محتوى مترجم
المصدر
ريسيرش جايت
التاريخ
2015/04/20
الكاتب
ديفيد ميلر بايرز
بصفتي رسّام خرائط في «ناشيونال جيوجرافيك» في العاصمة واشنطن، عملت على عدد لا يحصى من الخرائط الخاصة بمصر، ومع ذلك، لم أظن أبدًا أنني سأرى المشهد الخالد للأهرامات بأم عيني. ولكنني فعلتها! في يوم عيد الميلاد عام 2007، سافرت عائلتي على متن إحدى طائرات «مصر للطيران» من نيويورك إلى القاهرة. كان هدفنا التعلم بشأن الجغرافيا الثقافية والطبيعية لمصر. سيقدم ذلك منفعة خاصة لابني، بول، الذي كان يدرس أفريقيا في صف الجغرافيا بمدرسته الإعدادية. بينما كان هدفي استغلال رؤيتي خلال تلك الرحلة لرسم خرائط أكثر دقة – والاستمتاع برحلة العمر.طُرحت فكرة تلك الرحلة قبل عامين، عندما عُرّفت بالسفير مدحت القاضي وزوجته هايدي فاروق. في تلك الفترة، كان مدحت السفير المصري بجمهورية الكونغو، وكانت هايدي تجري أبحاثًا عن الخرائط التاريخية للشرق الأوسط للمساعدة في حل قضايا الحدود الدولية.
تظهر الخريطة موقعي جزيرتي «تيران» و «صنافير»

تضمنت إحدى قضايا الحدود التي جمعتني بهايدي جزيرتين، إنهما تيران وصنافير، الواقعتان في البحر الأحمر عند مدخل خليج العقبة. صوّر معظم الخرائط والأطالس –بما في ذلك خرائط ناشيونال جيوجرافيك في تلك الفترة– الجزيرتين الصغيرتين، الواقعتين إلى شرق حافة شبه جزيرة سيناء، على أنهما تابعتين للمملكة السعودية.

توجد عدة خرائط ووثائق تاريخية تثبت أن الجزيرتين تنتميان إلى مصر

لكن هايدي توصّلت إلى عدة خرائط ووثائق تاريخية لإثبات أن الجزيرتين تنتميان إلى مصر. علاوة على ذلك، وصفت وثائق أخرى الجزيرتين على أنهما جزء من المحمية الوطنية الأولى بمصر – محمية رأس محمد الوطنية. وقد تقرر أنني يجب أن أذهب لأرى الجزيرتين والتأكد من حالتهما السيادية والمحمية.وصلنا إلى القاهرة ضمن الخطوة الأولى من رحلتنا، وهي المدينة الأكبر في أفريقيا، حيث يعيش بها حوالي 11 مليون نسمة. اختبرنا الحياة في القاهرة لأيام قليلة، قبل السفر إلى سيناء. كما التقط بعض الخرائط المحلية لتساعدني في مراجعة خرائطنا للقاهرة ومصر.ملأت رافعات البناء المشهد الحضري، لذلك كان الحصول على خريطة مؤرخة سهلًا.لاحظت أن المدينة تكون أكثر وضوحًا وبرودة في ديسمبر، ولكن حركة المرور متصلبة، مع وجود سيارات وشاحنات منبعجة تُصدر باستمرار أصوات أبواقها. توقعت أن تكون المدينة إسلامية، تُهيمن المآذن على سمائها، لكنني وجدت أنها تحتضن أيضًا الكثير من الكنائس القبطية المسيحية، بما في ذلك الكنيسة المعلقة الشهيرة، التي ترجع إلى القرن الرابع بعد الميلاد وتتدلى من أعمدة قلعة رومانية عتيقة. كما لاحظنا وجود العديد من المعابد اليهودية عتيقة المظهر.تمتد مساحة القاهرة في جميع الاتجاهات، وبينما عبرنا النيل وتوجهنا نحو أهرامات الجيزة، أمكننا رؤية كيف أن التجمع الحضاري الحديث قد حاصر الآثار الفرعونية القديمة بشكل شبه كامل. بينما تبعنا الطريق السريع إلى الغرب، نمت حماسة عائلتنا عند اللمحة الأولى للأهرامات البعيدة. أدركت عندها أن الصور والوصف لم يؤت الأهرامات حقها. كانت الحجارة المستخدمة في بناء الأهرامات ضخمة، وكان أبو الهول العظيم منحوتًا من الحجر الجيري الصلب فيما كان قبل محجرًا عظيمًا. ورغم حجمها، تتناغم تلك الآثار مع الهضبة الذهبية والسماء الزرقاء.

تخضع الهضبة لحماية الحكومة المصرية بالإضافة إلى كونها مُضمنة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي

دُفنت الآثار لآلاف السنين بفعل العواصف الصحراوية – التي حمتها من ويلات الزمن. واليوم، تخضع الهضبة لحماية الحكومة المصرية، كما أنها مُضمنة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي. وفي اليوم التالي، بينما كنا نغادر القاهرة، كان أفق المدينة محجوبًا بفعل الغبار المنبعث من الصحراء.

