التحميل عن طريق التورنت؛ تلك التقنية سيئة السمعة التي شاع استخدامها لتحميل المواد المقرصنة من أفلام وموسيقى وبرامج وألعاب، والحل السحري لتجاوز جشع أصحاب حقوق الملكية الذين يغالون في أسعار موادهم، فلا يستطيع المستخدمون اقتناءها بشكل قانوني، فينتقمون باستخدام نسخ مقرصنة (مسروقة) منها عن طريق تحميلها مجانًا من مواقع التورنت.

وتطور الأمر إلى أن تحولت ثقافة استخدام المواد المقرصنة حقًا مكتسبًا للمستخدم، سواء أكانت الأسعار في المتناول أم لا، فالمواد متاحة مجانًا أونلاين حتى ولو كان هذا بالرغم عن إرادة صانعها، حتى لو تسبب ذلك في خسائر ربما تجعله يتوقف عما يفعله بلا رجعة!

فهو يدفع أموالًا من جيبه، ويبذل مجهودًا ووقتًا من عمره، ويطور من قدراته لكي يقدم الأفضل، وفي النهاية يأتي المستخدم ليستحل استخدام المادة المعروضة وكأنها هبة من السماء، كأن لم يكن وراءها شخص (أو أشخاص) يستحق أن «نؤتيه حقه قبل أن يجف عرقه» مثله مثل أي صاحب مهنة أو حرفة أخرى.

ضع نفسك مكان صاحب المادة، الأمر مثير للاشمئزاز، أليس كذلك؟

بدأت الكثير من الدول الأجنبية منذ سنوات عديدة التوعيةبحقوق الملكية الفكرية لأصحاب المواد المعروضة على الويب وسن القوانين الرادعة لحمايتها، وقامت حكوماتها بملاحقة القراصنة والمستخدمين – على حد سواء – الذين يستحلون استخدام المواد المسروقة بدون وجه حق، وتعاونت مع مزودي الإنترنت في معرفة عناوين أجهزة هؤلاء الخارجين عن القانون والإمساك بهم، لذلك كان على هؤلاء محاولة التخفي لكي يستمر نشاطهم غير القانوني بأمان، وهنا جاء دور التورنت.


ما ذنب التورنت؟

لماذا تُعتبر تقنية التورنت هي المفضلة والأكثر شيوعًا لتبادل الملفات بين عارضي ومُقتني المواد المقرصنة؟ المثير للسخرية في هذا الصدد أن أهم مزايا تلك التقنية والتي تجعلها تتفوق على طرق التحميل الأخرى هي نفسها الأسباب التي ركن إليها القراصنة لجعل الأمر أكثر صعوبة على أصحاب الحقوق في ملاحقتهم.

ولكي نتعرف على تلك المزايا، علينا أولًا أن نعرف طريقة عمل التورنت بالضبط.


ما هو التورنت Torrent؟

بروتوكول تبادل الملفات Bit Torrent المعروف باسم «تورنت» ابتُكِر على يد «برام كوهين» خريج كلية علوم الحاسبات بجامعة بفالو – نيويورك، وهو يعتمد على بروتوكول «Peer-to-Peer» أو النِد للنِد (P2P)، وتقوم فكرته على توزيع مهمة تبادل الملفات بين جميع مستخدمي الشبكة.

ذلك على عكس التحميل المباشر أو الروابط المباشرة Direct Download Link اختصارًا (DDL) التي تعتمد على بروتوكول Client-Server الذي يقوم على وجود الملف الأصلي على جهاز قوي متصل بسرعة إنترنت خارقة يسمى الخادم (Server)، ويمكن للمستخدمين (Clients) تحميل نسخ من هذا الملف على أجهزتهم كل على حدة؛ أي أن المستخدمين ليس لهم علاقة ببعضهم، علاقتهم ترتبط فقط بالجهاز الرئيسي «الخادم».


