انتهت قمة الأليانز أرينا بكسر ريال مدريد سلسلة من 16 انتصارًا متتاليًا لبايرن ميونخ على ملعبه في دوري الأبطال والغريب في الأمر أنه قبل آخر هزيمة لهم في ألمانيا كانت على يد ريال مدريد في ليلة الرباعية النظيفة الشهيرة في ليلة كان بطلها تلك المرة «كريستيانو رونالدو» الذي ظن الجميع كعادتهم أنه انتهى ولكن أثبت للجميع كعادته أنه ما زال البطل الأول لمدريد.

من يحب كريستيانو فعلًا لا يشكك فيه أبدًا.
كريستيانو رونالدو بعد المُباراة.

قبل المُباراة: سيناريو تخيلي

دخل زين الدين زيدان غُرفته غاضبًا بعد الديربي، أخرج سيجارة وبدأ بالتدخين وبحك جبهته العريضة، بدا وكأنه يُريد أن يفعل شيئًا هو نفسه لا يعرفه ثم انتفض واقفًا واتصل بـ«دافيد بيتوني» مُساعده الأول ودعاه للحضور فورًا.

دخل بيتوني مُسرعًا لمُديره ثم بدأ بالحديث: «زيزو! ماذا بك؟ كُنت أدرك مدى توترك مُنذ سمعت تصريحاتك قبل المُباراة وحول غموض موقفك في تدريب الفريق الموسم القادم وأعلم الآن أنك حزين بسبب إهدار نقطتين في سباق الليجا ولكن هذا لا يعني أن تُحضرني في هذا الوقت المُتأخر».

رد زيدان بسرعة ودون تفكير:«بيتوني! لم أقم بدعوتك لمواساتي ولكن هل تعلم أننا سنواجه بايرن ميونخ في ألمانيا بعد 3 أيام؟ هل تعلم أننا سنلعب بقلبي دفاع لا بديل لهما على الدكة وأحدهما على بُعد إنذار من الإيقاف؟ هل لاحظت مستوى بيل؟ إذا سمحت عَدِّد لي عدد المُباريات التي مر بها رونالدو – هدافنا الأول – دون تسجيل».

أخرج بيتوني من حقيبته حزمة من الأوراق وبدأ بالتمتمة بكلمات غير مفهومة وكأنه يقوم بفهرسة الأوراق في رأسه ومن ثم قام بترتيبها وتوجه نحو زيدان قائلًا: «سيدي، إليك تقرير كامل عن حالة اللاعبين، مُعدلات الحركة ودقة التمريرات والتصويبات والتهديف، الحالة البدنية والإصابات، كل شيء تقريبًا». لم يكترث زيزو بما رآه وشعر بيتوني وكأنه لا يفهم شيئًا ثم سمع من زيزو ما يُزيد غموض الحالة «بينتوس! أُريد أن أُشاهد مُباراة أتليتكو مرة أخرى» فيرد المُساعد متسرعًا: « سيدي لم يمر على انتهائها نصف يوم» فيقاطعه زيزو: «لا ليست مُباراتنا معهم، أريد مُشاهدة مُباراتي أتليتكو مع البايرن مرة أخرى».

تحولت الغرفة لقاعة مُخيفة، رجلان لا يمتلكان ولو شعرة في رأسيهما، أحدهما بدت عيناه حمراوان من كثرة التدخين والسهر أمام الفيديو والآخر يُمسك بورقة ويُدون كل شيء، نور خافت من الإضاءة ودُخان كثيف وصمت تام.

4 ساعات من التركيز التام في كل تفصيلة وكل حركة بعدها نطق بينتوس وهو يتثاءب: «كيف إذًا تُريد أن تواجههم؟». قام زيدان بالوقوف وبدت عليه الثقة مُبتسمًا بلُطف كعادته، أضاء الغرفة بالكامل وبدأ بإلقاء المُحاضرة: «أتليتكو يُدافع جيدًا من العُمق دائمًا ليُخرِج الخصم على طرفي الملعب وحينها يكون قد أبعد الخطر ولكنه يفشل في تلك الخطة دائمًا أمام برشلونة لأن ميسي ونيمار على الخط سيقومان بالمرور دومًا، لذلك ستُلاحظ أنه في مُباراة الذهاب لم يتعب رجال سيميوني في التغلب على البايرن نظرًا لإصابة روبن وتواجد موللر على اليمين ولكن في العودة وعند تواجد أرين لم يستطع سيميوني التفوق».

