يتحدث أمين هويدى فى ظلال حرب الخليج فى كتابه ( أزمة الأمن القومى العربى): “لاتوجد مؤسسة عسكرية صالحة الا فى ظل نظام سياسى متوازن ونظام اقتصادى عادل وعلاقات اجتماعية سليمة وفى ظل غياب هذه الأساسيات يصبح الأمن القومى فى خطر شديد لأنه يكون أمن من؟ ولمن؟ وبمن؟ وضد من؟ ففى ظل التخلخل والفراغ السياسى والاجتماعى لا يتحقق الأمن القومى ولا يمكن استعاضته بالقوة العسكرية لأن الأمن القومى يقاس بالقدرة لا بالقوة”. (1)

واذا تطرقنا لعدم الاستقرار السياسى فلها أسباب عديدة لكن أهمها قبل الأسباب الاقتصادية هو “الانحطاط المؤسسى” وأطرافها أغلب اللاعبين على الساحة السياسية: (الحكومة، الأحزاب، البرلمان، جماعات الضغط، الأجهزة القضائية) ويظهر أثر هذا الانحطاط الناتج من الضعف الهيكلى للنظام السياسى والادارى أزمات جوهرية تصل الى أزمة شرعية المؤسسات السياسية وموظفوها وسياساتهم بالتبعية، أزمة ثقة متبادلة بين النظام والشعب، وعدم قناعة الناس بان هذه المؤسسات تعمل لصالحهم لا لصالح النخب الحاكمة.(2)

عندما نتحدث عن جهاز المخابرات فنحن أمام مؤسسة تنشأ بنشأة الدول وارادتها فى توطيد مكانها وفرض الوجود واضعاف الغير المعادى، لها بعد نخبوى منفصل نوعياً عن العامة كما مستويات الترقى والاختيار غير خاضعة فى أغلب الأحوال للتقلبات السياسية وتكون هنا المفارقة المتكررة حيث أن الغير منتخب له سلطة أكثر من المنتخب، على كل حال تقع المهمة المكتوبة له وهو جهاز جمع معلومات تتعلق بأمن البلاد والدولة وتحليلها وتقديمها لصانع القرار السياسى لاتخاذ اللازم تجاهها، ويشكل فكرة الأمن القومى ركنا رئيسا فى عمل هذا الجهاز.

مفهوم الأمن القومى

يستند مفهوم الأمن القومي لعدة أبعاد.أولها النفسى، وتتلخص فى فكرة “التحرر من الخوف” وتندرج هنا تحت كتابات لينكولن LINCOLN الذى يقول بهذا الصدد “أن الأمن القومى هو مفهوم نسبى يعنى أن تكون الدولة فى وضع قادرة فيه على القتال والدفاع عن وجودها ضد العدوان، أى أنها تمتلك القدرة المادية والبشرية التى تجعل أفرادها يشعرون بالتحرر من الخوف بما يضمن مركزها الدولى ومساهمتها فى تحقيق الامن الدولى”.

وثانيها البعد السياسى، حيث يعرف البعض الأمن أنه سلامة أراضى الدولة واستقلالها السياسى وحمايتها من التهديدات فى الداخل أو من الخارج لايجاد الظروف الملائمة لكى تتمكن الدولة من تحقيق مصلحتها الوطنية. كما يعد التنمية محدد أساسى لمفهوم الأمن فاذا لم توجد هناك تنمية داخلية أو على الأقل درجة أدنى منها فان النظام والاستقرار يصبحان أمراً صعباً، كما تؤثر البنى الاجتماعية داخل الدولة بشكل كبير على أمنها سواء بالايجاب أو السلب لأن ارساء مبدأ التنوع وعدم الاقصاء نوع من أنواع التحصين الامنى التى تستند اليه الدولة. (3)

سنتناول فى هذه التحليل كيف يفهم رجال المخابرات مفهوم الأمن القومى ورؤيتهم للديمقراطية وتداول السلطة والمشاركة السياسية حيث مداها فى ثورة 25 يناير ، كيف يرون الخارج ويرون البنى الاجتماعية والسياسية بتنوعاتها، وكيف يجيبون عن سؤال المستقبل؟ وتدور أغلب الحوارات فى الفترة مابعد 30 يونيو 2013 ، وأفرادها وكلاء ومدراء سابقين للمخابرات العامة.