كيف يعمل التورنت؟

فلنتخيل أن لديك ملفًا ما تريد مشاركته مع عدد كبير من المستخدمين، عندما تبدأ في إتاحته عن طريق التورنت ليقوم الآخرون بتحميله سيحدث التالي:

حين يقوم أول مستخدم بالبدء بتحميل الملف، سيعتمد الأمر في البداية على أقصى أقل سرعة بين الطرفين. لا، لم يكن هذا خطأً كتابيًا، فأنت – مالك الملف – ستشارك الملف حسب سرعة الرفع Upload المتاحة لخطك، والمستخدم سيحمل الملف حسب سرعة التحميل Download المتاحة لخطه.

وبما أنك تعلم أن القافلة تسير على قدر احتمال أضعفها، فإن عملية التحميل ستتم بالسرعة الأقل فيهما، فإن كانت سرعة الرفع لديك أقل من سرعة التحميل لديه سيتم التحميل بأقصى سرعة رفع يتحملها خطك، وإن كانت سرعة التحميل لديه أقل من سرعة الرفع لديك سيتم التحميل بأقصى سرعة تحميل يتحملها خطه، لذلك تكون البداية دائمًا بطيئة.

ولكن يبدأ الاختلاف والقوة بدخول مستخدمين أكثر للتحميل، لأن الملف المحمل عن طريق التورنت يتم تجزئته إلى أجزاء صغيرة Chunks/Pieces يصل عددها إلى مئات آلاف الأجزاء وأكثر حسب حجم الملف! وتتم المشاركة بين المستخدمين جميعًا، فعندما يدخل مستخدم ثانٍ يبدأ التحميل منك ومن الأجزاء التي حملها المستخدم الأول كذلك لأنه يصبح مالكًا آخر لها، وعندما يحمل المستخدم الثاني أجزاء لم يحملها المستخدم الأول بعد، يمكن للمستخدم الأول ساعتها التحميل منك ومن المستخدم الثاني أيضًا الذي يتحول إلى مالك جديد، فتجد أن سرعة التحميل تبدأ في الزيادة لكل المشاركين في التحميل.

ويستمر هذا التصاعد كلما دخل مستخدمون أكثر في عملية التحميل، ليصل الأمر إلى أن يحمّل كل مستخدم الملف بأقصى سرعة تحميل لديه، ويكون الملف موزعًا بينهم جميعًا، وهنا يجب أن تعلم الأسماء التقنية للمشاركين في عملية التحميل:

1. Seeds: وهم من انتهوا من تحميل الملف كاملًا وأصبحوا مُلاكًا جدد له، ويستمرون برفع الملف للمستخدمين الآخرين الذين لا يزالون يقومون بتحميله.

2. Peers: وهم الأشخاص الذين لا يزالون يحملون الملف، ويقومون بمشاركة الأجزاء التي حملوها مع الآخرين.

3. Leechers: وهم المغضوب عليهم من مجتمع التورنت، أولئك الأشخاص الأنانيون الذين ينتهون من تحميل الملف كاملًا ثم يقطعون الاتصال عنه لكي لا يستمرون بالمشاركة في عملية رفع الملف للمستخدمين الآخرين، أو أيضًا هم الذين يقللون سرعة الرفع لأقصى درجة لديهم أثناء عملية التبادل.


أركان التحميل عن طريق التورنت

لكي تتم عملية التحميل عن طريق التورنت لابد من توافر هذه الأركان:

1. الملف الأصلي: وهو الملف المراد تحميله ويقوم صاحبه بإتاحته للمستخدمين عن طريق الثلاث نقاط التالية:

2. برنامج التورنت Torrent Client: وهو برنامج/تطبيق لتحميل ورفع الملفات عن طريق التورنت، وهناك عدد لا بأس به منهم تستطيع استخدامهم مثل BitComet و μTorrent (مايكرو تورنت الذي يطلق عليه بالخطأ U Torrent).

3.ملف التورنت أو الرابط المغناطيسي Magnet Link: تبدأ عملية تحميل الملف المراد عن طريق فتح ملف التورنت الذي ينتهي بامتداد .torrent أو الرابط المغناطيسي من خلال برنامج التورنت، ملف التورنت – أو الرابط – يحتوي على معلومات عن مكان الملف المراد تحميله على جهاز المالك، وبعض المعلومات الأخرى كالحجم وعدد الأجزاء والمتتبعات.

