محتوى مترجم
المصدر
revolutionpermanente.fr
التاريخ
2020/10/28
الكاتب
كلوديا سيناتي

فاز حزب «الحركة نحو الاشتراكية» (MAS)، بالانتخابات الرئاسية في بوليفيا، التي تمت شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبأغلبية ساحقة، حيث حصل المرشح اليساري (لويس آرسي) على 55٪ من الأصوات، متجاوزًا كارلوس ميسا، مرشح حزب «تجمع المواطن» (CC) بنحو 27 نقطة. أما فرناندو كاماتشو، مرشح اليمين المتطرف لحزب «نحن نؤمن» (Creemos)، وهو أحد مهندسي الانقلاب ضد الرئيس الاشتراكي إيفو موراليس العام الماضي، فقد جاء في المركز الثالث بنسبة 14٪ من الأصوات. كما فازت الحركة نحو الاشتراكية بأغلبية في البرلمان، لكنها لم تصل إلى الثلثين.

الرئيس البوليفي السابق «إيفو موراليس» يلقي خطابًا في أكتوبر/تشرين الأول 2008

نشر اليمين شائعة مفادها أن تصويتًا قويًّا سيذهب لكارلوس ميسا بهدف منع عودة الحركة نحو الاشتراكية إلى البالاسيو كيمادو (مقر إقامة رؤساء بوليفيا)، وزعموا أن نزعة الأغلبية كانت مناهضة للحركة أكثر من مناهضة الانقلاب. لكن هذا الاتجاه كان موجودًا فقط في أذهان كارلوس ميسا وأعوانه. ففي الواقع، كانت هناك هزيمة نهائية لكتلة الانقلاب.

للمزيد عن الانقلاب الدستوري في بوليفيا 2019، اقرأ على إضاءات:

انقلاب بوليفيا: كيف عزل إيفو موراليس

في لحظات الأزمات: خلف كل ليبرالي معتدل، هناك فاشي

كان انتصار ثنائي لويس آرسي، الرئيس، وديفيد تشوكيهوانكا، نائب الرئيس، قويًّا بشكل مدهش. على الرغم  من أن النتائج كانت متوقعة إلى حدٍّ كبير.

كانت السنة الماضية – التي تميزت بالانقلاب وفيروس كورونا – كارثية على الجماهير، وأدت حكومة جانين آنييز اليمينية المتطرفة إلى تفاقم عنصرية الدولة. وبالكتاب المقدس في يد والبندقية في يد أخرى، أذلت آنييز الشعوب الأصلية، وأطلقت قيادات الانقلاب في مطاردة وحشية، ليس فقط ضد قادة MAS، ولكن أيضًا ضد قادة النقابات والحركات الاجتماعية، بتهم من نوع «الإرهاب تجارة المخدرات» و«إثارة الفتنة».

جيانين آنييز، الرئيسة المؤقتة لبوليفيا 2019-2020

ويفسر سوء إدارة الحكومة لوباء كورونا سبب أن تكون بوليفيا صاحبة ثالث أعلى معدل وفيات، مع 8500 حالة وفاة، وفقًا للأرقام الرسمية (على الرغم من أنها تقدر في الواقع بأكثر من الضعف).

واستمرت الأخبار السيئة، حيث انكمش الاقتصاد، وارتفع معدل البطالة إلى 13٪، والفقر إلى ما يقرب من 40٪. وتركت آنييز العمال، وخاصة في القطاع غير الرسمي، في مصير رهيب. وخلال هذا الوقت، زادت ديون البلاد، كما أن آنييز حاولت تسريع عمليات الخصخصة وغيرها من الإجراءات النيوليبرالية.

لكن الإضرابات والتعبئة التي هزت البلاد في أغسطس/آب الماضي ضد محاولة الانقلابيين للبقاء في السلطة من خلال تأجيل الانتخابات، ثم الحفاظ على نتائج الانتخابات، أظهرت أن اليمين قد فقد ميزان القوى.

لقد أظهر الانقلابيون وجههم الحقيقي؛ معادون بشدة للعمال وللفلاحين، ومعادون للسكان الأصليين. وهي سياسة أخافت قطاعات معينة، مثل الطبقة المتوسطة الحضرية والطلاب والمهنيين والموظفين.

