لعب، فن، خلق، إثارة، تمريرات للأصحاب. رمية من ماجد بمهارة تفتح للهدف الأبواب. الكابتن ماجد، عاد من جديد، يمرر ويساند، جاهز للتسديد.
شارة/تتر البداية الكابتن ماجد للموسم الثاني.

خلال سلسلة الإنمي اليابانية الشهيرة والمدبلجة إلى العربية، وصل إلى أذهاننا جميعًا – حين كنا صغارًا – قوة خارقة للمنتخب الياباني بقيادة بطل السلسلة والمسماة على اسمه، «الكابتن ماجد». حينها لم نكن لنفكر كيف يمكن للمنتخب الياباني، التي لا تعد كرة القدم عندهم هي الأساس الرياضي الأول، أن يحقق إنجازًا بقدر الوصول للنهائي المونديالي – الخيالي – في السلسلة من دون ماجد؟!

في ذلك الوقت من العمر كان كل ما يشغلنا هو اللعبة، السيناريو والأداء الحماسي للأبطال، لكن ما الذي يدفعنا لنسأل من هو ماجد؟ وهل هو شخصية حقيقية أم لا؟ الأمر لا يخصنا على الإطلاق، كل ما يخصنا في تلك التجربة اليابانية الخالصة هو القدر الكروي منها فقط، وليس أي جانب آخر. حتى أننا لم نهتم أن الصوت الذي يُقدم لنا بطلنا الأول في الطفولة كان لسيدة وليس لرجل أو شاب حتى.

التجارب اليابانية في طفولتنا لم تتوقف عند الأنيمي وماجد، بل أنها استمرت إلى أن تصل إلى اللعبة الأولى بين أيدينا في الطفولة « Winning Eleven 3 » أو بالاسم الدارج لها داخل مصر والذي أعطى اليابانيين حقهم الكامل فيها: «يابانية». تلك اللعبة لم يكن فيها أي ظهور للكابتن ماجد بشخصه، لكننا عايشناها بنفس العقل والتعامل. نهتم بالسيناريو واللعبة ذاتها ولا نهتم كثيرًا لما قد يكون المقصود من ذكر أسماء بعينها في أقوى فريقين باللعبة: منتخب نجوم العالم ومنتخب نجوم أوروبا. لم نُدرك حينها أن هنالك في ذلك العالم الكثير من التجارب التي تشبه الكابتن ماجد، في محاولتها لخلق أسطورة كروية في بلادها.

كان هناك ربط دائم بين الكابتن ماجد ونماذجه الكثيرة في أبطال تلك اللعبة الشهيرة، لكن ربما لأنهم كتبوا باللغة اليابانية لم نعط لهم الكثير من الاهتمام. لكن لهكذا أسباب خُلقت التكنولوجيا.


علم استقلال كرواتيا الفعلي

الأسطورة الكرواتية دافور سوكر.

مع الانقسام الذي ضرب يوغسلافيا المتحدة وانشقاق المنتخبات منها واحد تلو الآخر، ظهر منتخب كرواتيا كفريق جديد يقدم كرة قدم حقيقية وأداء أخاذًا وجاذبًا لكل العيون. وبعد أن أعلنت استقلالها بعامٍ واحد تقريبًا، شاركت في يورو 96 والمقامة بإنجلترا. حينها لم تلتفت الجماهير إلى العلم الجديد للدولة المستقلة ولا لألوانها الحمراء والبيضاء المميزة على قمصانهم، بل لصاحب الشعر البُني والعيون الملونة والابتسامة الدافئة، دافور سوكر، المهاجم ذو اللمسة الختامية الساحرة في كل مرة.

حين تسترجع ذكريات بطولة إنجلترا للأمم الأوروبية في عام 1996، لن يمكنك أن تستبعد صورة سوكر وهو يلتف في كل الجهات واضعًا يدٍ خلف ظهره والأخرى يحيّي بها كل الحُضور، عن مخيلتك. وقتها، كان قد انتهى سوكر من وضع «بيتر شمايكل» في موقفٍ محرج جدًا أمام كافة الحضور. تسديدة مرتفعة عن الأرض مرت من فوق رأس شمايكل الذي لم يتمكن من فعل أي شيء سوى مشاهدتها تعانق الشباك في سلاسة، رسمت اللحظة الأفضل في مسيرة سوكر حسب رأيه.

ذلك الهدف كان واحدًا ضمن ثلاثة أهداف ساعد بهم سوكر منتخب بلاده ليقدم صورة ليست جيدة جدًا خلال البطولة، لكنها كانت مليئة بالأمل والطموح في مستقبلٍ أفضل له – ولبلاده المستقلة حديثًا – على كل الأصعدة، وبالتأكيد في كرة القدم كأحد أهم الأصعدة تلك، وهو ما ظهر جليًا فيما تلى ذلك من معتركاتٍ دولية، كان أولها رسميًا في فرنسا.

