رحلة في عالم من الأبعاد الإضافية – الحلقة السادسة

تحرير ومراجعة إسلام سعد

في عام 1985، وبحلول الذكرى المئوية لميلاد ڤايل، وقف تشين-نينج يانج Chen Ning Yang في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بزيوريخ ETH Zurich معلقًا على جملة كتبها ڤايل عام 1918 في بحثه الذي طرح فيه فكرة المقياس. تقول الجملة: «إن مبدأ اللا تباين بالنسبة للمقياس يحمل في طياته أسلوب النسبية العامة، باعتباره مبنيًا على أي دالة اعتباطية (ل)، وبالقطع لا يمكن فهم المبدأ إلا من خلال ذلك». ما يقصده ڤايل أن أي دالة تصلح لوصف الجاذبية طالما أنها تحقق شروط اللا تباين، وقد سبق أن تحدثنا عن ذلك بالتفصيل في المقال الثالث.

نظرية يانج-ميلز

علق يانج على جملة ڤايل: «كان ربط ڤايل لمقياسه بالنسبية العامة أمرًا طبيعيًا في سياق ظهور النظرية عام 1918 لتوحيد الكهرومغناطيسية مع الجاذبية. بعد عشرين عامًا (يقصد «أربعين»، خطأ مطبعي أو خطأ حسابي) عندما عملتُ مع ميلز (يقصد روبرت ميلز Robert Mills) على نظرية مجالات المقياس اللا-آبيلية -والتي ناقشها باولي من قبل- كان الحافز لدينا منفصلًا بالكلية عن توحيد نظرية الكم بالنسبية العامة. لم نحب فكرة الربط بين النظريتين (مثل موقف باولي)، فقط في الستينيات أدركت التشابه في التركيب الرياضي بين ما قصده ڤايل ونظريتنا… ».

في بقية حديث يانج، شرح للحضور كيف توصل مع ميلز إلى نظريتهم المؤسسة للنموذج العياري. فبعد شهرين من المراسلات الشخصية بين باولي وبيز، تلقى يانج دعوة من روبرت أوبنهايمر، رئيس معهد الأبحاث المتقدمة Institute for Advanced Study، في برينستون بغرض عرض نظرية يانج عن التفاعلات النووية في فبراير 1954. كان باولي أستاذًا زائرًا للمعهد في نفس السنة، فاستمع لمحاضرة يانج. وبالرغم من أن يانج استعمل الدوران في فضاء داخلي ثلاثي الأبعاد، فقد لاحظ باولي التشابه بين ما توصل إليه يانج وميلز، وما أسرّه إلى بيز عن النظرية النووية في فضاء سطح الكرة ذي البعدين.

تشين يانج روبرت ميلز
تشين يانج وروبرت ميلز عام 1999

فور انتهاء يانج من عرض نظريته، سأله باولي عن قيمة كتلة الجسيم المرافق للمجال الكمي الخاص بالمقياس الذي يقترحه. كان سؤالًا غير متوقع، لكن باولي سأله لأنه أجرى نفس الحسابات من قبل، تلك الحسابات التي لم ينشرها لجسيمات الظل Shadow particles! كان رد يانج أنها مسألة معقدة، ولم يخلص مع ميلز فيها إلى نتيجة نهائية. وكان رد باولي قاسيًا بعض الشيء: «هذا ليس عذرًا كافيًا!» ثم خَيَّمَ صمتٌ على الجميع، وأشار أوبنهايمر إلى المحاضِر التالي ليستعد. في اليوم التالي، وجد يانج رسالة من باولي يخبره فيها أنه كان يتمنى إكمال نقاش مسألة الكتلة بعد المحاضرة، غير أن رد يانج أحبطه، وتمنى له حظًا أفضل في مسألة الكتلة. كان أسلوب باولي متوقعًا من شخص ينشد الكمال مع بعض العجرفة بشهادة العديد ممن عملوا معه!

اعتراض رياضي

بقي أن نشير إلى مسألة فنية مع تحذير، إن لم تدرس نظرية «الزمر والتمثلات – Groups and Representations» من قبل فيمكنك الانتقال مباشرة إلى الفقرة التالية؛ أما إذا كنت درست تلك النظريات من قبل، ولم يسبق لك أن درست فيزياء الجسيمات، فهذه الفقرة فرصة للربط فيما بينهما، ولتجنب الوقوع في فهم مغلوط يتكرر مع العديد من الفيزيائيين والرياضيين. 

