يُستخدم مصطلح «العلاقات الدولية» لوصف كل الطرق والأساليب التي تتعامل بها الدول مع بعضها البعض، بينما «الجغرافيا السياسية» أو «الجيوبوليتيك» فهي افتراض أن كل العلاقات الدولية مبنية على التفاعل بين موازين القوة على الأرض وحقائق الجغرافيا. لذا نحن هنا نفترض أن فهمًا دقيقًا للجغرافيا ولموازين القوى يُمكّنك من فعل أمرين؛ الأول أنه يساعدك على فهم القوى التي تشكل فضاء علاقاتنا الدولية، والثاني أنه يمكنك من تحديد الأمور الهامة وغير الهامة من بين التطورات السياسية اليومية. يمكن أن تكون الكتابة مفيدة في وصف القوة والعلاقات الدولية، ولكن أفضل الكتاب سوف يكون محدودًا عندما يتحدث عن الجغرافيا، لذا اختار جورج فريدمان في تقريره الأسبوعي أن يعرض لرؤية مختلفة عن وضع العالم في 2017، ولكن من خلال الخرائط هذه المرة.

الخريطة الأولى: ضعف روسيا الاقتصادي

المناطق التي تظهر باللون الأخضر هي الأقاليم التي تمتلك فائضًا في ميزانها المالي، بينما المناطق باللون الأحمر هي مناطق عجز في الميزان المالي. المصدر:
فوربس توضح هذه الخريطة ثلاثة مفاهيم غاية في الأهمية عن روسيا؛ أولًا أننا نغفل عادةً حقيقة أن روسيا وفقًا لدستورها هي دولة اتحادية تزخر بالعديد من الأقاليم المتنوعة. تمتلك روسيا هوية قومية راسخة، لكنها على الرغم من ذلك تمتلك كيانات سياسية متنوعة للغاية. وعلى عكس معظم خرائط روسيا فهذه الخريطة تقسم الدولة الروسية إلى أقاليمها المختلفة، هناك 85 إقليمًا أو 87 إذا عددت القرم وسيفاستبول. لا يمتلك جميعهم نفس الهوية أو الدين، بعضهم أقاليم وبعضهم مناطق حكم ذاتي وبعضها جمهوريات.الأمر الثاني هو أن هناك الكثير من التنوع الاقتصادي داخل الاتحاد الروسي، تظهر الخريطة هذا، من خلال بيان نقاط العجز والفائض في الموازنة. مثلًا مناطق مثل موسكو وساخالين تظهر فائضًا كبيرًا في ميزانها بينما 52 منطقة أخرى أو 60% من ميزانية الاتحاد الروسي تقع في منطقة العجز. المنطقة المركزية والتي تتضمن موسكو تصنع 20% من الدخل الإجمالي لروسيا.الأمر الثالث وهو النتاج المنطقي لأول نقطتين؛ روسيا المهيبة في وضع اقتصادي مزرٍ للغاية، وحتى لو ظل سعر برميل البترول حول 55 $ طوال عام 2017، فلن يكون هذا كافيًا لحل المشاكل التي تواجه البلاد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يحكم البلاد بقمعه وسلطويته يحتاج كل القوة والثروة التي يمكن أن يضع يده عليها كي يمنع المناطق الشاسعة من بلاده من القيام بثورة على حكمه.شهدنا إذن في الأيام الماضية تضخمًا كبيرًا للدب الروسي، ولكن إذا نظرنا إلى هذه الخريطة فإننا سندرك أن نهاية الطموح الروسي لا يتناسب مع قدراته، بل ربما ستودي بالقيصر الروسي وحكمه إذا لم يحسب حساب خطواته القادمة!.

