عاصفة من الجدل أشعلها خبر تكريم «سمية الخشاب»، الممثلة المصرية، في ملتقى «المرأة السعودية الثالث» ومنحها خاتم النبي هدية لها. وعلى الرغم من أن اللجنة المنظمة للملتقى نفت هذا التكريم، معتبرة أنه مجرد درع تذكارية مُنحت جميع السيدات اللائي شاركن في الحفل الذي شاركت فيه الخشاب لـ «التعبير عن مكانة المرأة السعودية التي وصلت إليها»، وما تلا ذلك من توضيح الممثلة نفسها أن اعتقاد بعض المتابعين أنها حصلت على المجسم الحقيقي لخاتم النبي هو «فهم غير صحيح»، كان يكفي الطرفان ردًّا على تلك المزاعم القول بأن هذه القطعة وبكل بساطة غير موجودة، لا في السعودية ولا خارجها، كما أكدت كل المراجع التاريخية.


قصة خاتم النبي

رسم لرسالة النبي إلى المقوقس تم اكتشافه في مصر سنة 1858
شغلني هذا عنكم منذ اليوم: إليه نظرة، وإليكم نظرة.
النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتمه

كان أول ظهور للخاتم النبوي في كتب التاريخ عندما رغب الرسول في الكتابة «إلى بعض الأعاجم»، فالخاتم أداة لم تظهر الحاجة إليها إلا عقب صُلح الحديبية عندما بدأ النبي، صلى الله عليه وسلم، يبعث الرسائل إلى قادة الأصقاع المجاورة ليدعوهم للإسلام، ولم يكن الخاتم موجودًا قبلها، بدليل أن علي بن أبي طالب تولَّى كتابة اسم النبي وصِفته بخط يده لحظة صياغة وثيقة الصلح.

أما عن سبب ارتباط تدشين الخاتم بقرار الكتابة فهي النصيحة التي تلقاها النبي بأن الأعاجم المعنيين بالمراسلة «لا يقرءون كتابًا إلا بخاتم»، فاتخذ النبي لنفسه خاتمًا «فصُّه حبشي»، وبه أصبح النبي أول من ختم الكتاب من قريش على حد قول السيوطي في كتابه «الوسائل في معرفة الأوائل».

نقش على الخاتم «محمد رسول الله»، وجاء النقش هرميًّا على ثلاثة أسطر: «محمد» سطر، و«رسول» سطر، و«الله» سطر [ii]. وكانت الحروف منقوشة بشكل مقلوب معكوس كصورة المرآة، وذلك كي تكون مستوية عند ختمها، ولا تزال حتى الآن رسالة النبي للمقوقس تحمل الشكل النهائي للخاتم مطبوعًا.

أما عن مادة الخاتم الأول فقد تباينت المرويات حولها، ما بين قائل إنها كانت الفضة، ومن قائل إنها من الذهب. تمنحنا المروية الثانية تفاصيل أكثر، فالنبي، وفقًا لها، اتخذ خاتمًا ذهبيًّا في أول الأمر لثلاثة أيام، فقلَّده الصحابة بعدها وفشت بينهم الخواتيم الذهب، فرمى به ثم اتخذه بعدها من ورِق (فضة) ونقش فيه «محمد رسول الله»، وهو تقليد أمر النبي أصحابه ألا يتبعوه فيه قائلًا:

وقد قال أحدهم إن الخاتم كان من حديد مُفضَّض: «كان خاتم النبي من حديد ملوي عليه فضة»، وقد وصف هذا الأثر المروي خاتم النبي وقال إن رجلًا اسمه معيقيب كان مسئولًا عنه. وهنا تظهر لنا وظيفة حافظ الخاتم لأول مرة، ويتضح لنا أن النبي لم يكن يداوم على حفظه في «خنصره الأيسر» كما تتفق أغلب الروايات، وإنما عيَّن شخصًا مسئولاً عنه يُعهد له بحفظه ومناولته إياه عند طلبه.