أولا: الفضاء ذو البعدين في نظرية بيز-باولي ليس إلا فضاء الجسيم النووي ذي الحالتين، أي ذي قاعدتين space with two bases، وهذا الفضاء لا يمتلك الخواص الهندسية التي يمتلكها الفضاء الخاص في نظرية يانج-ميلز، بالرغم من أن الفضاءين يشرحان نظرية فيزيائية واحدة.

ثانيًا: رغم تعدد الميزونات – حيث لدينا 64 ميزون – لكنها جميعًا تقوم فقط بثلاث عمليات على الفضاء الداخلي للتحويل بين البروتون والنيوترون، وهذا هو سر قوة مبدأ التناظر. فأي عملية تحويل للنيوكليون يقوم بها أي ميزون تتمثل رياضيًا في فعل أو تأثير عنصر الزمرة على الفضاء النووي action of group element on vector space، ويمكن تمثيل العناصر المختلفة للزمرة بمصفوفات matrix representation of group elements.

ثالثًا: يتحكم في تلك العمليات ثلاثة متغيرات «حقيقية» real group parameter ترتبط ببعضها بمعادلة المحدد determinant، وهو ما يجعل تلك المتغيرات «تعيش» على سطح كرة فائقة في ثلاثة أبعاد 3-Sphere مطمورة embedded في فضاء رباعي الأبعاد، وهذه الكرة هي عديد الطيات المتشاكل تفاضليًا diffeomorphic manifold للزمرة التي تحتوي على العمليات الثلاث. 

ونؤكد على النقاط الثلاث السابقة لذوي الخلفية الرياضية بغرض تجنب خلط يقع فيه كثير من الفيزيائيين والرياضيين، نتيجة عدم التمييز بين سطحي الكرتين السابق ذكرهم. فمن الناحية الهندسية، يبقى هناك فرق بين سطح الكرة الفائقة ثلاثية الأبعاد وسطح الكرة ثنائية الأبعاد التي اقترحها باولي. فسطح الكرة الفائقة في نظرية يانج-ميلز جزء من تركيب مجموعة لي الوحدوية Lie group of SU2 والجبر الخاص بها Lie algebra of su2؛ أما سطح الكرة في نظرية بيز-باولي فهو سطح كرة ريمان Riemann sphere والناتجة من إمكانية وصف نفس الزمرة بمصفوفات مكونة من عناصر «مركبة» complex وليست حقيقية كما الحالة في سطح الكرة الفائقة. وبالرغم من الفرق الهندسي إلا أن كلا الهندستين مرتبطتان عبر نظرية واحدة بزمرة واحدة ذات استخدامات متعددة وفضاءات متعددة بحسب طريقة التعامل مع عناصرها.

فخ جديد

فيما بعد، تقابل باولي ويانج، فاقترح الأول أن يُلقي يانج نظرة على ورقة بحثية لشرودنجر تناقش معادلة ديراك في وجود النسبية العامة. وكان ذلك الفخ الذي وقع فيه باولي بتلك النصيحة التي تناقض رفضه للجمع بين النسبية والكم. ولم يدرك يانج ذلك الفخ إلا بعد تطور نظريات المقياس الرياضية Mathematical Gauge Theories في الستينيات والسبعينيات بعد عودة النسبية العامة إلى قائمة اهتمامات الفيزيائيين، وهو ما قصده يانج بالتعليق على جملة ڤايل التي بدأنا بها هذه القصة.

إيلي كارتان
إيلي كارتان

أما الفخ، فيتعلق بأنه على الرغم من تمييز باولي بين تواصل ليفي-تشيفتا ومتجه جهد الكهرومغناطيسية كما أشرنا في المقالة السابقة، فما زال التشابه في «الشكل الرياضي» قائمًا بين تنسور ريمان وتنسور الكهرومغناطيسية، وهو ما خدع باولي. هذا التشابه «الرياضي» يصنف كلا التنسورين تحت مظلة أكبر تدعى أشكال/صور الانحناء Curvature Forms، لكن «الفيزياء» تجعل تنسور ريمان يعمل في الزمكان بشكل مختلف عن كيفية عمل تنسور الكهرومغناطيسية في الفضاء الداخلي.

