنحاء المكان.

بدأ الطلاب من يوم 26 يناير بالتجمع والتظاهر أمام مبنى محافظة الغربية، وبالتخطيط لتظاهرات ضخمة من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث دعوا أكثر من 200 ألف شخص للمشاركة، وبدأوا في التدوين وبث مطالبهم من خلال بيان يوضح نيتهم للتظاهر يوم 27 يونيو أمام وزارة التربية والتعليم بالعاشرة صباحًا.

كان مطلب الطلاب حاضرًا في نقطتين لا غير؛ أولًا عدم إلغاء أي امتحان قام الطلاب بتأديته، ثانيًا عدم تأجيل أي امتحان لمدة طويلة. وتفاعل عدد كبير من الطلبة مع تلك الدعوة، وبدأوا في نشرها على نطاق أوسع وتحليل أسباب الأزمة باعتبارها نتاجًا عن «نظام التنسيق» المطبق، راغبين في إلغائه بداية من هذا العام وتطبيق «نظام القدرات».

و أعلن اتحاد طلاب مدارس مصر من خلال بيان له عن ضرورة: «إعادة النظر في تلك المنظومة التعليمية الذي أثبتت ضعفها و فشلها في إدارة العملية التعليمية»، بالإضافة إلى: «كما نعلن تصعيد الأمر في شكل مذكرات رسمية لمجلس النواب المصري ومجلس الوزراء».

وبعد أن أنهى الطلاب وأهاليهم وقفتهم أمام وزارة التعليم، اتجهوا إلى ميدان التحرير لاستكمال احتجاجهم، إلا أن الداخلية واجهتهم مثلما تواجه أي طرف سياسي أو مجتمعي يعترض ويتظاهر ويحتج، ولم تأخذ في اعتبارها أنها تعادي قطاعًا جديدًا من الشعب وشباب المستقبل.

كما أعلن أحد الطلاب عن اقتحام أمن الدولة لمنزله واقتياد والده إلى قسم إمبابة؛ مما أثر غضب كثير من الطلبة، إلى جانب تعرض الأمن المركزي لتظاهراتهم وفضّها، فـ اقترح بعض الطلاب الإضراب عن دخول الامتحانات.

استطاع الطلبة الصغار سنًا تنظيم أنفسهم خلال يوم واحد، وتوجيه غضبهم تجاه وزارة التعليم ووزيرها؛ باعتبارهم المسئول الأول والأهم عن فشل إتمام امتحانات الثانوية العامة بسلام؛ مما أذهل قطاعًا كبيرًا من المجتمع المصري من حيث مقدرة هؤلاء الصغار في التنظيم، والتحرك سريعًا من غير قيادة سياسية.


تعامل الوزارة مع تسريب الامتحانات

فشلت وزارة التربية والتعليم في التعامل مع مسألة تسريب الامتحانات منذ اللحظة الأولى، حيث بدأت صفحات تسريب امتحانات الثانوية العامة في إبريل الماضي بالاستعداد للامتحانات، وأعلنت على فيسبوك نيتها لتسريب الامتحانات، إلا أن وزارة التربية والتعليم لم تعر كلامهم الاهتمام المطلوب.

واكتفت الوزارة بنفي أن يتم تسريب الامتحانات مثلما حدث بالأعوام السابقة، كما أصدرت قراراتها بتأمين لجان الامتحان بالدوريات الأمنية المتحركة ورجال الأمن.

إلا أن تلك الإجراءات لم تمنع تسريب الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدأت بتسريب أول امتحان للثانوية العامة -امتحان اللغة العربية-، ثم امتحان مادة الدين؛ مما أجبر الوزارة على إلغاء الأخير قبل ساعة من موعده.

وفي السياق ذاته بدأت الدولة تدرك خطورة الأمر، فقامت بالقبض على مؤسسي صفحات «شاومينج» و«بالغش اتجمعنا» و«يوم المعجنة» لنشرهم نسخًا من الامتحانات المسربة، كما قامت النيابة بالقبض على 12 من المسئولين عن وضع الامتحانات بوزارة التربية والتعليم بتهمة الإضرار بمصلحة الوزارة. وعبّر وزير التربية والتعليم أن مسألة تسريب الامتحانات هي مسألة أمن قومي، إلا أن التسريب ما زال مستمرًا. ولم تستطع الوزارة محاربته سوى بإلغاء وتأجيل الامتحانات، وهو الأمر الذي يثير غضب الممتحنين وأهاليهم.

وأعلنت صفحة شاومينج اليوم 27 يونيو عن استعدادها لتسريب النتائج كاملة لطلاب الثانوية العامة، في تحدٍّ واضح لقرارات الوزارة، حيث دعت الطلاب إلى مشاركة المنشور مع الأصدقاء وانتظار النتيجة.


