ما زالت أوراق السعودية في اليمن تحترق واحدة تلو الأخرى، آخرها الرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، فبعد أن تم عقد الصفقة معه، وتحول فجأة من «المخلوع» إلى «الرئيس السابق» و«قائد انتفاضة شعبية»، أصابته طلقات الحوثيين، لتحرق ورقة أراد «محمد بن سلمان» التعلق بها. ويبدو الآن أنه يعول على ابنه أحمد في استكمال اتفاق والده. لتكشف الأحداث أن السعودية وحلفاءها ما زالوا قابعين في سياسة «رد الفعل»، بينما خصومهم يسبقونهم بخطوات ليكونوا أصحاب «الفعل»، ويحددون مسارات اللعب ومستقبل التسويات.


ابن الشاويش تطيح به الثورة وتحفظه الإمارات

الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وابنه أحمد

في أول ظهور له منذ وضعه قيد الإقامة الجبرية في الإمارات مطلع عام 2015، ظهر «أحمد صالح» مع ولي عهد أبو ظبي في مقر إقامته الجبرية يوم 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري،مقدمًا له العزاء في وفاة والده. وترسم الصورة التي نشرها «ابن زايد» عبر صفحته على موقع تويتر، حلفًا جديدًا يخرج إلى العلن بعد أن كان مختفيًا.

فحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، قبل نصيحة الإمارات بالتعاون مع صالح الأب، من أجل كسر شوكة الحوثيين، وسيتبع الآن ابن زايد في التعاون مع صالح الابن، الذي لن يجيد مراقصة الثعابين كما فعل والده، لكنه سيجرب اللعبة بدعم الإمارات والسعودية في مواجهة الحوثيين. فقد دعمت الرياض من قبل صالح في حروبه الست ضد الحوثيين حتى عام 2010.

وتحدثت تقارير سابقة عن تعاون الإمارات مع ابن صالح، حتى قبل وفاة والده، ففي مايو/آيار 2017، أوضح الموقع البريطاني «liberty fighters»، أن وزير الدولة الإماراتي «أنور قرقاش»،اقترح على السعودية سفر أحمد صالح، إلى بلاده من أجل التهيئة لحل سياسي، وكسر حلقة التحالف مع الحوثي، وتحدث تقرير لصحيفة «ذي إنتلجنز» الفرنسية، في التوقيت ذاته عن المسألة نفسها، مؤكدة عقد اجتماعات مع أحمد بحضور السعوديين والإماراتين لحل الأزمة.

حاول الرئيس هادي إزاحة القيادات الموالية لصالح بعد الثورة غير أن الإمارات والسعودية منعتاه من ذلك مخافة صعود الإسلاميين إلى دوائر السلطة

وجد أحمد صالح الطريق معبدًا أمامه بالورود، بخلاف والده الذي كان راعيًا للأغنام، ثم التحق بصفوف الجيش كضابط صف برتبة «شاويش»، ليحكم بلدًا استعصى على الكثيرين فهمه، لكن هذا الطريق جاءت ثورات الربيع العربي التي وصلت اليمن لتقطعه، كما فعلت في دولٍ مجاورة.

يعتبر أحمد النجل الأكبر لصالح، وله أكثر من 14 أخاً وأختًا. ولد عام 1972 في صنعاء، وتلقى فيها تعليمه، ثم حصل على بكالوريوس في علوم الإدارة من الولايات المتحدة، ولأن والده يعده لتولي الأمور أراد تعليمه فنون التحكم في اليمن التي تبدأ بالقوة، ومن ثم أرسله إلى الولايات المتحدة لتلقي العلوم العسكرية، لكنه فشل هناك ليكمل مسيرته التعليمية في الأردن.

