ما زال الخلاف -المنتهي علميًّا أو مؤسسيًّا على الأقل- دائمًا بين جماهير علوم الفلك، حول كون بلوتو كوكبًا أم لا، وهو الخلاف الذي لا يهم بلوتو كثيرًا في وحدته والتي بدت من منظوره أبدية، قبل أن تقطعها زيارة مفاجئة -له وليس لنا- من مركبة ناسا New Horizons، وهي التي لم تكن لولا مجهودات آلان سيترن وبل ناي وأصدقائها في جمعية The Pluto Underground. والزيارة التي تمت في يوليو من العام الفائت ولم تستغرق سوى وقت قصير للغاية، بعد رحلة طالت لأكثر من تسع سنوات، حملت لأهل الأرض الكثير والكثير من العلومات حول بلوتو، وذلك قبل أن ينطلق المسبار في رحلته اللانهائية بين صخور حزام كايبر حاملًا بقايا رماد مكتشف بلوتو الأول كلايد تومبو Clyde Tombaugh، وهي الرحلة التي ربما تنتهي -كما أخيه الأكبر Voyager 1- بالتحليق خارج المجموعة الشمسية، بين النجوم interstellar.

new horizons

والآن وبعد أشهر من الزيارة الخاطفة أصبحنا نعرف المزيد عن بلوتو، كما أصدر فريق العلماء المسؤول عن المهمة عدة أوراق بحثية في مارس تكشف لنا الكثير عن بلوتو وأقماره وسطحه وطقسه. وقد غيرت الزيارة بالفعل الكثير من المفاهيم المسبقة عن هذا الكوكب القزم البعيد.


سطح بلوتو نشط جيولوجيًّا

هذا ما تؤكده دراسة تشكيلات الفوهات والطبيعة السطحية للكوكب. هذا كوكب نشط جيولوجيًا طوال آخر 4 مليارات عام من عمره على الأقل، وهي المعلومة التي فاجأت العلماء بالفعل. فبعد رسم جزء من خريطة سطحية لتضاريس بلوتو بمساحة 2070 كيلومترًا مربعًا، وجد العلماء تنوعًا هائلًا في طبيعة السطح نتيجة تغير دائم ومستمر. ففي تلك الخريطة -والتي تغطي قلب بلوتو الشهير- نجد أن كل لون مختلف يمثل طبيعة وحقبة زمنية مختلفة تكون فيها هذا الجزء من سطح الكوكب.

nh-geomorphologicalmapping_smaller-alignedkey-v2

ولا يقتصر التعقيد على هذا، بل يمتد ليشتمل تركيز المكونات السطحية أيضًا، بين مناطق غنية بالنيتروجين ومناطق غنية بالميثان وأخرى غنية بالمياه، وذلك بشكل غير مسبوق في كوكب آخر في المجموعة الشمسية؛ دليل آخر على النشاط الجيولوجي الممتد لمليارات السنوات. الصورة مكونة من 12 صورة منفصلة قامت الكاميرا لوري Long Range Reconnaissance Imager (LORRI) بالتقاطها للكوكب من على بعد 77 ألف كيلومتر.


جو بلوتو أبرد كثيرًا

tumblr_inline_o47acpnckb1tzhl5u_1280

وهذا بالطبع مقارنة بما كنا نتصوره مسبقًا، حيث قامت الكاميرا الطيفية ليزا Ralph/Linear Etalon Imaging Spectral Array (LEISA) على متن New Horizons بالتقاط أول صور لغلاف بلوتو الجو وذلك برصد الموجات تحت الحمراء الناتجة عن مرور ضوء الشمس خلاله وتحليل طيفه وذلك لمعرفة مكوناته أيضًا. وفي الصورة نجد أن ضوء الشمس يأتي من فوق وخلف بلوتو، والدائرة الزرقاء نتيجة تشتت ضوء الشمس في الضباب الذي يكون غلاف الكوكب نتيجة التفاعلات الكيميائية التي تنتج عن سقوط ضوء الشمس على الميثان، والتي تنتج مواد هيدروكربونية تتناثر جزيئاتها بسبب الرياح العاتية في الغلاف الجوي، لتشتت ضوء الشمس.

