محتوى مترجم
المصدر
The Economist
التاريخ
2016/05/14
الكاتب

عندما رسم السير مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو سرًا خطوطهما على خريطة الشام لتفتيت الإمبراطورية العثمانية في مايو 1916، في أوج الحرب العالمية الأولى، بالكاد أمكنهما تخيل الفوضى التي بدآها؛ قرن من الخيانة الإمبريالية والاستياء العربي، عدم الاستقرار والانقلابات، الحروب، التهجير، الاحتلال وعملية صنع السلام الفاشلة في فلسطين، والقمع، التطرف، والإرهاب في كل مكان تقريبًا.

في نشوة انتفاضات عام 2011، عندما أُطيح بمستبدٍ عربي بشع تلو الآخر، بدا وكأن العرب يتجهون أخيرًا نحو الديمقراطية. ولكن بدلًا من ذلك، أصبحت أوضاعهم أكثر ظلامًا من أي وقت مضى. تحت حكم عبد الفتاح السيسي، تعد مصر أكثر شقاءً مما كانت عليه تحت حكم المستبد المخلوع، حسني مبارك. لقد انهارت الدولة في العراق، سوريا، ليبيا واليمن. يتفشى غضب الحرب الأهلية والطائفية، وتغذيهما المنافسة بين إيران والسعودية. وتتفشى «الخلافة» الجهادية الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية، وهي النمو المنفر للغضب السني، في أجزاء أخرى من العالم العربي.

ارتكبت أوروبا وأمريكا أخطاء، لكن شقاء العالم العربي نجَم بالأساس عن إخفاقاته.

بقدر ما يبدو ذلك كئيبًا، فالوضع لا يزال بإمكانه أن يزداد سوءًا. إذا اعتبرنا الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 مقياسًا، فإن الحرب السورية قد يظل أمامها سنوات كثيرة. وقد تصبح أماكن أخرى فظيعة. فالجزائر تواجه أزمة في القيادة، قد يمتد التمرد في سيناء إلى مصر، تهدد الفوضى بسحق الأردن، قد تُجر إسرائيل إلى المشاركة في المعارك الجارية على حدودها، يزعزع هبوط أسعار النفط استقرار دول الخليج، وقد يؤدي الصراع بالوكالة بين المملكة السعودية وإيران إلى حرب مباشرة.

كل ذلك ليس حقيقةً «صراعًا بين الحضارات» بقدر كونه حربًا داخل الحضارة العربية. والغرباء لا يمكنهم إصلاح ذلك، رغم أن أفعالهم يمكنها أن تجعل الوضع أفضل قليلًا أو أسوأ كثيرًا. أولًا وقبل كل شيء، يجب أن يأتي الحل من جانب العرب أنفسهم.

http://gty.im/460720083


احترس من الإجابات السهلة

تعاني الدول العربية من أزمة في الشرعية. فبشكل ما، لم يتجاوز العرب أبدًا سقوط الإمبراطورية العثمانية. وقد سعت جميع الأيديولوجيات البارزة – القومية العربية، الإسلامية، والآن الجهادية – إلى إقامة دولة ما أكبر وتتجاوز الحدود التي خلفها المستعمرون. والآن تنهار هذه الدول، ويعود العرب إلى الهويات العرقية والدينية. بالنسبة للبعض، تشبه حمامات الدماء – في الدول العربية – حروب يوغوسلافيا الماضية في التسعينيات. بينما يشير آخرون إلى التماثل مع الصراع الديني في «حرب الثلاثين عامًا» التي خاضتها أوروبا في القرن السابع عشر. أيًا كانت المقارنة، أزمة العالم العربي عميقة ومعقدة، الحلول السهلة خطيرة، وهناك أربع أفكار، تحديدًا، يجب رفضها.

