في الثامنة مساءً من يوم 29 أغسطس/آب 2016 ألقت قوات الشرطة القبض عليه من منزله، واستقبلت مشرحة زنهم جثته في الحادية عشر ونصف مساءً من نفس اليوم، ليكون أحمد مدحت، الطالب بالفرقة الخامسة بكلية الطب جامعة عين شمس، أحدث ضحايا الشرطة المصرية.


الرواية غير الرسمية

نعى محمد مدحت المكلوم الصدر أخاه في سطور معدودة على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، بعد أن تداول البعض خبر وفاة أحمد مدحت، حيث أوضح معارفه وزملائه أنه قد سبق وتم القبض عليه من منزله بتهمة التظاهر في 5 أغسطس/ آب 2015، ثم صدر عليه حكم غيابي بسنتين في فبراير/ شباط الماضى.

وقررت قوات تنفيذ الأحكام بالقبض على أحمد مدحت في يوم 29 أغسطس/ آب 2016، وهو ما نتج عنه وفاة الشاب في مدة لم تتجاوز الثلاث ساعات، لتكشف لنا قصة أحمد مدحت عن مأساوية وضع الشباب المصري حيث القبضة الأمنية التي لا يفلت منها سالم.

وجاء تقرير مشرحة زينهم يوضح أن سبب الوفاة كسر في الجمجة ونزيف من الجانب الأيسر ورغاوي من الفم، وهو ما لم يُرضٍ أبوه وقرر تحرير محضر بالواقعة، إلا أن نيابة حوادث شرق القاهرة رفضت بحجة عدم تصديق وجود شبهه جنائية بقتل ابنه بعد أن مات في خلال ثلاث ساعات من إلقاء القبض عليه.

أثارت قصة مقتل أحمد مدحت مشاعر الغضب والسخط تجاه الداخلية، وتحدث رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومعارفه عنه من خلال صفحات فيسبوك المختلفة. حيث يقول أحد جيرانه: «أحمد كان طالب شاطر، مؤدب، خلوق، هادي. متدين، مكانش إخوان ولا تبع أي تنظيم سياسي. كان كل اللي يعرفه يحبه. حلمه يكون دكتور شاطر ويعيش هادي، وبس. هييجو يقولولكم مره انه اتمسك في شقة دعارة ومرة إنه إرهابي ومره مش عارف ايه. ما تصدقوهمش. أحمد ملخص لقصة، حد كان عايز يعيش في البلد دي في ويحقق طموحه ودي كانت النهاية».

كما طالبت رابطة العاملين بالصحة بالتحقيق في ملابسات حادث وفاة أحمد مدحت ومحاسبة المسئولين عنها، وأضافت: «كرامة أحمد من كرامة كل طبيب و من كرامة كل مواطن مصري ودمه و غيره من شهداء وضحايا بلطجة الداخلية هو دين في رقبة كل طبيب وكل مواطن مصري شريف».

لم تكن قصة أحمد مدحت بالجديدة على الشباب المصري – خاصة – خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث اختفى الشباب قسريًا، عُذب آخرون وقُتل البعض خارج إطار القانون وللداخلية دائمًا أقوال أخرى.


للداخلية أقوال أخرى

وأشارت بعض المواقع الإلكترونية إلى إعارة الداخلية أمر أحمد مدحت اهتمامًا وصل إلى حد إصدار بيان تنفي فيه كل ما روته أسرته، حيث أفاد البيان حسب موقع يناير الإخباري الآتي: «لقي شخص مصرعه وأصيبت فتاة بكسور أثناء مداهمة نادٍ صحي يدار لممارسة الدعارة بدائرة قسم شرطة أول مدينة نصر. البداية عندما وردت معلومات لضباط مباحث آداب القاهرة تفيد قيام صاحب نادٍ صحي بدائرة قسم أول مدينة نصر بإدارة النادي للأعمال المنافية للآداب، واستقطاب النسوة الساقطات وعرضهن على راغبي المتعة المحرمة مقابل أجر مادي».

وأضافت: «على الفور تم إخطار اللواء عبد العزيز خضر، مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة، الذي أمر بسرعة القبض على المتهمين، وانتقلت مأمورية أمنية من ضباط مباحث آداب القاهرة وتمت مداهمة النادي، وقام أحد الأشخاص بالقفز من الطابق الثاني، مما أدى إلى مصرعه في الحال وقفزت فتاة وأصيبت بكسور وتم نقلها إلى المستشفى في حالة حرجة، تم تحرير المحضر اللازم بالواقعة، وتولت النيابة التحقيق».

حيث أعربت الداخلية عن عدم مسئوليتها عن موت أحمد مدحت، وأفادت أنه لقي مصرعه أثر قفزه من الطابق الثاني بعد مداهمة أحد النوادي الصحية بمدينة نصر، وهو الأمر الذى يخالف حقيقة قبض قوات تنفيذ الأحكام على أحمد مدحت الصادر بحقه حكم غيابي بالحبس عامين.

مما يظهر تضارب الأقاويل حول الرواية الرسمية لأسباب وفاة الشاب أحمد مدحت، حيث أفاد أخوه سابقًا أن الداخلية أخبرتهم بمحاولة هرب أحمد مدحت بعد القبض عليه وقفزه من البوكس، مما أفضى الى موته.

