عزيزتي الأم، أبناؤنا هم مشقة الحياة ولذتها، هم ثمرة حياتنا وكل ثمرات هذه الأرض نباتًا كانت أو إنسانًا تحتاج للرعاية كي تَنبت حُسنًا، هذه الثمرة الصغيرة، كيف نسمح لأنفسنا بتحويلها لكراسي ومناضد لا تهش ولا تنش!

هكذا تفعلين حين تحكمين من تلقاء نفسك أنتِ أو الأخصائية الاجتماعية في المدرسة على طفلك الطبيعي بقصور الانتباه وفرط الحركة لأنه (شقي ولا ينتبه لدروسه حتى أتعبنا)، وتلجأين جراء هذا للحل الدوائي أو المُعاملة الخاصة، هذه جريمة لا تُغتفر كتلك التي تفعلها مدارس كثيرة، انتشرت أخبارها حديثًا، بمنع بعض الأطفال من حضور فصولهم، دون تناولهم لأدوية تحد من نشاطهم، وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن، لذلك نصيح بأعلى صوت عله يصل لكل أبوين يبحثان عن الحل الجاهز لشقاوة طفلهما بتشخيص: (اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة ADHD)، والحقيقة: ليس كل طفل شقي لا يركز في دروسه سوى دقائق معدودة، أو كثير الحركة غير راسخ في مكانه، طفلا مصابا بفرط الحركة وقصور الانتباه.

نتعرف في هذا المقال على رأي علم النفس ورأي الطب، في مقال مُشترك مع د.محمد صلاح قاسم.


فرط الحركة وقصور الانتباه ADHD

ليسا مرضًا واحدًا، بل ينقسمان لشقين (قصور في الانتباه) و(فرط في الحركة)، ولا يعد تشخيص ركن واحد، كأن يكون طفلك (مُفرط في الحركة) إصابة لطفلك بالـ ADHD، فيجب توافر الركنين معًا بعلامات واضحة، مع الاعتبار أن أحدهما قد يغلب على الآخر، لكن يبقى الآخر موجودًا وحاضرًا وتتم ملاحظته بسهولة.

يقول د.محمد صلاح:

«يمثل فرط الحركة Hyperactivity أحد ركني تشخيص اضطرابٍ شهير لدى الأطفال، وهو اضطراب عجز التركيز وفرط الحركة ADHD = Attention Deficit Hyperactivity Disorder، وهو اضطراب يظهر غالبًا أثناء الطفولة المبكرة، وفيه يصعب على الطفل أن يركز فيما يفعل، أو أن يؤدي المهام المطلوبة كالواجب المدرسي مثلًا، ولا يطيق الجلوس، فيظل في حركة شبه مستمرة، وهذا سبب الاسم المتداول، فرط الحركة. وكان يسمى سابقًا ADD = Attention Deficit Disorder، أو اضطراب عجز التركيز. وهو يؤثر سلبًا على حياته ونشاطه ودراسته وعلاقاته، وكذلك على المحيطين به. وهو من أكثر الحالات تعرضًا إما لنقص التشخيص under-diagnosis أو الإفراط في رمي الأطفال به لمجرد بعض «الشقاوة» الزائدة!».


كيف أفرق بين الطفل الشقي الطبيعي والطفل المصاب بفرط الحركة وقصور الانتباه؟

– فرط نشاط طفلك وقصور انتباهه في (الفصل الدراسي) (فقط)، لا يعد ولا يعني نهائيا إصابته بالـ ADHD وحتى وإن كان غير قادر على الثبات أو تحصيل أي شيء من أي شيء، فلربما كانت المناهج مُملة، أو أسلوب شرح المَدرسة سيئا لا يتحمله الطبيعي أصلا كما هو الحال حولنا، وعليه يجب تشخيص فرط الحركة وقصور الانتباه في بيئتين متضادين على الأقل: (في الفصل وفي فناء اللعب، داخل المنزل وخارجه، أثناء الحديث مع الأشخاص وأثناء النشاط الاجتماعي الحركي المُشترك معهم مقربين كانوا وغرباءً)، فلا يعد (نشاط طفلك الزائد وقصور انتباهه)، في بيئة واحدة مرضًا بل عيبًا في هذه البيئة. ولا يعتبر نقص انتباه الطفل في المدرسة ونقص انتباه الطفل في المنزل أثناء أداء الواجبات المدرسية نقص انتباه في بيئتين مختلفتين، بل هو نقص انتباه في بيئة واحدة، بيئة (الدراسة)!