أولًا، يلوم كثيرون القوى الغربية على هذه الفوضى – من «سايكس بيكو» إلى إنشاء إسرائيل، بالإضافة إلى الاحتلال الفرنسي البريطاني لقناة السويس عام 1956 والتدخلات الأمريكية المتكررة. عادة ما جعل الأجانب الأمور أسوأ؛ فالغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أطلق شياطين الطائفية في البلاد. لكن فكرة أن أمريكا يجب أن تبتعد عن المنطقة – التي يبدو أن أوباما يتبناها – يمكنها أن تتسبب في الفوضى بنفس قدر التدخل، الأمر الذي يتجلى في الكارثة التي تشهدها سوريا.

ازدهرت الكثير من الدول رغم التواريخ المؤلمة: كوريا الجنوبية وبولندا – ناهيك عن إسرائيل. ومثلما يوضح تقريرنا الخاص، عانى العالم العربي من عدة إخفاقات من صنعه. كان الكثير من الحكام طغاة أخفوا استبدادهم وراء قناع الوحدة العربية وتحرير فلسطين «ولم يحققوا أيًا منهما». سمحت أموال النفط والأرباح الأخرى للحكام بشراء الولاءات، الدفع للوكالات الأمنية القمعية، والإبقاء على النماذج الاقتصادية الفاشلة التي تقودها الدولة، والتي هجرها العالم منذ وقت طويل.

تتمثل فكرة خاطئة أخرى في أن إعادة رسم حدود الدول العربية سوف تخلق دولًا أكثر استقرارًا تتماشى مع الخطوط العرقية والدينية للشعوب.

تتمثل فكرة خاطئة أخرى في أن إعادة رسم حدود الدول العربية سوف تخلق دولًا أكثر استقرارًا تتماشى مع الخطوط العرقية والدينية للشعوب. لكن الأمر ليس كذلك؛ فليس هناك خطوط منظمة في منطقة تتغير فيها الجماعات الإثنية والطوائف بين قرية والقرية التالية، أو بين شارع والشارع المجاور. يخاطر صوغ «سايكس بيكو جديدة» بخلق عدد من المظالم يطابق العدد الذي ستحله، وقد تثير المزيد من إراقة الدماء مع محاولة الجميع الاستيلاء على الأراضي وطرد المنافسين. ربما سيتخذ الأكراد في العراق وسوريا طريقهم الخاص؛ فقد حرموا من إنشاء دولتهم من قبل المستعمرين وقمعتهم الأنظمة اللاحقة، إلا أنهم أثبتوا كونهم مقاتلين شجعان في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. على الأرجح، ستقدم اللامركزية والفيدرالية أفضل الإجابات، وقد تقنع الأكراد بأن يظلوا داخل النظام العربي. لا يجب اعتبار خفض سلطات الحكومة المركزية كمزيد من التقسيم لبلاد قُسّمت بشكل غير عادل، بل يجب أن يُرى كوسيلة للمّ شمل الدول الممزقة حاليًا بالفعل، والبديل للهيكل المرن هو الانفصال الدائم.

http://gty.im/136013579

الفكرة الثالثة غير الحكيمة هي أن الاستبداد العربي يشكّل وسيلة لصد التطرف والفوضى. ففي مصر، يثبت حكم السيسي أنه قمعي كما هو عشوائي وفاشل اقتصاديًا، والغضب الشعبي آخذ في النمو. وفي سوريا، يودّ بشار الأسد وحلفاؤه أن يتم تصوير نظامه على أنه القوة الوحيدة التي يمكنها السيطرة على الفوضى. ولكن العكس هو الصحيح؛ فعنف الأسد هو السبب الرئيسي للاضطراب. الاستبداد العربي ليس أساسًا للاستقرار. هذا الأمر،على الأقل، من المفترض أنه قد أصبح واضحًا عقب انتفاضات عام 2011.

الاستبداد العربي ليس أساسًا للاستقرار. هذا الأمر،على الأقل، من المفترض أنه قد أصبح واضحًا عقب انتفاضات عام 2011.