وتسلط الجغرافيا الانتخابية الضوء على التركيبة السياسية-الاجتماعية للتصويت، حيث تركَّز اليمين الانقلابي في سانتا كروز (أكبر مدن بوليفيا)، حيث حصل كاماتشو هناك على 45٪. يدفع ذلك إلى توقع النزاعات والصراعات المستقبلية.

فازت الحركة نحو الاشتراكية بستة من المقاطعات التسعة: أورورو، بوتوسي، لاباز (العاصمة، حيث حصلت الحركة على 68٪ من الأصوات)، باندو، تشوكيساكا، كوتشابامبا. وبالمعنى الدقيق للكلمة، إنها الحركة الحزبية الوحيدة ذات النطاق الوطني، لا سيَّما بالنظر إلى التركيبة الاجتماعية لناخبيها التي تضم غالبية الطبقات العاملة في البلاد: الفلاحين والعمال والسكان الأصليين وقطاعات الطبقات الوسطى الحضرية.

من ناحية أخرى، فإن التصويت لفرناندو كاماتشو (الذي كان من داعمي الانقلاب) والذي فاز بسانتا كروز، يثبت تفسيرين متكاملين: أن شرق البلاد لا يزال معقل الرجعيين، ولكن، في نفس الوقت، أن الانقلابيين فشلوا في توسيع نفوذهم.

تبقى القراءة السياسية الأكثر صحة هي أن كاماتشو يبدو أنه لم يصارع من أجل الانتخابات الوطنية، بل كان هدفه هو ترسيخ نفسه كممثل سياسي لليمين المتطرف في سانتا كروز. تظهر الأرقام أنه نجح في ذلك.

لننظر إذن ما ستكون سياسة حكومة الحركة نحو الاشتراكية المستقبلية.

الخطوة التالية

هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها «الحركة نحو الاشتراكية» (MAS) في الحكومة بدون إيفو موراليس (الرئيس الاشتراكي السابق الذي تمت الإطاحة به بعد انتخابات فاز بها وتم التشكيك في نزاهتها). لقد أثبت هذا الأخير منذ ما يقرب من 14 عامًا أنه يدافع عن برنامج إصلاحات يقتصر على إعادة توزيع الثروة وتدخل الدولة، ولكن في إطار الرأسمالية. ولا يزال يعمل في الخيال السياسي «كرمز» يذكِّر بلحظات الراديكالية، حتى إن كانت تلك الصورة قد تدهورت، خاصة خلال الحقبة الأخيرة، بسبب خصائصها البونابرتية، وتوجهاته الاستبدادية، واعتماده إجراءات معادية للشعب.

لويس آرسي (الرئيس الاشتراكي الجديد) لديه لمحة «تكنوقراطية»، بعيدة عن صورة مؤسسي الحركة وقواعدها الفلاحية ومن السكان الأصليين. وتلك الحقيقة تفتح مجموعة من الفرضيات حول الحركة «ما بعد إيفو» و«ما بعد الانقلاب». فبينما يلوِّح اليمين والبرجوازية بشبح مورايس بوصف آرسي مجرد «دمية» له، فإنهم يريدون أن تكون حكومة آرسي «معتدلة» قدر الإمكان وألا تميل إلى اتخاذ أي إجراء، مهما كان صغيرًا، من شأنه أن يؤثر على مصالحهم.

التهدئة ضد الصراع طبقي

هناك نقاش مفتوح حول أهمية عودة الحركة نحو الاشتراكية إلى السلطة، وهو أمر ذو أهمية استراتيجية للصراع الطبقي ويفتح آفاقًا مستقبلية متنوعة للغاية، ليس فقط لبوليفيا ولكن لأمريكا اللاتينية كلها.

وتتعلق المناقشة الرئيسية الأولى بفرضية «الاعتدال» كمفتاح للنجاح، والتي تتحول إلى البرنامج السياسي الوحيد الممكن والمطلوب. وفقًا لهذه الفرضية، فإن حقيقة أن إيفو موراليس وشخصيات أخرى من الحركة مثل أندونيكو رودريغيز الذي سمح للحركة نحو الاشتراكية بأن تتجاوز قاعدتها الفلاحية التاريخية والمؤسسة على السكان الأصليين، ظلوا بعيدين عن الواجهة في تلك الانتخابات، أدت إلى عدم «تخويف» قطاعات الطبقات الوسطى بخطاب «استقطابي».