4.المتتبعات Trackers: وهي عبارة عن خوادم لها مهمة واحدة فقط؛ تعريف المستخدمين وإيصالهم ببعضهم ليتمكنوا من التحميل والرفع بالتبادل بينهم عن طريق معرفة الأجزاء التي قام كل مستخدم بتحميلها والأجزاء التي لم يحملها بعد.

5. المستخدمون: سواء أكانوا Seeds أو Peers، فلابد من وجودهم وإلا سيموت التحميل.


خواص التحميل عن طريق التورنت

تختلف تقنية التورنت تمامًا عن تقنية التحميل المباشر كما رأينا، وهذا ما جعلها تتمتع بخواص عدة تتفوق بها على غريمتها، لذلك فلنوضح بعضًا من تلك الخواص.

كلنا مالكون … كلنا مشاركون

هذه الخاصية والتي هي أساس بروتوكول P2P لمشاركة الملفات تقدم مميزات هامة للمستخدم، ولكنها تحمل سلبيات أيضًا:

المميزات:

1. لا يوجد ضغط على جهاز واحد فقط (خادم) يتم التحميل منه، لذلك لا يوجد تأثر بسرعة الإنترنت في حالة وصول الخادم لسعة الإنترنت الكاملة Bandwith الذي يترتب عليه سرعة تحميل أبطأ للمستخدمين.

2. لا يوجد خادم واحد إن انقطع عنه الإنترنت أو تم غلقه أو أصابه التلف فلا يمكن تحميل الملف، بل الملف منتشر بين العديد من المالكين البدلاء.

العيوب:

1. تلك هي الميزة الأساسية التي يعتمد عليها القراصنة في نشر المواد المسروقة، حيث لا يكون هناك مالك واحد للمحتويات المقرصنة يمكن إيقافه، بل هم أعداد كبيرة للغاية من المستخدمين من كل أنحاء العالم، وبالرغم من ذلك تحاول الحكومات بأقصى ما في وسعها لملاحقة كل المشاركين في تلك العملية غير القانونية، ولكن هيهات، العدد كبير ولا يمكن الإمساك بكل هؤلاء، وخصوصًا في حالة استخدامهم لشبكة خاصة افتراضية VPN، فسيكون الأمر عسيرًا للغاية.

2. لابد من وجود عدد كافٍ من الـ Seeds والـ Peers ليظل الملف قائمًا ويتم تحميله بسرعة مُرضية، أما في حالة وجود شخص أو اثنين فقط يشاركون الملف يتحول الأمر للعنة! ففي إحدى المرات قمت بتحميل مجلد بحجم 30 جيجابايت ولم يكن هناك سوى شخص واحد فقط يشاركه معي، هل تعلم كم أخذت من الوقت لكي أتم تحميله؟ شهر! شهر كامل تعتمد العملية فيه على سرعة الرفع عند هذا الشخص – والتي كانت بطيئة للغاية – وكذلك توافق مواعيد تواجدي وتواجده في نفس الوقت ليتم التحميل.

مَلِك الملفات الضخمة

عندما تريد تحميل ملف ذي سعة ضخمة فإن الحل الأفضل دائمًا هو تحميله عن طريق التورنت، ذلك لأن الروابط المباشرة أغلبها لا يدعم استكمال التحميل في حالة انقطاع الإنترنت لأي سبب في أي لحظة، وإن كنت مشتركًا في خدمة مدفوعة تدعم الاستكمال فلابد من أن يظل جهازك يعمل حتى يتم التحميل بنجاح.

وفي حالة الملفات الضخمة ربما تحتاج إلى ساعات كثيرة وربما أيام لإتمام التحميل، لذلك سيكون ضروريًا عدم إطفاء الجهاز كل هذا الوقت مما يضر به ويقلل من عمر مكوناته الافتراضي، بينما من خلال التحميل عن طريق التورنت يمكنك إطفاء الجهاز في أي وقت والعودة للتحميل مجددًا في وقت لاحق بدون أن تخشى شيئًا وهذا بفضل تقسيم الملف إلى أجزاء صغيرة جدًا.

أنا المُتحكم

في عالم التورنت يكون لديك تحكم أكبر بكثير في كل شيء تقريبًا، حيث يمكنك التحكم بسرعة كل تحميل تقوم به وسرعة رفع كل ملف أو سرعة التحميل والرفع للعمليات كلها مجتمعة! فلا تجعل التحميل والرفع يستهلكان سرعة الإنترنت كاملة إذا ما احتجت القيام بمهام أخرى على الويب.

بالإضافة إلى تحكمك في حالة الجهاز، فإن اضطررت لتركه يعمل حتى يتم التحميل وذهبت في مشوار للخارج أو لتنام، فسيمكنك ضبط برنامج التورنت على غلق الجهاز حالما تنتهي عملية تحميل أو كل التحميلات، أو جعل الجهاز يقوم بإعادة تشغيل نفسه أو الدخول في وضع Sleep أو Hibernate، أو مجرد غلق التطبيق تلقائيًا لا أكثر. كما يمكنك ضبط البرنامج لإغلاق جهازك في موعد تحدده بنفسك بالساعة والدقيقة.

وستلاحظ أيضًا بأنه يمكنك التحكم في العمل من خلال بروكسي Proxy من داخل البرنامج، والتحكم في حجم ذاكرة الكاش Cache المستخدمة منه، وعمل كلمة مرور لفتح البرنامج من خلالك فقط، وأشياء أخرى كثيرة تتباين بين كل برنامج وآخر.


برامج ومواقع تورنت قانونية

كما قلنا، فإن أحد أعمدة تحميل التورنت الأساسية هي البرامج، وهناك عدد لا بأس به منهم يمكنك الاختيار بينهم كما تشاء، وإليك بعض الاقتراحات لأفضل برامج التورنت لهذا العام بناءً على تقييم موقع Techradar التقني الشهير.

ونعم كما قرأت في عنوان الفقرة، هناك مواقع تورنت قانونية – ياللعجب! – وليست كلها مواقع تروج لمحتوى مقرصن، فإن وودت تصفح وتحميل مواد محفوظة الحقوق ومتاح استعمالها للعامة عن طريق التورنت، يمكنك الإبحار في هذه القائمة من المواقع:

1.Public Domain Torrents

2.Internet Archive

3.Legit Torrents

4.Vuze StudioHD Network

5.Bitlove

6.Linux Tracker

7.Jamendo

8.Vodo

9.Miro Guide

10.Etree

11. Academic Torrents

التقنية التي ظلمها قراصنة الويب

تورنت, تحميل, داونلود, حقوق ملكية

كما رأينا، فإن التورنت ما هو إلا تقنية لتبادل الملفات لا أكثر ولا أقل، لها ما لها وعليها ما عليها، ومثلها مثل أي شيء آخر «سلاح ذو حدين» إما أن يتم استخدامه في الخير أو في الشر، فهي لا تحمل وزر تفضيل قراصنة المحتوى لها لمزاياها التي تقدمها، والحماية عن طريق توزيع مهمة التبادل بين جميع الأطراف.

لذلك لا تلومن التورنت وصحح مفهومك عنه، ولا تشجع القرصنة قدر استطاعتك، فهناك حلول بديلة كثيرة أصبحت متاحة الآن لاستخدامها بشكل شرعي سواء بأسعار مخفضة أو بشكل مجاني تمامًا، وذلك حتى لا تجبر أصحاب المشروعات والأفكار على هجر منتجاتهم التي تعرضهم للخسارة جراء تداولها غير القانوني، ولكي تصبح المنافسة الشريفة بين المنتجات المخفضة والمجانية وبين المنتجات عالية السعر هي المتحكم في تقليل الأسعار، وليست السرقة والقرصنة بدون وجه حق.