توصف العلاقات السورية التركية بأنها علاقة متذبذبة ما بين التوتر والتقارب، ولكن حالات الابتعاد والتنافر والتوتر كانت تسود أوقاتًا أكثر، وتستمر وتدوم فترات أطول.

ويأتي التوتر والتباعد الحالي بعد فترة من التقارب الكبير بين البلدين، الذي استمر منذ العام 2000 بعد مشاركة الرئيس التركي الأسبق أحمد نجدت سيزر في جنازة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ثم وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا في العام 2002، وتعزيزه للعلاقات بشكل غير مسبوق، استمرت حتى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا ضد النظام في العام 2011، وتدخل النظام التركي ومطالباته المتكررة للاستجابة للمطالب الشعبية، مما تسبب في تراجع العلاقات حتى وصلت للقطيعة بين البلدين، وصولًا لدعم الحكم في تركيا للمعارضة السورية واستضافتها وتبني مطالبها، والمطالبة الدائمة للمجتمع الدولي بحل الأزمة السورية، حتى ظن البعض بأن تركيا في طريقها لتدخل عسكري تركي في سوريا لصالح المعارضة وبهدف إسقاط النظام.

خلفية تاريخية للعلاقات السورية التركية

خضعت سوريا للحكم التركي خلال فترة الخلافة العثمانية، وقد حملت الذاكرة السورية صورة سلبية نتيجة حملة البطش والإعدامات التي قام بها جمال باشا في بلاد الشام بعد أن تم تعيينه حاكمًا لبلاد الشام عام 1915، وهذا أدى إلى تردي العلاقات التركية العربية، إضافةً إلى إعلان شريف مكة أمير الحجاز، الحسين بن علي، الثورة على حكومة الاتحاد والترقي يوم 6 حزيران/يونيو 1916.

وبالتالي فإنه بانهيار الخلافة العثمانية قد رسخ في الأذهان العربية صورة البطش والتنكيل التركي للعنصر العربي، وفي الأذهان التركية ثورة الشريف حسين وتحالفه مع بريطانيا ضد الأتراك. وقد تبادل الطرفان الاتهامات على مدى سنوات طويلة([1]).

الشريف حسين

وبعد انهيار الخلافة العثمانية أسس مصطفى كمال الذي لقب بأتاتورك (أبو الأتراك) دولة تركيا الحديثة التي ضمت فيما بعد لواء الإسكندرونة عام 1939، بعد اقتطاعه من سوريا ليبقى سببًا رئيسيًا لتوتر العلاقات السورية التركية، كذلك فإن اعتراف تركيا بإسرائيل عام 1949، ثم تبادل العلاقات الدبلوماسية معها على مستوى السفراء قد كان سببًا آخر لتوتر العلاقات العربية التركية، إضافةً إلى إنضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي عام 1952، وتأسيسها لحلف بغداد عام 1955 مما أدى إلى إرتفاع وتيرة الخلافات مع سوريا، حتى وصلت الأمور بينهما إلى حافة الهاوية خريف 1957.

ثم طرأت تغيرات جذرية على السياسة التركية تجاه الوطن العربي منذ عام 1964 نتيجة الأزمة القبرصية ولأسباب اقتصادية وانتخابية داخلية، وقد عادت التوترات في الثمانينيات حينما بدأت تركيا مشروع تطوير جنوب شرق الأناضول فيما سمي بمشروع الغاب (Gap)، الذي يؤثر على تدفق مياه نهر الفرات باتجاه سوريا والعراق، وكذلك عندما ظهرت مشكلة حزب العمال الكردستاني داخل تركيا عام 1984 حيث قامت تركيا باتهام سوريا بدعم هذا التمرد الكردي بزعامة عبد الله أوجلان، ومن جانب آخر قدمت تركيا كل التسهيلات الدفاعية للتحالف الأطلسي الأمريكي ضد العراق بعد آب/أغسطس 1990.

