يادي العجب يا رجب
يا مرتب الحكايات

اسمع وشوف واندهش
واكتبها فى الكُتبات

عسى الكلام ينقري
لو قلبوا الصفحات

خلّي الشعوب والدول
يتعلّموا البطولات
أحمد فؤاد نجم: مطلع قصيدة «هوشي منه مات»

رجل نحيل الجسم، لا يملك إمكانيات عسكرية متطورة، ولا علاقات دبلوماسية نافذة، يمشي في غابات فيتنام يمارس رياضاتٍ قتالية صينية قديمة، لا يعتمد فيها على ضآلة جسده، بل على رحابة عقله وقوة قلبه.

قبل أن يُولد هذا الرجل بقرابة 8 سنوات، تعرضت سفينة حربية فرنسية لهجوم من قبل أفراد لم تعرف فرنسا هويتهم، لكنها اعتبرتهم في نهاية الأمر صينيين وقراصنة. قرر الفرنسيون احتلال عاصمة فيتنام هانوي عام 1982، ردًا على الهجوم على سفيتنهم.

مقاومة شرسة بين فرنسا وسكان العاصمة، لكنها انتهت بفوز الفرنسيين. تحول البلد العجوز، فيتنام، على إثرها إلى مجرد مقاطعة ترضخ تحت الحكم الفرنسي لمدة 6 عقود، وتحوّل الفيتناميّون من مواطنين إلى متفرجين. لم يُولد بطلنا بعد، لكن بطلًا آخر قاد ثورةً عام 1985 اسمها ثورة المُتعلمين ضد الاحتلال الفرنسي، لكن الفرنسيين قضوا عليها وأُعدم القائمون بها.

في تلك الأثناء كان  «نجوين سينه هوي» يصنف كمواطن عنيد من الدرجة الثانية، أي من الرافضين للوجود الفرنسي، فطرده الفرنسيون من عمله كمُعلم في المدارس الفرنسية في فيتنام. طرده أزاد من شعور الغضب والرفض داخله، حتى ورّث ذلك الشعور لابنه، بطلنا المقصود، «نُفوين آي». قضى الصغير أيامه مع عائلته المتمردة متنقلًا بين القرى الصغيرة لتعليم الفقراء، ورفض الالتحاق بالمدارس الفرنسية ليلتحق بمدرسة محلية.

كانت قصص والده له عن المقاومة وأبطالها هي تسليته المفضلة، فلم يكد يبلغ الطفل العاشرة حتى شارك في أول تظاهرة له في حياته. مظاهرة ضد الضرائب الفرنسية الباهظة على سكان فيتنام، لم تنجح المظاهرة في إلغاء الضرائب، لكنها تسببت في فصل الطفل من مدرسته المحلية، ولم تقبل به أي مدرسة في فيتنام، فقرر ركوب البحر هربًا وبحثًا عن حياة أخرى. ترك الصبي فيتنام ليعمل بحارًا وطاهيًا على متن إحدى السفن تاركًا فيتنام التي يحب، والتي سيعود إليها رجلًا بعد 33 عامًا من الفراق.

«الحزن طول عمرنا..له من حياتنا حياة»

فيتنام ظلت ترضخ تحت حكم فرنسي استبدادي، حاول أن يحول الدولة إلى ولاية فرنسية الولاء والهُوية. ففرضت عليها اللغة الفرنسية، وناصرت الديانة المسيحية على العقائد الأخرى التي كان يعتنقها الفيتناميون. كما حوّلت فيتنام لمزرعة كبيرة تُصدّر الشاي والتبغ والقهوة لفرنسا. وفي تلك الأثناء كانت تجهض أي محاولة للنداء بالحكم الذاتي، وتسحق كل صوت خافت يطالب ببعض الحقوق المدنية للمواطنين.

كان الفيتناميون أقل عددًا من القوات الفرنسية، وأضعف عتادًا وأجسادًا من مجابهة عدوهم، فظلوا سنواتٍ متتابعة في حالة رضوخ غاضب للفرنسيين، بين الحين والآخر يرتفع صوتٌ ناقم إلا أنه سريعًا ما يرتفع عنه صوت البنادق الفرنسية. لم تدرك فرنسا أن من سيسقطها يدخل أراضيها ليبدأ فيها رحلته التي ستُنهي الوجود الفرنسي في فيتنام.

