إذا كانت الدولة العثمانية تشتهر بكونها دولة عسكرية منذ نشأتها إلى انهيارها، فهي كذلك دولة صوفية في أسسها ودعائمها وكافة ملامحها؛ ليس فقط لأنها كانت تستوطن الأناضول – بعد فرارها من أواسط آسيا إثر الاجتياح المغولي – وهو موئل كبار المتصوفة وقلعة الدراويش، وقبلة الراغبين في السلوك والطريقة والحقيقة، وموطن مولانا جلال الدين الرومي . وليس أيضًا لأن حلم بناء إمبراطورية مترامية الأطراف، وشجرة عالمية الفروع والظلال بدأ في بيت الشيخ «أده بالي» أو «أدب عالي».

ولكن لأن مكانة شيوخ الصوفية في قلوب السلاطين، ومكانهم في مجلس السلاطين، ظل محتفظًا بترسخه وقوته منذ نشأة الإمارة وحتى تربع السلطنة على أرض ثلاث قارات، وكذلك دور هؤلاء الشيوخ ودراويشهم وتكاياهم وزواياهم في البناء الروحي والأخلاقي والديني للشعوب العثمانية، وكذلك دورهم في نشر الإسلام والعمران في قلب أحراش وجبال الرومللي [1].


وصية عثمان

نبدأ القصة من بدايتها، ودعونا نتجاوز المرحلة الضبابية في التاريخ العثماني الباكر حول أرطغرُل ولقاءاته بالشيخ الأكبر جلال الدين الرومي؛ لنصل إلى الرجل الذي بدأ في عهده بناء الدولة، واتخذت الدولة اسمه؛ إذ إن أول خطبة خطبت في الدولة العثمانية كان باسم الأمير عثمان غازي [2].

السلطان الغازي عثمان خان الأول

كانت حياة الأمير عثمان مؤسس الدولة العثمانية جهادًا بالحرب، أما التخطيط الإداري والتنفيذ في الإمارة فقد كان موكلاً إلى علماء الدين، وكانوا يحيطون بالأمير، ويتولون مسئولياتهم. وأوصى عثمان لابنه أورخان وعثمان على فراش الموت وصية سجلها المؤرخ العثماني عاشق جلبي، والتزم بها أورخان وكل من جاء بعده من سلاطين العثمانيين [3].

يقول عثمان في وصيته:

يا بني! إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلاً. يا بني! أحط من أطاعك بالإعزاز، وانعم على الجنود، ولا يغرّنك الشيطان بجندك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة. يا بني! إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله رب العالمين، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضاة الله جل جلاله. يا بني! لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم، أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت أهل له.[4]

ويمكننا أن نلحظ بسهولة مكانة علماء الدين، وأهل العلم والشريعة والجهاد في هذه الوصية، وهم حصرًا من رجال الصوفية في تلك الآونة، مرحلة البناء والانطلاق.

وكان عثمان نفسه هو المظهر العملي لتطبيق هذه الوصية التي كانت امتدادًا لمنهجه في التفكير والحكم والفتوحات؛ إذ عاش الأمير عثمان حياة الزهد والبساطة، وكان مصدر دخله من عائد إنتاج أغنامه الخاصة؛ إذ لم يفرض ضريبة في رسوم يحصلها من الرعية كأمير.

ويقول البروفيسور خليل إينالجيك: إن عثمان أصبح غازيًا بإرشاد من الشيخ أدب عالي، وثمة احتمال كبير بأن يكون هذا «رئيس أخوية»، وقد قلده سيف الجهاد – وهذا تقليد الأخويات* – ثم بدأ ينطلق في حملاته.

ويذكر المؤرخ التركي شهسوار أوغلو اتفاق المصادر جميعها على أن الغازي عثمان كان قنوعًا جدًا ومعطاءً، وكانت له مائدة يمدها في منزله يوميًا وقت العصر، يأكل منها جميع الحاضرين دون تمييز بين غني وفقير، أو بين مسلم ومسيحي. كما يصفه أيضًا بأنه لم يكن يرتدي ثيابه مرتين، فإذا نظر أحدهم إلى لباسه بانتباه، خلعه عثمان فورًا ووهبه إياه، وكان يكسو العراة، ويتصدق على الأرامل بشكل خاص.