ثم ظهرت بدايات التحالف الأمني لتركيا مع إسرائيل في العام 1994، ثم العسكري والإستراتيجي في عام ،1996 وتوقيع الاتفاقيات الأمنية وصولًا للمناورات البحرية والجوية المشتركة التي امتدت إلى ما بعد 1997، مما أثر على العلاقات العربية التركية عمومًا والسورية التركية بشكل خاص، وقد وصلت التوترات إلى ذروتها في العام 1998، وكادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية حتى تم توقيع اتفاقية ” أضنه” بين الطرفين في أكتوبر/تشرين الأول 1998، التي اعتبرت بداية مرحلة تطبيع كامل بينهما، وتوجت العلاقات بحضور الرئيس التركي الأسبق أحمد نجدت سيزر مراسم جنازة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في حزيران/يونيو 2000 وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس تركي منذ زيارة عدنان مندريس قبل تنحيه عام 1961.

وبعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التركية عام 2002 توالت الزيارات للمسؤولين من كلا البلدين وتعمقت العلاقات بينهما وأصبحت نموذجية ومميزة حيث رغبت تركيا من خلال العلاقة مع سوريا الدخول للمنطقة العربية من خلالها، واستمرت العلاقات الإيجابية والودية حتى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية في إطار ما اُصطلح على تسميته ثورات الربيع العربي، وهنا تبدلت المواقف وانقلبت الموازين وأصبح التدخل التركي واضحًا ضد النظام السوري.

ما هي أهداف تركيا في الصراع الدائر في سوريا بعد الثورة السورية؟

إحدي اللافتات في جمعة شكرا تركيا

على الرغم من التحديات التي باعدت بين العرب والأتراك على امتداد القرن العشرين، فإن العلاقات بينهما عادت في السنوات الأخيرة لتؤشر إلى بداية مرحلة جديدة جبها للتدخلات الخارجية والتهديدات التي يمثلها أساسا المشروع الصهيوني على مستقبل المنطقة وشعوبها الأصلية([2]).

وتعتبر العلاقات السورية التركية جزءًا من العلاقات العربية التركية ولكنها أكثرها حساسية وهي متذبذبة ومتقلبة ما بين التقارب الذي عادة لا يستمر طويلا وما بين التنافر المتكرر، وقد شهدت الفترة الممتدة ما بين الأعوام 2000- 2011 أفضل العلاقات بين البلدين، وقد كان لفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية عام 2002 دور كبير في تحسن العلاقات وفقًا لرؤية جديدة تعتمد مبدأ تصفير المشكلات مع الجميع وخاصةً دول الجوار، وكثرت الزيارات على كل المستويات وزاد التعامل في كل المجالات وارتفع التبادل التجاري، وحدثت تسهيلات على حرية التنقل، وتم الاتفاق على إنشاء منطقة التجارة الحرة، حتى أن سوريا قبلت وساطة تركيا في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل ولم تعد سوريا تتحدث عن لواء الإسكندرونة وهدأت مشكلة المياه، أما تركيا فلم تعد تكيل الاتهامات لسوريا بدعم حزب العمال الكردستاني.

أحد الصور التعبيرية عن مشكلة لواء الاسكندرونة

وما أن ندلعت الإحتجاجات الشعبية في درعا في منتصف العام 2011 والتي امتدت لباقي أنحاء سوريا حتى اتخذ النظام التركي موقف المؤيد للمطالب الشعبية، ودعى النظام السوري للاستجابة لإرادة الجماهير، فبدأت العلاقات بالتراجع حتى وصلت إلى حد القطيعة، ومطالبة تركيا بتنحي النظام السوري برئاسة بشار الأسد، وتبنيها مطالب المعارضة وفتحها لها الأبواب وتقديم الدعم والتسهيلات لممارسة كافة أنشطتها على الأرض التركية بما في ذلك تدريب عناصر عسكرية.