بعد ثماني سنوات من كأس العالم بإيطاليا والذي لم يشارك فيه «دافور» رفقة منتخب السابق، يوغسلافيا، استطاع أن يكن أحد أفضل اللاعبين خلال بطولة كأس العالم بعام 1998. كان له دور رئيسي في أن يحصل منتخب بلاده المستقل على المرتبة الثالثة بين عمالقة منتخبات العالم بستة أهداف من أصل 11 هدفًا سجلها المنتخب الكرواتي خلال البطولة. كان آخرها ضد المنتخب الهولندي في مباراة تحديد أصحاب المراكز الثالث والرابع.

سوكر كان «ماجد» في بلاده كرواتيا، واستطاع أن يكتب المجد لها طوال مدة مشاركته رفقتهم والتي تلت الاستقلال مباشرة، والأكيد أن السلسلة الكرتونية تلك لو كانت خرجت من داخل إحدى المدن الكرواتية لكانت لتسطنبت مكنون الشخصية من سوكر الذي وُضع فيه كل آمال بلاده -كرويًا – من كافة الأعمار، كما كنا نضع نحن في صاحب الرقم 9 في منتخب أوروبا آمالاً عريضة في مواجهة قوة دفاع منتخب نجوم العالم، وكان يفعل في كل مرة.


ملك الغابة الكاميرونية

الأسطورة الكاميرونية باتريك مبوما.

الذيل الإلهي عند باجيو، والقدم اليسرى الشيطانية عند مبوما. في لعبة Winning Eleven 3 المعنية بالدراسة خلال هذه السطور، كان أغلب من يلعبوها يعتمدون على التصويب بعيد المدى بالقدم اليسرى لذو البشرة السمراء المميزة، هنري باتريك مبوما، صوت المعلق الياباني لازل يتردد في مسامعنا بحروف الجوهرة السمراء تلك، لكننا لم نوقن بأن مبوما كان يستحق لقب «ماجد» في الكاميرون فعلًا لو كان الأمر بيد الكاميرونين أنفسهم.

هاجر مبوما الصغير رفقة عائلته حينما كان عمره سنتان فقط إلى فرنسا. حصل هناك على فرصة جديدة للحياة في أجواء أفضل وبالقطع لكرة القدم نصيب كبير في تلك الفرصة. التحق بناشئي باريس سان جيرمان والتي كانت مهدًا لبناء الأسطورة الكاميرونية التي سطرت تاريخ الكاميرون مع بطولات الكان والأولمبياد وفي كأس العالم أيضًا.

فبعد غياب دام 12 عامًا، تمكن باتريك مبوما من إعادة لقب أمم أفريقيا إلى أحضان الغابات الكاميرونية من جديد في عام 2000 بإحرازه 4 أهداف بجانب الضربة الترجيحية الأولى في النهائي الذي انتهى لصالح الأسود الكاميرونية على حساب نسور نيجيريا. استمر إنجاز مبوما رفقة منتخب بلاده واستطاع أن يقود سرب الأسود لغزو أولمبياد سيدني وحصلوا على ذهبية البطولة للمرة الأولى في تاريخ البلاد، بعد هزيمة المنتخب الإسباني في نهائيها.

ومع العودة إلى منافسات الكان مرة أخرى من مالي، حافظ مبوما ورفاقه على اللقب داخل الخزائن في ياوندي بالنسخة التالية في عام 2002. في هذه النسخة أحرز هدفًا حاسمًا أمام المنتخب المصري في ربع النهائي والذي كلل به مجهوداته وأعلن به نفسه هدافًا للبطولة بثلاثة أهداف بالتساوي مع كل من جوليوس أغاهووا وسالومون أولمبي.

مبوما الذي حمل الرقم 10 في منتخب بلاده والرقم 21 في لعبة اليابانية، قد حصل على لقب أفضل لاعب أفريقي ضمن تصويت بي بي سي عام 2000، لكنه حاز قبل ذلك على قلوب الكثير من الأطفال والكبار في الكاميرون، تمامًا مثلما فعل بنا ماجد في طفولتنا، كانوا يرون فيه القوة المفرطة التي يتخيلها كل طفل عن الشيء الذي يخصه، انبهروا به، تمامًا كما حدث مع المعلق الفرنسي على هدفه الشهير ضد فرنسا بالقدم اليسرى الشيطانية.


ديفيد بيكهام الآسيوي

هيديتوشي ناكاتا لاعب منتخب اليابان السابق.

