تمكنت عناصر برشلونة من رد الصاع صاعين لرجال البيانكونيري بالفوز بثلاثية نظيفة في افتتاح دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا لهذا العام. بعد الخسارة بثلاثة أهداف مقابل لا شيء في تورينو، ثم التعادل السلبي في لقاء العودة بكتالونيا وبالتالي الخروج من البطولة ذاتها العام الماضي. كان لابد من عنونة لقاء هذه المرة على ملعب «الكامب نو» بلقاء الثأر لصالح الإسبان، وهو ما قد كان بفعل ميسي ورفاقه.

كان منتظرًا أن نشاهد البرسا دون «نيمار» في دوري الأبطال هذا العام، فبعيدًا عن المشاركة ضد خصوم تُعد سهلة نسبيًا داخل الدوري المحلي، كان يجب لـ«ليو ميسي» ومدربه «إرنستو فالفيردي» أن يثبتا أن البرسا كتكوين أهم بكثير من فردية عناصر مهما عظمت قيمتها أو صغرت.

في حين كان على يوفينتوس مواجهة تحدياتٍ عدة، ربما تؤكد نتيجة اللقاء أنه فشل فيها جميعًا لكن من الواضح أنه ليس فشلًا بالشكل الكامل،أهم عوامل الفشل في تلك المباراة بكل تأكيد: هو سقوط حصن «بوفون» المنيع أمام يسارية ميسي، أخيرًا.

ميسي ظفر بثلاث نقاط وضعت الفريق في حالة نفسية جيدة للغاية، لكن المؤكد أن فوزًا كهذا ربما يخدع الكثيريين، لأنك لا يمكن أن تحكم على قوة فرقة أو ضعفها ما دام بها ميسي، أو يواجهها ليو، لذلك أصبح من الضروري استبدال مقولة « ميسي لديهم، لاخوف عليهم» بمقولة « ميسي لديهم، خافوا بشدة عليهم».


الشوط الأول: الصبر مفتاح العمق

تشكيل الفريقين، المصدر: www.whoscored.com

قرر فالفيردي البدء في اللقاء بالعنصريين الجديدين، نيلسون سيميدو وعثمان ديمبلي، من بداية اللقاء كأساسيين لأول مرة مع الفريق الكتالوني، مع الحفاظ على رباعي في خط الدفاع مكون من «بيكيه»، و«أومتيتي»، و«جوردي ألبا»، وبالطبع «سيميدو»، ومن أمامهم الثابت «بوسكيتس» في خط الوسط بمعاونة من كل من «إنييستا»، و«راكيتيتش» على طرفي الدائرة في المنتصف، وفي الأمام «ديمبلي»، و«ميسي»، و«لويس سواريز». على الورق تبدو 4-3-3 هي الرسم التكتيكي لأصحاب الأرض، لكن الواقع كان غير ذلك تمامًا.

في حين قرر ماسيمليانو أليجري أن يدفع بتشكيلة مختلفة عن آخر لقاء له في الدوري، ربما مختلفة تمامًا عن كافة اللقاءات السابقة، وبها العديد من العناصر التي تشارك لأول مرة كأساسية مع الفريق. بوفون في حراسة المرمى من أمامه بارزالي وبن عطية كقلبي دفاع، دي تشليو كظهير أيمن لأول مرة، وأليكس ساندرو كظهير أيسر، في خط الوسط تركيبة مستحدثة بماتويدي الوافد حديثًا، بيانيتش والجديد بينتاكور تحت ثلاثي هجومي دوجلاس كوستا وديبالا وهيجوايين. أقرب إلى 4-5-1 منها إلى 4-3-3 في أكثر أوقات اللقاء.