فمنذ لحظة أن رست السفينة في ميناء مارسيليا كتب الفتى رسالة إلى الرئيس الفرنسي يطلب فيها القبول في المدارس الفرنسية، بالطبع رُفضت كل طلباته للالتحاق بأي مدرسة فرنسية أو غير فرنسية على الأراضي الفرنسية. لفظته فرنسا لكنها أخذت آخرين من الشباب الفيتنامي لتضعهم في مصانع السلاح، وأرسلت كادحين غير فيتنامين إلى فيتنام ليقاتلوا في صفوف الفرنسيين، فصنعت دون أن تدري وعيًا سياسيًا وعسكريًا لدى شباب بسطاء أجسادهم في فرنسا، وقلوبهم في فيتنام.

غادر الفتى فرنسا عام 1911 دون أن يُقبل في مدارسها لكنه تعلم شيئًا مهمًا منذ لحظة صعوده على السفينة، رأى الفارق بين طعام الطاقم وطعام الأثرياء من الركاب، وجابت به السفينة دولًا في الشرق الأقصى جعلته يدرك أن فيتنام ليست وحدها من يرضخ تحت براثن الاحتلال. فعاد إلى السفينة عازمًا على التعلّم في كل مكان تحمله إليه السفينة، فذهب إلى نيويورك، ثم لندن.

«شعب الملاحم بكى.. نزلت دموعه دانات»

في لندن عاش عامين يعمل كنادلٍ في أحد الفنادق الإنجليزية، يقول رواة سيرته الذاتية، إنه نفس الفندق الذي كان يقيم فيه وينستون تشرشل أحيانًا. السياسة تحيط بالفتى أينما ذهب، حتى حين يريد الفرار منها تحاصره. بعد إقامته في بريطانيا والولايات المتحدة عاد مرةً أخرى إلى فرنسا في الفترة التي سبقت توقيع معاهدة فرساي.

قبل توقيع المعاهدة بشهور كان هُو شي قد التقي مارسيل كاشين، فتى اشتراكي أهدى هُو شي كتب الرفيق لينين، فاقتنع به هو شي. لم يمنح مارسيل هو شي كتب لينين فحسب، بل منحه الإجابة على سؤالٍ أرّقه طويلًا، لو قامت الثورة، ونجحت الثورة، فأي نظام يجب أن يختاره الفيتناميّون؟

اجتمع الزعماء في فرنسا لتوقيع معاهدة فرساي، الحشد أكبر من أن يلتفت لرسالة كتبها شاب مغمور يطالب فيها زعماء العالم بالنظر إلى قضية شعبه ومنحه الاستقلال.عاد هُو شي للبحث عن عمل جديد، فعمل كمساعد مُصوّر يُصلح عيوب الصور. عاش في شارع فقير في فرنسا الغنية، هناك اصطدم بحقيقة جديدة، أنه حتى فرنسا الثرية الاستعمارية فيها فقراء يموتون جوعًا، فزاد كرهه لفرنسا، وترسخ إيمانه بالشيوعية وسيلةً للحكم والحياة.

قضى في فرنسا أعوامًا طويلة من حياته، أعتقل فيها عدة مرات. اعتقاله كان بسبب كتاباته اللاذعة ضد الاستعمار الفرنسي، وزادت حدة كلماته حين انضم لمجموعة من الفرنسيين رافضي الاستعمار، وبدأ يكتب في الجرائد الفرنسية المعارضة بأسماء مستعارة تتغير كل فترة. وانضم للحزب الشيوعي الفرنسي رسميًا، وأصبح هو المتحدث الرسمي باسمه.

فقط تبقى له زيارة موسكو ليصبح شيوعيًا عتيدًا، زارها وأقام فيها ليتعلم فيها، لكنّ أبرز ما فعله فيها تأثيرًا فيه كان سيره في جنازة لينين بعد أن قضى 3 سنواتٍ يتعلم منه مبادئ الثورة العالمية. عُرف «إي كوك» في موسكو بأنه رجل وطني واقعي ليس منظرًا فحسب، لذا أختير ليلقي كلمة في المؤتمر الشيوعي العالمي باسم كل الشعوب المستعمرة، كلمةٌ لفتت إليه أنظار العام، ولم يُكمل منها بضعة جمل إلا وقاطعه صوت تصفيق الحضور إعجابًا من قوة بيان هذا الرجل النحيف.