رابع ادعاء باطل هو أن الإسلام هو السبب في هذه الفوضى. تسمية المشكلة بأنها الإسلام، مثلما يسعى دونالد ترامب وبعض الأمريكيين المحافظين، أشبه بتسمية المسيحية سببًا لحروب أوروبا والمعاداة المجرمة للسامية. الأمر جزئيّ صحيح، لكنه يقدم القليل من المساعدة على الصعيد العملي. أي إسلام هو المقصود؟، نموذج قطع الرؤوس الذي يعتنقه تنظيم الدولة الإسلامية، أم مثال الدولة الثورية الذي يضمحل في إيران، أم النسخة السياسية التي يؤيدها قادة حزب النهضة التونسي الذين يرتدون البدلات ويصفون أنفسهم بأنهم «مسلمون ديمقراطيون»؟. تنطوي شيطنة الإسلام على تقوية «النسخة المانوية» التي يقدمها تنظيم الدولة الإسلامية. ينبغي على العالم بدلًا من ذلك أن يتعرف على تنوّع الأفكار داخل الإسلام، وأن يدعم التوجهات المعتدلة ويجابه المتطرفين. فدون الإسلام، يرجّح ألا يصمد أي حل.


الإصلاح أو الهلاك

يعني كل هذا أن حل أزمة العالم العربي سيكون بطيئًا وصعبًا. الجهود لاحتواء وإنهاء الحروب هامة، وسيتطلب ذلك هزم تنظيم الدولة الإسلامية، وتسوية سياسية لتحرير السنة في العراق وسوريا، بالإضافة إلى التوفيق بين إيران والسعودية. من المهم أيضًا أن يتم دعم الإصلاح في الدول التي نجت من الانتفاضات. ينبغي على قادتها أن يتغيروا أو أن يواجهوا خطر التخلي عنهم. الأدوات القديمة للسلطة أصبحت أضعف: فالنفط سيظلّ رخيصًا لفترة طويلة ولا يستطيع رجال الشرطة السرية أن يوقفوا المعارضة في عالم الشبكات.

وبالتالي، ينبغي على الملوك والرؤساء استعادة ثقة شعوبهم. سيحتاجون إلى شرعية «المشاركة»؛ أي: إعطاء المساحة للمعارضين، سواء أكانوا ليبراليين أو إسلاميين، وفي النهاية، تأسيس ديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى تدعيم سلطة القانون وبناء اقتصادات إنتاجية قادرة على الازدهار في عالم معولم، يعني ذلك الابتعاد عن النظام الريعي وإبقاء المقربين بعيدًا عن السلطة.

دون إصلاح، تعد ردة الفعل العنيفة التالية مجرد مسألة وقت.

لا تستطيع أمريكا وأوروبا فرض مثل هذا التحول. لكن الغرب له تأثير، حيث يستطيع مدح وتشجيع الحكام العرب على تنفيذ الإصلاحات؛ ما يمكنه أن يساعد في احتواء القوى الأسوأ، مثل تنظيم الدولة الإسلامية. يجب أن يبدأ ذلك عبر دعم الديمقراطية الجديدة في تونس والإصلاحات السياسية في المغرب – على سبيل المثال، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يفتح أسواقه لمنتجات شمال أفريقيا. من المهم أيضًا أن تفتح السعودية مجتمعها وأن تفلح في إصلاحاتها لتفطم ذاتها عن النفط، وتمثل مصر الجائزة الكبرى. حاليًا، يقود السيسي البلاد نحو كارثة، سيُحَس بها في أنحاء العالم العربي كله وما وراءه أيضًا. على النقيض، تحرر ناجح قد يقود إلى الارتقاء بالمنطقة كلها.

مقاتل سوري من الجيش الحر يداعب قطًّا

دون إصلاح، تعد ردة الفعل العنيفة التالية مجرد مسألة وقت، لكن هناك أيضًا فرصة عظيمة. فالعرب يمكنهم أن يزدهروا مجددًا؛ فلديهم أنهار عظيمة، نفط، شواطئ، آثار، شعوب شابة، موقع على مفترق طرق التجارة وقرب الأسواق الأوروبية، وتقاليد علمية وفكرية غنية، فقط لو أدرك قادتهم ومقاتلوهم ذلك.