صراحة لم أكن أتوقع ذلك على الإطلاق، لقد جعلوني أعيش واحدة من أفضل لحظات حياتي، شكرًا كريستيانو .. شكرًا ريال مدريد
أوغستين هيريرين-مسئول أرضية ملعب سنتياجو برنابيو.

كانت تلك هي كلمات العجوز الإسباني أوغستين هيريرين بعدما فاجأه كريستيانو رونالدو ولاعبو ريال مدريد وطالبوه بالحضور والوقوف بجانبهم أثناء احتفالهم بالكرة الذهبية الثالثة التي فاز بها الدون البرتغالي على أرضية ملعب سنتياجو برنابيو، البيت الثاني لأوغستين هيريرين إن لم يكن بيته الأول!

خمسون عامًا قضاها ذلك الرجل بين جدران نادي العاصمة الإسباني ريال مدريد، خمسون عامًا كان أبرزها هو عام 1998 عندما كان ذلك العجوز سببًا رئيسيًا في وصول النادي الملكي للقب السابع في تاريخه لبطولات دوري أبطال أوروبا مما جعل الصحافة الإسبانية وجماهير الميرينجي يطلقون عليه لقب «رجل السابعة» أو «Hero Of La Séptima»، ولم لا وقد كان ذلك الرجل هو سبب عبورهم في نصف النهائي أمام دورتموند الألماني.


الحلم على حافة الهاوية

في الأول من أبريل/نيسان من عام 1998 امتلأت مدرجات ملعب السانتياجو برنابيو بالجماهير الإسبانية استعدادًا لمباراة ريال مدريد وبروسيا دورتموند في نصف نهائي البطولة الأغلى والأعرق في العالم دوري أبطال أوروبا، وقد كان آخر نهائي للبطولة لعبه ريال مدريد آنذاك هو نهائي عام 1981 أمام ليفربول الإنجليزي في ملعب حديقة الأمراء في باريس، وفاز به ليفربول بهدف دون مقابل. بطولة كان جمهور الميرينجي في ذلك الوقت متعطّشًا لها، ليس فقط الوصول للنهائي لكن الظفر باللقب ضرورة حتمية.

ولأن عقيدة الألتراس حول العالم تشير دائمًا إلى أن العنف يكون على قدر المحبة، قام ألتراس سور بالصعود على الأسلاك التي وضعتها إدارة النادي الملكي أمام المدرج وربطتها بالمرمى لمنع الجماهير من التلاحم مع اللاعبين وقذفهم إذا توترت أحداث اللقاء كما كان متوقعًا، ومع الشد العنيف للأسلاك المربوطة بالمرمى وقبل انطلاق صافرة اللقاء انهار المرمى تمامًا وأصبح تغييره لا مفر منه. الأصوات تتعالى داخل الملعب لجلب المرمى الاحتياطي ولكن المفاجأة أن لا مرمى احتياطيًا في الملعب!

الحكم يطلب من المسئولين عن الملعب إصلاح المرمى وأعضاء الجهاز الفني للفريق الألماني يضغطون على الحكم بمرور الوقت لإلغاء المباراة واحتساب نتيجة المبارة لدورتموند بالفوز بثلاثة أهداف دون مقابل!


أسرع .. سنلحق بهم

طلب الحكم الهولندي «فان دير إند» من اللاعبين التوجه إلى غرفة خلع الملابس والانتظار لفترة زمنية محددة لم يعلن عنها حتى ينجح المسئولون في حل المشكلة، وهنا أدرك أوغستين هيريرين أن ثمة مهمة عظيمة في انتظاره وأن حلم تلك الجماهير الحاضرة في مدرجات السنتياجو يجب ألا ينهيه مجموعة من المتهورين من ألتراس سور.

اتجه أوغستين هيريرين إلى المدينة الرياضية التي تبعد كيلومترين عن ملعب اللقاء وحين وصل وجد أن أبوابها قد أُغلقت، فقرر أن يعبر السور في مهمة صعبة تمامًا مثل تلك المهمة التي تنتظر لاعبي ريال مدريد في ملعب المباراة.

رجل عجوز قد تجاوز الستين عامًا يقفز من فوق سور المدينة الرياضية هي بالطبع مهمة صعبة ومحفوفة بالأمور المعقدة أبسطها هو احتمالية تمزق ملابسه وتعرضه للجروح، وهو ما قد حدث بالفعل، فقد تمزق بنطاله وتعرض لبعض الجروح في فخذه اليسرى.

