أثارت زيارة الفنان «محمد صبحي» إلى سوريا، قبل أيام، لحضور معرض دمشق الدولي، تلبية لدعوة نظام «بشار الأسد»، استياء وانتقاد المهتمين بالشأن العام العربي، حيث كان يفترض بعض هؤلاء أن «ونيس» صاحب المبادئ ورائد شرطة الأخلاق، كما يلقبه رواد مواقع التواصل الاجتماعي، سيراعي دماء عشرات الآلاف من السوريين، الذين قُتلوا على يد نظام الأسد وحلفائه، خلال الأعوام الستة المنصرمة، ولن يشارك في تجميل صورة ديكتاتور سفاح.

رافقت محمد صبحي في هذه الزياة الفنانة «إلهام شاهين»، والتقت مفتي النظام السوري «أحمد بدر حسون» وأهداها الرجل نسخةً من القرآن العظيم. وعلى سيرته الأولى محمد صبحي صاحب المواقف المتباينة (دعم آخر ثلاث أنظمة تعاقبت على حكم مصر، وأزاح كلٌ منها الآخر)خرج للرد على منتقديه بنبرةٍ عروبية «زائفة» بأنه ذهب إلى سوريا ولم يذهب إسرائيل، وأن على منتقديه من السوريين أن يذهبوا لتحرير وطنهم من النظام الذي قتلهم على حد قولهم أو يتركوا حق تقرير المصير لمن هم على الأراضي السورية، ووصف رائد شرطة الأخلاق منتقديه بـ «المنحطين أخلاقيًا».

اقرأ أيضا:«محمد صبحي»: كيف تحول من فنان لرائد شرطة الأخلاق؟

لا يمكن النظر لهذه الزيارة على أنها مجرد زيارة عادية، فهي تأتي في إطار حملة ممنهجة يتبعها نظام الأسد لتجميل صورته عبر الاستعانة بمشاهير الفن والرياضة والثقافة العرب، وهي حملة تصاعدت مؤخرًا مع تزايد الأحاديث عن وصول القوى العظمى لاتفاق يقضي ببقاء الأسد على رأس سوريا.


تاريخ من الدعم المصري غير الرسمي

لعب بعض الفنانين والإعلاميين والشخصيات العامة المصرية دورًا مهمًا في حملة الأسد لتجميل ديكتاتوريته، وهو دور تنامى مؤخرًا، فزيارة وفد من الفنانين المصريين إلى دمشق الأسد، ليست الأولى من نوعها. بالعودة إلى الماضي القريب، وتحديدًا مايو/آيار الماضي، نجد أن هناك زيارة مسجلة بأسماء «فاروق الفيشاوي»، و«إلهام شاهين»، والإعلامية «بوسي شلبي»، تلبيةً لدعوة من نقابة الفنانين السوريين للاحتفال بعيد الفنانين، وعلى هامش هذه الزيارة كان هناك تصريحات تتحدث عن «المؤامرة الكبرى على سوريا» وأن «الإعلام المضلل خلق صورة معاكسة عما يحدث في سورية بأنها مدمرة».

وفي مطلع العام الحالي،زار وفد من نقابة المهندسين المصريّة برئاسة نقيب المهندسين «طارق النبراوي» سوريا، بدعوى «مناقشة المهندسين السوريّين في كيفيّة تفعيل بروتوكول تعاون مشترك»، وأن الزيارة لأمر نقابي بحت، لكن لقاء النبراوي برئيس وزراء النظام السوري، وتصريحاته عن دعم «الشعب المصري للشعب السوري في حربه ضد الإرهاب والحفاظ على وحدة أراضيه» يشيان بأن للأمر أبعادا أخرى.

وقبل زيارة وفد نقابة المهندسين بأسبوعين تقريبًا،سافر وفد إعلامي مصري على رأسه «يوسف الحسيني» والصحفي بجريدة الأهرام «مصطفى السعيد»، عدة مدن سورية. كان الهدف المعلن من الزيارة «نقل ما حلّ بحلب الحرّة، ودمشق الدرّة»، وأكدت قناة «أون تي في»، التي كان الحسيني يعمل ضمن طاقمها، أن «الزيارة لا تعني أيّ انحياز من القناة أو الحسيني لنظام الأسد»، لكن تغطية القناة المنحازة لنظام الأسد والداعمة لروايته بدت وكأنها دعاية له وليس نقلًا للحقيقة.

تمت هذه الزيارات الأربع خلال العام الجاري فقط، لكن إذا ما عدنا بالذاكرة قليلًا إلى الوراء، هناك زيارة قام بها وفد من نقابة المحامين المصريين برئاسة «سامح عاشور»، في ديسمبر/كانون الثاني 2016، والتقى خلالها الوفد – باستثناء عاشور – الأسد الذي أفاض في شرح «المؤامرة الكونية» على سوريا.

وفي مارس/آذار 2016،قام الأمين العام للتجمع العربى لدعم خيار المقاومة بالقاهرة، جمال زهران، بزيارة دمشق ولقاء الأسد، بصحبة محمد رفعت، رئيس حزب الوفاق القومي، ومحمود فرغل، رئيس حزب العدالة الاجتماعية، وعدد آخر من السياسيين غير المعروفين.

أما الزيارة الأولى –المعروفة – إلى سوريا، عقب اندلاع الثورة في عام 2011، فقد قام بها وفد ناصري برئاسة أحمد حسن، أمين عام الحزب الناصري المصري، لدعم بشار الأسد في مواجهة ما سموه «الحرب الهمجية الشرسة التي تتعرض لها سوريا».


المشترك بين داعمي الأسد

تجمع أغلب المصريين الذين زاروا سوريا لتجميل صورة بشار، عدة سمات مشتركة، فجُلهم من المناهضين بشدة للإسلام السياسي، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، ويعتبرون أن دعمهم للأسد جزء من حربهم الخاصة ضد الإسلاميين. ومواقف الفنانة إلهام شاهين والإعلامي يوسف الحسيني والناصريين معروفة في هذا الشأن بالأخذ في الاعتبار موقعهم من الخريطة السياسية المصرية.

يُلاحظ أيضًا أن أغلب المذكورين من المؤيدين بقوة للرئيس السيسي؛ ساندوه عندما أطاح بالرئيس الأسبق محمد مرسي، ودعموه حتى وصل إلى كرسي الرئاسة، وما زالوا إلى الآن من المؤيدين المخلصين له والمهاجمين الشرسين للمعارضة المدنية، الإسلامية وغير الإسلامية.

من هنا يمكن استشفاف أن هذه الزيارات لا تلقى معارضة من النظام المصري، بل وهناك مؤشرات جدية على أنها تحظى بدعم رسمي مُبطن، وربما تتم تحت إشراف النظام. فالسفر إلى سوريا لا يتم سوى بموافقة الأجهزة الأمنية، كما أن الرئيس السيسي نفسه عبر أكثر من مرة دعمه للنظام السوري، وتبادل الطرفان زيارات رسمية، وبينهما تنسيق مشترك أبعاده غير واضحة إلى الآن، لكن كثيرين يتحدثون عن تعاون عسكري وهو أمر تنفيه القاهرة، وتثبته جهات دولية.