«دمع البارود انهمر دفعات ورا دفعات»

بعد وفاة لينين قرر الشاب أن يعود إلى آسيا مرةً أخرى، كانت الصين عام 1925 في مرحلة انتفاضة شيوعية ضد الاستعمار هي الأخرى. فتحالف الإمبراطور الصيني «تشان آي تشك» مع الشيوعيين لتحريك الشعب ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي. فرصةٌ ذهبية استغلها الشاب ليختبر معرفته النظرية ويكتشف أنه قادربالفعل على إشعال ثورة.

لكن انقلب الإمبراطور الصيني على الشيوعيين وبدأ حملة ملاحقات ضدهم فعاد الشاب إلى شبه جزيرة القرم ليتعافى فيها من مرض السُل الذي أصابه، ولا أحد حتى الآن يعرف كيف نجا الفتى من قبضة الصينيين. من شبه الجزيرة تنقل إلى دول عديدة يدعو فيها للشيوعية، ويجمع الفيتناميين الشيوعيين كي يكونوا كتلةً واحدة. وفي عام 1929 اجتمع معهم في هونج كونج واتفقوا على إنشاء الحزب الشيوعي في الهند الصينية.

 أهداف الحزب كانت طرد الفرنسيين وإعادة توزيع الأراضي وإنشاء جيش وطني. ثلاث سنوات قضاها في هونج كونج يهاجم الفرنسيين، فغضبت لهم بريطانيا، فاعتقلته القوات البريطانية. قضى في اعتقاله عامًا وأُفرج بسبب ظنهم أنه سيموت بالسُل، بشرط أن يُغادر إلى موسكو. قضى فيها 5 سنوات يدرس في معهد لينين ويحاول التغلب على مرض السل الذي صار رفيقه اللدود.

تغيّرت المواقف واستغاث إمبراطور الصين بالشيوعيين لمواجهة الغزو الياباني، فعاد هُوشي للصين عام 1938 مستشارًا عسكريًا في القوات المسلحة الشيوعية الصينية، وهناك وُلد  لقب هُو شي منه، فسابقًا كان يُنادى باسمه «نفوين أي كوك» أو بالأسماء المستعارة العديدة التي وقع كتاباته بها، أما اللقب الذي سيلازمه مدى حياته، وبعد وفاته، فيعني المُشرق أو الذي يُنير في الفيتنامية.

«الزاهد اللي حكم ضد الهوى والذات»

هُو شي منه بات هو الأمل الوحيد لفيتنام كي ترى نور المستقبل، ربما لم يكن أحد من الفيتناميين يدرك ذلك في وقتها، فكان الشعب مشغولًا بالبؤس الذي يزداد يومًا بعد الآخر. خاصةً أن بعض الفيتناميين حاولوا احتلال معسكر فرنسي عام 1931 فسحقهم الفرنسيون، وأعدموا قائدهم بالمقصلة.

المعاناة والقهر صارا أمرًا معتادًا في حياة الفيتناميين. لذا فالحديث عن ثورة فيتنام، هو في ذاته حديث عن هُو شي منه، لأنه الرجل الذي صنع من معاناة شعبه قوسًا وسهامًا، كلما زاد القمع والفقر تراجع القوس للخلف أكثر، لكن لا يعني ذلك هزيمته، بل يعني أنّه سينطلق بقوةٍ أكبر، ويعني أن عددًا أكبر يؤمن أنه لا بد من العدالة التي تعدهم بها شيوعية هُو شي منه.

وخاصةً أن اعتقاله قد جعل صيته يرتفع أكثر، وكتابه الشعري الذي ألفه في السجن باللغة الصينية قد حلّق خارج أسوار السجن لمناطق لم يصلها جسد صاحبه. انتهت فترة السجن وخرج هُو شي منه ونادى 10 آلاف مقاتل التفوا حوله ليُعلنوا انتهاء مرحلة الخطابات وبداية مرحلة السلاح. واجهوا الفرنسيين، ومن خلفهم واجهوا اليابانيين الذين تحالفوا مع الفرنسيين، وكبدّت حرب العصابات التي قادها هو شي القوتين الكبيرتين خسائر فادحة.

