محتوى مترجم
المصدر
BBC
التاريخ
2016/07/29
الكاتب
تيم موجان

الواقع الافتراضي: الضجة والمشكلات والآفاق (1-2)


أقف في عربة بمترو أنفاق نيويورك، إنه القطار «إل» المتجه من مانهاتن إلى بروكلين. لقد تعطل للتو، تومض الأضواء، ويحل محلها التوهج الخافت لأضواء الطوارئ. أسير بطول العربة، أحدق بالتفاصيل القذرة على أرضياتها وجدرانها. أقف قبالة شاب جلس بجوار الباب، وبينما أحدق به شاردًا، أدرك أنني أستطيع سماع أفكاره وحواره الداخلي. إنه يتذمر بشأن الرائحة داخل القطار، وأنه عالق هنا. وبينما أسير مبتعدًا يخفت صوته حتى يتلاشى – وعندما أرجع أسمع صوته مجددًا.

بعدما ضجرت من شكواه أمشي بضع خطوات إلى الأمام، واقترب من امرأة تتكئ على عمود. كالشاب السابق، هي أشبه بالشبح، مكونة مما يبدو أنه مزيج لامع من الفيديو والبكسلات العائمة قزحية اللون. ومرة أخرى، بينما أحدق بها، أستمع إلى أفكارها. يمكنني سماعها تتذمر بشأن تكلفة المعيشة في مدينة نيويورك، بشأن كيف أنها لا يمكن أن تظل عالقة بهذا القطار لفترة أطول، وكيف أنها ستتأخر عن موعدها.

أسحب جهاز الواقع الافتراضي عن وجهي، أجد نفسي لجزء من الثانية غير متأكد من مكان وجودي، قبل أن تتكيف عيناي على الضوء وأتذكر أنني في إستوديو بقبو غير مرتب قليلًا وصغير، ممتلئ بالحواسب، معدات التصوير وأجهزة الواقع الافتراضي. أنا في حي وليامزبيرج العصري للغاية، قبالة الشارع فقط من محطة قطار «إل» حقيقية، وقد اختبرت للتو مقتطفًا من قصة «تعتيم»، وهي قصة واقع افتراضي تفاعلية تمامًا.

مع ارتباط الواقع الافتراضي بالسماح لك بفعل غير المعتاد، أن تهرب من التجارب اليومية وأن تعيش أحلامك وخيالاتك، قد يبدو غريبًا أن تخصص الكثير من الوقت لتعيد صنع شيء عادي جدًا كركوب مترو الأنفاق. «يمثل تعتيم نوعًا من التحية والتحدي نحو الاعتراف بالأشخاص الموجودين في مساحتك الحقيقية، واستخدام وسط الواقع الافتراضي لتحويل العدسة مجددًا نحو الواقع الحقيقي»، حسبما يوضح جيمس جورج، أحد مبتكري المشروع.

نحن حرفيًا بجوار مترو الأنفاق، لماذا أعدنا ابتكار شيء قريب منا إلى هذه الدرجة؟. في الواقع الافتراضي نغمر أنفسنا في مساحة حيث يمكنك بالفعل تجاهل العالم المادي، لكن بالنسبة لنا، يأخذنا ذلك مجددًا إلى المدينة التي نعيش فيها، لكننا نبتكر طبقة من الواقعية السحرية فوق هذه المدينة.
جيمس جورج

تكمن غاية «تعتيم» في تحدي افتراضات سكان نيويورك بشأن الأشخاص المحيطين بهم، عبر السماح لهم بالاستماع مباشرة إلى أفكارهم. «لقد أعطيت القدرة على الدخول إلى عقول الناس ودوافعهم»، حسبما قال المبتكر المشارك أليكس بورتر. «خلال تلك العملية تبدأ في إدراك الطرق التي كنت مخطئًا فيها بالنسبة للموجودين حولك، وتبدأ في إيجاد هذه الأنواع من القصص المثيرة التي عليهم حكيها».