كما يذكر عاشق باشا في تاريخه قائمة (تركة) الأمير عثمان الغازي، فنجدها أصدق تعبيرًا عن بساطته وزهده، وهي: ثوب واحد، خُرج يعلق على جانب فرسه، وعاء للملح، زوج من الأحذية طويل الساق، حمالة ملعقة خشبية**، درع للحصان، سيف، كنانة، رمح، وثلاثة أغنام يعلفها من أجل إكرام الضيوف… أو كما قال حاجي خليفة: «… ولم يترك من المال شيئاً»[7].

وهكذا نرى كل ممتلكاته كانت أدوات جهاد، ووسائل إكرام ضيوف، ومتاع قليل من حياة المتصوفة الزهاد الذين كانوا معلميه ومستشاريه طوال حياته، أمثال: المولى أده بالي، المولى طورسون فقيه، المولى خطاب من أبي القاسم القره حصاري، الشيخ العارف بالله مخلص بابا، الشيخ العارف بالله عاشق باشا، الشيخ علوان جلبي، الشيخ العارف بالله آخي حسن، وكلهم من المتصوفين الزهاد، وأصحاب التصانيف العلمية، والمصاحبين لعثمان في تدبير أمور الإمارة والمشاركين في الفتوحات [8].


أورخان مُشعل القناديل

ويجيء أورخان ابن عثمان ليكون أول منفذ للوصية بشأن العلماء ورجال الدين، ويشهد له في ذلك المؤرخ الرومي هالكو كونديليس فيقول: «كان أورخان الغازي شديد اللياقة وكريمًا؛ لاسيما مع جنوده ومع الفقراء، وأهل الفن».

ويكمل المؤرخ العثماني نشري شهادته حول شخصية أورخان وأخلاقه، فيقول: كان محبًا للعلماء ولحفاظ القرآن، وقد خصص لهم «أُلفة»، وهي رواتب توزع عليهم بشكل منتظم.

السلطان العثماني أورخان بن عثمان

أما يحيى أفندي بستان زاده صاحب «التاريخ الصافي» أو «تحفة الأحباب» فنراه يقترب أكثر من الجوانب الصوفية في أورخان غازي، فيصف أولاً قبعته التي صنعت من الوبر والصوف، ويلفها بقماش أبيض تشبهًا وتقليدًا لمولانا جلال الدين الرومي، مع حرصه على صيام أيام الاثنين والخميس، ثم الطواف على قناديل الجوامع ليشعلها بنفسه، وكان أكثر ما يسعده هو أن يقوم بنفسه بتوزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين بنفسه أيضًا.

كذلك يفعل حفيده السلطان محمد جلبي (محمد الأول) كما يروي المؤرخ نفسه: لكثرة هوسه بعمل الخير، كان يأمر بطهي الطعم من ماله الخاص مساء كل جمعة، ويوزعه بنفسه على الفقراء، وكم أسعد اليتامى والمساكين إحسانه غير المحدود [9].


خداوندكار رئيس أخوية***

يرى بعض المؤرخين أن لقب خداوندكار (مراد الله – مشيئة الله) لُقِّب به السلطان مراد الأول لأنه كان شديد الحب لمولانا جلال الدين الرومي.

ويصف أحد المؤرخين الغربيين بأنه «حاكم خيِّر» رمزًا للاستقامة، يواظب على شعائره الدينية بانتظام، كثير المجالسة والمحاورة للمتصوفة ورجال الدين.

أما المؤرخ التركي أوزون جارشلي فيصف مراد الأول بأنه كان رئيس أخوية، وأنه كان يتمنطق بالحزام الذي لفه الأخية على وسطه؛ بل إنه لم يحتفظ لنفسه بالهدايا الثرية التي حصل عليها بمناسبة زواج ابنه بايزيد من ابنة أمير كرميان [11].


