أشيح بوجهي عن شاشة التليفزيون عقب فرصة مهدرة لفريقي المفضل، فأجد وجه زوجتي ينتظرني في دهشة. أستطيع أن أنطق بكلماتها بدلًا عنها، فقد حفظتها عن ظهر قلب. «أدفع نصف عمري دون تردد وأفهم لماذا كل هذا التأثر بمباريات كرة القدم، أرجوك حاول أن تفهمني سر تلك اللعبة اللعينة دون أن تحدثني بلوغاريتمات الأوفسايد والفاول التكتيكي والـ 3-5-2 والمرتدات والضغط العالي».

حاولت كثيرًا أن أرد على كل تلك الأسئلة بالكثير من التبسيط، لكن تظل كرة القدم معلومات متراكمة وممارسة وشغفًا يصعب وصفه. لكنني هذه المرة تذكرت قصة كنت قد قرأتها من قبل عن رجل قرر شرح قاعدة الأوفسايد لزوجته بطريقة تناسبها بعيدًا عن كرة القدم نفسها.

الأوفسايد على طريقة البلاك فرايداي

تحكي القصة أن الرجل أخبر زوجته أن تتخيل أنهما في محل شهير لبيع الملابس قبل الإغلاق بدقائق، وأنه يقف في الصف المخصص لدفع المال وشراء الملابس وتحديدًا أمامه شخص وحيد يدفع المال الآن، وهو في الدور الذي يليه، بينما زوجته تحاول إيجاد المقاس المناسب من قطعة ملابس معينة.

تقتضي قاعدة الأوفسايد أن ترسل الزوجة قطعة الملابس التي تعجبها للزوج قبل أن ينتهي الرجل من دفع المال ويحين دور الزوج. إذا استطاعت أن ترسل له قطعة الملابس قبل أن يحين دوره فسيشتريها، وإذا أرسلت له قطعة الملابس بعد أن يحين دوره ويصبح واقفًا وحيدًا أمام الخزانة لدفع المال فهو لن يشتريها أبدًا.

حسنًا، الزوج هو المهاجم، وقطعة الملابس هي الكرة، أما المدافع الأخير فهو الرجل الذي يقوم بعملية الشراء، والخزانة هي المرمى. إذا استلم المهاجم «الزوج» الكرة «قطعة الملابس» وهو في مواجهة المرمى «الخزانة» دون مدافع أخير «كالرجل الذي يشتري»، فهو الآن في وضع التسلل، ولا يمكنه تسجيل هدف.

انتهيت من الشرح لأجد عيونًا تتسع سعادة كمن فهم شيئًا استعصى عليه لزمن. لم أنخدع في تلك العيون السعيدة وقررت اختبار الأمر، ومن خلال فيديو شرح الحالات التحكيمية لعباقرة أون سبورت كان رد زوجتي أسرع من كل ضيوف البرنامج. هذه الكرة أوفسايد، وتلك لا، وهذا حكم غير جدير بالثقة، أما هذا الحكم فهو غير مسئول؛ لأنها مسئولية حكم الراية.

اتسعت عيوني دهشة وسعادة أنا الآخر كما لم يحدث من قبل، ولذا قررت شرح كل شيء استعصى على فهم زوجتي من تفاصيل كرة القدم بالطريقة نفسها. أهدي لكم جميعًا أصدقائي هذا الشرح، وأنا على يقين أنكم ستصبحون أكثر سعادة.

أرسنال مهند والألف حلقة

قدري أن أكون مشجعًا لأرسنال، وهذا يفرض على البيت طقسًا مهمًّا كل يوم سبت. يبدأ الأمر بالحسرة على أمجاد الماضي بمجرد أن أتعرف على تشكيل الفريق، ثم تبدأ المباراة وأصرخ في غضب طوال ساعة ونصف، ثم ينتهي الأمر بأن أقسم بأغلظ الأيمان ألا أشاهد أرسنال مرة ثانية.

وهذا بالطبع يجعلني في مواجهة سؤال واضح: لماذا تشجع فريقًا تعرف أنه مهزوم لا محالة؟

حسنًا لقد وجدت الإجابة المناسبة تمامًا. إنه نفس الأمر الذي تتابعين من أجله الحلقة الألف من المسلسل التركي الذي لا نعرف اسمه ولا أسماء أبطاله ولا تنتهي أحداثه أبدًا. لقد بدأ الأمر كله بالملل من المسلسلات المحلية ومشاهدة المسلسلات الأجنبية، ثم التأثر بمدى جودة تلك المسلسلات، ثم الإعجاب بمسلسل معين كان تركيًّا بالصدفة، ورائعًا بالفعل، وفي الأخير تصبحين أسيرة المسلسلات التركية.

