ليس الأمر أني عبقري .. كل ما هنالك أني أجاهد مع المشاكل لفترة أطول
ألبرت أينشتاين

ما قبل كورونا ليس كما بعده، حقيقة ترسخ نفسها أكثر فأكثر في كل يوم تطول فيه الأزمة. الجائحة التي تمتد منذ 5 أشهر وإلى الآن أعادت رسم شكل جديد للعالم ولحياة الناس. الاقتصاد كان له نصيباً كبيراً من الأمر، تقلبات حادة رفعت أسهم صناعات ووظائف وأخذت بأخرى إلى الهاوية. تقلبات هزت عروش الشركات الكبيرة منها قبل الصغيرة، على كل المستويات… الأرقام، والأرباح، والوظائف، وأين يمكن أن توجه دفة استثماراتك وتُخفض ما تنفقه لتنجو من شبح الركود، والأكثر مرونة والذي سيأخذ بنصيحة أينشتين سيكون أكثر قدرة على البقاء.

الأهم من ذلك كله أن كورونا خلق احتياجات جديدة للمستهلكين سواء من الأفراد أو الشركات، وجاء بأفكار جديدة حول كيفية صرف الأموال والسلوك الشرائي بشكل لا مثيل له. بنظرة دقيقة على كيف تغير إنفاق الناس يُمكنك أن تعرف من ربح ومن خسر.

كيف تغير العالم؟

منذ نحو شهر تقريبًا دخل العالم رسميًا في حالة ركود اقتصادي. وبينما تحاول الدول دعم الشركات قدر المستطاع للصمود، فإن أغلب الشركات الناشئة والتي لا تزال في المراحل الأولى للنمو تعاني مع استمرار تفاقم الأزمة.

يساهم في التأثير السلبي للأزمة على الشركات الناشئة الخوف المتصاعد لرؤوس الأموال والبحث عن ملاذ آمن بدلاً من الاستثمار في شركات يشوب الغموض مستقبل رحلتها في عالم الأعمال.

أصدر كورونا حكماً على البشرية بالتباعد والقلق والخوف، وفيما يخص وضع الشركات، فقد فرض واقعًا جديدًا ربح فيه البعض، وهوى البعض الآخر بخسائر فادحة.

الرابحون الكبار

علمنا خبير الإدارة النمساوي بيتر دراكر أن التغيير هو أهم مصدر يؤدي لظهور فرص الأعمال. في عالم خالٍ من التغيير، يتقارب الطلب والعرض نحو التوازن، والمزيد من التشبع يخلق سوقًا قليل الفرص. لكن التغييرات الحادة تدمر هذا التوازن. فجأة، تولدت طلبات جديدة، تلاها إدراك مفاجئ أن هناك صناعات العرض فيها أقل من المطلوب.

لا عجب أن من تصدر ركب الناجحين بعض الشركات التي اتسمت بالمرونة بقدرة عالية على التأقلم، إما لقوة نموذج العمل الذي انتهجته لسنوات وقدراتها المادية، أو لاستثمارها في الفرص الجديدة التي توفر لعملائها حلولاً رقمية تستطيع النجاة في ظل الظروف المحيطة.

التجارة الإلكترونية 

ارتفعت أسهم التجارة الإلكترونية بشكل ملحوظ نتيجة للتغيير الشامل الذي حدث في السلوك الإنفاقي للمستهلكين في زمن  كورونا. لا أسواق متاحة، ولا مجمعات تجارية، والناس تقضي وقتًا أطول على الإنترنت. أضف إلى ذلك الطبيعة البشرية في اشتهاء الشراء، هنا يجد المستخدم نفسه أمام المتاجر الإلكترونية تُلبي احتياجه بجدارة. حجم النمو في عائدات المتاجر الإلكترونية الصغيرة والكبيرة في الولايات المتحدة وصل في المتوسط إلى 68%، بينما ارتفعت عدد زيارات مواقع الأسواق الإلكترونية عالمياً من 12.81 مليار زيارة في يناير هذا العام إلى 14.34 مليار زيارة في مارس الماضي.

معدل نمو زيارات صفحات الأسواق الإلكترونية وعدد طلبات الشراء عالمياً – المصدر: bazaarvoice

زيادة الطلب خلال الأزمة خلق لدى أمازون وحدها أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة لتتمكن من تغطية الزيادة المهولة في الطلب، ودفعت عملاق التجارة الإلكترونية الصيني JD.com لاستخدام مركبات ذاتية القيادة لنقل المزيد من البضائع للمستخدمين، وذلك لتغطية العجز في القوى العاملة، وتقديم تجربة تسوق أكثر أمنًا.