اعتمد هو شي في حركته على دعم المخابرات الأمريكية التي قررت أن تدعم ثورته، وعلى الكتب الحربية الصينية التي ترجم معظمها إلى الفيتنامية كي يتسنى لجنوده قراءتها والتعلم منها. سنواتٌ من الكر والفر منذ إعلان الحرب العالمية الثانية، لكن القنبلة النووية على هيروشيما مثلّت نهايةً للمارد الياباني وبداية جديدة لثورة هو شي ورفاقه. واستولوا على هانوي، وأعلنوها عاصمةً لفيتنام الجديدة.

«والتالتة تحمي السما من فانتوم الخواجات»

بنبرة هادئة أعلن هُو شي الاستقلال، نبرة لا يبدو فيها الحماسة الثورية المعتادة في مواقف كتلك، لكن يبدو فيها القلق مما بعد. كان القلق غالبًا من الصينيين وعددهم الضخم الذي جاوز 200 ألف جندي دعمًا لأنصاره الفرنسيين. لذا وافق هُو شي على الاستقلال الاسمي عن فرنسا، ففيتنام ستكون تحت الحماية الفرنسية، لكنها ستكون مستقلة نظريًا.

بدبلوماسيتيه تخلّص هو شي من التدخل الصيني لكنه لم يتخلص من سيطرة الفرنسيين. ووضعت فرنسا عراقيل عديدة أمام كل سبيل محتمل يسلكه هو شي لتحقيق نهضة لفيتنام. ضبط الرفاق أنفسهم، وابتلعوا غضبهم، إلا أن الفرنسيين لم يضبطوا أنفسهم، فهاجموا مظاهرةً لسكان فيتنام بقصف مدينة هيفونج.

بذلك القصف كتبت فرنسا نهاية وجودها في فيتنام، خاصةً وأن الصين باتت شيوعيةً، فصارت حليفة لفيتنام لا فرنسا. خاض هو شي حرب العصابات التي يتقنها، لم يعانِ في تجنيد الشباب للقتال، ولا في صنع الفخاخ البدائية التي تتقنها نساء فيتنام، لكنّه عانى من نقص السلاح، فسافر إلى موسكو للقاء الرفيق ستالين والرفيق ماو تسي يونج، فتعهد الأول بإمداد الفيتناميين بالسلاح، وأرسل الأخير 70 ألف مقاتل للقتال بجانب ثوار فيتنام.

معارك دامية دارت بين الطرفين، في البدايات كان النصر لفرنسا بسب استخدامها للدبابات والآليات العسكرية الأخرى التي لا يعرف الفيتناميون كيف التعامل معها.  وبدأت فرنسا توجه غضبها لهُو شي منه كشخص، فكل المنازل التي تضع صورته على جدرانها يحرقها الفرنسيون.

بمرور الوقت وبتتابع القتلى تحولت حرب العصابات لحرب عصرية بين قوتين متطورتين. وبحلول عام 1954 كانت فرنسا قد خسرت 75 ألف جندي، و64 ألف جريح، و40 ألف أسير، وعشرات الآليات العسكرية. انسحاب فرنسا تبعه تقسيم فيتنام لدولتين، شمالية شيوعية يرأسها هو شي، وجنوبية رأسمالية. كان هُو شي معجبًا بلينين وستالين، لكن حين ترى يمشي وسط شعبه في الغابات، ويقرأ لهم مقالًا في جريدة، ويُعلم عددًا من الأطفال القراءة والكتابة، فيكون كأنه غاندي الهزيل لا ستالين الشامخ.

«صاح السلاح في الحرس قال: هو شي منه مات»

 أصلح هو شي في دولته الشمالية، وكانت عينه دائمًا على توحيد فيتنام. غزا هو شي مدينة لاوس الواقعة على الحدود بين الشطرين عام 1959 ، كي يوصل منها الدعم العسكري لرفاقه في الشطر الجنوبي الراغبين في توحيد الشطرين. سنوات طويلة من صراع الإخوة حتى قرر الزعيم الجنوبي الصارم عقد مفاوضات مع هوشي للتصالح وإعلان فيتنام واحدة.