يمكن بالنظر بشكلٍ عام على النصف الأول من هذه الحكاية، أو قبل الدقيقة الأخيرة فيها، نرى تفوقا واضحا لصالح عناصر الضيوف على مستضيفيهم. ضغط منظم وانتشار سليم في أغلب أبعاد الملعب ووصول أكبر وأقوى لمناطق الخطورة في دفاع برشلونة الذي حافظ على صورته المهتزة المعتادة مؤخرًا، لكن خلال 44 دقيقة عاب رجال السيدة العجوز عدم استغلالهم لهفواتٍ باتت واضحة جدًا في دفاعات البلوجرانا، ولم يتمكنوا من تحويل فرصهم الخطيرة أمام المرمى إلى أهدافٍ حقيقية، حتى جاءت الدقيقة الأخيرة، دقيقة ميسي التي سقط معها كل شيء وكانت فاصلة خلال أحداث اللقاء.


من يخسر رهانه على ميسي؟

أوامر أليجري كانت بالتحفظ الدفاعي مع محاولة الانقضاض في مرتدات أو من خلال تصويبات من خارج منطقة الجزاء حال قطع الكرة نتيجة الضغط. خسارة الاستحواذ كانت شيئا منطقيا وطبيعيا، أوامر برجوع كوستا الدائم إلى جانب ساندرو للمشاركة الدفاعية ومن ثم استغلال سرعته في الارتداد لمشاركة ديبالا وهيجوايين في بناء الهجمة السريعة. تواجد بينتاكور المستمر بالقرب من دي تشيليو الذي لم يتمكن من إكمال قصة المباراة وخرج متأثرًا بإصابته في الدقيقة 41 من عمر المباراة، وهو التغيير الذي يراه البعض نقطة تحول في اللقاء، لكن في الواقع الأمر لم يكن كذلك بالمرة.

فالفيردي بدا وكأنه يعرف جيدًا ماذا يفعل، توقع تواجد كثافة عددية على طرفي الملعب، لأنه الشيء المتكرر الوحيد في اللقاءات المتعددة التي جمعت الفريقين مؤخرًا- وجود أجنحة أو لاعبي خط وسط بجانب ظهري الطرف- بالتالي كان قراره واضحا ببناء اللعب أولًا في المساحة بين خماسي وسط الملعب وبينهم وبين رباعي الدفاع، المساحات البينية بين كل عناصر يوفينتوس هو الموطن الرئيسي لتمريرات لاعبي برشلونة القصيرة، حتى يتم الوصول إلى منطقة الخطوة في الثلاثين مترًا الأخيرة من الملعب، وحينها يتحول الضغط بالكامل إلى عمق الملعب.

الخريطة الحرارية لكل من أندريس إنييستا و إيفان راكيتيتش طول المباراة و التي توضح النزعة الهجومية لكليهما تاركين سيرجيو بوسكيتش متأخرًا على الدائرة، المصدر: www.whoscored.com

في المساحة بين ساندرو وكوستا ونظيرتها بين الظهير الأيمن –الأساسي والبديل- وبينتاكور، تواجد إنييستا وراكيتيتش بقوة في وسط الملعب تاركين مهمة التغطية الدفاعية لصالح بوسكيتس كالعادة، خروج أكثر لصالح جوردي ألبا وأقل من سيميدو من أجل توقع انقضاضات من ساندرو في المرتدات، جعل طريقة برشلونة تبدو وكأنها 3-4-3 أو 3-5-2 بوجود سواريز وليو كرأسي حربة وهميين.

كل العمل في وسط الملعب يسعى لإيجاد مساحة في عمق الملعب يمكن لميسي استغلالها، كذلك العمل الكبير الذي قدمه سواريز طوال أحداث اللقاء بخروجه من مناطق الجزاء تمامًا لسحب أحد قلبي الدفاع معه واستغلال بطيء كلاهما _قلبي الدفاع_ لتسهيل مهمة ميسي الكبيرة.

بارزالي يتواجد خارج منطقة الجزاء بالقرب من وسط الملعب محاولًا التواجد بالقرب من سواريز الذي يظهر هو الآخر خارج منطقة الجزاء تمامًا، المصدر:www.whoscored.com

كل السعي كان للحصول على مساحة لصالح ليو ميسي في منطقة خطيرة من عمق الملعب، أتيحت مرة واحدة فقط في آخر دقيقة من الشوط الأول، كانت كافية تمامًا لتحويل الأمر رأسًا على عقب فيما بعد.