ولدى أنقرة عدد من المخاوف المشروعة، وتعتمد في الوقت نفسه على عدد من المعطيات الموضوعية في رسم مسار موقفها من الأزمة السورية، فحساباتها دقيقة جدًا ومعقدة، وعليها أن توازن بين عدد من الاعتبارات الحساسة في آن واحد أثناء اتخاذها موقفها، وتعرف تركيا أن التغيير سيطال المنطقة برمتها، لكنها تخاف من سيناريو الفوضى الكارثي، لما يرتبط بالنظام السوري من ملفات متفجرة، وتأمل في أن تدير هذا الموضوع من سوريا بما يحفظ الحقوق والمطالب الشعبية التي تساندها، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تجنيبها الخسائر الكارثية في حال انزلقت الأمور إلى الفوضى([3]).

ويمكن حصر أهداف تركيا من التدخل في الصراع في سوريا بالتالي:

1 – إسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد بعد أن قطعت تركيا كل خطوط التواصل مع النظام هناك وحصر موقفها بتأييد المعارضة بشكل كامل.

2 – منافسة إيران كقوة إقليمية حيث أن لدى تركيا الرغبة للعب دور إقليمي رئيسي في المنطقة.

3 – رغبة تركيا بعدم دخول سوريا في حالة الفوضى بعد انهيار النظام دون وجود بديل ما يهدد الاستقرار في سوريا، الذي بدوره ينعكس على تركيا التي تعاني من مشكلة كردية، علاوة على انتشار طائفة العلويين. وكذلك انعكاس عدم الاستقرار على المنطقة كلها.

4 – خشية تركيا من سقوط نظريتها “تصفير المشكلات” والتي تأمل تركيا بتحقيقها جني فوائد عظيمة (رغم أنه من وجهة نظرنا أن تدخلات تركيا الكثيرة أدخلتها في خلافات عديدة جعل الحديث عن تصفير المشكلات ضربًا من الخيال).

5 – الحفاظ على الوضع الاقتصادي لتركيا من خلال إعادة الإستقرار وتفعيل علاقاتها الاقتصادية.

6 – تخوف تركيا من تأثير الأحداث في سوريا على شعبية حزب العدالة والتنمية واستغلالها من المنافسين في الانتخابات البرلمانية.

7 – حل المشكلة السورية يساهم في حل مشكلة اللاجئين السوريين إلى تركيا، الذين يعتبرون عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا عليها.

8 – لدى أردوغان طموح جيوسياسي كبير يتوسع خارج حدود دولته، حيث يرى أنه ينبغي على تركيا أن تصبح قوة كبيرة في الشرق الأوسط لكي تكتسب النفوذ الكافي لدى أوروبا، ويعتبر البعض أنها محاولة لأردوغان وأوغلو لبلورة معارضة سنية معتدلة تحل محل النظام السوري العلوي للرئيس بشار الأسد، لكسب تعاطف العالم الإسلامي لمعارضته لسياسة إسرائيل.

كيف تعاملت تركيا مع فصائل المعارضة السورية؟

من الصعب الحديث عن تدخل عسكري تركي بشكل منفرد دون غطاء دولي ودعم أمريكي لضمان مشاركة حلف شمال الأطلسي، خاصة في ظل امتلاك سوريا لقدرات عسكرية متطورة وامكانية ضرب العمق الإستراتيجي التركي، مع الأخذ بالحسبان مواقف حلفاء سوريا المتمثلين بروسيا الاتحادية الرافضة لأي حل عسكري خارجي، وتعطل أي قرار في مجلس الأمن ضد سوريا، وتتماهى معها الصين في هذا التوجه، أما الوضع الإقليمي فإن إيران تعتبر سوريا قضية أمن قومي إيراني وسوف لن ترضى بانهيار النظام فيها.

وأي حرب تركية قد تؤدي إلى قيام سوريا باستخدام أوراقها التي تستطيع بها إزعاج تركيا في عقر دارها، مثل اللعب بورقة الطائفة العلوية التي تمثل 20% من نسبة السكان في تركيا، وكذلك استئناف دعم حزب العمال الكردستاني الذي يقود عمليات عسكرية ضد الحكومة التركية منذ العام 1984، وكانت تركيا تتهم النظام السوري بدعم هذا الحزب وإيواء قيادته مما تسبب في توتير العلاقات بين البلدين لفترات طويلة كادت تؤدي إلى مواجهة عسكرية لولا توقيع اتفاقية “أضنه”، ولكن هذه المرة ربما يصل الأمر لاستئناف الدعم لحزب العمال الكردستاني بأسلحة نوعية مثل الصواريخ المتطورة والمضادة للطائرات.