سكت زين الدين بُرهة ثم قال: « نحن لن نُخطئ خطأ سيميوني، سنقوم بالضغط على روبن وريبري على الطرفين، سنُجبر البايرن على اللعب من العُمق حينها كاسيميرو ومودريتش وراموس وناتشو سيتكفلون بالمُهمة، تلك هي الفكرة الأساسية التي سنلعب عليها هُناك في ألمانيا».

انتهى النقاش مبدئيًا ونام زيزو مُجهدًا من يومٍ شاق وذهب بينتوس إلى بيته يُفكر طوال الطريق فيما قاله زيدان.


على الدكة

من يعرف أنشيلوتي يعلم تمام العلم أن الـ4-3-2-1 عنده مُقدسة إلى حد كبير، لذلك بدأ كالمُتوقَع بنوير حارسًا وبواتينج ومارتينيز قلبي دفاع، لام وألابا في الأظهرة يتقدمهم ألونسو وفيدال وألكانترا وأمامهم ريبري وروبن مع موللر مُهاجِمًا.

لم يختلف زيدان مع مُعلمه كارلو كثيرًا فزيدان يُحب الـ4-3-3 رُبما أكثر من كريم بنزيما الذي بدأ به مُهاجمًا وسط رونالدو وبيل وخلفهم كروس ومودريتش وكاسيميرو وكارفخال وناتشو وراموس ومارسليو مُدافعين أمام كيلور نافاس.

تشكيل وطريقة لعب الفريقين وإحصائيات المُباراة

بدأت المُباراة برهبة مُتبادلة واحترام زائد من الطرفين يتفوق فيه زيدان على كارلو الذي بادر بالهجوم سريعًا مُستغلًا حماس الجماهير ورغبة اللاعبين في الثأر من مدريد، زيزو كان يعلم ذلك وكان يُريد أن تمر الدقائق الأولى بلا هدف في مرماه حتي يستطيع التحكم فيما بقي من المُباراة.

مفتاح المباراة كان الصبر، في الشوط الأول عانينا وبايرن حصلوا على نسبة استحواذ كبيرة على الكرة.
زين الدين زيدان في المؤتمر الصحفي بعد المُباراة.

يعتبره الكثيرون عيبًا، ولكنه طالما استفاد من ذلك الصبر المُقترن بالهدوء،زيدان أدرك أن قوة بايرن ميونخ في توغلات روبين وريبري لذلك قام ودون تردد بوضع كماشة رُباعية على كليهما عند استلام أي منهما الكُرة، فروبين يجد في وجهه مارسيلو وكروس وكاسيميرو ورونالدو أما ريبري فكارفخال وناتشو ولوكا قيدوه في حين كان جاريث بيل كظله. ذلك الصبر الذي جعل لاعبا سريع الانفعال مثل راموس يخرج من الأليانز أرينا دون الحصول على بطاقة صفراء كادت تكلفه عدم لعب مُباراة العودة.

تحضير زيدان للاعبين ذهنيًا لا يقل قيمة عن تحضيره بدنيًا وفنيًا، زيدان جعل من لاعبيه أهدأ، أكثر ثقة وتركيزًا كما جعل ريال مدريد تمتلك دكة قادرة على مواجهة عمالقة أوروبا.

مناطق تحرك بيل في المُباراة توضح مدى التزامه في نصف ملعب مدريد بالواجب الدفاعي

«هذا ريال مدريد وليس ناديًا في الدرجة الثانية الألماني، ما كل هذا التحفظ؟» كثير وكثير من جُمل كتلك قيلت في ذم أسلوب زيدان الذي جعل ريال مدريد يُسدد 3 مرات على المرمى في الشوط الأول مُقابل مرتين فقط لميونخ التي كانت إحداهما هدفًا من ركنية.

تفوق تام من زيدان في شل حركة أطراف الملعب، فالجميع يعلم أن روبين سيقوم بالركض بالكرة من الخارج إلى داخل الملعب ثم يُسدد في أقصى الزاوية البعيدة والجميع يستقبل الهدف ولكن زيدان منعه من القيام بتلك الكُرة ولو لمرة.