النقاش الثاني، والمرتبط بالنقاش أعلاه، يتبنى فكرة أن اليمين الانقلابي – واليمين بشكل عام – تعرَّض للضرب والهزيمة في صناديق الاقتراع، وليس في الشارع عبر فعل مباشر من المستَغلين. هذا هو «التوازن» الذي اقترحه بابلو ستيفانيوني (كاتب بوليفي) في نصٍّ حديثٍ له، حيث رأى أن الشوارع لم تعد صالحة للاحتجاج ضد اليمين والانقلابيين.

هذا النقاش مهم لأنه ينطوي على افتراض «التهدئة» كاستراتيجية نضال ضد الطبقات الحاكمة، والتي تتجسد في سياسة «الأقل ضررًا». ولكن في الواقع، هذا ليس ما حدث.

فمثلًا، قوبل الانقلاب في بوليفيا بمقاومة بطولية في إل ألتو، وهو مركز كبير للطبقة العاملة وللطبقات الشعبية بالقرب من لاباز، وبدأت تكتسب زخمًا وتوسعًا وطنيًّا. ولم تقتصر هذه المقاومة على حشد جماهيري للنساء والفلاحين والعمال والشباب في مركز الانقلابيين فقط، فكان هناك عناصر متقدمة جدًّا في الصراع الطبقي، مثل منع توزيع الوقود، مما حوَّل سينكاتا إلى موقع استراتيجي. وخلال هذه الفترة، ظهرت أمثلة مهمة للتنظيم الذاتي للعمال وديموقراطية عمالية حقيقية، مثل المجالس العمالية في إل ألتو، التي كان لديها علاقة متوترة مع قيادة مركز العمال البوليفي – وهو المركز النقابي الرئيسي في البلاد.  وبالفعل، دعا هذا الأخير بعد ذلك إلى إضراب دون الاستعداد له، قبل أن ينحاز في النهاية إلى الانقلاب.

تستحق تذبذبات قيادة مركز العمال البوليفي فقرة منفصلة، لأن بيروقراطية منظمات العمال الجماهيرية هي جزء من المشكلة. فخلال 14 عامًا من حكم إيفو موراليس، تم دمج بيروقراطية مركز العمال في الدولة، ثم انتقلت لحظيًّا إلى كتلة الانقلاب، قبل أن تعيد تدريجيًّا الاندماج في هيكل الحركة نحو الاشتراكية في الحملة الانتخابية.

وعلينا أن نوضح أنه تم قمع النضال ضد الانقلاب بوحشية، مع مذابح مثل تلك التي وقعت في سينكاتا وساكابا ومعارك حقيقية في وسط لاباز. ومع ذلك، فإن العنصر المركزي الذي سمح للحكومة الانقلابية بالحفاظ على نفسها كان فعل قادة الحركة نفسها، وخصوصًا أعضاء جناحها البرلماني، الذين قرروا التحالف مع الانقلابيين وإعطاء الشرعية المؤسسية لحكومة آنييز، على الرغم من أنهم كانوا يمتلكون أغلبية الثلثين في البرلمان.

إن ظاهرة المقاومة هذه وما يزيد عن عشرة أيام من الإضرابات والحصار في أغسطس/آب يضع حدًّا لميزان القوى الذي كان يحاول اليمين المتطرف والقوات المسلحة فرضه. لكن عدم هزيمة الانقلاب في الشوارع عندما كان ذلك ممكنًا لا يخلو من عواقب. فعلى الرغم من هزيمتهم في الانتخابات، إلا أنَّ القوى التي نظمت الانقلاب والشرطة والجيش واليمين المتطرف في سانتا كروز احتفظت بمواقعها في السلطة.