توزيع الأديان في تركيا

ومن شأن أي تدخل عسكري تركي في سوريا أن يصنف تركيا كدولة محتلة لأرض عربية، وهذا سيعيد طرح قضية لواء الإسكندرونة أيضًا الذي توجه سوريا اتهامها لتركيا باقتطاعه من أراضيها.

ثم إن لدى تركيا إدراك لرغبة النظام في سوريا لتصدير المشكلة لخارج أراضيه، وتصوير الأمر على أنه اعتداء خارجي على الأراضي السورية بهدف احتلالها، وهذا سيؤكد ما يسوقه النظام السوري حول وجود مؤامرة خارجية على سوريا تهدف إلى هدم الدولة وتقسيم البلاد.

كل ذلك له تبعات وعواقب لا تصب في مصلحة تركيا، ونظرًا للمخاطر والمحاذير المذكورة أعلاه؛ فقد فضلت تركيا منذ البداية احتضان المعارضة السورية من خلال فتح الأبواب للمجلس الوطني وللجيش الحر، وحولت أراضيها إلى ممر عملي للجيش الحر، ولكن أيضا بحذر في جانب التسليح حتى لا تعطي مبررًا لأي جهة للقيام بنفس الدور ضدها مستقبلًا.

لكن ذلك لا يتماشى مع ما أعلن عنه في الصحافة التركية بأنه في الأول من كانون الثاني/يناير 2014 اعترض رجال الدرك الأتراك على مقربة من الحدود السورية في منطقة كيليس شاحنة عثروا فيها على أسلحة، وقال السائق آنذاك أنه ينقل مساعدة إنسانية إلى سورية من قبل منظمة الإغاثة الإسلامية المقربة من السلطات في تركيا وقد داهمت الشرطة التركية مكاتب المنظمة في مدينة كيليس بعد أسبوعين إلا أن نائب رئيس المنظمة وصف ذلك بأنه يأتي في إطار “مؤامرة”([4]).

وقد نفت تركيا في الأيام الأخيرة نيتها التدخل العسكري في سوريا لكن هذا لم يغير موقفها من النظام حيث أكد أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا أنه لم يطرأ تغير على سياسة تركيا بشأن سوريا، مشددًا على أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يرحل.

زيارة داود اوغلو لضريح سليمان شاه في سوريا

موقف المعارضة التركية من تدخل بلادها عسكريًا في سوريا

على الرغم من امتلاك حزب العدالة والتنمية أغلبية مريحة في البرلمان التركي تمكنه من اتخاذ أي قرار وتنفيذه؛ إلا أن تدخلًا عسكريًا تركيًا خارج البلاد يستوجب توافق كل الأطراف في تركيا، لكن المعارضة التركية لن توافق على الخيار العسكري، وتحرض الرأي العام التركي الرافض أصلًا للتدخل العسكري، وتتبنى المعارضة التركية وجهة نظر النظام السوري بوجود مؤامرة خارجية غربية لتدمير الدولة السورية وتقسيمها كما يجري التخطيط له في دول أخرى مثل ليبيا والعراق وغيرها.

إضافةُ للمعارضة التركية الكردية التي تؤرق الداخل التركي وتشكل عامل ضعف إذا ما حصلت احتجاجات كردية يرافقها تصعيد محتمل عسكريًا لحزب العمال الكردستاني الذي يحارب الدولة التركية منذ العام 1984، ناهيك عن الطائفة العلوية التي ينتمي إليها النظام السوري وتشكل 20% من عدد سكان تركيا وسيكون لها تأثير كبير إذا ما قامت بالاحتجاجات ضد السلطة.