نظرة فى تحليل النصوص

يثير التأمل فى النص وبنيته عدد من التساؤلات أهمها ،هل يعد تصنيف النصوص افتئاتاً على بنيتها ، فنصوص المؤسسات فى الغالب تتهم بالايمان المطلق والبحث عن توليد الخطأ!

سوء الفهم للنصوص هو أمر وارد اذ من الممكن أن يتخطى الفهم القصد، فالتخمين كما يشير بول ريكور وهيرش هو المصدر الرئيس لتفسير النصوص، كما أن التحيز البحثى أمر لا يمكن تجاوزه لكن بدون طمس ماهو ثابت قطعى. (4)

1- ويسألونك عن تنمية سيناء

من رؤية أمنية بحتة يتخللها على استحياء الوضع الاجتماعى يتحدث اللواء مراد موافى فى حديث متلفز ابريل 2014 عن فترة توليه منصب محافظ شمال سيناء حيث يتم الحديث عن الأنفاق ومايقال عن مؤامرات فصل سيناء وعندما سأل عن سبب عدم التنمية فى سيناء قال اللواء : غير معلوم السبب!

مراد موافي

2- نحن أصدقاء الأمريكان

فى حديث مع صحفى أمريكى يتحدث قليل التصريحات محمد فريد التهامى مدير المخابرات السابق عن طرق مواجهة الارهاب. الأول عن طريق القوات المسلحة مع البؤر الارهابية فى شمال سيناء، والثانى تقوم به وزارة الداخلية والأمن الوطنى، وعن رؤيته لتقليل الأنشطة الارهابية فى مصر فيكون عن طريق اغلاق الأنفاق وتأمين الحدود مع ليبيا.

محمد فريد التهامي

وعندما تطرق الأمور عن العلاقة مع الخارج قال أنه منذ قيام الثورة وحتى الآن يجرى التعاون بين الأجهزة الاستخبارية فى مصر وأمريكا وأنه على اتصال دائم بمدير المخابرات الأمريكية حول العناصر الارهابية، وأن دعم أمريكا لمصر لم يتوقف منذ 30 عاماً.

3- سؤال الديموقراطية

يحكى اللواء ثروت جودة وكيل المخابرات السابق – والذى صدر بحقه حكم بالسجن عام وغرامة 500 جنيه بخصوص هذا الحوار واعتبار قيامه افشاء أسرار تخص الأمن القومى والجهاز – أنه وبعد تولى اللواء رأفت شحاته ادارة المخابرات فى عهد الرئيس محمد مرسى قال له أن يصلى ركعتين ويستغفر الله وينسى القسم الذى حلفه أمام مرسى عند توليه الجهاز!

اللواء ثروت جودة

وبجانب اتهاماته بتمويل المنظمات الأهلية وتهكمه على المنظمات الحقوقية ناعتاً لها ” الحكوكية “، فانه يؤكد على عدم اعطاء المخابرات لمرسى معلومة واحدة صحيحة! ، وأن تقارير -قبل 30 يونيو- من الجيش ذهبت للسيسى أنه إن لم يتخذ القرار فسينزلوا لوحدهم.

وبعيداً عن اللواء رأفت شحاته نفسه خرج بعدها بأيام نافياً ما تفوه به الأول، فهذا الحديث وغيره يرسم صورة عن التوصيف الوظيفى فى تلك الأجهزة المنوطة بحماية الناس.

4- مع الخيال ذلك أجمل

فى حديث مع المثير للجدل حسين كمال مدير مكتب عمر سليمان أو بشهرته “الراجل ورا عمر سليمان”، حيث قال عند سؤاله عن ما يتم ترديده على أن اللواء عمر سليمان لم يمت وأنه حى يرزق، فرد عليه فوراً حسين كمال بالآية الكريمة: “يحيى العظام وهى رميم، ربنا قادر على كل شيىء، ده مذكور فى القرآن”! ، كما يوجد له تسجيل قبلها بعام ونصف على قناة العربية وهو يحلف بأغلظ القسم أنه عمر سليمان قد مات بسكتة قلبية أمريكا!، هذا بجانب تفسيره لزيادة مصاريف مؤسسة الرئاسة فى عهد مرسى 5 مرات على الأوز والبط الذى يأكل فى القصر!!.