كما أن سلوك تنسور الكهرومغناطيسية يعتمد على الهندسة التي يُوصف بداخلها، ولذلك يمكننا تفسير سلوك هذا التنسور كسلوك الانفتال torsion في هندسة ريمان-كارتان Riemann-Cartan Geometry، وهو ما اكتشفه رُيويو أُتِــيَاما Ryoyu Utiyama كما سنرى بعد قليل. بالإضافة إلى ذلك، فالورقة البحثية لشرودنجر تعالج المسألة بطريقة تعرف حاليًا باسم نظرية الكم للمجالات في زمكان منحنٍ Quantum Field Theory in Curved Spacetime، والتي يعتقد كل الفيزيائيين بفشلها في الجمع بين الكم والنسبية العامة. [1].

نظرية شو-عبد السلام، وجسيمات «مشحونة» عديمة الكتلة مرة أخرى

ولكن أين ڤايل من كل هذا؟ وما هي ردة فعله تجاه هذه التحولات الدرامية في مفهوم المقياس؟ بناءً على مقابلة يانج لڤايل أكثر من مرة في معهد الأبحاث المتقدمة في برينستون -حيث تواجد آينشتاين أيضًا- فإن يانج ينقل لنا ملاحظة ڤايل على تحول اهتمام الفيزيائيين بالمقياس في إطار نظرية الكم. بينما قلة قليلة منهم ما زالوا مهتمين بمشروع ڤايل لتوحيد الفيزياء ككل، وهو الدافع الأساسي لڤايل والغرض الأصلي من اختراع المقياس. ويضيف يانج في مؤتمر عام 1985 بأنه يشك أن أحد أولئك الفيزيائيين قد سأل ڤايل عن رأيه في بحث يانج-ميلز، كما أن القدر لم يمهل ڤايل لأن يدلي بدلوه في نظرية يانج-ميلز، فقد توفي بعدها بسنة عام 1955، في نفس العام الذي توفي فيه غريمه آينشتاين.

وكما نرى، كان ڤايل في آخر حياته يائسًا، يتجنب الحديث عما يدور في رأسه بخصوص توحيد الفيزياء، لذلك لا نتوقع أنه كان على علم بمشروع رونالد شو Ronald Shaw – تحت إشراف محمد عبد السلام Abdus Salam – في وصف جميع التفاعلات النووية بمنهجية مشابهة لمنهجية يانج وميلز في فضاء ثلاثي الأبعاد. تقوم رسالة الدكتوراه الخاصة بشو عام 1954 على تطوير لورقة بحثية لجوليان شوينجر عن نفس الموضوع. بدأ شو عمله عام 1953 – قبل يانج وميلز – بتمثيل الكهرومغناطيسية في فوتونات من نوع خاص.

رونالد شو

ففي نموذج شو، توجد فوتونات مشحونة كهربيًا وأخرى غير مشحونة. هذه الفوتونات تستطيع أيضًا تمثيل التفاعلات النووية الضعيفة مثل ظاهرة تحلل بيتا الذري. وكما أنه لا يمكن التمييز بين البروتونات والنيوترونات في التفاعلات النووية، فكذلك لا يمكننا التمييز بين تلك الفوتونات المشحونة وغير المشحونة. وبدون الخوض في التفاصيل الرياضية، نستطيع الحُكْم تجريبيًا على فشل نموذج شو. فعلى مستوى التفاعلات النووية، وبعيدًا عن الجاذبية، لا توجد جسيمات عديمة الكتلة وذات شحنة في نفس الوقت، لكن شو قدم لنا النموذج الأولي للقوى النووية الضعيفة وما سوف تُعرف لاحقًا ببوزونات W&Z، تلك البوزونات التي تكتسب كتلتها بعد التفاعل مع جسيمات هيجز.

كان شو لا يقل براعة عن مشرفه عبد السلام، وجده الأكاديمي grand advisor باولي (كان باولي مشرف نيكولاس كيمر Nicholas Kemmer، وكان الأخير مشرف شو في الماجستير)، ويانج، وكلهم حاصلون على جائزة نوبل. لكن غرابة طباع شو وانطوائيته -ربما بسبب تعرضه للتسمم بالزئبق أثناء عمله بخدمات طب الأسنان في القوات الملكية البريطانية- حالتا دون حصوله على الجائزة كما ذكر الرياضياتي البارز مايكل عطية في نعيه لشو عام 2016.