يبدو واضحًا منذ الثانية التي تبدأ فيها المشاهدة أن تجربة «تعتيم» مختلفة، أكثر غمرًا بكثير من تقنية جوجل «فيديو 360»، أو حتى «العملاق». تعمل على جهاز «فايف» الخاص بشركتي إتش تي سي وستيم، والذي يدمج تقنية عالية الدقة ومتقدمة للغاية بها متتبعات معلقة على الحائط لا تعرف اتجاه رأسك فقط، بل وموقعك في الغرفة تحديدًا. يعني هذا أنه بدلًا من الجلوس على كرسي وتحريك رأسك فقط، يمكنك التحرك بحرية في المساحة الافتراضية – الصغيرة بالتأكيد. تطلق شركتا إتش تي سي وستيم عليها «تجربة على نطاق الغرفة»، وهي فريدة للغاية. لقد اختبرت عددًا من العروض التجريبية لفايف، وكذلك لـ«تعتيم»، بما في ذلك بعضها حيث تمسك بأدوات تحكم خاصة في كل يد لتسمح لك بالتفاعل مع الأشياء الافتراضية. يعطيك هذا النظام شعورًا لا يصدق بملء المساحة الملموسة والتفاعل معها، لكنها ليست رخيصة.، حيث تبلغ تكلفة معدات فايف 800 دولار، وسوف تحتاج إلى كمبيوتر قوي ومتقدم للغاية لتشغلها، والذي سيكلفك نفس المبلغ تقريبًا.

لكن مهام جورج وبورتر لا تقتصر على ابتكار محتوى للواقع الافتراضي. فتحت اسم الشركة، «سيميلي»، يصنعون أيضًا أدوات لمبتكري الواقع الافتراضي الآخرين، أشهرها تحمل اسم «ديبث كيت»، وهو نظام يجمع بين كاميرا رقمية ونظام «ميكروسوفت كنيكت»، يتيح للممثلين البشر التصوير بالأبعاد الثلاثة. هكذا تم تسجيل مشاهد الشخصيات البشرية في كلا «تعتيم» و«العملاق». تكمن غاية جورج وبورتر في جعل هذه التكنولوجيا رخيصة ومتاحة على نطاق واسع، حيث يعتقدان – كحال بريلهارت في جوجل – أن الواقع الافتراضي سوف يتألق حقًا عندما تكون القدرة على صنع محتوى بين يدي الجمهور.

«نعيش في مجتمع يوتيوب حيث الاستهلاك والابتكار متوازيان للغاية»، حسبما أضاف جورج، «في تطبيقات مثل بيريسكوب وإنستاجرام، يبتكر البشر بقدر ما يستهلكون». لكن الواقع الافتراضي لا يزال يُرى من قبل الأغلبية على أنه شيء للاستهلاك فقط. «تقول الرسالة التي يتلقاها الناس إنه «لقد ابتُكر هذا الشيء بواسطة أشخاص أذكياء وهامين، كما أنهم ماهرون للغاية تقنيًا وسوف يقدمون لكم محتوى مشاهير لهم علامات تجارية». الأمر حصري للغاية لهذه النخبة من البشر القادرين على صنع المحتوى حاليًا، ونحن ندعم حقيقة أن وسائل الإنتاج هذه يعد الوصول إليها أكثر سهولة».

ويضيف بورتر: «تقديم الأدوات لهؤلاء الأشخاص، بالنسبة لي شخصيًا، يعد أكثر إثارة من صنع المخرج مايكل باي لأي شيء».

«في ضوء ذلك، إذا أراد مايكل باي أن يستخدمها فليفعل ذلك»، حسبما تابع جورج، في إشارة إلى عدم الرغبة في تنفير مستهلك محتمل.


منطقة القتال

صورة من لعبة منطقة القتال

أنا جالس في قمرة قيادة دبابة مستقبلية. تحيط بي أدوات التحكم، ولوحات من أضواء ساطعة. أريد أن أصل إليها وألمسها، لكن قبل أن أستطيع المحاولة تبدأ الدبابة بالتحرك، تسلك نفقًا ضيقًا طويلًا يؤدي إلى مساحة متكهفة ضخمة. صفوف من دبابات أخرى تحيط بجانبيّ، بينما تطفو روبوتات شبيهة بـ«ترون» مارة بي. ثم أُنتشل بواسطة رافعة، وأحدق بالسقف بينما تنفتح أبواب حظيرة طائرات ضخمة فوقي.