الخريطة الثانية: القفص الصيني

المصدر:
Geopolitical Futures تعتاد عقولنا النظر إلى العالم من زاوية واحدة متكررة، ولكن أن تُغير تلك الزاوية هو أمر يستحق التجربة. نحاول الآن، مع جورج فرديمان، أن ننظر إلى المحيط الهادي من خلال وجهة النظر الصينية، لنرى ما يمكننا اكتشافه!.اكتسبت تحركات الصين في بحرها الجنوبي اهتمامًا عالميًا، فالجنرال جيم ماتياس والذي أصبح وزير الدفاع الأمريكي قد صرح بأن العدوانية الصينية أحد أهم الأسباب التي تجعله يؤمن أن النظام العالمي يتعرض لأكبر هجوم منذ الحرب العالمية الثانية، ولكننا نعتقد أن الخطر الصيني مبالغ به، وهذه الخريطة ستساعدنا في شرح ذلك.إمكانية الوصول الصيني إلى المحيط الهادئ محدودة بعقبتين؛ الأولى وهي مجموعة الجزر الصغيرة في جنوب وشرق البحر الصيني، وعندما ننظر إلى هذه الخريطة فإن الدافع الصيني لامتلاك السيطرة على تلك الجزر يبدو واضحًا، إذا لم تستطع الصين التحكم في هذه الجزر فإنها يمكن بسهولة أن تستخدم ضد الصين في أي عمل عسكري.والعقبة الثانية أن الصين محاطة بحلفاء أمريكيين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، والذين يمتلكون قوات مسلحة قادرة إلى حد ما على الدفاع عن نفسها ضد احتمالية عمل عدائي صيني. كما تبرز تايوان تحديدًا كهمزة وصل أمام ساحل الصين بما تمتلكه من إمكانيات عسكرية وعلاقات قوية بأمريكا تُشكل تايوان تهديدًا جديًا للصين.أما الذين لا يمتلكون إمكانيات عسكرية كافية مثل الفلبين فإن الولايات المتحدة تقدم لهم ضمانات أمنية متمثلة في مساعدات عسكرية وقواعد وغيرها، لذا فالصين الآن تواجه معضلة جغرافية هامة أمام سواحلها. الأمر الآخر الذي لا تظهره هذه الخريطة، هو البون الشاسع بين الإمكانيات البحرية الصينية والأمريكية على كل المستويات، صحيح أن الصين تسعى هذه السنوات لبناء أسطول بحري جديد لكن رغم التحديثات والتطويرات فإنها تظل متأخرة بعشرات السنين عن الأسطول البحري الأمريكي. لذا تحاول الصين بناء إستراتيجية جديدة، تتمثل في محاولة جذب الحلفاء الأمريكيين إلى صفها وأتى هذا بثماره مؤخرًا مع الفلبين والتي تشهد هذه الأيام تقاربًا كبيرًا تجاريًا وسياسيًا بينها وبين الصين.وإذا ما أخذنا في الاعتبار وصول دونالد ترامب إلى السلطة، فإن الصين سوف تواجه موقفًا أكثر صعوبة، وخاصةً أن ترامب أظهر عداءً كبيرًا للصين من الناحية الاقتصادية والسياسية. فكان أول اتصال سياسي بُعيد انتخابه مع رئيس وزراء تايوان، في إشارة شديدة الخطورة إلى نيته الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة عن الصين، وثانيًا حديثه المستمر عن الاتفاقيات التجارة بين أمريكا والصين، ما يؤذن ببدء حرب تجارية لا يُعلم نتيجتها.

الخريطة الثالثة: إعادة رسم الشرق الأوسط

لسنا بحاجة لتكرار أن خريطة الشرق الأوسط هي خريطة رسمتها القوى الاستعمارية، وأن الحروب وحالة عدم الاستقرار التي يشهدها الشرق الأوسط جعلا هذه الحدود غير ذات قيمة، الأمر الذي حاول جورج فريدمان، أن يرسمه هنا، هو خريطة الشرق الأوسط مرة أخرى بناءً على موازين القوة على الأرض.