– الطفل لا يجلس أو يقف ثابتًا بل يكون دائمَ هز وتحريك جسده، هو أو عضوًا منه، سواء في وضع الجلوس أو الوقوف.

– الطفل الشقي في حاجة للحركة والنشاط، بينما الطفل المصاب بفرط الحركة وقصور الانتباه لا يستطيع الالتزام بالحركة والنشاط! فحتى الألعاب والأنشطة الحركية التي تستلزم مجهودًا كبيرًا وحركة ونشاطًا ومن المفترض أنها مجال تفريغ طاقة الطفل، لا يندمج فيها الطفل ولا يستطيع الانتظام معها، فستجده يخرج عن نظام اللعبة ليجري بمفرده أو يضايق أصدقاءه، فحتى الألعاب الحركية، لا يلتزم بها.

– الطفل يكون عاجزًا عن التركيز، عاجزًا بشكل كبير، لا جيدًا في اللغة العربية وسيئًا في الرياضيات، لا سيئًا في المدرسة وجيدًا في لعب الكرة وتنظيم وقيادة الفريق، عاجزًا تعني عاجزًا عن التركيز لمدة كافية في جميع الأنشطة من حوله، حتى أن مشاكل عدم الإنصات المتعلقة بنقص الانتباه وفرط الحركة قد تجعل الأبوين يشكان أن طفلهما مصاب بمشاكل حقيقية في السمع! أو أن يكون كثير النسيان بشكل يجعل الأهل يشكون في مشاكل عضوية متعلقة بالذاكرة.

– إن لم تمنعه حركته الزائدة ونقص انتباهه من مواصلة حياته الطبيعية لمدة 6 أشهر على الأقل يستمر فيها عجز الطفل عن ممارسة حياته الطبيعية؛ فلا يعد طفلك مصابًا بالـ ADHD.

– يمكن إجراء اختبار (الانتباه المتغير) أو (تشتت الانتباه) للطفل المشكوك في إصابته بالـ ADHD أو اضطراب نقص الانتباه والتركيز (Attention Deficit Disorder – ADD) فقط، وهو الاختبار الحوسبي الرسمي المُتبع من الأطباء النفسيين في تشخيص هذه الحالة:هنا.

شريطة ألا يكون الأبوان في الغرفة مع الطفل، وأن يتم إبعاد أي وسيلة إلهاء قد تشتت الطفل، وأن يكون الطفل في حالته الطبيعية من الراحة والتركيز والحصول على الغذاء الكافي و…و… ولا تنسي أن الاختبار مُمل بقدر كبير، فحتى الطفل الطبيعي قد ينفر منه، لذلك لا داعي لإجرائه على طفلك ما لم تتوافر فيه بالفعل الكثير من الأعراض السابقة لفرط الحركة ونقص الانتباه.

بهذه الخطوات يمكن التفرقة بما لا يدع مجالا للخلط بين الشقاوة والـ ADHD، بهذه العلامات السابقة.

يقول د.محمد صلاح:

«التشخيص يحتاج لأن تتحقق في الطفل معايير التشخيص التابعة لـ DSM-5، أهم خطوط توجيهية في الطب النفسي في العالم. والتي تتضمن جناحين رئيسيين للمرض، أعراض فقدان التركيز والانتباه Inattention، وأعراض فرط الحركة والاندفاع وإثارة القلاقل Hyperactivity and impulsivity.

لابد أن يتحقق في الطفل 6 على الأقل من أعراض فقدان التركيز mainly inattentive أو فرط الحركة impulsive mainly، أو كلاهما معًا mixed presentation، لمدة لا تقل عن 6 أشهر، مؤثِّرةً على أداء الطفل في حياته الاجتماعية أو الدراسية، ولابد من ظهورها في بيئتين مختلفين على الأقل ( البيت، النادي، المدرسة، الرحلات… إلخ)، مع استبعاد -بواسطة طبيب نفسي- وجود أي أمراض نفسية أخرى مشابهةٍ في أعراضها.