ولأن الحياة علمتنا أن المصائب لا يمكن أن تأتي فُرادى، لم يجد العاملون مفتاح غرفة المرمى فاستخدموا عربتهم لكسر الباب، وبعدما كسروا الباب لم تستوعب عربتهم المرمى كاملًا فاضطروا للاستعانة بشاحنة أحد العاملين في المدينة الرياضية حتى وصلوا إلى ملعب المباراة وهنا اختبر الحكم الهولندي المرمى حتى وجده مطابقًا، فبدأ المبارة في الساعة العاشرة بعدما تأخرت ساعة وربع كاملة عن موعدها الأصلي.

استغرق ذلك اليوم طويلًا واحتبست فيه الأنفاس، ولكن لولا ذلك العجوز الإسباني المخلص لانتهى كل شيء ولم يصعد ريال مدريد إلى النهائي ليتغلب على السيدة العجوز ويحصد البطولة بعد غياب مرير عن النهائيات طيلة سبعة عشر عامًا، فاستحق أوغستين هيريرين تلك المكانة التي يحتلها في قلوب عشاق الميرينجي واللاعبين والإدارة وكان جديرًا ليكون المسئول الأول عن السنتياجو برنابيو.


لست مجرد مسئول عن الملعب

علاقة أوغستين هيريرين باللاعبين لا تقتصر على كونه عامل بالسنتياجو برنابيو فحسب، فهو من ينتظرهم في الطرقة المؤدية إلى ملعب المباراة ليحفزهم قبل كل مباراة، يشجعهم، يمازحهم، كلقطة أربيلوا الشهيرة معه على السلم المؤدي لملعب المباراة، حتى اعتبره بعض اللاعبين كسيرخيو راموس تميمة الانتصار في بعض المباريات المهمة.

http://gty.im/141537245

كريستيانو رونالدو هو الآخر تخطت علاقته بذلك الرجل الكثير من المراحل الاعتيادية المعروفة بين نجوم اللعبة وعمال الملعب أو غرف خلع الملابس، والتي يكون عنوانها الأول هو العطف، أما في حالة الدون فالعلاقة أكبر من ذلك بكثير.. فطالما التقطت الكاميرات لقطات عناق بين الثنائي بعد العديد من المباريات المهمة وقد كان آخرها مباراة بايرن ميونيخ الأخيرة حين احتضن العجوز الإسباني كريستيانو وبكى في قلب ملعب السنتياجو برنابيو، كما تشير العديد من التقارير إلى أن هيريرين هو حلقة الوصل بين كريستيانو وعمال ملعب البرنابيو، فهو من يوصل لهم هدايا الدون بعد كل بطولة مهمة أو جائزة استثنائية يحصل عليها هذا الاستثنائي.

http://gty.im/514012808

حتى عندما حصل كريستيانو على كرته الذهبية الثالثة طلب من أوغستين هيريرين الحضور ليتصور مع الكرة وهو يقف بين الثنائي كريستيانو وراموس، أراد كريستيانو بهذه اللقطة تكريم هذا الجندي المجهول الذي غابت عنه عدسات المصورين وكاميرات الإعلام طيلة الخمسين عامًا التي قضاها في مدريد.

أوغستين هيريرين-مسئول أرضية ملعب السنتياجو برنابيو.


لا تحزن .. أنت لست وحدك

شعرت وكأن يدي ترتعش عندما مسكت الكرة الذهبية بين يدي، إنه حقًا شعور ممتع
أوغستين هيريرين بعد وفاة زوجته وسيرجيو راموس في موسم 2011 / 2012

في موسم 2011 / 2012 توفت زوجة أوغستين هيريرين مما كان له بالغ الأثر في نفس العجوز الإسباني واضطره للمرة الأولى للغياب عن سلسلة من مباريات الملكي في سنتياجو برنابيو، وعند عودته في مباراة غرناطة توجه له سيرخيو راموس بعد إحرازه هدفًا أمام الملعب بأكمله لمواساته وتحيته.

كذلك القائد الكتالوني كارلوس بويول توجه له في كلاسيكو الموسم ذاته لمواساته والوقوف بجانبه وتحدثا سويًا لبضع ثوانٍ أمام جماهير الفريقين التي احتشدت في البرنابيو في لقطة صفق لها الجميع حينها.

المراجع
  1. انهيار المرمى في نصف نهائي دوري الأبطال 1998.
  2. كريستيانو و أوغستن هيريرين
  3. بويول و أوغستين هيريرين.