السلطان الحكيم

كان لقب «السلطان الحكيم» هو أحد الألقاب التي حازها مراد الثاني، مع لقبه الفني والشعري «مرادي»، ومع لقب آخر هو «أبو الخير»، ولعل في هذه الألقاب وأسباب إطلاقها توضيحًا لشخصيته، والتي سوف تزداد استغرابًا منها عندما نعرف أنه والد محمد الفاتح، وأنه وقع بيده وثيقة تنازله عن العرش لولي عهده ليقضي هو بقية عمره في خلوته بعيدًا عن العاصمة والحكم، متعبدًا متبتلاً.

السلطان العثماني مراد الثاني

كان قريب الصلة من المتصوف الشهير حاجي بيرام ولي؛ بل كان سببًا مباشرًا في انتشار الطريقة البيرامية جنبًا إلى جنب مع الطريقة الزينية*4، عندما أعفى الدراويش من أي ضريبة، وسوف تستمر هذه العلاقة مع البيرامية، وتنتقل من الأب إلى الابن محمد الثاني، ليكون مربيه ومرشده هو تلميذ حاجي بيرام (الشيخ آق شمس الدين)، وليكون أيضًا رفيقه في فتح القسطنطينية.


بايزيد الثاني: السلطان الصوفي

يذكر المؤرخ التركي المعاصر مصطفى أرمغان أن هناك شبه إجماع على أن السلطان بايزيد الثاني كان أكثر السلاطين العثمانيين تدينًا، حتى أنه عندما أراد افتتاح جامع بايزيد الذي بناه، قال: ليفتتحه من لم يقطع الصلاة مع سُنَّتِها طوال حياته، وليكن هو إمامنا في أول صلاة جمعة، وعندها لم يتقدم أحد للإمامة، عندها تقدم السلطان نفسه للإمامة؛ لأنه كان الوحيد الذي حافظ على صلواته بسننها منذ طفولته [13].

السلطان العثماني بايزيد الثاني

أما لقبه «الصوفي» فيبدو أنه أطلق عليه لأنه هو الذي شجع على نقل مراكز الطرق الصوفية والتكايا الكبرى والزوايا إلى العاصمة إستانبول. أو لأنه كان للسلم أكثر منه للحرب، محبًا للعلوم الأدبية مشتغلًا بها [14].

ولنقرأ الأبيات التالية المتبادلة بينه وبين شقيقه الهارب «جِم»؛ حيث أرسل إليه شقيقه «جم سلطان» من الغربة بين شعر معبر عن حاله ومشاعره يقول:

لماذا تنام بالورد هانئاً مع الأسرة

وأنام على الرماد في وضع مهين؟!

فرد عليه بايزيد الثاني أيضًا ببيت من الشعر يقول:

لأن الدولة نصيبنا من يوم الأزل

لماذا لا تطأطئ برأسك للقدر؟

حظيت بلقب «حاج الحرمين»

فلماذا تسأل عن سلطنة دنيوية؟!

لعل أبرز ما يعنينا في هذه الأبيات هي أن بايزيد يعتبر حظ أخيه الهارب الأسير «جم» أوفر حظًا منه، وهو السلطان، فقط لأنه نال شرف الحج وزيارة المشاعر المقدسة في مكة والمدينة، وهو ما حُرم منه معظم سلاطين آل عثمان*5.


السلطان المجذوب

قال شيخ الإسلام يحيى أفندي عن السلطان مصطفى الأول: «السلطان مصطفى مجذوب لله، وهو سلطان درويش، ولإهماله شئون الدنيا خبا بريق نجم الدولة». وتذكر بعض المراجع عنه أنه كان مريضًا عقليًا، وكذلك أنه مجنون، لكن كيف ذلك وهو قد أُجلس على العرش مرتين؟!

السلطان العثماني مصطفى

كل ما في الأمر أنه كان مجذوبًا على طريقة الدراويش السالكين، لا يأبه لأمر الدنيا، وربما لا يدري بها في أحيان جذبته، حتى أن المؤرخ العثماني نعيما يقول عنه، إنه ترك تاجه وعرشه ولحق بالدراويش.

وقد اشتهر بين الناس بلقب «الولي»، وقيل، إنه كان منتسبًا إلى «الطريقة الخلوتية»*6. مات السلطان مصطفى دون أن يتزوج، ولم يسمح للنساء أبدًا بالاقتراب منه طوال حياته.


