كم لاعبًا مسيحيًا غير أفريقي تعرفه في الدوري المصري؟، كم مرة سمعت «هاني رمزي» وهو يتغنى بأجواء الوحدة الوطنية غير العادية بينه وبين زملائه في النادي الأهلي والمنتخب المصري؟، هل تظن أن هاني رمزي نفسه كان يستطيع إكمال مشواره الكروي إذا كان اسمه «جرجس حنا»؟

كم لاعبًا في اعتقادك انتهى مشواره الكروي قبل أن يبدأ فقط لأن ديانته لا تروق لمُختبريه؟ وأخيرًا لماذا نلاحظ شبه انعدام تواجد اللاعبين المسيحيين في الدوريات العربية لدرجة أن الدوري المصري بأكمله لم تحتوِ قوائمه في آخر ثلاثة مواسم تقريبًا إلا على لاعب مسيحي واحد وهو «شادي عهدي»؟

هل تعلم أن هذا اللاعب من ناشئي وادي دجلة الذي يملكه رجل الأعمال «المسيحي» ماجد سامي؟ هل تعلم أن مسيرة هذا اللاعب انحسرت بين وادي دجلة ونادي الجونة لمالكه «المسيحي» أيضًا سميح ساويرس؟ هل هذا كله من قبيل الصدفة؟


اضطهاد طفولي

منذ عام تقريبًا تفجّرت قضية على السوشيال ميديا كان بطلُها هو الطفل «توني عاطف» الذي ذهب لاختبارات النادي الأهلي، وبعد أن أقنع المُختبرين -على حد قول أخيه الأكبر- وذهب ليسجل اسمه ضمن المقبولين، أشار المشرف المسؤول عن تسجيل الأسماء للكابتن المنوط به اختيار اللاعبين على معصمه في إشارة واضحة لديانة الطفل.

تغيّر الوضع فجأة، ولم يتم قبول الطفل إلا بعد انتشار القضية كالنار في الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعي، مما أجبر النادي الأهلي على دعوة الطفل للاختبار مرة أخرى، والاعتذار الضمني على لسان رئيس قطاع النائشين في ذلك الوقت «عادل طعيمة».

المفاجأة أن النادي الأهلي لم ينفِ الواقعة في ذلك الوقت، واكتفى مسؤولوه بالكلام المائع عن الوحدة الوطنية، وما شابه. المفاجأة الأكبر أن الطفل قد اجتاز الاختبار بالفعل في المرة الثانية!.

صحيح أن أحدًا منا لا يعرف مصير ذلك الطفل الآن، هل أكمل مسيرته أم لا؟ هل تعرض لمضايقات أُخرى أم فرضت موهبته نفسها على الجميع؟ لكن دعنا نعترف أن عودته للنادي واجتياز الاختبار كان انتصارًا معنويًا جيدًا، وجيدًا جدًا لأنصار قضيته، كما يطلق عليها البعض: تلك الانتصارات الصغيرة.

منشور الأخ الأكبر للطفل «توني عاطف» صاحب القضية المثيرة للجدل في اختبارات النادي الأهلي.

أهمية قضية «توني» لم تكمن فقط في الظلم الواقع على طفل موهوب بسبب ديانته، لكنها تكمن بالأساس في مدلول تلك الواقعة، وما تحمله من قناعات راسخة في نفوس أغلب الأُسر المسيحية في مصر؛ بأن كرة القدم مجال مُحرّم على أطفالهم التألق فيه، ولِمَ لا وعدد اللاعبين المسيحيين في الكرة المصرية قاطبة في الـ20 عامًا الأخيرة لم يتجاوز الخمسة لاعبين؟!.


النخبوية هي الحل

في أحد البرامج الحوارية التي أثارت قضية الطفل توني عاطف تم استقبال العديد من المكالمات من الأُسر المسيحية لتدلي بدلوها في القضية، واجتمعت معظم الآراء على أمرين رئيسيين يمثلان في الغالب الحاجز النفسي الرئيسي بين العديد من الأسر المسيحية، ومدارس الكرة للناشئين.

الأمر الأول: اهتمام معظم الأُسر المسيحية بالجانب العلمي بشكل قد يراه البعض مُبالغًا فيه، نظرًا لأنهم يرون أنه أقل المجالات في مصر التي قد يتعرضون فيها لاضطهاد صريح، وأكثر المجالات التي يظهر من خلالها أثرهم الملموس وبصمتهم القوية في المجتمع المصري.

الأمر الثاني: خوف الأهالي على أبنائهم من التمييز العنصري من زملائهم في التدريبات عند أي مشاحنة مُتوقعة، أو أي انفعال طبيعي داخل أرضية الملعب، وهو ما قد يُحبط أبناءهم في كافة مناحي حياتهم، وليست الناحية الرياضية فقط.