اللواء حسين كمال

5- مابعد احتكار الوطنية

رؤية اللواء وليد النمر القيادى السابق بالمخابرات الحربية أشبه بحديث يردد كافة الكلام المتداول فى الاعلام تقريباً، دون أى رؤية مستقلة أو تفسيرات مغايرة، مما يثير التساؤلات المنطقية عن مدى جدوى الحوار من الأساس!

اللواء وليد النمر

لكن ما تم ملاحظته فى هذا الحوار وهو تناوله لكافة أطراف اللعبة السياسية فهو يرى أن الاخوان كانوا يخططون للاستيلاء على الحكم من قبل الثورة وكأن هدف أى حزب أو جماعة هو التأمل السياسى!، ويرى النشطاء خونة وممولون مستشهداً بعلاء عبد الفتاح وحركة 6 ابريل وتواجدهم بأحداث ماسبيرو ومتوعداً اياهم وغيرهم من اعلاميين وسياسيين بالقضية المشهورة بـ 250 أمن دولة، وعلى النقيض فهو يرى أن بقية مؤسسات الدولة بريئة من دم المتظاهرين حيث يقول ان اسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة أمر بسحب سلاح قوات الأمن فى ميدان التحرير!.

بجانب الترحم على أيام مبارك حيث يقول أنه مبارك اصطدم بأمريكا كى لا يُخلى جزء من شمال سيناء ومن ثم جعل أمريكا تأتى بالاخوان، وعلى هذا المنوال بقية الحديث حيث يذكرك بحوارات الاعلامى توفيق عكاشة وحديثه الدائم عن الماسونية والمؤامرات الكونية على مصر!

6- كبيرهم الذى علمهم السحر

يصف أغلب رجال الأمن اللواء عمر سليمان بأوصاف أقلها أنه لن تأتى المخابرات بشخص مثله وتعتبر تصريحاته وكلماته مرجعاً لا ينضب لكافة مؤيديه، عندما تتبع حوارته ستجده فى حديث أثناء الثورة مع التلفزيون المصرى وقد تلفظ بكلمة “أجندات” العديد من المرات، كما لم يتورع عن قولها حتى فى الحوار مع تلفزيون abc مضيفاً ان التيار الاسلامى هو من يدفع هذه التظاهرات وعند سؤاله عن ايمانه بالديمقراطية رد بالاجابة الشهيرة : But when.

فى حديث مطول أثناء ترشحه للرئاسة 2012 يرى عمر سليمان أن الثورة كانت امتداد لتخطيط يهدف لتغيير الأنظمة العربية بواسطة الحشد الجماهيرى بدأ منذ عام 2007، وهذا البرنامج تم تنفيذه مع الشباب لتدريبهم على مقاومة السلطات وإسقاط الأنظمة فى إطار خطة الفوضى الخلاقة التى تتبناها أمريكا.

وفى تفسير له على اعطائه أوامر بسحب الشرطة فترة الثورة بعد جمعة الغضب 28 يناير فيقول أن وزير الداخلية وقتها أبلغه أن هذا لم يحدث، وأن “بطاريات الاتصالات” انقطعت مع القوات نتيجة بقائهم فى الشارع لفترات طويلة دون قدرة على التواصل مع مركز العمليات، كما أن الوزارة لم تستطع أن تحمل إليهم أى مؤن أو تساعدهم فى أماكن تمركزهم.

وعن رؤية مغايرة للاخوان قد يكون هناك أثر للظرف السياسى للحوار يقول: “جهاز المخابرات كان “الصدر الحنون” للإخوان نتيجة الضغط الذى كانت تمارسه الأجهزة الأخرى، وكنا على اتصال بهم وننصحهم ونتشاور معهم ونناقش معهم المبادرات، أما الأجهزة الأخرى فكان لها أهداف أخرى لمنع الإخوان من الظهور على السطح السياسى”.