ولقد وعد لويس آرسي بحكومة «وحدة وطنية»، أي حكومة مصالحة مع الانقلابيين وحكومة تعاون طبقي، مع خطة تقوم على استغلال الليثيوم بمخطط تأميم جزئي شبيه بالخطة التي تحكم استغلال الغاز. إنَّ آرسي يراهن على قدرته على إعادة خلق الوهم باستطاعته تكرار «المعجزة» المفترضة التي أنتجها عندما كان وزيرًا لمالية إيفو موراليس، أي سياسة التعاون مع الرأسماليين التي تترك مجالًا فقط للتنازلات الجزئية.

لكن هذا «الإصلاح السعيد» [في إشارة إلى الفترة التي كان فيها موراليس في السلطة وانخفض الفقر المدقع بمقدار 20 نقطة مئوية] له أساس مادي، حيث استند إلى سياسة تصدير المواد الخام التي لم تعد ممكنة اليوم. فالتوقعات لأمريكا اللاتينية بعد فيروس كورونا مقلقة. ووفقًا لتقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي، فإن الاقتصاد الإقليمي سينكمش بنسبة 9.1٪، وهو ما سيتجاوز الركود الذي تسببت فيه الأزمة الاقتصادية 2008-2009، وسيجاوز حتى الانخفاض الناجم عن أزمة الديون في «العقد الضائع» من عام 1980، ومن المتصور وجود 44 مليون عاطل عن العمل (أي 18 مليون أكثر من عام 2019) و231 مليون فقير و96 مليون شخص في حالة فقر مدقع.

كل ذلك سوف يؤدي إلى تسريع التجربة السياسية للجماهير مع تلك النسخة الجديدة من الحركة نحو الاشتراكية، وسوف يُظهر حقيقة الحكومات «التقدمية» التي تعمل من أجل الرأسماليين في النهاية، وسوف يفتح أيضًا آفاق بناء بديل عمالي ثوري حقيقي.

الآفاق في أمريكا اللاتينية

كانت الإمبريالية تؤيد الانقلاب بشكل قوي، وبررت أمريكا الانقلاب على إيفو موراليس بتقرير مزيف يدَّعي حدوث تزوير في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2019.

من وجهة نظر الجغرافيا السياسية الإقليمية، فإن هزيمة اليمين الانقلابي تضعف أكثر المبادرات الإمبريالية هجومية، وقد تمنح بعض الراحة لفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا؛ تلك البلاد التي تعتبر تحت ضغط بسبب العقوبات الاقتصادية والحصار الذي فرضه دونالد ترامب.

إنها أيضًا هزيمة للحكومة اليمينية المتطرفة في البرازيل برئاسة جايير بولسونارو، التي شاركت بنشاط في تنظيم الانقلاب، وعلى نطاق أوسع لحكومات اليمين الإقليمي، وهي حكومات حليفة للولايات المتحدة.

الرئيس البرزايلي جايير بولسونارو رفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

باختصار، يضعف النزعات الرجعية  لـ«البولسونارية»، وسلطة القوات المسلحة في أمريكا اللاتينية، التي اعتمد عليها الانقلاب نفسه للاستيلاء على السلطة في بوليفيا في مواجهة الدورة الصاعدة للصراع الطبقي الذي بدأت منذ أواخر عام 2019.

هذه الهزيمة اليمينية في القارة يمكن أن تطول؛ خاصة بعد هزيمة ترامب في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني. وهذا لا يقل أهمية عندما تستأنف الحركات الاجتماعية، بعد هدنة الوباء، في تعبئة جماهيرية ضد عنف الشرطة والإضراب الوطني ضد دوكي في كولومبيا، وفي المظاهرات والحواجز في كوستاريكا ضد سياسات حكومة صندوق النقد الدولي وحكومة ألفارادو، وفي مسيرات ضد صندوق النقد الدولي في الإكوادور أو مثل الحشد الجماهيري في تشيلي بعد عام من الانتفاضة ضد بينيرا.

ستظهر الأهمية الحقيقية لهزيمة الانقلابيين في بوليفيا في ميزان القوى في أمريكا اللاتينية في الفترة القادمة. ولكن ما يمكننا رؤيته بالفعل هو أن فترة من التغييرات المفاجئة قد انفتحت في القارة، تتكون من تذبذبات من اليمين إلى اليسار في المجال السياسي وعودة الصراع الطبقي.