وفي كل الأحوال نحن أمام وفاة شاب جديد بعد أن أصبح بقبضة يد الداخلية المصرية، وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان قصصًا وجرائم ارتكبتها الداخلية في حق المحتجزين، فأحمد مدحت ليس الأول.


المعذبون في الأرض

التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم.
المادة 52 من الدستور المصري

أصدرت منظمة هيومن رايتس واتش في يناير 2015 تقرير بعنوان «مصرـ موجة من الوفيات أثناء الاحتجاز» عن حالات الوفيات التي شهدتها أقسام الشرطة المصرية، نتيجة لاكتظاظها بالمحتجزين بسبب الاعتقالات المتزايدة للمعارضة السياسية بمصر أو بسبب تعذيب المحتجزين حتى موتهم، وفي حالات كان الإهمال وسوء المعاملة سبب في الموت.

وذكر التقرير واقعة موت 37 محتجزًا بعربية ترحلات الشرطة بسجن أبو زعبل بعد إطلاق الشرطة عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع، بأغسطس 2013. كما قص التقرير حكايات 5 ممن توفوا أثناء احتجازهم، من بينهم الشاب أحمد إبراهيم، حيث لقي مصرعه بيونيو/ حزيران 2014 بقسم شرطة المطرية بعد أن تقدم والده بشكوى عن سوء ظروف الاحتجاز واعتبارها لا إنسانية إلى نقيب الشرطة المسئول عن القسم، وكانت النتيجة لكم النقيب للأب وموت الابن بعد أن تحدث مع أبيه لآخر مرة وقال له: «أبي، إنني أموت» في الواحدة صباحًا، وعندما ذهب الأب للاطمئنان على ابنه باليوم التالي أبلغته الشرطة بوفاة فلذة كبده.

شاهد الوالد بعينيه جثة ابنه بالمشرحة بها آثار للدماء وملطخة بالكدمات على الرأس والوجه، مما أثار شكوك تعدي الشرطة على نجله بالضرب وتقدم بشكوى للنيابة المحلية.

وأضافت ووتش قصة وفاة عبد الرحمن الرزاحي – القيادي بجماعة الإخوان – بسجن طرة بأكتوبر/ تشرين الأول 2013، بعد أن أصابه المرض وتدهورت حالته ورفضت سلطات السجن نقله إلى المستشفى. وقالت زوجته أن بالرغم من إصدار قرار بالافراج عن الرزاحي بسبب عدم وجود أدلة على إدانته، إلا أن القاضي أمر باحتجازه 45 يومًا بعد أن استأنفت النيابة على قرار الافراج، ولم يتم إجراء أي من الفحوصات الطبية اللازمة للزاحي حتى توفي بعد ثلاثة شهور فقط من سجنه.

كما ذكرت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي عن مصر لعام 2015/2016: «وكثيرًا ما كانت قوات الأمن تعتدي على المحتجزين بالضرب وقت القبض عليهم وعند نقلهم من أقسام الشرطة إلى السجون. وعلى مدار العام، وردت أنباء عن وقوع وفيات أثناء الاحتجاز نتيجة للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة وعدم توفر سبل الحصول على الرعاية الطبية الكافية».

وأضافت المنظمة في تقرير خاص عن وفيات المعتقلين المتكررة بأقسام الشرطة، 6 حالات لقوا مصرعهم بقسم المطرية وحده، خلال عامي 2014 و2015، كان من بينهم المحامي كريم مدحت، حيث لقي مصرعه بعد القبض عليه ب 48 ساعة بعد أن تعرض للتعذيب أثناء استجوابه، حيث أكد رئيس مصلحة الطب الشرعي لمنظمة العفو الدولية عن كسر أضلاعه وتعرضه للتعذيب. والجدير بالذكر أن صحيفة الوطن في تحقيق خاص بها أعلنت عن وفاة 8 محتجزين بنفس قسم الشرطة في عام 2014.

وفي قصة أخرى قريبة لما شهده أحمد مدحت، يبوح مقتل إسلام عطيتو بالتفاصيل والأحداث المشابهة حيث إلقاء القبض على طالب بعد تأدية امتحانه وبشهادة زملائه وأساتذة، ثم زعم الداخلية قتله بعد أن بادر عطيتو بإطلاق النار عليهم أثناء مداهمتهم لمكان اختبائه بأحد الدروب الصحراوية، وهو الأمر الذي استطاع تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير تكذيبه في تقريرها الاستقصائي الخاص حول قضية مقتل إسلام عطيتو.

عطيتو لم يكن الأول وأحمد مدحت لن يكون الأخير طالما بقي الوضع على ما هو عليه، وللقائمة باقية.

المراجع
  1. منظمة العفو الدولية: مصر 2015/2016
  2. مصر بعد ثلاث سنوات على ثورة يناير: استمرار القمع على نطاق واسع بلا هوادة
  3. مصر ـ موجة من الوفيات أثناء الاحتجاز
  4. مصر: وفيات المعتقلين المتكررة تشير إلى تفشي الانتهاكات في قسم شرطة المطرية بالقاهرة