قرر النادي الأهلي توجيه الشكر للاعبه حسام عاشور وعدم تجديد تعاقده لتخرج جماهير الأهلي لتؤكد وجوب اعتزال عاشور مكتفيًا بتلك السنوات. بعد أيام قليلة انقلبت الآية تمامًا حيث قرر لاعب النادي الأهلي أحمد فتحي عدم تجديد تعاقده مع الفريق مفضلًا الانتقال إلى فريق بيراميدز حيث سيتحصل على عقد ذي قيمة أكبر لتخرج جماهير الأهلي مرة ثانية مؤكدة خيانة أحمد فتحي للفريق.

هل تبدو جماهير الأهلي متناقضة؟ لإجابة هذا السؤال علينا في البداية إجابة سؤال آخر: السيدة أم النمر؟

السيدة أم النمر، هو تعبير إنجليزي لوصف مشكلة ما غير قابلة للحل. هذا التعبير مستمد من قصة الأديب الأمريكي «فرانك ستوتكون» التي تحمل نفس العنوان. تدور أحداث القصة في بلد خيالية قرر ملكها أن يقوم بمحاكمة المتهمين في مملكته بطريقة مبتكرة.

على المتهم أن يقف أمام بابين مغلقين، الباب الأول خلفه سيدة جميلة أما الباب الثاني فخلفه نمر شرس جائع. إذا كان المتهم بريئًا سيختار باب السيدة أما إذا كان مذنبًا فسيختار باب النمر ليتلقى عقابه العادل في الحال.

وفي أحد الأيام نما إلى علم الملك أن ابنته على علاقة بفتى من عامة الشعب فقرر على الفور أن يخضع هذا الفتى إلى محاكمة علنية. كانت الأميرة الجميلة بين الحاضرين لتلك المحاكمة. إنها تعرف بالطبع ما وراء البابين. نظر إليها حبيبها للحصول على تلميح، أي البابين يختار؟ تلقى الفتى تلميح حبيبته وقام بفتح الباب، لكن أي البابين فتح؟

لا أحد يعرف الإجابة أبدًا. الأميرة هي الأخرى شخصية غيورة لا تطيق أن يعيش حبيبها رفقة سيدة أخرى. فهل ألمحت له أن يفتح باب النمر لتنتهي المسألة برمتها، أم أنها فضلت أن يعيش حبيبها رفقة سيدة أخرى وانتصر حبها له على غيرتها القاتلة؟

ما علاقة تلك القصة بموقف جماهير الأهلي من أحمد فتحي ورحيله عن النادي الأهلي؟ دعنا نشرح الأمور ببساطة.

حقوق مشروعة

دعنا في البداية نوضح أن علاقة النادي باللاعب هي علاقة عمل في المقام الأول. لهذا فمن حق النادي الأهلي عدم تجديد التعاقد مع اللاعب حسام عاشور الذي أصبح آخر الخيارات المنطقية للمدير الفني في مركزه. بل إن المستوى الفني لحسام عاشور خلال السنوات القليلة الماضية يحتم على الأهلي البحث عن بديل بافتراض أن عاشور هو الخيار الوحيد في مركزه.

دعنا نطبق القاعدة نفسها على اللاعب أحمد فتحي، سنجد أنه حق أصيل للرجل أن يرفض تجديد التعاقد لأنه يملك فرصة أفضل خارج أسوار النادي. يلعب فتحي بشكل شبه منتظم ويتسم بأداء يصنف الحد الأدنى منه على أنه جيد لهذا هو يملك مصيره بيده عكس عاشور.

 إلى هذا الحد تبدو الأمور في تمام الوضوح مع التفهم الكامل لموقف كل طرف طبقًا لقواعد الاحتراف. لكن هناك عنصر آخر في تلك المعادلة البسيطة وهو عنصر الجماهير، وما إن يظهر هذا العنصر حتى يظهر لنا فجأة النمر والفتاة وتتعقد الأمور لتبقى غير قابلة للحل.

حقوق لا تخضع للمنطق

لماذا تبدو أحجية السيدة والنمر دون حل؟ لأنها ببساطة تفتقد إلى المنطق. إنها ترتكز على ما ستقرره الأميرة المحبة الغيورة طبقًا لمشاعرها فقط. يصرخ الجميع أن المنطق يحتم على الأميرة أن تلمح لحبيبها نحو باب السيدة لكن هل تتفهم الأميرة نفسها هذا المنطق؟ بالطبع لا.

هكذا هي علاقة الجماهير باللاعبين.د، علاقة حب وغيرة وجنون لا تخضع لأي منطق. ترى الجماهير لاعب كرة القدم بمثابة شريك أساسي لعدد من الأحلام والانتصارات والخيبات الممتدة لعدد لا بأس به من السنوات؛ لهذا لا تلتفت لأي حديث عن المنطق.