النظام الشيوعي الذي كان يحلم به هو شي لم يكن مثاليًا عند تطبيقه، وبدأ الفيتناميون يشعرون أن بلدهم ستتحول إلى بلد قمعيّ جديد مثل موسكو وبراج. لكن ظل هُو شي محتفظًا ببريقه وبشعبيته، فالفيتناميون لا يبالون بأي نظام سيُطبق عليهم، هم يثقون في أن هُو شي، أبو الاستقلال، لن يحوّلهم لدولة قمعية كموسكو.

لم يرق الأمر للأمريكيين فاغتالوا زعيم الجنوب عام 1963، وأعلنت تدخلها في فيتنام عسكريًا لدحر شيوعية هو شي.  خاضت الولايات المتحدة حربها بلا إنسانية أو أخلاقية، تدمير كل شيء، وقتل كل ما يتحرك، وتسميم المبيدات والحيوانات، واستخدام المواد الكيميائية المُحرمة. المروحيات لا تفارق سماء فيتنام، قنابل وقذائف متتابعة تحاول كسر إرادة هو شي، لكنّه ورفاقه لم يظهروا لينًا أو تراجعًا لأي لحظة، حتى لو تراجعًا تكتيكيًا كعادة هُو شي.

قاوم الفيتناميون بكل طاقتهم، الصين تمدهم بالمقاتلين، والاتحاد السوفيتي بالسلاح، والولايات المتحدة تخسر جنودها والدعم الشعبي للحرب، فمالت الكفة لصالح الفيتناميين. خاصةً أن هُو شي حوّل الشعب بكامله لجيشه، فكل فرد يمكن أن يبتكر شيئًا ينفع المقاومة كان يتقدم لهو شي دون المرور بحواجز أمنية أو روتينية، وهُو شي كان يُوزع سجائره الغالية على جنوده.

«مات الصديق الوفي للخضرة والغابات»

فلم يقطن هُو شي القصر الرئاسي في هانوي، بل اختار الحياة في كوخه كمزارع بسيط يحاول تقسيم وقته بين تجنب القتل على يد الأمريكيين وبث الحياة في شعبه. لكن في ذروة المعركة تدهورت صحة أشجع جندي فيتنامي، لم يعد هو شي يقدر على المشاركة في القتال أو في وضع الخطط أو مراعاة حديقته وأزهاره التي غرسها بيده، لكنه ظلّ يتواصل مع رفاقه عبر الراديو يدعوهم للمواصلة حتى النهاية. كان هُو شي بمثابة المغناطيس الذي يجذب الجماهير والثوّار، سواء بوجوده أو صوته أو حتى بجثته المُحنطة.

انتهت حرب فيتنام عام 1975 بتحرر فيتنام، لكن فيتنام خرجت من الحرب بلا هو شي منه الذي تُوفي في صباح 2 نوفمبر (شباط) عام 1969 وقد بلغ 78 عامًا، قضاها كلها تقريبًا في النضال والثورة. تُوفي هو شي  في يوم الذكرى السنوية لولادة فيتنام الشمالية على يده، لترتبط كل التواريخ القومية بتواريخ حياته ووفاته.

حنّط الفيتناميون جثته، وُوضع في ضريح فخم في مدينة هانوي، كما يليق ببطل أسطوري يقف حوله رفاق العمر والمعارك الأشداء يبكون. لكن التنحيط كان خيانةً من الفيتنامين لبطلهم، فقد أوصى أن تُحرق جثته وينثر رماده قريبًا من كوخه، كانت الوصية تليق أكثر بشخصية هُو شي المتواضعة عكس الضريح الفخم، لكن الرفاق الشيوعيين اتبعوا معه الأسلوب المتبع مع لينين وستالين.

لكن تميز عليهم هوشي بأن رثاه كل من قابله، حتى كتب شاعر العامية المصري، أحمد فؤاد نجم، قصيدة رثاءِ له، منها اُقتبست العناوين في بداية كل فقرات التقرير.