رغم اعترافك برداءة المسلسل الحالي، هل يمكنك أن تفويت حلقة واحدة منذ سنوات؟ بالطبع لا. هذا وفاء لمهند ونور اللذين ربما توقفا عن التمثيل بعد مرور كل تلك السنوات. هكذا نحن الرجال أيضًا نتابع المباريات بشغف جنوني وفاءً لذكريات طبعت في قلوبنا، فقط استبدلنا بمهند ونور هنري وبيركامب!

فاول تكتيكي : فلتموتوا جميعًا

أصرخ كرجل بدائي: عرقله، اقضِ عليه، اقضِ عليه إن احتكم الأمر، لكن الأهم ألا يسجل هدفًا. تنظر لي زوجتي في اشمئزاز، فأجيب: مجرد فاول تكتيكي. لماذا يتخلى المرء عن إنسانيته من أجل فاول تكتيكي، يبدو الأمر صعب الشرح بالفعل، لكن لا تقلق.

فقط حاول  أن تذكر زوجتك بآخر مرة حاولت فيها أن تجد مكانًا لتصف السيارة بجوار الرصيف. نعم تمامًا، ألم تهرع بعد ساعة من البحث نحو المكان الشاغر الذي وجدته، وكدت تدهس الرجل المار صدفة دون رحمة من أجل الظفر بهذا المكان.

هكذا علمونا في كرة القدم، افعل أي شيء لكيلا تستقبل هدفًا مثلما تعلم الجميع في دروس القيادة، فلتقتل من أجل مكان شاغر للسيارة. ستجيبك بالطبع أنها لن تقتل أبدًا رجلًا يمر من أجل أن تصف السيارة، هي فقط كانت تخيفه لتلحق بالمكان، حسنًا فلتجِبها أن لاعبك لن يقضي على غريمه أو يقتله، أنت فقط تبث به الحماس ليوقف غريمه بخبطة خفيفة من أجل الظفر بثلاث نقاط.

تكتيك البطاطس المقلية

علامَ كل تلك التفاصيل؟ لماذا تعقدون الأمور؟ لماذا لا يركض الجميع خلف الكرة والأقوى والأفضل يقتنص الكرة ويسجلها في الشباك؟ لماذا هناك خطط وتحركات وأسهم وتحليل وخرائط؟ كل هذا وهم اخترعتموه كي تضيفوا سحرًا خاصًّا بكم على تلك اللعبة البسيطة.

حسنًا، لا تنفعل، كل هذا لن يجعلنا نخرج عن هدوئنا وطريقة الشرح التي لن نحيد عنها أبدًا. حسنًا، فلتوجه أنت الأسئلة وتلقي الإجابات وتشرح من خلالها.

لماذا يا عزيزتي تضعين البطاطس في الزيت ببطء شديد وبالقرب من المقلاة بأكبر قدر ممكن؟ نعم، تمامًا، لكي لا يتطاير الزيت المغلي علينا ويتسبب في حريق هائل. بالضبط يا عزيزتي هذا لأن لكل فعل رد فعل في المقابل، وطبقًا للتجربة ونتائجها يخترع الإنسان تكتيكًا محددًا كي يتفادى ردود فعل ربما تضره ويحقق هدفه دون عوائق مباشرة.

هكذا نفعل في كرة القدم يا عزيزتي تمامًا مثل تكتيك رمي البطاطس في الزيت المغلي. يقرر أحدهم أن يضغط بالخط الهجومي لكي يستخلص الكرة من غريمه سريعًا، لكن يا عزيزتي نحن نواجه مواقف أصعب؛ لأننا نواجه تكتيكًا مضادًّا.

تخيلي مثلًا أن الزيت يفهم أنك تقتربين منه لتفادي تطايره، فيفاجئك هو بالتطاير من فوقك قبل أن ترمي البطاطس. هل تتخيلين مدى الصعوبة؟ هكذا يفعلون في كرة القدم، يخترع أحدهم تكتيك الضغط العالي كما شرحته لك، فيقوم غريمه باختراع الكرات الطويلة، فيلجأ الأول لمدافعين متميزين في ضربات الرأس، وهكذا إلى الأبد.

أصرخ كمن دهسته سيارة مسرعة بعد أن أضاع مهاجم فريقي هدفًا أمام المرمى الخالي من الحارس،تحاول زوجتي أن أبرر لها الأمر، لكنني هذه المرة كان ردي بسيطًا: هذا مروان محسن.