محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2019/11/12
الكاتب
أنجوس مكنيلي

غادر إيفو مورالس بوليفيا على متن طائرة متجهة إلى موسكو، بعد يوم من استقالته من منصبه كرئيس. كان قد استقال ونائبه ألفارو غارسيا لينيرا من منصبيهما في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، إثر اقتراح من قائد الجيش ويليامز كاليمان. 

قوبل هذا الأمر بمشاعر متضاربة، تارةً بالتهليل وتارةً بالإحباط، من قطاعات مختلفة من المجتمع البوليفي، إذ كانت الاستقالات تتويجًا لأسابيع من الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 20 أكتوبر/تشرين الأول. بدايةً، بدا أن مورالس فاز في الجولة الأولى، لكن طغى على العملية برمتها اتهامات بالتزوير الانتخابي وشبح التدخل العسكري. 

لا شيء في هذه اللحظة أبيض وأسود. تنحصر الأحداث بين انقلاب عسكري والاحتجاجات الجماهيرية التي أطاحت بالحكومة. 

مع وضد مورالس 

القاعدة الاجتماعية لحزب مورالس السياسي «حركة نحو الاشتراكية MAS»، تضم منظمات الفلاحين في مرتفعات الألتيبلانو في جبال الإنديز، والوديان شبه الاستوائية في كوشابامبا، إلى جانب مجموعة من النقابات والاتحادات التي تمثل الفلاحين والعمال البروليتاريين الريفيين، إذ لديهم علاقة قوية مع حركة نحو الاشتراكية، وهكذا ستتحول جميعها للتصويت لصالحها والدفاع عنها في الشوارع.   

يُكمل هذه النواة الصلبة للدعم الاجتماعي، أولئك الذين يعملون في القطاعات التي استفادت من سياسات الحركة. وتشمل هذه المساحات من المنتجين غير الرسميين للسلع الصغيرة والعاملين بالأجور الضمنية الموجودين في الاقتصاد الشعبي، وعمال المناجم الذين تستخدمهم الدولة والتعاونيات، وقطاعات من الطبقة المتوسطة والمهنية الأدنى، الذين يشعرون أن مورالس قلل من الثقل الذي يواجهونه في حياتهم اليومية. شعرت هذه المجموعات – كما درست في بحثي للدكتوراة – بأنها مستبعدة وغير ممثلة في الديمقراطية البرلمانية الليبرالية قبل انتخاب مورالس عام 2006.  

تتألف معارضة مورالس من تيارات تعددية مختلفة – ومتناقضة -. أولًا، هناك مجموعة معنية بالمفهوم التجريدي للديمقراطية التمثيلية، والتي تتألف من طلاب الطبقة الوسطى الحضرية وطلاب الجامعات. ربما تكون هذه أكبر مجموعة معارضة وتوجد في جميع عواصم الإدارات التسع.  

المجموعة الثانية هي مجموعات السكان الأصليين، التي لا تشارك في أجندة التنمية للحكومة، في مسارات مشاريع البنية التحتية الاستخراجية أو واسعة النطاق. جاءت رموز هذه المعارضة من جماعات السكان الأصليين في الأراضي المنخفضة، لا سيما تلك الموجودة في حديقة إيسيبورو سيكوري الوطنية، وإقليم السكان الأصليين ومجموعات في مناطق تشاكو المتضررة من استخراج الهيدروكربونات. وتشمل المجموعات الأخرى مجموعات في حديقة ماديدي الوطنية التي تعارض السدود الضخمة مثل بالا وشابيت وأيولوس، والوحدات الاجتماعية الإقليمية لمجتمعات أيمارا الأصلية في بوتوسي الشمالية. 

يتزايد اهتمام جماعات المعارضة الإقليمية القوية بتوزيع السلطة والموارد داخل البلاد. يمكن تصنيف المعارضة الأصلية لمورالس في مدينة بوتوسي كجزء من هذه المجموعة، كما يمكن تصنيف اللجان المدنية في إدارات بيني وباندو وسانتا كروز وتاريجا. 

انقلاب؟ 

تسارع الوقت في أعقاب الفترة التي تبعت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في بوليفيا في 20 أكتوبر، مع عقد من الأحداث السياسية التي تكشَّفت في غضون أسبوعين، وتغيير التضاريس السياسية. كما تباطأ الوقت، وكان المراقبون ينظرون من بعيد كما لو كان حادث سيارة بالتصوير البطيء. 

انصياع مورالس وجارسيا لينيرا لطلب الجيش ليس أمرًا مفاجئًا، إذ تزايد احتمال حدوث انقلاب أيام الاحتجاجات والإضرابات المدنية بين يوم الانتخابات والعاشر من نوفمبر. 

لكن قصة الانقلاب ليست القصة الكاملة، وقدرة مجموعات المعارضة الثلاث على حشد عدد كبير من القوى الشعبية القوية بما يكفي لتوجيه التيارات السياسية في هذه اللحظة كانت مذهلة. في أعقاب الانتخابات، أُغلقت مدينة سانتا كروز لأسابيع بسبب إضراب عام – الأطول في تاريخ المدينة – في حين كانت شوارع لا باز وبوتوسي وكوشابامبا متترِّسة. 

تجمعت الجماهير غير المنظمة التي احتشدت وأحرقت مراكز فرز الأصوات في أورورو وبوتوسي وسانتا كروز وتاريجا، بعد تعليق العد السريع الذي بُثَّ ليلة 20 أكتوبر، في حركة قوية بما يكفي لتنسيق ودعم النشاط السياسي ضد الحكومة.  

خلال الأيام الأخيرة لمورالس في منصبه، انضم إليهم مجموعات اجتماعية كانت ذات يوم داعمة لحركة «نحو الاشتراكية»، بما فيها مركز العمال البوليفيين. ما يعني أن استقالة مورالس وجارسيا لينيرا جاءت بعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية الكبرى. 

من المحتمل أن يكون لويس فيرناندو كاماتشو هو أبرز الأيادي الفاعلة في هذا التطور المفاجئ للتاريخ، والذي كان رئيس اللجنة المدنية لسانتا كروز، بداية من حالات الكساد في المنطقة وسياسات اليمين في سانتا كروز، إلى رمز سياسي على الساحة الوطنية. استغرق وصول اليمين الإنجيلي إلى السياسة البوليفية وقتًا طويلًا – بدايةً في شكل المرشح للانتخابات الرئاسية تشي هيون تشونغ، والآن في شخصية كاماتشو – لكنه  ليس شيئًا للاحتفال.

كان كاماتشو – الذي تحدث عن الاستعانة بالكتاب المقدس في السياسة البوليفية – أحد أبرز الشخصيات التي تدعو إلى التدخل العسكري. خلقت التيارات اليمينية المتطرفة في حركات المعارضة، الظروف التي سمحت لجماعات المعارضة الأكثر تطرفًا، لإحراق منازل العديد من حلفاء الحركة في ليلة التاسع من نوفمبر. 

أدت أعمال العنف هذه – إلى جانب النتائج الأولية لفرز الانتخابات، التي أجرتها منظمة الدول الأمريكية للانتخابات – إلى دعوة مورالس إلى انتخابات جديدة، تحت إشراف محكمة انتخابية عليا أعيد تأسيسها. لكن بحلول يوم استقالة مورالس، تجاوزت مطالب العديد من المحتجين الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، والآن لم يتحقق سوى مطلب رحيل مورالس. 

فراغ السلطة 

في أعقاب الاستقالات، طالب كل من كارلوس ميسا – الخصم الرئيسي لمورالس في الانتخابات – وكاماتشو بانتخابات جديدة دون مشاركة مورالس. ونزلت قاعدة الدعم الحضري التابعة للحكومة إلى الشوارع في احتجاجات عنيفة. 

صدر التقرير الأوَّلي الصادر عن تدقيق منظمة الدول الأمريكية حول التزوير الانتخابي – والذي شكك بعض الخبراء في منهجيته – أنه رغم وجود العديد من المخالفات في التصويت، فهناك احتمالية كبيرة بحصول مورالس على أكبر عدد من الأصوات على أي حال. 

من دون مورالس في ورقة الاقتراع في الانتخابات القادمة، لن يتمكن قطاع كبير من الناخبين من التصويت لمرشحهم. هذا هو الوضع الذي سيدعو البعض إلى المطالبة بالعدالة، بالنظر إلى الطريقة التي تجاوز بها مورالس حدود المدة الدستورية، لكن سيحول هذا قطاع كبير من السكان الأصليين – خاصة الريفيين – إلى سكان محرومين من الحقوق المدنية. سيؤدي هذا الإحباط إلى المزيد من العنف إذا ترك دون حل. 

تركت استقالة مورالس وجارسيا مينيرا فراغًا في السلطة. من المرجح أن يتقدم نائب رئيس مجلس الشيوخ جانين أنيز كرئيس مؤقت، لكن الطريق إلى انتخابات جديدة في ظل المحكمة الانتخابية العليا المعاد تشكيلها لا يزال غير واضح. 

في عام 1983، أشار المفكر الاجتماعي رينيه زافاليتا ميركادو إلى عجز الديمقراطية البوليفية عن تمثيل تعددية مجتمعها. في 2019، يتمثل التقدم للأمام في استبعاد نسبة كبيرة من البوليفيين. دُمر الويفالا من المباني الحكومية وأحرق بعدوانية، وهو لافتة مربعة قديمة ترمز إلى المواطنين الأصليين والمقاومة. 

بإعلان كاماتشو أن «باشاماما (السكان الأصليين) لن يعودوا أبدًا إلى القصر. وبوليفيا دولة مسيحية» هو شيء يجب أن يحدث، لا تزال الديمقراطية البوليفية غير قادرة على إدارة تعددية المجتمع في الدولة.