ما أعراض فقدان التركيز والانتباه Inattention؟

عدم القدرة على شحذ التركيز في أي عمل، سهولة التشتت لأقل مؤثر، يفشل في تنظيم الوقت بين عدة مهام، يفشل في عمل الواجبات، وتنفيذ التعليمات، لا ينصت لمحدثه، لا يحب الأنشطة المحتاجة لتركيز أو تفكير، كثير النسيان يوميًا، يفقد أشياءه الثمينة.

ما أعراض فرط الحركة والاندفاع Hyperactivity and Impulsivity؟

لا يستقر في مقعده (يحرك أطرافه بوضوح… إلخ)، لا يلتزم بمقعده عند إلزامه بهذا، يحب الجري والتسلق في أي مكان، لا يلعب بهدوء، دائم الثرثرة، مستمر الحركة والنشاط معظم الوقت كأنه يمتلك محركًا نوويًا، لا ينتظر الدور، يبدأ الإجابة قبل انتهاء السائل من سؤاله، يقاطع أحاديث الآخرين».


فرط الحركة كاضطراب في سلوك الطفل، هل السكر مسئول عنه؟

السكريات تعطي طاقة حيوية، لكنها لا تؤدي للطفل بالوقوف والجلوس مهتزًا وتحريك بعض أعضائه بشكل عصبي والخروج عن النظام أثناء الألعاب الرياضية، لذلك الشائعة الأبدية أن السكر مسئول عن اضطراب فرط الحركة محض وهم بنته بعض الأبحاث التي اختبرت أعدادا محدودة من الأطفال، وأكدته بعض الأبحاث الأخرى تفاقم الأعراض في أطفال الحساسيات، ونفته أبحاث أكثر قوة وعمومية ومصداقية،نختصر كل الجدل الدائر بين دراسات (جامعة ساوثهامبتون 2004[1]-2007 [2]) وهيئة المعايير الغذائية في المملكة المتحدة Food Standards Agency، وهيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA) والعديد من الدراسات الأخرى، في النقاط التالية:

  • إن كان طفلك مصابًا فعلا بفرط الحركة ونقص الانتباه فالسكريات ستزيد من الأعراض والاضطراب.
  • إن لم يكن مصابًا بالاضطراب بالفعل، فأي كمية من السكريات لن تصيبه[3] بمرض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
  • إن لم يكن مصابًا فقد تنتج الكثير من السكريات (في قلة من الأطفال المصابين بحساسية الطعام فقط) أعراضًا شبيهة بأعراض فرط الحركة ونقص الانتباه، لكنها مؤقتة ترتبط بوجود السكريات في جسده.

وهذا لا يحول دون الإشارة للأضرار الصحية الجمّة للمواد الملونة والمواد الحافظة والإكثار من السكريات، ولا يمنع نصح الآباء بالامتناع عن المُصنعات بكل ما تحمل من مواد مضرة وسكريات مُكثفة لها بالغ الضرر الصحي، لكن هنا، لا علاقة لها بالـ ADHD.


يستكمل د. محمد صلاح قائلاً:

هل كان بإمكاني تجنب إصابة طفلي به؟

نعم. فإلى جانب العوامل الوراثية، هناك عوامل خطر أظهرت الدراسات أنها تزيد احتمالات الإصابة بالـ ADHD، وأغلبها يمكن تجنبه:

  • تدخين الأم للسجائر أو تعاطيها الكحوليات أثناء الحمل أو تعرضها للملوثات البيئية المختلفة.
  • تعرض الطفل لتركيزات عالية من الرصاص الموجود في دهانات البيوت القديمة وعوادم السيارات.
  • نقص وزن المولود low birth weight.
  • الإصابات الشديدة بالرأس.