السلطان الولي

يقول أحمد جودت باشا في «تاريخ جودت» عن السلطان عبدالحميد الأول: مثلما كان السلطان بايزيد وليًا في أعين الناس، كذلك كان الجميع يعتبرون السلطان عبدالحميد خان وليًا، كبار السن الذين عاصروه يرددون حكايات كراماته.

السلطان العثماني عبد الحميد الأول

كان كثير التردد إلى الجوامع، متدين، شديد الحرص على أداء الصلاة في جماعة، شغوفًا بالعلم، وأكثر السلاطين بذلاً لأعمال الخير، شديد الحب والتعلق بالآثار النبوية، شديد الشغف بحب النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد كتب في مدحه (صلى الله عليه وسلم)، قصيدة بالعربية كتب لها الخلود حتى يومنا هذا، حيث يصف أيوب صبري باشا تفاصيل النقوش واللوحات المكتوبة على جدران الحجرة النبوية الشريفة فيقول: كتب بخط قديم جلي فوق جهاتها العليا دائرًا ما دار القصيدة البليغة الآتية:

يَا سيِّدي يا رســولَ الله خُذْ بيدِي :: ما لي سِواكَ ولا أَلْـــوي على أحدِ فأنتَ نورُ الهدى في كلِّ كائنة :: وأنتَ سرُّ الندى يا خيـــرَ معتمــدِ
وختامها:
فمدحُهُ لم يزلْ دأبي مَدَى عُمُري :: وَحُبُّهُ عندَ ربِّ العرشِ مســــتَنَدي عليهِ أزكــى صـلاةٍ لم تـزلْ أبدًا :: معَ الســلامِ بلا حصرٍ ولا عـــدَدِ والآلِ والصحبِ أهلِ المجدِ قاطبةً :: وتـابعيهمْ بإحســـانٍ إلى الأبــــدِ[17]

السلطان المطرود من التكية!

رغم أن عهد التنظيمات والإصلاحات على النهج الغربي بدأ رسميًا وفعليًا في عهد السلطان محمود الثاني، ورغم أن العامة أطلقوا عليه لقب «السلطان الكافر»؛ لأنه أصدر فرمانًا يلزم رجال الدولة وكل العاملين المدنيين فيها بوضع الطربوش على رؤوسهم مثل الأوروبيين؛ فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أعماله الخيرية الكثيرة في الحرمين الشريفين، وأشعاره الرائعة في المدائح النبوية، ولوحات خطه البديعة المزينة بالآيات والأحاديث، وعلاوة على ذلك انتسابه للطريقة «الجراحية»*7، وتردده الدائم على مجالس الطريقة المولوية، وأخيرًا هذا الموقف الذي تعرض له السلطان في إحدى التكايا.

السلطان العثماني محمود الثاني

كان السلطان محمود يتردد إلى التكية بين الحين والآخر، ويقدم إحسانًا للدراويش بعد انتهاء الذكر، لم يكن الشيخ علي أفندي نطقي يصوّب تصرف السلطان هذا، ولكنه لم يجرؤ على القول بشكل مباشر: «لا تعط الدراويش نقودًا، ولا تحسن إليهم» فهذا سيكون مخالفًا لقواعد اللياقة. من جهة أخرى، لم يرد أن يعتاد الدراويش على إحسان السلطان.

أتى السلطان محمود ذات يوم إلى التكية، وبعد الذكر انخرط في الحديث مع الشيخ علي نطقي في غرفته، وحين سنحت الفرصة قال له: شيخي، هل تأمرني بشيء؟

قال الشيخ: أستغفر الله، لا شيء.

ألح السلطان: فلتأمرني بشيء يا عزيزي لأفعله.

لم يستطع الشيخ الكبير أن يحتمل، فقال: هناك شيء، ولكنكم لا تستطيعون فعله.

استغرب السلطان محمود من هذا الجواب خاصة أنه مغرور، وقال مظهرًا توتره: كيف هذا؟! قولوا لأفعله.

حينئذ نهض الأفندي الشيخ وأجاب: إذًا لا تأتوا إلى هذه التكية مرة أخرى.