ثم أجد نفسي في الخارج، على سطح الأرض، أحدق عبر قمرة قيادة الدبابة تجاه أبراج نيون شبيهة بالمغزل ضخمة تصل إلى السماء. لكن قبل أن أنتهي من الإعجاب بالمنظر، يجذب صوتٌ حاسوبي ملح انتباهي. إنها قادمة. ألقي نظرة سريعة على الرادار في لوحة القيادة، نقطتان باللون الأحمر تتجهان نحوي. أنظر يسارًا ويمينًا بقلق خارج القمرة. لقد وصلتا: اثنتان من دبابات العدو تتجهان لتقتلا. أجهز نفسي للاشتباك.

أسحب جهاز الواقع الافتراضي عن وجهي. أجد نفسي لجزء من الثانية غير متأكد من مكان وجودي، قبل أن تتكيف عيناي على الضوء وأتذكر أنني في مكاتب التخطيط المفتوحة الكبيرة لشركة «ريبيليون»، شركة ألعاب الفيديو البريطانية التي يقع مقرها بحي محاط بالأشجار بأكسفورد. وقد لعبت للتو مستوىً تجريبيًا من «منطقة القتال»، وهي تحديث الواقع الافتراضي من لعبة الثمانينيات الكلاسيكية «آتاري».

غامرة وتفاعلية تمامًا بقدر نسخ «فايف» التجريبية التي جربتها، أحد الأمور التي تجعل «منطقة القتال» مثيرة للاهتمام للغاية أنها تعمل على جهاز سوني «بلايستيشن في آر». يُنتظر إصدار تلك الأجهزة في أواخر 2016، وتحتاج إلى «بلايستيشن 4» لتعمل، لكنها تكلف أقل من نصف سعر «فايف». كما أنها تبدو وتعطي شعورًا كمنتَج استهلاكي أكثر من أي أجهزة أخرى في السوق حاليًا – يسهل ارتداؤها وخلعها، وخفيفة ومريحة عند ارتدائها.

«أعتقد أنها جميعًا آلات رائعة، لكنني أعتقد أن أداة سوني للواقع الافتراضي سوف تستحوذ على السوق»، حسبما يخبرني جيسون كينجسلي، المدير التنفيذي لشركة «ريبيليون». «ببساطة لأنها سوني، ببساطة بسبب نقطة السعر. التكنولوجيا جيدة جدًا وكافية بسهولة للعب الواقع الافتراضي بشكل جيد، بينما الأنواع الأخرى تعطي شعورًا أكبر بشكل ما بأنها هاوية قليلًا».

يسهل أن تقتنع بذلك، بناء على لذة اللعب لبضع دقائق بـ«منطقة القتال»، وتجربة مدى غمرها للاعب. لكنني لا أستطيع منع نفسي من التفكير في أدوات وإضافات ألعاب الفيديو الأخرى التي ظهرت واختفت؛ مثل بلايستيشن آي، موف، إكس بوكس كينكت، وحتى نينتندو وي. فقد ظهرت هذه الألعاب وجذبت انتباه الناس لفترة، قبل أن يكسوها التراب على الأرفف مع عودة اللاعبين إلى طرق أكثر تقليدية للعب الألعاب حين انطفئ بريقها. ألا يثير ذلك قلقه؟

يقول كينجسلي: «لا أتخوف من ذلك، لكنه ممكن. إنها احتمالية واضحة لأي شيء جديد من أي نوع. أعتقد أنه سيكون ناجحًا».

يضيف ستيف بريستو: «إن جربتها، سوف ترغب في شرائها»، وهو المصصم الرئيسي لـ«منطقة القتال»، «ما إذا كانت ستستمر ومدى استمرارها يعتمد على كيفية أدائنا لعملنا ووفائنا بهذه الوعود، أو مفاجأة اللاعبين بما يمكنهم أن يفعلوه. لديّ ثقة كاملة في استمرار قطاع صناعة الألعاب في إيجاد وسائل جديدة لمفاجئتكم. أعتقد أن الواقع الافتراضي يأتي في توقيت جيد جدًا للألعاب ثنائية الأبعاد التقليدية؛ لأنني أعتقد أن الأمر يصبح أصعب على نحو متزايد أن يُنتج هذا النوع من التجارب العاطفية القوية والجديدة في الألعاب ثنائية الأبعاد».

