فقد سمح الجنرال خليفة حفتر وحكومة مجلس النواب الشرقية في ليبيا – التي يُدَّعى أنها موالية للغرب ومعترف بها عالميًا – عمدًا لداعش بالحصول على المساحة والوقت اللازمين لتقوية نفسه في ليبيا، ولأن يصبح خطرًا حقيقيًا على المصالح الغربية. يخلق حفتر، عند قيامه بذلك، حالةً صعبةً للغاية بحيث لا يكون ثمة خيار أمام الولايات المتحدة والدول الأوروبية سوى الاعتراف به هو ومجلس النواب على حساب خصومهم السياسيين، وبالتالي ترسيخ سلطتهم في ليبيا.

يتنافس كلٌ من مجلس النواب العلماني والمؤتمر الوطني العام المهيمن عليه من قِبَل الإسلاميين، منذ شهر مايو من العام الماضي، من أجل السيطرة على ليبيا.

يفتقر الكيانان للشرعية، ويعتمد كلاهما على الميليشيات والكتائب التي تقاتل بالوكالة، بما يحوِّل الخلاف السياسي إلى صراع عنيف. وبدعم من المؤتمر الوطني،أخرجت ميليشيات مصراتة مجلس النواب من طرابلس إلى شرق مدينة طبرق، و أعلنت عن فجر ليبيا، وهو تحالف يضم الميليشيات الثورية والإسلامية المضادَّة لمجلس النواب والمتحالفين معه. وبالنيابة عن مجلس النواب، قام الجنرال خليفة حفتر، وهو شخصية عسكرية راسخة وقاتل في مسيرته مع وضدَّ الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بإطلاق عملية الكرامة، وهو تحالف يضم الميليشيات المضادَّة لحلفاء المؤتمر الوطني.

عملية فجر ليبيا

وعلى أمل التحايل على جولة بعد جولة من المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة مع المؤتمر الوطني،طلب حفتر ومجلس النواب من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رفع الحظر المفروض على الأسلحة وتزويدهم بالسلاح والدعم لمكافحة الإرهاب في ليبيا.

وبهذا الطلب، فإنهم يخلطون الميليشيات الثورية، والميليشيات الإسلامية في شرق ليبيا، وداعش، في كيان واحد. يعني تقديم القوى الغربية لمثل هذا الدعم، الاعتراف بحفتر ومجلس النواب، ونزع الشرعية عن المؤتمر الوطني ومصراتة. وقد تجاهلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذه الطلبات، على الرغم من إرسال حكومة طبرق لممثلين ومندوبين من أجل الترافع في قضيتهم.

على الرغم من أن حفتر يقدِّم نفسه بوصفه الكيان الوحيد الذي يمكن أن يتحوَّل نحوه الغرب إذا لم يكن يرغب في لُقيا داعش على عتباته، فإنَّ هذا هو الحال بالكاد. لقد قامت ميليشيات مصراتة بالجزء الأكبر من القتال ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية في سرت ووسط ليبيا، كما قامت بغالبية ذلك الميليشيات الإسلامية في الشرق. وفي حين يقوم حفتر بقتال تنظيم الدولة الإسلامية في أجزاء من بنغازي، فإنَّه قد استهدف بشكل رئيس الميليشيات الإسلامية التي قاتلت ضدَّ توسعه.

حارب الجنرال ضدَّ أنصار الشريعة في ليبيا، وهو تنظيم قاعدته بنغازي، وحلفائه الذين رفضوا، تحت قيادة محمد الزهاوي، مبايعة داعش. ولكي نكون منصفين مع حفتر، فإنَّه بعد استيلاء أنصار الشريعة والمتحالفين معه على بنغازي في أكتوبر الماضي، كان هناك ترحيب بجهود حفتر للإطاحة بهم من قِبَل غالبية سكان المدينة، لكنّه بالتأكيد لم يشن جهودًا جادة ضدَّ داعش.

محمد الزهاوي زعيم انصار الشريعة في ليبيا

يضع حفتر بين أعدائه أيضًا كتيبة شهداء بوسليم وكتيبة سهال النور – بقيادة سالم دربي وناصر عطية العكر على التوالي – وهي الميليشيات الإسلامية الأبرز التي حاربت داعش منذ دخولها درنة، في نوفمبر الماضي. وحتى نكون واضحين، فإنَّ هؤلاء الإسلاميين لا يقاومون دعوات تنظيم الدولة الإسلامية ويحاربونه لوازع أو شعور أخلاقي، وإنما رغبة في عدم مشاركة شبكات رعايتهم مع ممثل أجنبي جديد.

سالم دربي
ناصر عطية العكر

لم يكتف حفتر بتحميل خصومه عباءة قتال تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه فعل أيضًا ما عليه لتقويض المفاوضات وتمديد الحرب. وعندما أتى مجلس النواب والمؤتمر الوطني إلى طاولة التفاوض، جاء رد حفتر في شكل ضربات جوية وصولًا إلى الإعلان عن شن هجوم بري على طرابلس، وهو ما أثار حفيظة خصومه.