حتى قرب بداية الألفية الجديدة، كان ينظر العالم بالكامل إلى قارة آسيا على أنها موضع جماهيري كبير متاح للاستخدام التسويقي وفرصة لترويج المنتجات في مجال كرة القدم تحديدًا. لم يكن لينظر أحدهم إلى تلك المنطقة من العالم على أن بها بعض المواهب التي يمكن أن تظهر إلى النور. كانوا يحتاجون لبزوغ نجم «ماجد» حقيقي حتى يؤمنوا بتلك الفكرة؛ فكان ظهور «هيديوتشي ناكاتا» هو النقطة المفصلية في تاريخ تلك القارة.

مشاركة ناكاتا رفقة منتخب بلاده في كأس العالم 98 لم تمكنهم من الفوز في أي مباراة خلال الثلاث مباريات التي لعبت في دور المجموعات، وهو ما لا ينفي جودته كلاعب كرة قدم عظيم رُشح لجائزة البالون دور 3 مرات ولجائزة لاعب العام المقدمة من الفيفا في 4 مناسبات وحصل كذلك على لقب أفضل لاعب بالقارة عام 97، لكن القيمة الثقافية والتأثير الحضاري في مستقبل بلاده بل وقارته بالكامل هو الدور الذي قدمه بجودة عالية تشبه جودة ـ«ماجد» مع الكرة.

مع حلول صيف 2002، حين خرجت بطولة كأس العالم إلى قارة آسيا للمرة الأولى في تاريخ البطولة، كان ناكاتا هو الواجهة الإعلامية الأولى في كل شيء: السيارات، زجاجات المياة المعدنية، الأدوات الرياضية والعديد غيرهم. فلقد فتحت النافذة على المنتخبات الآسيوية للمرة الأولى كمنبع للاعبين لهم الحق في غزو أوروبا كلاعبين وليس فقط كقواعد جماهيرية للبيع. وقد لُحق ناكاتا بعد البطولة، التي نُظمت في كوريا واليابان، بثمانية لاعبين التحقوا بفرق في الدرجة الأولى الإيطالية، من بينهم ناغاتومو وهوندا.

وفي عام 2005،حصل ناكاتا على جائزة الفارس «the Knight of the Star of Italian Solidarity» وهي إحدى الجوائز التي تُمنح للاعبين الذين يساعدون في رفع اسم أممهم وبلادهم بالخارج؛ فلقد كان الاعتراف جليًا في كل الأوساط الرياضية بالدور الذي قام به هايد في وضع حجر الأساس لجيل جديد من اللاعبين الآسيويين. كان النجم الذي تنتظره آسيا وظهر في الوقت المناسب، في المكان المناسب.

ربما لو كان ظهر أحد اليابانيين ليجسد أحداث المسلسل الكارتوني «الكاتبن ماجد» أو «الكابتن تسوباسا» كما يُعرف باليابانية، ما كان ليؤثر في مستقبل اليابان وقارة آسيا، بالقدر الذي صنعه ناكاتا. فإن الواقع بعيد تمامًا عن تلك الأحداث الخيالية التي تظل فيها الكرة تتأرجح لأيام حتى تصل إلى خط المرمى مُعلنة تسجيل الهدف، لكن هذا لا ينفي أبدًا أن في الحياة الحقيقية، هناك أمثلة كثيرة من الكابتن ماجد حاولت أن تجد لنفسها موضعًا بين المؤثرين في تاريخ بلادهم، منهم من نجح بالفعل، ومنهم من مات يحاول.


الكابتن ماجد متعدد الجنسيات

ماجد، سوكر، مبوما، ناكاتا وغيرهم، كل منهم ظهر في وقتٍ ما حساس من تاريخ أمته، حاول وجاهد بالقدر الذي ارتآه مناسبًا من أجل أن يصنع التاريخ الحقيقي الذي هو جزء أصيل منه. قاد كل منهم بلاده في مراحل حرجة وتمكنوا وذويهم من الخروج من تلك الحقبة الصعبة بنتائج مميزة، وهو ما حاولت اللعبة ومنشئوها توثيقه من أجل تجسيد تلك الأساطير الكروية الخالدة.

وبالرغم من أن الوقت لم يسعنا لذكر أسطورية البقية أو حتى أن نكمل ما بدأناه في هؤلاء، لكننا سنظل – إلى أبد بعيد – متعلقين باللعبة وأبطالها هؤلاء حتى وإن لم نخض في التفاصيل، تمامًا كما كان الوضع مع ماجد.

يعرف أن اللعبة مهارة، فن، تمرير متبادل. يصنع أهدافًا وإثارة بالتدريب المتواصل والإخلاص مع الأخلاق تجعله النجم المحبوب. تفتح للفوز الآفاق، تأتي بالأمل المطلوب.
شارة/تتر البداية الكابتن ماجد الجزء الأول.