بالنسبة لكينجسلي، يعد الواقع الافتراضي أكثر من مجرد نظام ذكي للألعاب، إنه تحول جذري في خبرات الألعاب. «عند تجربة لعبة كمبيوتر رائعة، مشاهدة فيلم رائع، تكون داخلهم بالفعل، لكنك تكون مراقبًا»، حسبما أخبرني، «في لعبة الكمبيوتر الجيدة جدًا، تكون مشاركًا ومراقبًا، تكون بشكل ما أقرب بخطوة. نحن أقرب قليلًا إلى تلك الشاشة. أعتقد أنه مع الواقع الافتراضي تشعر بأنك قد تخطيت الشاشة وأصبحت بالداخل».


مستقبل ضجة الواقع الافتراضي

الواقع الافتراضي

أنا جالس بالمنزل، على أريكتي، وهناك جهاز «كارد بورد» على المقعد المجاور لي. رأسي وعيناي يؤلمانني بسبب الجرعة الزائدة قليلًا من استخدام فيديو 360 وتطبيقات الواقع الافتراضي. أحاول أن أقرر شعوري تجاه التكنولوجيا الجديدة، تجاه كل شيء قيل لي من قبل الأشخاص الذين التقيتهم. لقد أثارتني هذه الفكرة لسنوات، منذ صادفتها في الخيال العلمي بالثمانينيات، حتى أنني كتبت في مجال الخيال العلمي بشأنها. لكن الآن، مع ثقل العصر وتجربة مشاهدة ظهور واختفاء التكنولوجيات، يصعب عدم القلق بشأن كونها مجرد ضجة عابرة.

أندرو شوين نائب رئيس شركة «نيو إنتربرايز أسوشيتس»، وهي شركة رأس مال استثماري عالمية كانت تستثمر بشدة في مشروعات الواقع الافتراضي، من شركات الألعاب إلى أدوات التسجيل بتقنية 360. وبالتالي، فإنه يدعم آراءه بأمواله – أو على الأقل بأموال شركته.

«إن كنت تستثمر في الواقع الافتراضي، فإن ما تحتاج إلى محاكاته هو الصرصور»، حسبما أخبرني عبر الهاتف من كاليفورنيا، متحدثًا عن وضع دورة الضجة الأولى. «تحتاج إلى الصمود. تحتاج إلى المشاهدة بينما يحدث اضطراب في النظام البيئي. تحتاج لمعرفة أن هذا سيحدث حولك، أن تكون على علم به، وأن تصمد خلال تلك الدورة من المبالغة. سوف تكون هناك فترة مثيرة في النهاية، لكن التوقعات مرتفعة جدًا اليوم وسيكون هناك – من وجهة نظري – فجوة صغيرة لتُسد من حيث الوفاء بالوعود لبعض تلك التوقعات».

«تبدو المرحلة التي نمر بها اليوم بشكل ما أكثر شبهًا بقليل بمرحلة التطوير المبكر لصناعة الأفلام، حيث كانت حداثة مشاهدة قطار يتجه مباشرة نحو الجمهور كافية لجعل الجمهور يقول: «واو رائع!» ويقفز عن مقاعده»، ويقول إنه بالنسبة للمستقبل القريب تعد الحداثة كافية.

ربما هو محق. ربما ضجة هذا العام المتعلقة بالواقع الافتراضي تمثل مجرد بداية فقط، وعندما تنتهي بشكل حتمي سوف يكون لدينا شيء أكثر استقرارًا وطبيعيةً؛ وسيلة جديدة لتشارك التجارب، وسيلة جديدة لالتقاط ذكرياتنا، أو وسيلة جديدة للعب الألعاب، أو ربما سوف يختفي إلى لا شيء، صيحة تكنولوجية منسية يحل محلها الشيء التالي اللامع. في كلتا الحالتين، لا أستطيع منع نفسي من التساؤل بشأن الأشخاص الذين قابلتهم الذين استثمروا الكثير من حياتهم في الواقع الافتراضي، وكم منهم سيتمكن من أن يصبح كصراصير شوين وأن يواجه العاصفة؟