وعن رؤيته للتعامل مع اسرائيل يقول: “أخاف من أن إسرائيل تظن أن مصر دخلت إلى صف الأعداء، أى يتعاملون مع سيناء على أنها منطقة ليست آمنة، وأن حماس والإخوان أصدقاء، والدخول والخروج إلى سيناء أصبح خارج السيطرة، ويمكن استخدام الأراضى المصرية لإطلاق صواريخ على سيناء، ومن ثم يمكن أن تفكر إسرائيل أن تعود إلى (الحدود الآمنة)“.

خلاصة عرض النصوص

عمر سليمان

يتجلى بوضوح الرؤية للذات والآخر، تعظيم دور المؤسسات فى الحفاظ على الأمن الداخلى والخارجى حيث تحتكر فهم المصلحة العليا للبلاد وشيطنة وتخوين الأطراف المتداخلة مع السلطة ونعتها اما بالعمالة أو صاحبة أجندات أو لها أغراض خاصة، كما ظهر بجلاء فكرة عدم الفصل بين الدور العسكرى والسياسى للجيش، كما الترديد الدائم لحرب الدولة ضد الارهاب وأهمية الاصطفاف ورائها وماعدا هذا يعد خيانة، والأمر المثير للدهشة دوماً وهو تضارب التصريحات تجاه الدول الغربية الكبرى بين وصفها كمصدر دائم للمؤامرات على البلاد و بين ضرورة التعاون والتآزر الاستراتيجى، هذا طبعاً بجانب اتفاق المواقف الواضح تجاه دول الدعم العربى خاصة المملكة السعودية ودولة الامارات.

من الأهمية اعادة تعريف مفهوم الأمن القومى حيث لم يعد محصوراً فى مجرد التحرر من التهديد العسكرى الخارجى ولا سلامة الوطن وأراضيه وسيادته وانما يمتد الى تأثير أوسع ليشمل معانى الاستقرار السياسى، التنمية الاقتصادية والتكامل الاجتماعى والتوازن البيئى، فالأمن القومى له أطر متعددة داخلية وخارجية، والأمن القومى الداخلى بجوانبه المتعددة يعتبر الأساس فى توفير أو تحقيق الأمن الخارجى، حيث العلاقة المتداخلة بين الأمن القومى والتنمية فكلما كان البناء الداخلى الاجتماعى والاقتصادى قوياً كلما قاد الى منع عوامل التهديد الخارجى للدولة والعكس أيضاً، والغريب أن يكون هذا أيضاً رأى منظرو السلطة المصرية العتيدين على الدين هلال وأمين هويدى وحتى صلاح نصر!

*نديم هاشم.. وهو اسم مستعار لرجل المخابرات ( محمد نسيم ) الذى درب عميل المخابرات المصرية (رفعت الجمال) فى مسلسل (رأفت الهجان) فترة الحرب مع اسرائيل .

المراجع

1- أزمة الأمن القومى العربى، أمين هويدى رئيس المخابرات المصرى السابق.

2- الاطار القانونى للأمن القومى: دراسة تحليلية، د.نجدت صبرى.

3- التنظير فى الدراسات الأمنية لفترة ما بعد الحرب الباردة، خالد معمرى جندلى.

4- ثورة 25 يناير :قراءة فى عالم النصوص، أسامة احمد مجاهد، .. مركز الحضارة للدراسات السياسية.

5-مدير المخابرات الأسبق مراد موافى فى حديث مع قناة المحور 26 ابريل 2014

6- حوار محمد التهامى مدير المخابرات السابق فى حوار مع الصحفى الأمريكى ديفيد إجناتيوس 20-11-2013.

7-حوار ثروت جودة وكيل المخابرات الأسبق 17 سبتمبر 2014.

8- حسين كمال فى حوار على قناة المحور 15 ابريل 2014.

9-حديث اللواء وليد النمر 18 يونيو 2015.

10 – عمر سليمان فى حوار لليوم السابع أثناء ترشحه للرئاسة 15 ابريل 2012.

11- عمر سليمان فى حوار مع قناة abc أثناء الثورة فى 6 فبراير 2011.

12-حوار عمر سليمان مع التلفزيون المصرى فى 3 فبراير 2010.