كما أن تردد عبد السلام تجاه ظهور تلك الفوتونات عديمة الكتلة ذات الشحنة جعله ينقل إلى شو إحساسًا مغلوطًا بالاكتفاء بعرض النتائج التي حصلا عليها في رسالة الدكتوراه بدلًا من نشرها في دورية فيزيائية، وهو ما لم يقصده عبد السلام نهائيًا. فبغض النظر عن التحفظات على الكتلة، حاول عبد السلام مرارًا وتكرارًا إقناع شو بنشر النتائج كما هي قبل كتابة رسالته، لكن طبع شو الانطوائي و«متلازمة المحتال» impostor syndrome جعلاه يحجم عن ذلك.

محمد عبد السلام
محمد عبد السلام

ومع أن شو لم يوجه أي لوم لعبد السلام، فقد كان الأخير يشعر دومًا بالذنب بسبب تحفظه على مشكلة الكتلة مع علمه بطباع شو. حاول عبد السلام تعويض طالبه المسكين بتسمية النموذج بنموذج «يانج-ميلز-شو» في كل لقاء ومحاضرة وحديث، وحتى في خطاب استلامه لجائزة نوبل عام 1979. ولكن محاولات عبد السلام ذهبت سدى، فمعظم الفيزيائيين يعرفون النموذج بنموذج يانج-ميلز فقط. على العموم، بقي عبد السلام متشائمًا بخصوص الحصول على تفسير لمشكلة الكتلة، وكان باولي يلومه على ذلك حتى وفاته عام 1958. بينما كان لعبد السلام العمر المديد (توفي عام 1996) حتى رأى نموذج هيجز وجسيماته وهي تمنح الكتلة لكل جسيمات الظل التي ظهرت في نموذج باولي، ونموذجه مع شو، ومع يانج وميلز [2].

نظرية أتياما-شياما-كيبل، الجاذبية كنظرية مقياس:

وفي نفس عام 1954، وبينما كان رُيويو أُتِــيَاما Ryoyu Utiyama مبتعثًا في نفس معهد الدراسات المتقدمة، وقع في يده ملخص محاضرة يانج عن نموذج مع ميلز، فاكتشف أنهما يشاركانه نفس الأفكار التي كان قد عرضها في معهد يوكاوا باليابان، ولم تحظ بقبول الحاضرين، وذلك قبل قدومه إلى برينستون. غير أن الفرق أن أُتياما -وعلى عكس تحفظات باولي- وضع نظرية خاصة بمقياس للزمكان نفسه وليس للفضاء الداخلي! استخدم أتياما تواصل كارتان Cartan connection للتكوينات الرباعية Tetrad formalism التي توقفنا عندها سريعًا في المقال الثالث. في مثل هذه الهندسة، نصمم قواعد bases الزمكان – والتي تكافئ الطول والعرض والارتفاع والزمن في هندسة منكوفسكي – بحيث تتغير من نقطة لأخرى بحسب الجاذبية. نعرف من المقال الثالث كيف نعبر عن تقارب وتباعد الخطوط الجيوديسية من خلال دراسة الانحناء في النسبية العامة [3]. 

دوران القواعد على طول المسار. تمثل سرعة دوران المحور الوردي ما يعرف بالانفتال، ويمثل المحور الأحمر المماس للمسار، بينما يمثل الأخضر معدل تغير المماس للمسار.

أضاف كارتان وصف الانفتال torsion -الذي أهمله آينشتاين- كمعدل دوران المحور العمودي على كل من متجه المماس ومتجه معدل تغير المماس. ومن ذلك نصمم القواعد لتراعي الانفتال كما تراعي الانحناء. وبقياس طول تلك القواعد المتغيرة بالنسبة لبعضها، يمكن تحويل هذه الأطوال إلى مقياس gauge نستطيع من خلاله قياس التغير في التنسور المتري –كما فعل ڤايل من قبل– ومدى التقارب من التنسور المتري في زمكان منكوفسكي غير المنحني. هذا المقياس يشبه مقياس تنسور الكهرومغناطيسية في الفضاء الداخلي لمتجه الوضع.

وبمراعاة ما سبق، تمكن أتياما من صياغة نظرية مشابهة لنظرية يانج-ميلز ولكن للجاذبية. وبالطبع نتوقع ظهور نفس المشكلة الخاصة بالكتلة، لكن حقيقة الأمر أن نظرية أتياما لا تتعامل مع جسيمات، بل مع الزمكان، وهو ما لم يدركه أتياما والمعترضون عليه في مؤتمر معهد يوكاوا. وبسبب الاعتراضات، كرر أتياما خطأ باولي ولم يرسل نظريته للنشر! لاحقًا اكتشف أتياما الفرق بين نظريته ونظرية يانج-ميلز، ونشر نتائج أبحاثه عام 1956. حاول أتياما إلحاق اسمه باسم يانج وميلز، ولكن مصير محاولاته كان مشابهًا لمصير محاولات عبد السلام مع اسم شو.