وبعد أن امتلك مفاتيح القوة العسكرية، أدخله صالح غمار السياسة، ليدخل مجلس النواب عام 1997، ثم نقله بعد ذلك إلى الجيش ليتدرج فيه وصولًا لقيادة الحرس الجمهوري في عام 2004، وهذا كيان أعده صالح خصيصًا لحماية ملكه، فقد تحول الحرس الجمهوري لجيش موازٍ بل أقوى من الجيش الوطني، ولم ينس تسويقه في الخارج، فقد صار ابنه حليفًا لواشنطن في مكافحة الإرهاب، من خلال قوات تابعة للحرس تعاونت مع الولايات المتحدة في هذا الشأن.

في المقابل أنهك صالح الأب منافسي ابنه حتى شقيقه على صالح الأحمر، قائد الفرقة الأولى، فقد دفعه في أتون حرب زائفة ضد الحوثيين أكد الكثيرون أنها كانت لإنهاك الأحمر، والقادة العسكريين الذين يزعجون صالح ويهددون ابنه من بعده.

لم ينس صالح تسويق ابنه لخلافته في حكم اليمن، لتنطلق بالونات الاختبار منذ عام 2006 في الترويج لابنه، وبالفعل كشفت وثائق لموقع ويكليكس عن تقارير، للسفارة الأمريكية بصنعاء تثبت إجراء صالح الأب خطوات جدية في هذا الطريق. ظل ابن صالح قائدًا للحرس الجمهوري، حتى بعد الثورة على أبيه، حينما تولى الرئيس «منصور هادي» أمور البلاد، حاول التخلص من قيادات صالح، لكن تصدت له الإمارات والسعودية، لأن هذا كان يعني صعود الإسلاميين وداعمي الثورة المرفوضة خليجيًا، فعين «أحمد صالح» في 2013 سفيرًا لليمن لدى الإمارات ليظل هناك حتى اليوم، رغم إقالته من المنصب في عام 2015.


صالح الابن يقود الأتباع إلى الهاوية أم القمة؟

توعد أحمد صالح، الحوثيين بالقتال ثأرًا لأبيه. وطلب من اليمنيين كافةً الاستمرار في انتفاضتهم ضد الحوثيين عملاء إيران، وسُمح له بإطلاق هذا البيان، عله يجد صدى لدى أتباع والده، وتعهد بقيادته القتال بنفسه، وذلك في إشارة إلى أن أبوظبي قد تطلق سراحه لإتمام اتفاق والده، حتى مع وجود عقبة العقوبات الدولية المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن، فكما عملت على استصدار القرار، ستعمل أيضًا على رفعه.

من جانبها حاولت الحكومة اليمنية المأزومة، استغلال مقتل صالح ودعت حزب المؤتمر الشعبي جناح صالح إلى الالتحاق بالشرعية، وأصدر هادي عفوًا عامًا عن المتورطين، شريطة فك تعاونهم مع الحوثيين، كذلك التقى مسؤول يمني حكومي أحمد صالح في أبوظبي يوم 9 ديسمبر/كانون الجاري، وبحث معه التنسيق المشترك لمواصلة الانتفاضة التي دعا إليها والده، وسط أنباء عن بدء التعاون بين ابن صالح ونائب رئيس الجمهورية «علي محسن الأحمر» في عملية عسكرية هدفها تحرير صنعاء.

لكن جزءً كبيرًا من حزب المؤتمر، أصبح مرتبطًا بالحوثيين ولا يهمه الثأر لصالح فهو مجرد رقم سياسي كانت لهم مصالح معه، واليوم إن وُجدت مع الحوثيين فسيبقى جزء منهم إلى جانبهم، وهو ما حدث. فأصبح الآن منقسمًا إلى ثلاثة أجنحة، وهو ما تخشاه الحكومة اليمنية.

الأول جناح هادي وهو ما زال ضعيفًا وغير قادر على إدارة مناطق المعركة بفاعلية، وجناح أنصار صالح ولم يتضح موقفهم بعد من التعاون مع التحالف العربي، وجناح ثالث سينضم لكنف الحوثيين ويكملون اتفاقهم القديم معهم. فقد نجح الحوثي في استمالة البعض بالوعود تارةً وبالوعيد تارةً أخرى، وهو ما يظهر نجاحه في استعادة زمام المباردة مجددًا، فالقبائل لا يهمها دم صالح فهم من سهلوا للحوثي من قبل دخول صنعاء وغيرها في 2014.