حتى تياجو ألكانترا الذي يعتبره الكثيرون أفضل لاعبي البايرن هذا الموسم لم يتمكن من صنع أي خطورة تُذكر على مرمى مدريد.

روبين بالأحمر (تسديدة في يد نافاس) وريبري بالأصفر (تسديدتان في الدفاع) طوال المُباراة

الشوط الأول كان مُتكافئًا رغم تقدم البايرن بهدف، ولكن شهد مُعاناة في الوصول لمرمى مدريد ورغم رغبة القدر مُساعدة البافاريين عن طريق ضربة جزاء أخطأ في تقديرها «ريتزولي» حكم المُباراة إلا أن فيدال أو الملك أرتور كما يُحب أن يُطلق عليه رفض هدية السماء وأطاح بها عالية في سماء ميونخ.


نقاط فارقة

ضربة جزاء في توقيت مثالي كالدقيقة 45 في نهاية شوط مُتكافئ لو سُجلت تُعطيك التقدم بفارق هدفين تُطيح بها، حسنًا.. العقاب آت لا محالة.

الدقيقة 47 وفي بداية الشوط الثاني يُحرز رونالدو هدف التعادل من عرضية كارفخال.

الدقيقة 58 يحصل خافي مارتينيز على الإنذار الأول متبوعًا بالثاني بعد 3 دقائق بمهارة فائقة من رونالدو الذي أجبره على ارتكاب خطأ، هُنا انتهت المُباراة فعليًا فاللعب بتياجو وفيدال أمام كاسيميرو وكروس ومودريتش هي معركة خاسرة من البداية.

الآن نظر كارلو للملعب وأدرك أنه ليس يومه، ضربة جزاء ضائعة وطرد وهدف التعادل في بداية الشوط، نظرات كارلو الحائرة انتقلت للاعبيه في الملعب الذين بدورهم تشتتوا ذهنيًا وأصبحوا فعليًا يُمررون للاعبي الميرينجي.

مُنذ الدقيقة 60 فعلًا والأمر أصبح مُهينا لفريق مثل البايرن على ملعبه، تمريرات مُتتالية من اللاعبين، تسديدات مُتعددة من كل جانب حتى أن ناتشو ونافاس هما فقط من لم يُسددا على نوير الذي كان يواجه مدريد بمٌفرده، الأمر كان أشبه بحصة تدريبية في الأليانز العريق.


لماذا لم يفز ريال مدريد بنتيجة تاريخية؟

اكتفى ريال مدريد بهدفين مع الرأفة في ليلة آخر شيء يجب أن تقوم به هو الرأفة. لاعبو الريال كانوا يُسددون على نوير في كل هجمة فعليًا ولكن الحصيلة هدفان فقط.

عقلية بعض اللاعبين في ريال مدريد مثل مارسيلو وبنزيما لا تساعدهما في حسم تلك المواقف، مارسيلو يشعر وكأنه يلعب على الشاطئ غير مُكترث بالفرص التي تتاح له ويضيعها بكل رعونة أما بنزيما فهكذا عهده جمهور الكرة أمام المرمى.

كما أن مانويل نوير قام بصد 10 كرات في تلك المُباراة كأعلى رقم له في تاريخه في دوري أبطال أوروبا وفقًا لشبكة opta للإحصائيات مع سوء التوفيق الذي لازم لاعبي الريال مثل العارضة أو انزلاق كريستيانو أمام المرمي.

الشيء الأهم هو قلة خبرة زيدان، فبالنظر لتاريخ زيدان سنجد أن تلك المُباراة هي أصعب مُباراة أدارها في مسيرته التي تمتد لعام وبضعة أشهر فبالتالي خوف زيدان من تعديل البايرن للنتيجة وهم بعشرة لاعبين والتأثير النفسي للاعبي الريال حيال ذلك الأمر جعله يتخذ المسار الآمن ويقوم بإشراك جيمس رودريجيز بدلًا من بنزيما حتى يُحافظ على الكُرة في حين كان من الممكن أن يقوم بإدخال موراتا واستغلال سُرعاته في دفاع البايرن المفتوح، رغم أن زيدان قد أثبت جرأته بإشراك لاعب لم يتم العشرين من عمره مثل أسينسيو في مُباراة كتلك.