الشوط الثاني: حين تاهت شخصية اليوفي

من أهم التفاصيل التي خدمت برشلونة اليوم بجانب الرغبة الكبيرة التي أبدوها خلال دقائق اللقاء كافة، هي توقيت الأهداف: هدف في الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول يجعل الدخول لغرفة خلع الملابس مؤرقًا لصالح الفريق مستقبل الهدف، ومن ثم هدف بعد حوالي 10 دقائق من بداية الشوط الثاني، ثم هدف ثالث يليه بعد نفس الوقت تقريبًا من الثاني، أوقات ساعدت في كسر رغبة اليوفي شيئًا فشيئًا حتى تاهت شخصية اليوفي تمامًا في أرض الملعب.

برشلونة لم يغير كثيرًا من تفاصيله خلال الشوط الثاني، نفس الرغبة والأسلوب في تنفيذها ظلا مستمريين كما كانا حتى الهدف الثاني لأصحاب الأرض، من بعدها فتحت خطوط الخصم بشكلٍ سمح لهم بالهجوم من مناطق متفرقة من الملعب أهمها الجهة اليسرى التي تواجد فيها جوردي ألبا وسواريز والرسام إنييستا الذي يعد أحد أفضل نجوم الفريق بعد ليونيل ميسي.

المشكلة الكبيرة التي تعاظمت خلال دقائق الشوط الثاني، هي ضياع رغبة لاعبي يوفينتوس تقريبًا، وما زاد الأمر سوءًا هو التغييرات التي قررها أليجري، وكأنه يؤكد للاعبيه أنه لا يرغب من المبارة في أي شيءٍ تمامًا.

بعد حوالي 70 دقيقة من عمر اللقاء، يمكننا أن نقطع كل الحديث عن التكتيك وأن نتوقف فقط لنشاهد برشلونة يؤدي مباراة من جانب واحد تقريبًا أمام فريق منهك بمديرٍ فني بلا رغبة أو طموح أو حتى جرأة على تقديم ما هو أفضل من ذلك. رباعي دفاعي يشارك لأول مرة، وثلاثي في خط الوسط غير متفاهم بالمرة بينهم جميعًا مساحات كبيرة جدًا، تأخر في فهم مجريات اللقاء والأهم هو سوء استغلال الفرص المتاحة. لا يمكن أبدًا ألا نقول إن يوفينتوس ظهر بشكلٍ جيد في بداية المباراة، وتحديدًا في شوطها الأول، لكن أما بعد؟ هل ممكن لفريق كبيرة كاليوفي أن يضيع من هدفٍ واحد في نهاية الشوط الأول الذي تفوق فيه لهذا الحد.


ميسي لديهم، لا خوف عليهم

كما أوضحنا سلفًا، كانت كل تفاصيل يوفينتوس تقريبًا سليمة في الشوط الأول من المباراة الخلل الوحيد الذي ساعد في كسر ذلك النمط المستقر في البيانكونيري، هو وحده ليونيل ميسي. ميسي قدم اليوم مباراة ولا أروع على كافة الأصعدة، التزام خططي واضح حيث وجد الأرجنتيني أريحية كبيرة في التواجد في وسط الملعب لاستغلال الضعف الدفاعي عند ثنائي الارتكاز ماتويدي وبيانيتش.

كذلك إتقان كبير في إنهاء الفرصة التي أتيحت له خلال أحداث المباراة. 5 محاولات لصالح البرغوث الكتالوني 3 منها على المرمى واحدة في العارضة واثنتان داخل الشباك كسر بيهم عقدة بوفون التي استمرت طويلًا حتى باتت فصلا رتيبا في قصة ميسي المشوقة، وبالرغم من التقدير الكبير لبوفون كأحد أعظم من ارتدى قفاز حراسة المرمى عبر التاريخ، لكن يجب أن ينحني ذلك الصرح –برغم عظمته- أمام ليو في ليلة كهذه بأهداف رائعة وبمجهودٍ فردي كبير بالإضافة إلى مشاركته بشكلٍ أكثر من فعال في إحراز الهدف الثاني عن طريق راكيتيتش.