سأل السلطان وهو مندهش: هل تطردني من باب أولياء الله؟

فكان جواب الشيخ: إذا أردتم أن تأتوا إلى هنا باعتباركم محمود أفندي، فتعالوا. ولكن، إذا كنت ستأتون إلى هنا باعتباركم السلطان محمود الذي أحسن للدراويش، وحولتم قلوبهم من الله إلى كيسكم، فلا تأتوا [19].


السلطان التائب

السلطان محمود الثاني

بالطبع لم يكن سلاطين آل عثمان على وتيرة واحدة من السمات والأخلاق والتدين؛ بل كان منهم أمثال السلطان سليم الثاني ابن سليمان القانوني؛ إذ يقول عنه المؤرخ العثماني منجم باشي: «كان قد فوَّض الأمور كلها إلى وزيره وصهره محمد باشا [صوقللو] ولم يكدر خاطره بأشغال السلطنة، ولم ينغص عيشه بتوجيه الخاطر إلى صوبها، ولم يترك مباشرته مع الظرفاء ومنادمته مع الندماء، في مدة سلطنته لا ليلاً ولا نهارًا، ولا صيفًا ولا شتاءً»[20].

السلطان العثماني سليم الثاني

لكنه على الجانب الآخر من حياته ومن شخصيته، كان كما شهد له المؤرخ العثماني جنابي: «وقد سمعت غير واحد ممن كان في خدمته أنه ما أخَّر صلاة عن وقتها لا حضرًا ولا سفرًا، وكان كثير التلاوة للقرآن، والبكاء والتضرع إلى الله تعالى في خلواته، متأسفًا على فرطاته، مذعنًا للشرع، محبًا للجهاد، ويكفيه ما أزاح عن المسلمين من كان ينالهم في سفر البحر في متجرهم وذهابهم إلى الحج ومجيئهم من أذى كفرة جزيرة قبرص»[21].

وأخيرًا…

كانت تلك بعض اللقطات من صور غير معروفة عن الحياة الشخصية للسلاطين العثمانيين، وبعض لمحات خفية من سيرته ومسيرتهم، وهي بالطبع تثير شهية القراء وشغف المتابعين، لكن الأهم من ذلك أن تثير أفكار الباحثين للتنقيب في أدق تفاصيل الحياة الشخصية لأولي الأمر، والتي تنعكس حتمًا على الكثير من صفاتهم وسلوكهم وقراراتهم، بما يؤثر بشكل كبير على حياة الشعوب؛ بل مسيرة ومصير التاريخ.