الخدمات اللوجستية

الحجر المنزلي وانفجار التجارة الإلكترونية أنعش الشركات والتطبيقات التي اعتمد نموذج عملها على تقديم الخدمات اللوجيستية، أو شركات تجارة التجزئة والجملة التي استثمرت في أن يكون لها ذراعًا لوجيستيًا.

المثال الأقوى هي Cainiao الذراع اللوجستية لشركة Alibaba الصينية والتي استطاعت أن تستفيد من نقل 5 ملايين منتج طبي إلى مدينة ووهان الصينية والمدن المجاورة.

منصات التواصل والترفيه

المنصات الإلكترونية للتواصل والترفيه والتعليم  كانت من بين أكبر المستفيدين أيضاً نظراً لزيادة كثافة الاستخدام بسبب تطبيق سياسة العمل من المنزل وفرض التعليم عن بعد، وقضاء الناس وقت أكبر في المنزل بسبب سياسة التباعد الاجتماعي. على إثر ذلك ارتفع سعر سهم شركة زووم خلال الربع الأول من هذا العام بنسبة 131%، ونجحت نتفليكس في الاستحواذ على أكثر من 16 مليون مستخدم مدفوع منذ بداية فترة الحجر الصحي، وهو ضعف النمو المتوقع خلال هذا العام إجمالاً. وعربياً زاد عدد مستخدمي منصة نفهم من 200-400% منذ اندلاع الأزمة، ومثلها منصة نون أكاديمي التي ازداد عدد مستخدميها بشكل ملحوظ وتوسعت خدماتها في 4 دول بالتوازي مع تفاقم الأزمة.

معدل نمو أسهم أمازون ونتفلكس وزووم منذ بداية 2020 – المصدر: Bloomberg

اقتناص الفرص من قلب الأزمة

في أزمة بهذا الحجم التغيرات تكون سريعة وعاصفة، الشركة التي تمتلك إدارة وفريقاً قادراً على التعامل مع التغيير بسرعة، وخلق فرص واستغلالها سريعاً وحدها هي التي تتمكن من أن تنجو.

ألمانيا لا تعرف المستحيل

مثلما يوجد رابحون وخاسرون، يوجد من تأقلم مع الأزمة بابتكار كبير لتقليل الخسائر. Bigrep هي شركة متخصصة في تصنيع الطابعات ثلاثية الأبعاد والتي كانت تقوم الشركة بتصديرها إلى العالم كله قبل بداية الأزمة. لكن مع تغيير اتجاهات الإنفاق لدى الشركات والمؤسسات، بدا أن الكثير من الصفقات قد تتوقف إما لتردد العملاء في الشراء، أو للشلل الذي أصاب الإجراءات اللوجيستية، لكن الشركة كان لديها ما يحرك الماء وسط هذا الركود. واحدة من الصناعات التي قفزت بشكل لم يسبق له مثيل كانت صناعة الكمامات. الشركة استفادت من وجود فريقها التقني والمعدات التي توقف توريدها لاستخدام الطابعات في إنتاج كمامات خلال بضع دقائق بدلاً أضعاف هذا الوقت باستخدام الآلات العادية.

تطبيق Velmio كان له تجربة مشابهة. حيث إن التطبيق مختص في متابعة وإرسال النصائح للنساء الحوامل، وتقديم الاستشارات لهن من خلال الذكاء الاصطناعي الذي يعمل من خلاله، وللاستفادة من حاجة المزيد من الناس للحلول الصحية الرقمية، قام فريق المطورين بتطوير خدمة داخل التطبيق تقوم بتحليل أي أعراض تظهر على الأشخاص لتساعدهم في تقييم خطورة حالتهم وإذا ما كان ما يمرون به يشتبه بأنه عدوى مطابقة لأعراض الفيروس أم لا.

هذه الطريقة في التعامل مع الأزمة يمكن اعتمادها وتطبيقها على عشرات الشركات، بشرط أن يكون هناك إدارة مرنة وواقعية حول ما يمكن للفريق تحقيقه، ودراسة الأزمة والأوراق الرابحة واستخدام الموارد الموجودة لدى الشركة لتقديم حلول حقيقية تلبي احتياجات الناس في وقت الأزمة. عبور الأزمات ليس مسألة أموال وحسب!