كيف يمكن أن أعالج طفلي من الـ ADHD؟

بدايةً حتى الآن لا يوجد علاج جذري cure لـ ADHD. إنما التركيز على كبح الأعراض، وتحسين أداء الطفل functioning اجتماعيًا ودراسيًا، وهذه أهم النقاط المتعلقة بالعلاج:

  • الطبيب النفسي هو الوحيد المنوط به اتخاذ قرار بدء العلاج الدوائي، أو السلوكي، أو كليهما.
  • لا يحتاج الطفل إلى مدارس خاصة، بل يحتاج إلى بعض الوعي بالحالة، والاهتمام في البيت والمدرسة، وعدم التنكيل به.
  • على عكس المتوقع، فالمجموعة الدوائية الرئيسية لعلاج الطفل هي من منشطات المخ، وأهمها الميثيل-فينيديت methylphenidate، والذي يزيد من تركيز الدوبامين والنورأدرينالين في المخ، حيث نقصها يرجح أن يكون سببًا للـ ـADHD.
  • يحتاج العلاج السلوكي إلى تعاون من الأهل والمدرسين والمربين، ويركز على مساعدة الطفل بالتعلم الإجرائي (Operant conditioning) ومساعدته في إتمام واجباته، وتنظيم يومه، وتشجيعه بالمكافآت لكبح فعل سيئ، أو تنفيذ واجب مطلوب. وتنمية مهارات الرقابة الذاتية.
  • يحتاج الوالدان والمدرسون لدورات تساعدهم ليكونوا جزءًا من الحل لا المشكلة. وقد يحتاج الوالدان لعلاج سلوكي نفسي إذا تمكن منهم الإحباط والضغط النفسي نتيجة تصرفات الطفل.

هل يمكن أن يصبح طفلي فاعلًا ومتميزًا؟

طبعًا، بل يمكن قلب الطاولة، وتحويل فرط نشاطه، ورغبته في القيام بأمور عديدة معًا، إلى تميز، وتنويع للإنجازات. لكن يحتاج الأمر بعض الصبر والوعي:

  • ممنوع ضرب أو إهانة الطفل، فهذا يفاقم الحالة، ويعرضه للاكتئاب واضطرابات نفسية أخرى.
  • عدم وصمه بألفاظ مثل (عنده كهربة زيادة في مخه) (ولد مش متربي)… إلخ.
  • يجب إشعاره أنه متميز بالمعنى الإيجابي.
  • الوضوح معه دائمًا في الكلام والتعليمات.
  • الحفاظ على روتين يومي دقيق بالمنزل لا يتغير إلا لضرورة (تثبيت مواعيد النوم واليقظة، الواجب، والتلفاز، والخروج… إلخ)، ووضع كل شيء في مكانه (الكتب، الملابس، الألعاب… إلخ).
  • مكافأته أولًا بأول على الالتزام.

في النهاية نتمنى أن نكون قد أشرنا بما يكفي لحماية أبنائنا من التجنّي عليهم بتشخيص خاطئ يقتل طبيعة حياتهم، ويحولهم من أطفال طبيعين يلهون باحثين عن الحركة والمرح واكتساب الخبرات، لأطفال مضطربين ذوي مُعاملة خاصة.

الطفل، تلك القطعة التي كانت قلبًا في صدر أمه ثم انفصلت وبات لهذا القلب قدمان يسير بهما على الأرض، كل الحماية والحب له.

المراجع
  1. ^ Schab DW, Trinh NH (2004). "Do artificial food colors promote hyperactivity in children with hyperactive syndromes? A meta-analysis of double-blind placebo-controlled trials". Journal of developmental and behavioral pediatrics : JDBP. 25 (6): 423–34. doi:10.1097/00004703-200412000-00007. PMID 15613992.
  2. ^ Donna McCann؛ وآخرون. (2007). "Food additives and hyperactive behaviour in 3-year-old and 8/9-year-old children in the community: a randomised, double-blinded, placebo-controlled trial". ذا لانسيت. 370 (9598): 1560–1567. doi:10.1016/S0140-6736(07)61306-3. PMID 17825405.
  3. ^ Jump up to: a b CDC (6 Jan 2016), Facts About ADHD, Centers for Disease Control and Prevention, retrieved 20 Mar 2016