* التمنطق بالمئزر (يشتمال قوانمق) أحد المراسم الرئيسية في احتفالات التهاني لدى جماعة «الأخية» حاليًا هو دليل على أن عملية لبس السروال (شالْوَار كيمه) وربط الشّدَّة (شدّه باغلامه) من شروط الفتوة قد تحولت إلى مراسم تقام لمن بلغوا في الحرفة مرتبة الأستاذية .انظر: أكمل الدين أوغلي، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، 1/723.** من المعروف أن الملاعق الخشبية كانت إحدى الأسلحة التي يستخدمها المحارب العثماني، بالإضافة إلى كونها من أدوات الطعام.*** تشكيلات الأخوة (آخي تشكيلاتي): وتشكيلات الأخوة هذه هي تشكيلات الفتوة السابقة التي طورها الأتراك ونشروها في الأناضول خاصة، فبعد الاستيلاء المغولي، وبسبب بعض حركات العصيان الداخلية انفرط عقد الوحدة بين المسلمين الأتراك، وخيّم قلق كبير على الشعب، فظهر زعماء روحيون قاموا بلمِّ الشمل، ونشر المحبة والإخاء بين الناس، كان في مقدمتهم مولانا جلال الدين الرومي، والشاعر المتصوف يونس أمره، وآخي أوران. وقام آخي أوران باستخدام الزوايا والتكايا كمؤسسات في هذه المهمة، وفي سبيل تأسيس المحبة بين الحرفيين والمهنيين، وكذلك بين الناس؛ كان الأتراك المسلمون يجمعون الشباب من أصحاب الحرف والمهن، ويعينون على رأسهم رئيسًا. وكانوا يطلقون لقب «آخي» على هؤلاء الرؤساء، كما أطلقوا على مثل هذه الجمعية اسم «الفتوة»، كما كان اسمها في السابق . انظر: أحمد آق كوندوز، الدولة العثمانية المجهولة، ص56-57.*4 الطريقة الزينية: أقامها الصوفي الشهير زين الدين الحافي (ت 1435م) الذي يوجد ضريحه في هرات، وهي طريقة كشفت عن قوتها في الأراضي العثمانية في القرن الخامس عشر، وراحت تنتشر على ثلاثة أفرع. وكان من أقوى ممثليها عبد اللطيف القدسي – أو المقدسي– الذي وفد على الأناضول من خراسان، ثم استقر في بورصة. وكان يوجد مثله تمامًا رجلان آخران من مريدي زين الدين الحافي قاما بنشر الطريقة الزينية في الأناضول، واستقر أحدهما (وهو الشيخ عبد الرحيم) في مرزيفون. أما الثاني (وهو بير إلياس) فقد استقر في أماسيا، وأقام كلاهما علاقات صداقة مع السلطان مراد الثاني. ولم تتهيأ الظروف لنمو الطريق الزينية وتطورها، فعلى الرغم من أنها استطاعت النفوذ إلى إستانبول على أيام السلطان محمد الفاتح على يدي الشيخ وفا خليفة الشيخ عبداللطيف القدسي؛ إلا أنها ضعفت بعد وفاته وانقرضت . انظر: أكمل الدين أوغلي، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، 2/182.*5 هذا الموضوع مثار جدل كبير، ويستحق المزيد من البحث.*6 الطريقة الخلوتية: هي الطريقة التي أسسها الشيخ عمر أكمل الدين الخلوتي المعروف بمحمد الخلوتي، وفروعها: الكلشنية الخلوتية، المرداشية الخلوتية، البخشية الخلوتية الشعبانية، الشمسية، الأحمدية، الجمالية الخلوتية، البخشية الخلوتية، العسالية الخلوتية . وهي طريقة صوفية تركية، وترجع بالسند إلى الجنيد البغدادي، ومن سلسلة رجالها: السيد يحيى الشيرواني، الشيخ صدر الدين الخياري، حاجي عز الدين، الشيخ أخي أمير محمد، وقد انتشرت هذه الطريقة في مصر في القرنين 12 – 13هـ /18 – 19م، وتنسب في مصر إلى الشيخ مصطفى كمال الدين البكري المتوفى سنة 1162هـ/1749م.انظر: أحمد صدقي شقيرات، مؤسسة شيوخ الإسلام، 1/251.*4 الطريقة الجراحية: وهي الطريقة التي أسسها نور الدين الجراحي، وليس لها فروع. ومن شيوخها: الشيخ علي كوستانديلي، ولا تتوفر عنها الكثير من المعلومات.انظر، أحمد صدقي شقيرات: مؤسسة شيوخ الإسلام، 1/253.
المراجع
  1. للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع المثير، راجع مؤلفات الدكتور محمد م. الأرناؤوط.
  2. القرماني: أخبار الدول وآثار الأول، جـ3، ص8.
  3. محمد حرب: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص12.
  4. محمد حرب: العثمانيون، ص12–13.
  5. حاجي خليفة: فذلكة التواريخ، ص137.
  6. انظر تراجم هؤلاء العلماء والمشايخ في: طاشكبري زاده، الشقائق النعمانية، ص6-8.
  7. نقلا عن: مصطفى أرمغان، التاريخ السري للإمبراطورية العثمانية، ص22، ص34.
  8. İsmail Hakkı Uzunçarşılı, Osmanlı Devleti Teşkilâtında Kapukulu Ocakları. Cilt 1. Acemi Ocağı ve Yeniçeri Ocağı, Ankara: Türk Tarih Kurumu 1988 .
  9. مصطفى أرمغان: التاريخ السري، ص52.
  10. محمد فريد بك: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص180.
  11. أيوب صبري باشا: موسوعة مرآة الحرمين الشريفين، جـ3، ص364-366.
  12. رسوخي بايقارا، طرائف غير معروفة عن خمسة سلاطين، نقلا عن: مصطفى أرمغان، ص174-175.
  13. منجم باشي: جامع الدول، ص815.
  14. أحمد بن محمد ابن الملا: المنتخب من تاريخ جنابي، ص203.