نظام الثانوي العام السبب

أنا لا أخشى الاعتقال، وما يحدث الآن سوف يتكرر بالعام القادم ما لم يتحسن نظام التعليم في مصر، يتم القضاء على الفساد.
أحد مديري صفحة «شوماينج»

أثيرت كثير من الآراء المطالبة بتقييد خدمات مواقع التواصل الاجتماعي للتغلب على تسريب الامتحانات، إلا أن الوضع يعتبر أكثر تعقيدًا. حيث أن الوضع المأزوم للتعليم المصري هو السبب الأساسي للمشكلة التي يواجهها المجتمع اليوم، فمشاعر الخوف والرهبة يتشرّبها طلاب الثانوية العامة منذ الصغر للحصول على مجموع عالٍ والالتحاق بكليات القمة في سباق التنسيق.

يشهد المجتمع المصري مصائب عدة بسبب نظام الثانوية العامة، بداية من الدروس الخصوصية المكلفة، مرورًا بالضغط النفسي الذي يتعرض له الطلبة والأهالي على حد سواء في انتظار الامتحانات، وصولًا إلى مرحلة معرفة النتيجة والتنسيق وضياع أحلام وطموح الكثيرين بسبب درجة مئوية.

فنظام التنسيق يعتمد بالأساس على قدرة الطالب على حفظ المواد المختلفة، ليحصل على أعلى الدرجات ويلتحق بكليات القمة ليكون فخرًا لأهله، بعيدًا عن إمكانياته الحقيقية وملاءمتها للتخصصات المختلفة من طب وهندسة وتربية وفنون وعلوم سياسية.

فكانت دعوات صفحات التسريب لإلغاء نظام التنسيق واعتماد نظام القدرات هي المحرك الأساسي لهم، حيث أعلنوا أنه في اليوم الذي يتم فيه إلغاء التنسيق سيتم التوقف عن تسريب الامتحانات.


كيف تحمي امتحانًا؟

واجهت كثير من الدول أزمة تسريب الامتحانات، إلا أن كل دولة اختارت طريقًا خاصًا بها لحل تلك الأزمة. فحظرت الجزائر بشكل جزئي مواقع التواصل الاجتماعي في يونيو الماضي بعدما تسرب أحد الامتحانات على السوشيال ميديا، كما قامت بإلقاء القبض على مسئولين حكوميين أيضًا وإعادة الامتحانات المسرّبة مرة أخرى.

يكون حظر مواقع التواصل الاجتماعي الحل الأسرع والأسهل للمشكلة، حيث اتبعته أيضًا كل من العراق وباكستان في حالات مشابهة لتسريب الامتحانات، إلا أنه لم يعد الاتصال بتلك المواقع المحجوبة أمرًا صعبًا، حيث الدخول عليها من خلال شبكات افتراضية. هذا بالإضافة إلى أن المشكلة تبقى قائمة، حيث فشل النظام التعليمي وفشلت الدولة في إيجاد بديل وحل للأزمة من جذورها.

وفي سياق منفصل اختارت كينيا أن تغير من نظام امتحاناتها، في نوفمبر 2015، للتخلص من أزمة التسريب. حيث أعلنت عن بدئها في نظام إدارة الامتحانات إلكترونيًا، حيث يسجل الطالب بياناته إلكترونيا ومن ثم يتلقى أسئلة الامتحان ويجاوب عليها، حتى ينتهي الوقت ويغلق البرنامج تلقائيًا.

وبذلك لا تخرج الامتحانات ولا تنتقل من يد إلى أخرى حتى يوم الامتحان وبتسجيل الطلاب إلكترونيًا، إلا أن هذا الحل لا يناسب كل المجتمعات، فلكل مجتمع خصوصياته وما يناسبه. ولكن على الحكومة أن تجد الحل الأمثل لمجتمعها لمواجهة مشكلة تسريب الامتحانات من جذورها، مع الحفاظ على حقوق الطلبة. فلن يكون لمنع مواقع التواصل الاجتماعي أو إلغاء وتأجيل الامتحانات أثر إيجابي، طالما ظلت سياسات التعليم في مصر غير منتبهة لكل ما يشوبها من إخفاقات تهدد مستقبل شبابها.

المراجع
  1. الدولة تواجه تسريب الإمتحانات بالشماعات
  2. Exam paper leaked: Algeria blocks access to facebook, twitter, and other social media
  3. Algeria was worried about cheating students, so it blocked Facebook and Twitter
  4. How the New Electronic Exams Will Stop KCSE Leakages
  5. Leaks of Answers Before Egypt’s National Exams Embarrass Government