ترتحل الجماهير من بلد لأخرى من أجل الهتاف للاعبي الفريق والاحتفال بالانتصار والمواساة في الخسارة، فهل هذا منطق؟ تهتف الجماهير باسم أحد اللاعبين لساعات كاملة بعد أن علمت أنه على مقاعد البدلاء، هل هذا الدعم المعنوي جزء من المنطق. حتى الهتاف الخاص بأحمد فتحي صلّ على الحبيب فتحي ب 100 لعيب لا يخضع لأي منطق.

لهذا تنقسم الجماهير في النهاية تجاه موقف أحمد فتحي، يتفهم البعض ما فعله الرجل ويرفضه الآخرون رفضًا تامًا متهمين إياه بالخيانة. يختار له البعض السيدة بينما يختار البعض الآخر النمر عن طيب خاطر خاصة أن النمر ليس بجائع بل إنه لا يقل عن الفتاة شيئًا سوى بعض ملايين الجنيهات.

ما بعد اختيار الفتاة

حسنًا، قرر أحمد فتحي اختيار ما يراه مناسبًا وغضبت الجماهير، أو انقسمت على موقفها على أقل تقدير لكن الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد،  فكل طرف حاول إدارة الموقف من أجل رضا الجماهير وهو ما أنتج لنا عددًا من المواقف التي تتسم بالحماقة البالغة.

دعنا نبدأ في البداية بموقف فتحي. خرج أحمد فتحي ببيان يؤكد خلاله أنه قرر رفع الحرج عن مجلس الإدارة وإعطاء فرصة للشباب لإكمال المسيرة متمنيًا من الجماهير عدم الاستماع إلى المنصات الإعلامية.

كانت تلك المنصات الإعلامية التي يذكرها فتحي قد استضافت وكيله بالفعل والذي أوضح للجميع أن السبب الوحيد لرحيل فتحي هو وجود عرض من فريق بيراميدز يفوق عرض الأهلي المالي. ثم أسهب الرجل في شرح كيف أن اللاعب قرر في البداية تحديد مبلغ محدد يصبح عنده البقاء في الأهلي هو الخيار الأنسب وبعد أن وصلت المفاوضات لهذا المبلغ طلب اللاعب يومين أخرين لتحديد مصيره ثم اختار أموال بيراميدز.

حسنًا لم يهتم أحمد فتحي بتلميح الجماهير على الإطلاق واختار الطريق الأفضل له. اختار فتحي باب السيدة لكنه وبمنتهى الحماقة أصر على أن يؤكد للأميرة أنه مغلوب على أمره. ولا عجب إذا حاول فتحي الحصول على النمر أيضًا فوق الصفقة حتى لا يخسر شيئًا على الإطلاق.

على الجانب الآخر، اكتفت إدارة النادي الأهلي بتوجيه الشكر لأحمد فتحي وفضل المسئولون عدم التحدث عن الأمر. يبدو موقف الأهلي موقفًا منطقيًا تمامًا خاصة أن اللاعب لا ٠زال يمثل أهمية للنادي في ظل بطولات معلقة لا يعلم مصيرها أحد. لكن وكعادة إدارة النادي الأهلي خلال الفترة الماضية، فما يدور في الكواليس يبقى أكثر خطورة من العرض الأساسي.

خرج الرئيس الشرفي للنادي الأهلي تركي آل الشيخ ليؤكد حرص رئيس النادي محمود الخطيب على التواصل معه ومؤكدًا لجماهير الأهلي أن يبشروا فسيأتي بديل فتحي وسيكون «قده 100 مرة».

لم ولن يخرج أحد من إدارة الأهلي لتوضيح حديث الرجل الذي سيؤثر حتمًا على موقف فتحي في الفريق، بعد أن تم الحديث عنه بهذا القدر من الاستخفاف ليفشل الأهلي في احتواء الأمر للمرة المئة بعد تدخل آل الشيخ.

يبقى موقف بعض اللاعبين هو الآخر في حاجة إلى التوضيح بعد رسائل الدعم الذي يصل لاتهام الجماهير بالظلم. بعض اللاعبين الراحلين عن الأهلي كان موقفهم ينم عن تشفٍ واضح في رسالة لجماهير الأهلي «نحن لسنا مطاريد جنتكم المتخيلة، بل إن اللاعب هو من يحدد مصيره».

أما موقف لاعبي الأهلي الحاليين فهو لا يخلو ببساطة من تخوف مستقبلي، فالجميع معرض لنفس الاختيار. لهذا يريدون التأكيد أن من حق اللاعب اختيار الأموال وفي نفس الوقت الحصول على دعم الجماهير، وإلا فتلك الجماهير سيتم اعتبارها طرفًا ظالمًا غبيًا لا يقدر اللاعبين.

بالتأكيد إن ما يحاول اللاعبون ترسيخه في عقول الجماهير لن يحدث أبدًا، لن يحدث طالما لا أحد يعرف ما هي إجابة السؤال: النمر أم السيدة؟