الأمر لا يقتصر على الأطفال فقط، بل امتد في بعض الأحيان أيضًا لعدد قليل من لاعبي الفريق الأول لنادي الزمالك على حد وصف «أشرف يوسف» لاعب نادي الزمالك في التسعينات؛ الذي قال أنه تعرّض إلى بعض المضايقات خلال مسيرته الاحترافية، التي تمثّلت في رفض قلة من اللاعبين -على حد وصفه- الأكل أو النوم معه في نفس الغرفة.

على عكس «ناصر فاروق» حارس مرمى غزل المحلة السابق، و«هاني رمزي» لاعب النادي الأهلي السابق اللذين نفيا تمامًا أي وقائع عنصرية، قد تعرضا لها خلال مشوارهما الكروي.

لكن الفترة الأخيرة في مصر شهدت افتتاح العديد من مدارس كرة القدم للناشئين في القاهرة، مدارس نخبوية إن صح التعبير حيث يُشرف عليها العديد من الأندية والمُدربين الأجانب، وهو قد ما يفتح الباب أمام العديد من الأسر المسيحية لكسر ذلك الحاجز النفسي المُتولّد بينهم وبين كرة القدم.


تحفُّز مُسبق

لا يمكن أن ينضم لاعب إلى المنتخب الوطني إلا إذا كان ملتزمًا دينيًا وأخلاقيًا.
حسن شحاتة المدير الفني السابق للمنتخب الوطني المصري.

أثار ذلك التصريح عام 2010 جدلًا واسعًا ضد حسن شحاتة، ليس في الأوساط المصرية التي لم تهتم بذلك التصريح من الأساس لكن في الصحافة العالمية مثل صحيفة الجارديان التي اعتبرت تصريح «شحاتة» تمييزًا صريحًا ضد اللاعبين المسيحيين لاسيما بعد شهرة المنتخب المصري لكرة القدم في تلك الآونة بلقب «منتخب الساجدين» و هو اللقب الذي رأت فيه الصحيفة تهميشًا واضحًا للاعبين المسيحيين في مصر ولكن يبدو أن «الجارديان» قد نست أو تناست السؤال الأهم حينها ألا وهو: أين هم هؤلاء اللاعبون المسيحيون؟!

تصريحات شحاتة لم تكن تحمل أي مقصد طائفي خاصة و أنه من مدرسة حسني مبارك، مدرسة الهلال والصليب المُتحدين في قالب واحد غالبًا ما يكون هو علم مصر. مما يدعم ذلك الرأي أيضًا أن حسن شحاتة في نفس الحوار مع جريدة الشروق خصص جزءًا كبيرًا من حديثه عن ميدو وعلاقته بملكة جمال بلجيكا وأن تلك العلاقة كانت سببًا رئيسيًا في عدم التناغم والتوافق بينهما.


حتى أنت يا هاني!

http://gty.im/650825886

لا يمكن أن يُثار أي جدل في مصر خاص باللاعبين المسيحيين إلا وتجد هاني رمزي على الشاشات التليفزيونية وفي المداخلات الإذاعية يوضح و يؤكد مرارًا وتكرارًا على حُسن العلاقة بينه وبين زملائه في المنتخب والنادي الأهلي، وبينه وبين لاعبيه، بل إنه لا يفوّت أي فرصة دون أن يحث الأُسر المسيحية على تشجيع أبنائهم على التقديم في الأندية وألا يتركوا بابًا حتى يطرقوه؛ لأن اضطهاد اللاعبين المسيحيين لا يحدث في مصر وإن حدث فهو استثناء، لكن الحقيقة أن ما حدث مع هاني رمزي هو الاستثناء وليس العكس.

فبعد انضمامه لناشئي النادي الأهلي تعرّض هاني رمزي لبعض المضايقات من مسؤولي نادي الترسانة في أحد اللقاءات بين الفريقين بعد أن ألحّوا عليه لينضم لهم وأخبروه بأنه لن يلعب للأهلي بسبب ديانته، ولكنه أخبرهم أنه أهلاوي هو وعائلته وإن لم يلعب في النادي الأهلي سيجلس في منزله، وكانت النتيجة أن جلس هاني رمزي بالفعل في منزله قبل أن يقرر أنور سلامة تغيير مسار الأمور فذهب إليه في منزله وأقنعه بأنه سيساعده لاستكمال مسيرته، وبالفعل أكمل هاني رمزي مسيرته الاحترافية، تلك المسيرة الاستثنائية للاعب مسيحي على الأراضي المصرية.