انحناء فيزياء
الفرق بين الانحناء والانفتال

لاحقًا في عام 1961، طُوِّرَت نظرية أتياما على يد دينيس شياما Dennis Sciama – أستاذ ومشرف الدكتوراه للفيزيائي الأشهر ستيفن هوكينج – وتوماس كِبِل Thomas Kibble – والذي اكتشف ميكانزم هيجز بشكل مستقل عن بيتر هيجز – فأصبحت النظرية في زمكان ريماني منحن خماسي الأبعادٍ شبيه لذلك الذي في نظرية كالوزا-كلاين. وأصبح لدينا اتجاه جديد في توحيد القوى يدعى نظرية مقياس بوانكاريه للجاذبية Poincare gauge theory of gravity والتي لن نناقش تفاصيلها لتركيزها على الأشكال الرياضية للكميات الفيزيائية، لا على الأبعاد نفسها. ولكنها أكدت على مفهوم الانفتال، بجانب الانحناء الريماني، وذلك عندما تكون الجاذبية قوية بالمدى الكافي. وسوف نرى كيف يظهر هذا المفهوم مرة أخرى في نظرية الأوتار في المقالات القادمة [4].

دينيس شياما

إن كان هناك درس من قصة باولي، وشو، وأتياما، فهو أن «الخوف قوّاد.. فحاذر أن تخاف» لأنه «يفوز باللذات كل مغامر»، أو كما يقول المثل المصري الشعبي: الخشا في الرجال بيجيب الفقر!

الآن لدينا نظرية (باولي)-يانج-ميلز-(شو)-(أتياما) القادرة على شرح الظواهر النووية. فبمجرد اختيار المقياس والتناظر المناسبَيْن، يظهر لنا مباشرة بوزونات المقياس حاملة القوى: الفوتون، والجلونات، وبوزونات W&Z. وعلى إثر اكتمال النظرية بنموذج هيجز عام 1964، انقسم المجتمع الفيزيائي بين المهتمين بدراسة التركيب الرياضي لنظرية يانج-ميلز، والمهتمين بدراسة التطبيقات التجريبية للنظرية في فيزياء الجسيمات، بينما حاول بعضهم – مثل رِشارت كِرْنر Ryszard Kerner عام 1968، وبيتر فرويند Peter Freund مع يونج تشو Yong Cho عام 1975 – العودة إلى مشروع توحيد الفيزياء والجمع بين نظرية يانج-ميلز ونظرية كالوزا-كلاين والنسبية العامة في أي عدد من الأبعاد الإضافية، وبدون الالتزام بالهندسة الكروية.

يمكنك عزيزي القارئ توقع أن تكون تلك المحاولات مبنية على تعميم الشرط الأسطواني أو التراص compactification لكل الأبعاد الإضافية بدلًا من حصره في البعد الخامس فقط. وبالتالي تمكن فرويند وتشو من دمج التحويلات اللا-آبيلية non-Abelian gauge transformations في نظرية يانج-ميلز مع نظرية يوردان-برانز-ديكي، والتي كانت تخلو من شرط التراص كما تحدثنا عنها في المقالة الرابعة. غير أنه في حالة اختفاء الكتلة -أي اختفاء انحناء الزمكان- ومع محاولة فصل النظرية إلى النسبية العامة ونظرية يانج-ميلز، فإن تلك الأبعاد تفقد خواص الانحناء هي الأخرى، بالتالي، تنهار النظرية ككل.

ولكن، لحُسن الحظ، ظهرت نظرية جديدة لتساعد في تجاوز هذه العقبة، كانت تلك نظرية التناظر الفائق Supersymmetry. وسوف نتوقف عندها وعند النسخة الأولية لنظرية الأوتار String theory في المقال القادم.

المراجع
  1. O’Raifeartaigh, Straumann, Early History of Gauge Theories and Kaluza-Klein Theories, with a Glance at Recent Developments.
  2. Abdus Salam, Ahmed Ali, Selected Papers of Abdus Salam: with Commentary, p.309.
  3. O’Raifeartaigh, The Dawning of Gauge Theory, p. 208-212.
  4. J. Taylor, Gauge Theories in the Twentieth Century, p.xiii.