وصلنا إلى شرم الشيخ، التي يطلق عليها المحليون «شرم»، وقابلنا محافظ جنوب سيناء، محمد هاني متولي. أعرب لنا المحافظ عن تطلعه إلى التنمية السياحية المستدامة لجنوب سيناء، التي تشمل الحفاظ على الجمال الطبيعي للبحر الأحمر وحماية برية جبل سيناء والمناظر الطبيعية الساحلية.تقع شرم الشيخ قرب الحافة الجنوبية لشبه جزيرة سيناء وتعد وجهة سياحية للأوروبيين، القادمين للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الصحراوية، الشواطئ، المياة النقية والشعاب المرجانية المزدهرة التي تعج بالأسماك الاستوائية. إنها مدينة مزدهرة، حيث سيطرت الصحراء والبحر –وليس الفنادق– على المشهد. تمثلت الفنادق في مبانٍ غير مرتفعة ممتزجة مع التضاريس المحلية والإطلالة البحرية. تبدو الجبال مرئية بوضوح من معظم أجزاء المدينة، وكذلك مبنيان من صنع الإنسان؛ المسجد والكاتدرائية القبطية.
البحر الأحمر

بالتأكيد، يتوفر بالمدينة العديد من المقاصد السياحية، وخلال يومنا الثاني في شرم الشيخ أخذنا جولة بقارب «ديسكفري»، الذي تشغله شركة «صن إن فان»، ويديرها مغامرون مصريون.يعد القارب أكثر من مجرد مركب تقليدي زجاجي القعر، بل هو شبه غاطسة، له ألواح زجاجية بطول جوانبه توفر رؤية بانورامية للشعب المرجانية والأسماك الغنية بالألوان. أتاح لنا الزجاج الشفاف رؤيةً، عن قرب، لعالم ما تحت الماء الواسع – بل وجزء من مشهد ما تحت الماء مع إقامة الغطاسين لعرضٍ لاستكشاف الكنوز المدفونة. أشار مالك القارب، أشرف الأقصر، بفخر إلى أن القارب قد صُنع هندسيًا في مصر وصُمم لخفض تأثيره على البيئة البحرية إلى أقل حد ممكن.

تُعد المياه المحيطة بتيران وصنافير -الغنية بالشعاب المرجانية- جزءًا من محمية رأس محمد الوطنية

في يومنا الأخير بشرم الشيخ، عبرنا المضيق حيث يصب خليج العقبة في البحر الأحمر في طريقنا إلى جزيرتي تيران وصنافير. ولأن المياه المحيطة بهاتين الجزيرتين كانت غنية بالشعاب المرجانية، وتعد جزءًا من محمية رأس محمد الوطنية، كنا بحاجة إلى تصريح خاص للاقتراب من تيران.
تتمركز نقطة حراسة على الشاطئ الجنوبي الشرقي لجزيرة تيران وبينما اقترب قاربنا، خرج مركب «زودياك» من نقطة الحراسة لتفقدنا. لم نتمكن من الرسو بالجزيرة أو إنزال المراساة بسبب الوضع المحمي للجزيرة وشعابها المرجانية. ومع ذلك، أمكننا الاستمتاع بالنظر إلى الطبقات متعددة الألوان من الرمال والحجارة بطول منحدرات الجزيرة بينما أبحرنا قبالة الساحل، مفتونين بقفزات الدولفين في الماء من حين لآخر. ومع علمنا أن الفراعنة قد حصلوا على أحجار كريمة من سيناء، افترضنا رؤية أطلال القصور القديمة وسط التضاريس الصحراوية القاسية لجزيرة تيران.
إن التزام مصر بحماية تراثها الطبيعي عظيم بقدر شغفها بالحفاظ على تاريخها الثقافي

تمكنت أيضًا من رؤية تيران وصنافير من الطائرة بينما غادرنا شرم الشيخ في اليوم التالي. تبدو تيران كبيرة وجبلية، لكن صنافير تبدو أصغر ومسطحة تقريبًا من الجو.يستمتع المصريون بتداول حكاية أن اسمي الجزيرتين يرجع إلى اسمي محبين، تيران وصنافير، الذين تقطعت بهم السبل على جزيرتين منفصلتين يناجيان بعضهما البعض على نحو يرثى له دون نهاية – لا تزال الرياح تردد اسميهما.بينما غادرنا المجال الجوي المصري، فكرت بشأن تأثير الرحلة. نعم، تأكدت أن تيران وصنافير تابعتان لمصر، لكن الأهم، علمت أن التزام مصر بحماية تراثها الطبيعي عظيم بقدر شغفها بالحفاظ على تاريخها الثقافي. أتمنى أن تحافظ مصر على التوجهين.