من تلك الرؤية فإن دولاً مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن لم تعد موجودة أصلاً، وبدلاً منها تشكلت جماعات متحاربة مبنية على هويات عرقية ودينية وتاريخية. حدود أخرى مثل لبنان وإسرائيل أعيد رسمها لتعكس ميزان القوة الحقيقي. كما كان من المهم أن نعيد رسم حدود الدول الفاشلة فإن علينا أيضًا أن نوضح أي حدود تلك التي بقيت كما هي؛ هناك أربع قوى هامة سوف تتمكن بشكل كبير من الحفاظ على حدودها وموازنة أعدائها الإقليميين وهي تركيا وإيران والسعودية وإسرائيل.أما مصر فنظرًا لوضعها الاقتصادي لا تصلح أن تكون قوة إقليمية رغم امتلاكها نزعة وطنية مميزة في محيطها الإقليمي. في النهاية يمكن أن نقرأ الشرق الأوسط من خلال أمرين؛ الحروب التي تُشن في قلبه الجغرافي، وتوازنات القوى بين الدول المحيطة بهذا الصراع.

الخريطة الرابعة: تخيل البريكست في 2017

المصدر:
Geopolitical Futures
المصدر:
Geopolitical Futures مبدئيًا يجب أن نفهم أن هذه الخريطة هي مجرد أداة تحليلية ومحاولة لفهم ما يمكن أن يكون عليه المستقبل الأوروبي، وليست بأي حال أداةً استشرافية أو تنبؤية بالخريطة الأوروبية.تحدد هذه الخريطة الأقاليم الأوروبية والتي تمتلك نزعات قومية عالية، هذه المناطق تنشط بها إما حركات انفصالية أو حركات تطالب بالمزيد من السلطات المحلية ولا تطالب بالاستقلال. في كثير من هذه المناطق توجد حركات انفصالية ولكنها لا تحظى بدعم الأغلبية من الناس، الأمر المهم هنا ليس حجم الدعاوى الانفصالية ولا قوتها، ولكن المهم أن في كل هذه المناطق يوجد وعي شعبي بعدم الرضا ووعي بهوية وطنية مختلفة عن تلك التي فرضتها الحدود الأوروبية.الاتحاد الأوروبي كيان معيب وذلك لأن أعضاءه لم يتمكنوا من تحديد شكل واضح له. ليس الاتحاد الأوروبي كيانًا مستقلًا، إذ يدعي امتلاكه صلاحيات أكبر من اتفاقيات الحدود والتجارة الحرة، تخلت الدول الأوروبية عن بعض استقلاليتها لصالح بروكسل، ولكن ليس كلها.لذا عندما تظهر مشكلة كبيرة كالأزمة المالية عام 2008 أو أزمة اللاجئين السوريين، يعود الاتحاد الأوروبي لما قبل الوحدة، فبدلًا من «الفرد للجميع، والجميع للفرد» تصبح «كلٌ بمفرده، ولكن عليك أن تشتري في النهاية المنتج الألماني».هزت البريكست أساسيات الاتحاد الأوروبي وكذلك ستفعل الانتخابات الفرنسية والألمانية والإيطالية عام 2017، ولكن البريكست فتح الباب أيضًا لسؤال أكثر عمقًا؛ وهو «كيف يمكن تعريف حق تقرير المصير في القرن الـ21؟». فليست كل الدول الأوروبية مقامة على أرض ثابتة (هويات واضحة)، لذلك سوف نشهد تداعيات البريكست في بريطانيا وأيضًا في إسبانيا، حيث من المتوقع أن يطالب إقليم كتالونيا باستقلاله هذا العام.يقول البعض إن الصورة تساوي ألف كلمة، ولكن الخرائط تساوي أكثر من ذلك بكثير. حيث تساعدنا خرائط مثل هذه في الوصول لفهم موضوعي وغير منحاز لحقائق الجغرافيا وموازين القوة على الأرض، وهذه الخرائط هي ما تمكننا من رؤية حقيقة هذا العالم واستشراف مستقبله.