فوق الجميع

شهد ملعب المُباراة اليوم عدة لاعبين في مراكز مُختلفة يفوقون نُظرائهم في العالم بخطوات كثيرة، فمانويل نوير مازال يومًا بعد يوم يُثبت أنه الأفضل في العالم بردود فعل وثبات خُرافي مثلما تجلى اليوم أمام تصد إعجازي لرأسية بيل ورد فعل قلما يُشاهد لتسديدة رونالدو.

على الجانب الأيمن يُعتبر كارفخال أفضل ظهير أيمن في العالم لما يمتلك من قدرات دفاعية وهجومية وعرضيات رائعة ومركزة وقدرة على الاختراق، خير تعويض لجماهير ريال مدريد عن سنين قضوها مع أربيلوا.

أما في المُنتصف، فالمعركة بين كروس وفيدال أثبتت أن كروس هو أفضل مُمرر في العالم سواء تمريرات قصيرة أو طويلة أو عرضيات، كروس في المُباراة قام بـ78 تمريرة أخطأ مرتين فقط، على الجانب الآخر الملك أرتورو هو أكثر لاعب وسط مُتكامل في العالم فهو يُدافع مثل كانتي ويُهاجم كسواريز بالإضافة للطاقة البدنية الهائلة وقدرته على تغطية أكبر مساحة من الملعب.


وهم الـBBC

536462064

بيل وبنزيما وكريستيانو، ثلاثي المُقدمة في ريال مدريد في الملعب لا يلعبون بالتجانس الذي يجب أن يكونوا به رغم قضائهم السنة الرابعة سويًا، ستجد دائمًا بيل وحيدًا وبنزيما يُشارك رونالدو اللعب.

اختفاء بيل مؤخرًا وعلى عكس المواسم السابقة خصوصًا الموسم الأول له مع الفريق ناتج عن تعليمات زيدان وتقييده بأدوار دفاعية وحصر إمكانياته في لعب العرضيات، بيل لم يتم من الاستفادة سوى بـ30% من إمكانياته في ريال مدريد.

كما أن بنزيما معروف بتذبذب مستواه وإضاعته الفرص السهلة لذلك أصبحت الـBBC مُجرد كلمة تُقال ولا تُنفذ على أرض الملعب لأنهم يلعبون كأفراد وليس كمنظومة كما كانوا مع أنشيلوتي.


عودة الابن الضال

635511236

بعد المُباراة ذهب الجميع لمُصافحة زيزو وعندما اقترب منه رونالدو ابتسم كلاهما، وهنأه زيدان على رقمه الأوروبي كول من يُسجل 100 هدف أوروبي، وتذكرا حديثا دار بينهما بعد ديربي مدريد وإحباط رونالدو بسبب سوء طالعه مع التهديف حين قال له زيدان: «أعرفك جيدًا،لا تقلق سترد عليهم جميعًا يوم الأربعاء» حينها نظر رونالدو في وجه مُدربه وقال له «وأنت أيضًا» حينها دُهش زيزو وانصرف رونالدو نحو غرف تغيير الملابس.

تذكرا ذلك الحديث وكأن كليهما كان مُحقًا على أنهما يمتلكان نفس الجين ونفس العقلية، الظهور في الأوقات الحاسمة، وكأن هُناك حقبة جديدة افتتحها زيزو لرونالدو والتي انتقل فيها من اللاعب الذي لا بد أن يسجل في كل مُباراة إلى اللاعب الذي يُسجل في المُباراة التي يجب أن يُسجل بها مثل ديربي مدريد في ذهاب الدوري ومباراة البايرن، زيزو استطاع التعامل مع سن كريستيانو رونالدو وتراجعه البدني والفني، استطاع توظيفه لخدمة مصلحة الفريق وليست مصلحة رونالدو، استطاع أن يُقنعه بأنه ليس من الضروري أن يبدأ كُل مُباراة حتى يبقى جاهزًا للنهاية، استطاع زيزو أن يُعيد الابن الضال مُنذ فترة عودة تليق بهما.

المراجع
  1. تسديدات روبين وريبري في المُباراة
  2. الإحصائيات وتشكيلة الفريقين