tumblr_inline_o47atgYQwS1tzhl5u_1280

وتمتد الدائرة الضبابية حول بلوتو -والتي تسمى Pluto’s haze- لعدة مئات من الكيلومترات في الفضاء. ووجد العلماء أن درجة حرارة الغلاف الجوي للكوكب أقل بـ 70 درجة فهرنهايتية عما هو متوقع، والسبب غامض، مما يلقي بتساؤلات جديدة حول معدل تطاير الغلاف الجوي للكوكب القزم وتأثره بالرياح الشمسية. ويتكون غلاف بلوتو الجوي من النيتروجين والميثان والإيثيلين والأستيلين. والطبقات العليا منه تهرب من سيطرة جاذبية الكوكب، الضعيفة أصلًا بسبب كتلته الصغيرة. وبمجرد اقترابها من طبقات الغلاف الخارجي تتأيّن بسبب تعرضها للأشعة فوق البنفسجية، لتتطاير الأيونات بفعل الرياح الشمسية. ويهدف العلماء بدراستهم للغلاف الجوي لبلوتو ولغيره من الكواكب، ودراسة تأثير الرياح الشمسية عليه، محاولة معرفة مصير الغلاف الجوي للأرض، وتأثير الرياح الشمسية عليه، والتي يحميها منه المجال المغناطيسي للأرض.

أما البقع البيضاء في الصورة فهي ناتجة عن انعكاس ضوء الشمس على مناطق لامعة ناعمة على سطح بلوتو، يقع أكبرها -منطقة كوتولو Cthulhu Regio- في غرب الكوكب القزم.


فضاء بلوتو نظيف

هذا ما رصده جهاز Venetia Burney Student Dust Counter المحمل على المسبار والمصمم بواسطة مجموعة من الطلاب المتعاونين مع ناسا في المشروع. فقد كانت ناسا تحمل مخاوف من وجود كتل صخرية أو رمال أو بقايا حطام فلكي قديم حول بلوتو تتسبب في إتلاف أجهزة New Horizons أو تدميره تمامًا. لكن، وخلال خمسة أيام كاملة -هي الفترة التي قضاها المسبار بالقرب من بلوتو- لم يرصد Venetia -المسمى على اسم Venetia Burney والتي أطلقت على بلوتو اسمه- لم يرصد سوى ذرة رمال واحدة فقط. كان هذا خبرًا جيدًا بالتأكيد.


أقمار بلوتو تحمل مفاجآتها أيضًا

nh-pluto-atmosphere-infrared
tumblr_inline_o47abm0TiG1tzhl5u_1280

فشارون، قمر بلوتو الأكبر والذي يبلغ حجمه نصف حجم بلوتو نفسه، يحتوي سطحه على الكثير من التلال والمنحدرات والوديان والموزعة بشكل غريب لا يمكن تفسيره سوى بتفجر قشرته السطحية بسبب ضغط داخلي. وتشير الدلائل أن شارون كان دافئًا قديمًا بسبب النشاط الإشعاعي، كما كان غنيًا بالمياه، والتي جعلها الدفء سائلة، فكونت محيطًا تحت قشرة القمر. وبسبب الاضمحلال الإشعاعي المستمر فقد القمر دفئه وتجمد قلبه المائي والذي تمدد بقوة تسببت في شرخ قشرة القمر. وحدث هذا منذ 4 مليارات عام تقريبًا.

tumblr_inline_o47aq18bfY1tzhl5u_1280

ولبلوتو أربعة أقمار أخرى صغيرة غير شارون. ووجد العلماء أن أقمار بلوتو تعكس ما نسبته 50-80% من الضوء الساقط عليها؛ مما يعزز من النظرية التي تقول أن بلوتو لم يجذبها من حزام كايبر، لكنها نشأت منذ البداية نتيجة لتجمع بقايا من الاصطدام العملاق الذي تسبب في نشأة شارون.

وما زال New Horizons يرسل بيانات بلوتو حتى الآن، وما زال الكوكب -القزم- يكشف لنا عن أسراره يومًا بعد يوم.

المراجع
  1. 1
  2. 2