كيف سيتغير عالم الأعمال بعد كورونا؟

وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة Vistage للأبحاث في العام الماضي، تنبأت بضرورة توجه الشركات سريعًا إلى أن يكون لديها حلول رقمية تسهل على المستهلك التواصل معها وتزيد من حجم المستخدمين الرقميين للخدمة التي تقدمها. وفقًا للدراسة أيضًا، فإن توفر حل رقمي في أزمة كتلك قادر على زيادة حصة الشركة في السوق بسبب توجه المستخدمين الكثيف للحلول الرقمية، وهو وسيلة فعالة للمحافظة على وجود سيولة وتحويلات مالية إلى حساب الشركة مهما تعقدت الأوضاع أو الإغلاق على الأرض.

الشركات التي ستتمكن من النجاة أو النمو في هذا الوقت وبعد مرور مرحلة كورونا، هي تلك التي ستتخلى عن الخدمة أو المنتج الذي تقدمه إذا لم يكن ضروريًا للناس وقتها، وتتمكن من تطويع الفريق والموارد المالية والبشرية للشركة لسد احتياج لدى السوق.

فرص الشركات الناشئة في زمن كورونا

حتى الآن نحن في طور البحث والتفكر ولم توجد الإجابات القاطعة حول ماهية تطور الأمر، لكن طبقًا لمؤسسة Knowledge Leader فإن هناك صناعات سوف تحتفظ بالقيمة التي اكتسبتها وقت الأزمة وهو ما يجعل استثمار الشركات الناشئة فيها فرصة ممتازة لنمو متصاعد سواء طالت الأزمة أو انحسرت قريبًا.

الحلول اللوجيستية الرقمية

رغم التوقعات المبدئية بأن الخدمات اللوجستية سوف تشهد تراجعًا كنتيجة لتراجع حجم المبيعات عالميًا، فإن الحلول التقنية في هذه الصناعة سوف تكون جزءًا أساسيًا من حياتنا بعد كورونا. حتى مع انخفاض مؤشرات أرباح تجارة التجزئة على الأرض خلال الأزمة، إلا أن الكثير من المتاجر ومحلات البقالة الصغيرة والصيدليات لم تغلق أبوابها، وتوفير حلقة وصل مستدامة بين المشتري اليومي وتلك المحلات من خلال حل رقمي مثل تطبيق على الهاتف مثلاً، يعتبر استثمارًا واعدًا لهذه الفترة وما بعدها.

الطعام والدواء هما أهم الصناعات التي لم تشهد تراجعات خلال الأزمة. وجود حل تقني أو على أرض الواقع خاص بسلاسل توريد هذه السلع للمستهلك سيكون شيئاً جيداً وسيتمكن من الصمود والنمو بعد الأزمة وخلال أي أزمة مشابهة.

 

تجارة التجزئة الإلكترونية

نمت معدلات الشراء في هذه الصناعة بشكل قياسي خلال الأزمة. جميع السلع شهدت نموًا هائلاً لا سيما البقالة، التجهيزات المنزلية الرياضية والمكتبية مع ازدهار سياسة العمل من المنزل. من المتوقع أن يتراجع هذا النمو قليلاً بمرور الأزمة، لكنه سيبقى محافظًا على معدلاً ثابتًا بعد ذلك.

منصات التعليم عن بعد

الأزمة أجبرت طلاب العالم على خوض هذه التجربة حتى أصبحت مألوفة بشكل كبير خلال الأزمة. يرى الكثيرون وبناءً على تحليل أداء منصات تعليم عن بعد سواء عربية أو أجنبية بأن هذا النوع من الاستثمارات سوف يشهد نموًا ثابتًا مع زيادة الوعي به.

منصة «نون أكاديمي» كانت مثالاً عربياً على محافظة منصات التعليم الإلكتروني على نموها خلال مرحلة كورونا.

كيف يمكن تحقيق عودة قوية بعد هذه الأزمة؟

تحولت بيئة ريادة الأعمال نتيجة لفترة كورونا إلى أن تكون أكثر حدة، وصارت شركتك وفريقك أكثر حاجة إلى الابتكار لتتمكنوا من الصمود، في وقت يبحث فيه الجميع عن حلول مبتكرة قد تجعل السوق قد يتشبع سريعًا بانفراج الأزمة. الحل هو أن تكون مستعدًا بالقدر الكافي للانطلاق ما أن تعود الأمور إلى طبيعتها.
ولكي نستمر في الرحلة نقدم لكم في هذا التقريرخمسة نصائح في كيفية إدارة الشركة في مثل هذه الأوقات العجاف، علها تكون مصابيح تعيننا في رحلتنا في ريادة الأعمال فنعبرها أقوياء ونولد من جديد من رحم المعاناة.