يروي ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» أن «رجل الخاتم» اسمه معيقيب بن أبي فاطمة الدَّوْسي، من المسلمين الأوائل، روى عن النبي حديثين، وأحد الذين هاجروا إلى الحبشة الهجرة الثانية، ثم هاجر بعدها إلى المدينة. وبخلاف توليه مهمة حمل خاتم النبي، فإن أبا بكر وعمر استعملاه على بيت المال. ويضيف بدر الدين العيني في كتابه «نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار» أن معيقيب أصيب بالجذام، وأحضر له عُمر الأطباء فعالجوه حتى توقف المرض، وتُوفي سنة 40 هجريًّا.

اعتمد النبي بشكل كامل على الخاتم لحظة إخراجه أي وثيقة رسمية،يقول المهلب: «كان عليه السلام لا يستغني عن الختم به في الكتب إلى البلدان، وأجوبة العمال وقواد السرايا، وذات مرة كتب الرسول كتابًا ولم يكن معه خاتمه فختمه بظفره».


ضياع الخاتم بعد وفاة الرسول

من أراد أن يصوغ عليه فليفعل ولا تنقشوا على نقشه.

بعد وفاة الرسول انتقلت حيازة الخاتم إلى أبي بكر، ومن بعده إلى عمر، ومن بعده إلى عثمان الذي ظلَّ محافظًا عليه 6 سنوات كاملة. وبينما كان الخليفة الثالث واقفًا في أحد الأيام عند بئر على أطراف المدينة يُدعى «أريس»، أخذ يعبث بالخاتم، يخرجه من يده ويديره حول إصبعه،فسقط منه داخل البئر، فجمع عثمان عماله وأمرهم بالتنقيب عنه داخله، فعملوا بكدٍّ لثلاثة أيام متواصلة حتى نزحوا ماءه كاملة، ورغم ذلك لم يجدوه.

و«أريس» هي بئر تقع جنوب غرب المدينة، على بعد 200 متر من مسجد قباء، سُميت على اسم رجل يهودي، يعني باللهجة الشامية المحلية «الفلاح»، وهو رجل اعتنى بهذه البئر قديمًا وزاد عمقها إلى 12 مترًا، وكان لها فتحة تصل بالماء إلى عين يشرب منها أهل المدينة،ولقد أجاز بعض المفتين التبرك بالشرب منها، معتبرًا أن هذا الأمر متفرع من مسألة التبرك بوضوء النبي لا فرق بين حكميهما.

وقد ارتبطت تلك البئر نفسها بواقعة أخرى سعيدة في سيرة عثمان، فلقد روي عن النبي أنه كان يتوضأ من تلك البئر ويجلس عليها، وأنه ذات مرة كشف عن ساقيه ودلَّاهما في البئر، وبعدها دخل عليه تباعًا أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان، وكلَّما جلس جواره أحدهم وفعل مثله، بشَّره الرسول بالجنة، إلا عثمان، فقد تنبأ له النبي بالجنة على «بلوى» تصيبه؛ فهكذا يكون «أريس» شاهدًا على نبوءة البلوى وبدايتها.

اتخذ عثمان لنفسه خاتمًا جديدًا من فضة نقش عليه «آمن بالذي خلق فسوَّى» أو «لتبصرن أو لتندمن» أو «اللهم أحيني سعيدًا وأمتني شهيدًا»، وهو تقليد ليس بالجديد على الخلافة، فلقد سبقه عمر واتخذ لنفسه خاتمًا إضافيًّا بجانب خاتم النبي، كان نقشه «كفى بالموت واعظًا».

يقول مؤلفو كتاب «دائرة المعارف الإسلامية» إن المسلمين عاشوا في اضطراب خلال فترة حكم عثمان الأخيرة بداية من عام 30 هـ (لحظة فقدان الخاتم) وحتى عام 35هـ (لحظة قتل الخليفة)، ويُرجعون سبب هذا الوهن الأخير إلى تفسيرات غيبية مرتبطة بضياع خاتم الرسول.يشرح ابن حجر: «قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي، صلى الله عليه وسلم، انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان».

وبخلاف معيقيب،فقد ظهر في كتب التاريخ اسمان لحملة أختام آخرين للرسول، هما حنظلة بن الربيع بن صيفي، والحارث بن عوف المري، وكان إذا غاب أحدهما ناب عنه الآخر في مهمته الجليلة.