ليس حفتر بالتأكيد هو العامل الوحيد في عرقلة المفاوضات في ليبيا، لكن معارضته تبدو أكثر إرباكًا، بالنظر إلى أن المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة تبدو لصالح فريقه بشكل كبير. وهو يتجنّب المفاوضات لأن الانخراط فيها يعني الاعتراف بالمؤتمر الوطني ومصراتة ككيانات شرعية، حتى لو كان فريقه هو من سيهيمن على المشهد السياسي. ولا يكتفي هو وأنصاره بمجرّد السيطرة؛ إذ يريدون نزع الشرعية تمامًا عن خصومهم. وتحقيقًا لهذه الغاية، يطيل حفتر القتال، مما يسمح لداعش بأن يصبح أقوى ويجذب المزيد من الأعضاء ويحصد المزيد من الأراضي.

وقد ضعف تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا، في يناير 2015، بعد إعلانه مقتل زعيمه، محمد الزهاوي، على يد مقاتلي داعش. ومن ثم انضم بعض قياداته إلى داعش، في أبريل 2015، بينما امتنع فلوله عن الانضمام إلى صفوفه، وبالتالي يعمل داعش الآن في أجزاء من بنغازي حيث كان المؤتمر الوطني سابقًا هو القوة المهيمنة.

وقد سيطر في البداية على أجزاء من شرق مدينة درنة وضواحيها، لكنه سعى إلى تمديد وجوده ليس فقط في بنغازي ولكن أيضًا في وسط وغرب ليبيا. والآن بعد أن قتل داعش دربي والعكر، يبدو أن المجموعات تحتشد ضدَّه في درنة. وهي مجموعات ليست مجزأة على طريقة أنصار الشريعة، لكن من المرجح أن يحافظ داعش على وجوده في الجبال الخضراء المجاورة- وهي منصّة هامّة لنمو قاعدته، ومواصلة تدريب صفوفه، وتخزين الأسلحة والمُعِدّات.

ما الذي يمكن القيام به بعد ذلك حيال داعش في ليبيا؟ في حين كان تهديده مبالغ فيه في البداية، وبصرف النظر عن الخسائر التي حدثت مؤخرًا في درنة، فإنَّ التنظيم يكتسب قوةً ومساحة. وعلى الرغم من إدعاء كل من حفتر وميليشيات مصراتة حاجتهم إلى المزيد من الأموال والأسلحة لمحاربة التهديد المتزايد، فإنهما أكثر من قادرين على التعاطي مع التنظيم.

وقد فعلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دورها في عدم الوقوع في فخ حفتر. لقد ابقوا على الحظر على الأسلحة، وموقفهم بأن مستقبل ليبيا شأن تفاوضي. لكن كما يفشل التفاوض بعد التفاوض في تشكيل حكومة موحَّدة، فإنَّ الوقت قد حان لتطبيق المزيد من الضغوط على جانب مجلس النواب.

سوف يكون من الصعب فرض عقوبات الامم المتحدة حيث عرقلت روسيا والصين بالفعل هذه الجهود، ولكن إذا كان الغرب لا يمكنه التأكيد على حفتر ومجلس النواب أنه يجب التسامح مع المعارضة السياسية على الرغم من المظالم الماضية على كلا الجانبين، فإن هناك تطورين خطرين جدا سوف يحدثا.

أولًا: سوف تتحقق نبوءة حفتر – مع استمرار القتال وإضعاف الجماعات الإسلامية في ليبيا وتفتتها، ستصبح داعش أقوى، وعلى هذا النحو، سوف يجد حفتر أخيرًا عدوَّه الذي يحاربه نيابة عن الغرب.

ثانيًا: إذا قدَّم الغرب السلاح والدعم لحفتر من أجل محاربة داعش- ما يبطل بفعالية المفاوضات ويسمح لمجلس النواب بالسيطرة على ليبيا دون مساومة مع خصومه في غرب ليبيا – فإنَّ ذلك سيؤدي إلى اضطراب دائم في البلاد.

لن تختفي مصراتة أو تتغطى بداعش مثل بعض الميليشيات الإسلامية. ستظل تشكل قوة كبيرة في ليبيا، وسيتواصل صراعها مع الحكومة المعترف بها في ليبيا قائمًا. ونظرًا للقيود والتأثير الخارجي المحدود عليه، من المرجح أن يستمر حفتر في عرقلة المفاوضات والاستفادة من وجود داعش. لكن مع ذلك، لا ينبغي أن يخيب أمل المجتمع الدولي في الحكومة “المعترف بها دوليًا”. وقد يعلن مجلس النواب وحلفاؤها العلمانية ومعاداة الإسلاموية، لكن لديهم نصيبهم في السماح بداعش وتسهيل نموه في ليبيا.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب