نحن نقول للأتراك: لستم أقوى من الأمريكان الذين غادروا أراضينا تحت الضغط وعليكم أن تغادروا، فإن كنتم قد أتيتم بالدبابات فنحن قادرون على تحطيمها على رؤوسكم

هادي العامري – أحد قادة كتائب الحشد الشعبي – في مؤتمر صحافي.

يبدو أن التدخل الروسي القوي في سوريا أنهى تطلعات الجانب التركي في تحديد منطقة آمنة على حدوده شمالي سوريا، وهو الطلب التركي الذي رفضته الإدارة الأمريكية في وقت سابق لاعتبارات متعددة، وربما بات مستحيلاً في ظل التوترات التركية الروسية بعدما أسقطت الأولي الطائرة الروسية سوخوي 24 في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، ونشر الجانب الروسي -اللاعب الأهم في المعادلة السورية حالياً- منظومة الدفاع الجوي S400 على الأراضي السورية ما جعل النفوذ التركي في الصراع الداخلي السوري لا يكاد يُذكر.

هي إذاً حربٌ باردة جديدة -هذه المرة- بين تركيا وروسيا.

وجدت تركيا نفسها مضطرة للعب دور تدخلي في الأزمة العراقية لتصبح لاعبا مهما وطرفاً قوياً حال حلّها وتستخدمها متى شاءت في المفاوضات الإقليمية المرتقبة بعد أن تضع الحرب أوزارها، لتأمين مصالحها الإقليمية المهددة بالمتغيرات الواقعة على الأرض، لذلك اتخذت من أكراد العراق الموالين لها ذريعةً لإقحام نفسها في المعادلة العراقية.

في الرابع من ديسمبر الماضي عززت تركيا تواجدها العسكري في العراق بإرسالها 150 من الجنود الأتراك مجهزين بأسلحة ثقيلة ترافقهم 25 دبابة إلى بلدة بعشيقة التابعة لمحافظة نينوي شمالي العراق والتي يفصلها عن الموصل -المحتلة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية- فقط 12 كم. الأمر الذي رحبت به حكومة إقليم كردستان العراق التي يرأسها مسعود بارزاني والتي قالت الحكومة التركية أنها جاءت بناءً على طلبهم للحماية، وتدريب عناصرهم للمشاركة في عملية تحرير الموصل المرتقبة. الحجج التركية لهذا التعزيز ضُحدت كما يرى متابعون، أولاً لأن محافظة نينوي تخضع للحكومة المركزية العراقية لا لحكومة الإقليم. وبفرض العكس فكيف لعدد 400-600 جندي (إجمالي العسكريين الأتراك في قاعدة بعشيقة العسكرية) و25 دبابة أن يشاركوا فى عملية عسكرية بقدر عملية تحرير الموصل!، إنه إذا تواجد سياسي وترسيخ لقاعدة عسكرية تركية ثابتة على الأرض وليس تواجد عسكري لحرب منتظرة.

هذا التدخل التركي قوبل برفض من حكومة العبادي في بغداد والتي اعتبرته انتهاكاً للسيادة العراقية، كذلك أبدت إيران انزاعجها من الأمر وأيضاً وحدات الحشد الشعبي الشيعية وحزب العمال الكردستاني المعادي للحكومة المركزية التركية.

“نحن نقول للأتراك: لستم أقوى من الأمريكان الذين غادروا أراضينا تحت الضغط وعليكم أن تغادروا، فإن كنتم قد أتيتم بالدبابات فنحن قادرون على تحطيمها على رؤوسكم” هكذا صرح هادي العامري -أحد قادة كتائب الحشد الشعبي- في مؤتمر صحفي.

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فاتهم -في خطاب متلفز له على قناة الجزيرة الإخبارية- روسيا بتصعيد الأزمة التركية العراقية، مستندا في تحرك بلاده على ما يقول أنها دعوة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لبلاده بإقامة مخيم في بعشيقة لتدريب قوات البشمركة، موجهاً السؤال لحيدر العبادي: “أين كنت عندما أسسنا المخيم؟ لم ينبس ببنت شفه منذ ذلك التاريخ، والآن يثيرون هذا الموضوع بناء على بعض التطورات بالمنطقة”.

الحكومة التركية بعدما أظهرت موقفاً صلداً، حاولت من جانبها امتصاص الغضب العراقي شيئاً ما فسحبت قواتها من مخيم بعشيقة إلى مدن دهوك وبامرني شمالي العراق -في المناطق الخاضعة لسيطرة الإقليم- لكنها في النهاية لم تنسحب كلياً من الأراضي العراقية.


رحلة الأكراد من الشتات إلى الدولة، هل تكتمل؟

هم رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط ويتراوح عددهم بين 20 إلى 30 مليون نسمة، ويسكنون المناطق الجبلية الحدودية لكل من تركيا والعراق وسوريا وإيران وأرمينيا، ورغم أنهم في العقود الأخيرة لعبوا أدوارا إقليمية كبيرة إلا أنه لم تكن لهم دولة.

برز الحديث عن الأكراد مؤخرا مع اندلاع الحرب الأمريكية على العراق والتي كان لهم فيها دورا كبيرا لعلاقتهم السيئة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين وتمتعوا بعدها بعلاقات خارجية بالولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول المنطقة والعالم الغربي.

ومع ظهور تنظيم الدولة التزم الأكراد الصمت لأنهم كانوا بمأمن عن خطر التنظيم حتى قرروا المشاركة في الحرب واكتساب نقاط جديدة على الأرض العراقية، ساعدهم على ذلك بالطبع انسحاب قوات الجيش العراقي من مناطقهم والدعم الدولى المقدم لقوات البشمركة –الجناح الكردي المسلح-.

محاولات إقامة الدولة الكردية؛ في مطلع القرن العشرين مع هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بدأت فعليا محاولات الأكراد لإقامة دولتهم، وساعدتهم في ذلك الحلفاء الغربيون المنتصرون فيما عرف بمعاهدة سيفر 1920. إلا أن هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح مع معاهدة لوزان 1923 التي أُلغيت بموجبها معاهدة سيفر وأعيد بمقتضاها ترسيم الحدود التركية دون وجود دولة للأكراد.

ترسيم الحدود ضمن معاهدة سيفر، معاهدة السلام بين الدولة العثمانية ودول الحلفاء
(توضح الخريطة حدود الدولة الكردية المحتملة)

الخريطة السياسية لأكراد العراق وعلاقاتهم الخارجية

الحزب الديموقراطي الكردستاني وتربطه علاقات قوية بتركيا والحكومة المركزية العراقية والولايات المتحدة الأمريكية وعلاقاته بجمهورية إيران يعتريها دائما القلق. ويتزعمه حاليا مسعود برزاني.

الإتحاد الوطني الكردستاني والذي انشق في وقت سابق عن الحزب الديموقراطي الكردستاني وتربطه علاقات قوية بإيران والولايات المتحدة وعلاقاته بتركيا الحكومة العراقية المركزية ليست على ما يرام فهم أقرب لدعم منافسه الأول. ويتزعمه حاليا جلال الطالباني.

حركة التغيير الكردي التي انشقت مؤخراً عن الإتحاد الوطني الكردستاني والتي أسسها نيشوروان مصطفي في 2009م بعد أن استقال من الإتحاد الوطني الذي كان نائباً لزعيمه جلال الطالباني قبل انفصاله.

الإتحاد الإسلامي وهو فرع الإخوان المسلمين في إقليم كردستان العراق، ويتمتع بعلاقات طيبة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقد شارك فى حكومة مسعود برزاني بوزير واحد.

حزب كادحي كردستان وهو جزب يساري له مواقف معاونة للحزب الديموقراطي الكردستاني وتحالفا معا الإنتخابات من قبل، كما أعلن مساندته للحزب عندما دخلت القوات العراقية السليمانية.

جماعة أنصار الإسلام وتكني لتشددها بطالبان كردستان وكثيرا ما يتهمها معارضوها بانتماء أفرادها لتنظيم القاعدة.

حزب العمال الكردستاني؛ الفصيل الكردي الأكثر عداوة لتكريا

تأسس حزب العمال الكردستاني pkk على يد عبدالله أوجلان عام 1978، ومنذ تأسيسه ينادي بدولة مستقلة للأكراد في تركيا، ومن ثم بدأ صراعه المسلح ضد الجيش التركي بعد 6 سنوات فقط من تأسيسه 1984م، سقط منذ بدء هذا الصراع قرابة ال40 ألف قتيل في صفوف الطرفين.

تراجع الحزب عن مطالبه بالإستقلال في تسعينات القرن الماضي وبدأ وصلة من الحوار مع الحكومة التركية، طالب بمزيد من الحريات والإستقلال الثقافي والسياسي ومؤخراً توقف الصراع المسلح 2012م وبدأت محادثات السلام بين الطرفين، بعد اتفاق الطرفين على وقف الحرب لمدة عام وطلبت الحكومة التركية من الأكراد التراجع لشمالي العراق إلا أن الاستباكات استمرت.

المناطق التي يقطنها الأكراد بين كل من العراق وسوريا وتركيا وأرمينيا

ما وراء العلاقات الدافئة بين تركيا وكردستان العراق؟

استقبل وكيل وزير الخارجية التركي فريدون أغلو رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بمطار أنقرة، في التاسع من ديسمبر 2015 وتم وضع العلم الكردستاني على طاولة قاعة المطار التي استقبل بارزاني فيها، في المرات السابقة لم يكن علم الإقليم حاضراً، كان فقط العلم العراقي!

الصورة لمسعود بارزاني ووزير الخارجية التركي في إربيل-العراق 4 ديسمبر2015 (المصدر؛ رويترز)

وبناءً على تم سرده من معلومات، تبين لنا ما تتمتع به تركيا من علاقة قوية بالحكومة الإقليمية بكردستان العراق التي يترأسها حاليا مسعود بارزاني زعيم الحزب الديموقراطي، استغلت تركيا مؤخراً هذه العلاقة لتأمين أحد أهم مصادر الطاقة اديها، إذ تمتاز المنطقة الحدودية في شمال العراق باحتياطي كبير من النفط والذي تعتمد عليه تركيا وتحاول بهذا التدخل أن تأمنه، لاسيما عقب التوتر الحاصل بينها وبين روسيا (أهم مصادر الطاقة بالنسبة للأتراك).

تقع كذلك محافظة نينوي (عاصمتها الموصول) على أحد خطوط الإمداد النفطي لتركيا ما يجعل الرغبة التركية في الحصول على النفط من الموصل مهما للحكومة التركية ويستحق العمل لأجله.

كذلك فإن تركيا تعتبر الموصل الغنية بالنفط فردوسها المفقود بعد هزيمة الدولة العثمانية 1920م وقررت على إثرها بريطانية ضم محافظة نينوي للدولة العراقية بعيداً عن النفوذ التركي عام 1926م، لذلك تركيا أنها لابد و تكون شريكا أساسيا في عملية تحريرها المرتقبة والتي تبدو ممكنة بعد قطع الطريق الإستراتيجية الواصلة بين مدينة الرقة في سوريا والموصل في العراق.

ترغب تركيا كذلك المشاركة في تقرير مصير الأكراد وتأمين إقليم كردستان العراق وتقديم المعونات له لأن ذلك سيحمي تركيا نوعاً ما من نزوح آلاف اللاجئين الأكراد إليها والذين زادت أعدادهم بعد احتلال تنظيم الدولة لمدن الرمادي والموصل وغيرها من المدن الواقعة تحت سيطرة التنظيم.

في مقابل الاحتياج التركي للأكراد كمصدر غني وقريب للنفط وكحلفاء إقليميين تبدو حكومة بارزاني هي الآخرى باحثة عن دعم تركيا لاستقلال الأكراد بدولتهم المأمولة، ليست تركيا فقط من يتكئ عليها بارزاني بل تردد مؤخرا بشكل ملحوظ على بعض دول الخليج.

استقبلت تركيا قرابة 200 ألف نازح كردي-سوري جراء المعارك المستعرة في عين العرب كوباني

التقارب التركي-الكردي في نظر قوى المنطقة الفاعلة

الدب الروسي، (أبرز الدول الفاعلة على الساحة العربية حاليا والأشد عداوة لتركيا لاسيما بعد حادثة السوخوي الروسية في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي) استقبلت روسيا زعيم حزب الشعوب الديموقراطي التركي -ذو الأغلبية الكردية- ليعلن من موسكو خطأ حكومته في إسقاط المقاتلة الروسية، ما وصفه داوود أوغلو بالخيانة. جاءت هذه الزيارة ربما لتسحب موسكو البساط من يد تركيا فيما يخص تقرير مصير الأكراد.

الجامعة العربية، التي لم يغير موقفها من تركيا التحالف الإسلامي الذي يضم أغلب أعضائها وكذلك يضم تركيا، فطالب مجلس الوزراء العرب انسحاب القوات التركية كاملةً من الأراضي العراقية احتراما لسيادتها كأحد أعضاء الجامعة. بينما وصف أمين الجامعة العربية نبيل العربي التدخل التركي في العراق بأنه انتهاك واضح للسيادة العراقية.

أما طهران -بدورها الحليف الأول للحكومة العراقية- فلم تقبل بهذا التدخل ولا بالدور الذي تريد تركيا اللعب من خلاله في الأزمة العراقية.

ويبدو أن الضغوط الخارجية ستتوالى على الجانب التركي -الذي يبدوا وحيداً في المشهد الإقليمي المعقد، لتجرأه على لعب دور إقليمي تدخلي بينما تلعب دول إقليمية ودولية أدوراً أكثر جرأة في سوريا -أرضها وسماءها- وسط تراجع كبير للدور الأمريكي بالمنطقة -والتي اكتفت بدور المحلل السياسي وعلقت على التدخل العسكري الروسي في سوريا “إن روسيا ستفشل في سوريا” لكنها لم تعلن عن نيتها لفعل شئ يعجل بهذا الفشل- وانشغال الحلفاء الغربيين لتركيا عما لا يمس أمنهم ومصالحهم بصفةٍ مباشرة.