ويواجه ابن صالح موقفًا صعبًا في حال عودته لليمن، فالحوثيون يحتجزون معظم إخوته ومنهم خالد ومدين وصلاح، والعديد من أقاربه والكثير من قيادات المؤتمر وشيوخ القبائل، وسيكونون ورقة رابحة في يد الحوثيين للتفاوض مستقبلًا مع الابن الأكبر. فاليمن ما قبل 2011 ليس كيمن ما بعده، وكذلك ما قبل صالح مرحلة وما بعد قتله تاريخٌ جديدٌ لليمن بدأ في التشكل.


السعودية المتأخرة دائمًا

العديد من القبائل لا يهمها دم صالح، فما قبله ليس كما بعده، تاريخٌ جديدٌ لليمن آخذٌ في التشكل

دائمًا ما تأتي السعودية متأخرة، فالخليج هو من أبقى رجال صالح في الحكم بعد التفاهم معه وخروجه من الحكم، وذلك لمنع وصول رموز الثورة من المشاركة في الحكم، وهو ما أضعف هادي، واتضح ذلك لاحقًا في تحالف الحوثي صالح الذي لم تدركه الرياض وحلفاؤها، ليفاجئوا بسقوط صنعاء واحتجاز هادي في عدن ثم نجاحه في الفرار منهم مجددًا.

يريد ولي العهد السعودي البحث عن أي ورقة تساعده في الخروج من ورطة اليمن التي ستحدد نهايتها مستقبل حكمه

كذلك حينما تفاهمت السعودية والإمارات مع صالح، من أجل الانقلاب على الحوثي، فشلا في حمايته هو وأعوانه، ليتم حرق ورقتهم مجددًا. فالآن الحوثيون يحتجزون الكثير من القيادات المؤثرة في حزب المؤتمر وشيوخ القبائل القادرين على تغيير مسار الأمور، وبالتالي حتى وإن عاد ابن صالح لن يجد الكثير ليقوده سوى أتباع ضعفاء غير مؤهلين مثله، فهو ليس كأبيه.

وتكشف التطورات المتلاحقة في اليمن، أن السياسة السعودية مجرد «رد فعل» وليست «فعل» كما تفعل طهران التي تسبقها بخطوات عن طريق وكيلها الحوثي، فهي تجبرها على ردود سريعة وغير مدروسة، وتتم الإطاحة بأوراقها في اللحظات الأخيرة، وما زالت مستمرة في تقديم تنازلات كثيرة ومؤلمة للولايات المتحدة وغيرها من أجل غض الطرف عن حرب اليمن، بجانب دعمها والضغط على إيران لوقف تدخلها هناك.

كذلك في حال عودة أحمد صالح، فإن الإمارات ستسيطر عليه وتقويه على حساب هادي، المدعوم سعوديًا، فسبق أن أردات إضعافه والإطاحة بها عن طريق رئيس الوزراء المقال «خالد بحاح»، الذي اعترضت الإمارات على إقالته، لتناور لاحقًا بورقة انفصال الجنوب. وحاولت أيضًا فرض التفاهم مع صالح عن طريق ابنه، ونجحت مؤخرًا في ذلك، لكن سرعان ما أطاحت إيران بهذه الورقة.

وحتى إن نجح أحمد صالح في العودة بدعم خليجي، فإنه لن يغير كثيرًا من المشهد الحالي، فالحوثيون يحكمون سيطرتهم على صنعاء ومحافظات أخرى، وفي أسوأ أحوالهم سيتراجعون إلى صعدة معقلهم ليكونوا كـ «حزب الله» اللبناني في الضاحية الجنوبية للبنان. وسيتحولون إلى مكون معطل ومؤثر، لأن وقت القضاء عليهم ودحرهم قد ولّى، لاسيما بعد مقتل الراقص مع الثعابين.