المواقف الإقليمية والدولية

منها ما هو معاد للنظام السوري ومنها ما هو حليف له، ويمكن حصرها في التالي:

أولًا: المواقف المعادية:

موقف الولايات المتحدة الأمريكية

الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى وهي لا تتعامل بالمبادئ في سياستها مع الآخرين، وفي الحالة السورية فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقدم ما يكفي لإنهاء الأزمة بل إنها تساعد في تفاقمها.

ورغم العودة للتلويح بإرسال السلاح لمجموعات المعارضة السورية إلا أنه يوجد انقسام بين مستشاريي أوباما، وهم مترددون حيال تقديم السلاح إلى المجموعات المسلحة، وهذا مثار جدل بين الإدارة الأمريكية وروسيا الاتحادية التي تهدد بتزويد النظام بصواريخ إس300([5]).

صواريخ اس-300

وجاء على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بارك أوباما: “الحل العسكري لن يكون هو الحل في سوريا، وإذا أرسلت الولايات المتحدة جيشًا إلى سوريا فإن الجيش الأمريكي يتميز بفعالية كبيرة، وكان يمكن لنا خلال فترة قصيرة من الزمن الإطاحة بنظام الأسد والوقوف بجانب المعارضة، ولكن ماذا بعد ذلك؟ ماذا عن المشاكل الطائفية التي تمزق المنطقة؟ ستظل قائمة، لذا فضلنا التعامل مع دول الخليج ودول أخرى في المنطقة مثل تركيا وهذا أفضل من التحرك الفردي”([6])

حلف الناتو

لم يبد الحلف استعدادًا للتدخل في الأزمة السورية كما حصل في ليبيا، حيث أن الحلف ليس بعيدًا عن موقف واشنطن في مواقفه رغم رغبه تركيا التي هي عضو فيه.

ثانيًا: مواقف الحلفاء:

موقف حلفاء سوريا ساهم في إطالة أمد حالة الصراع وشكل سدًا منيعًا أمام خصوم سوريا والمعارضة.

موقف روسيا

تستخدم حق النقد “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي ضد أي تدخل عسكري أو اتخاذ أي قرار من شأنه إسقاط النظام السوري، ثم إن لدى روسيا عناصر ضغط ضد تركيا حيث أنها تزودها بالغاز والنفط، إلى جانب ما تستورده تركيا من إيران من الغاز الطبيعي.

موقف الصين

تقوم بالتنسيق مع روسيا ولها نفس الموقف في عدم تمرير أي قرار في مجلس الأمن.

المواقف الإقليمية:

جامعة الدولة العربية

رغم أن جامعة الدول العربية اتخذت قرارًا بتجميد مقعد عضوية سوريا في الجامعة إلا أن موقف الدول العربية ليس موحدًا تجاه الأزمة، وتعتبر دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أكثر تشددًا في موقفها ضد نظام بشار الأسد.

إيران وحزب الله

تقدم إيران وحزب الله الدعم الكامل لسوريا، وتُتهمان بالقتال في سوريا لصالح النظام الذي هو بحاجة إلى دعم عسكري أدى إلى تدخل حزب الله مباشرة في القتال، وحزب الله يجاهر بذلك على لسان أمينه العام حسن نصر الله، إضافةً إلى مشاركة ميليشيات شيعية عراقية ووحدات من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس.

لقاء يجمع أحمدي نجاد وبشار الأسد وحسن نصر الله

وصارت سوريا دولة من دون سيادة، الآن هناك من يستخف بسيادة سوريا والسوريين بعدما قبل النظام أن يكون الرابط المذهبي بينه وبين حزب الله فوق الرابط الوطني، ولم تعد قيمة للحدود الدولية بعدما قررت إيران أن على حزب الله أن يهب لنجدة النظام السوري([7]).

وقد قام حزب الله في العام 2013 بتدريب 5000 فرد من غير القوات النظامية التابعة للنظام السوري لرفع كفائتها وفعاليتها، علاوةً على الدور الاستشاري في القتال للقوات السورية وعمليات توفير الدروع عن طريق الإمداد بتعزيزات رئيسية من قوات التحالف الشيعية العراقية مثلما يحدث في ضواحي دمشق، وكانت أبرز مشاركة للحزب في معركة القصير في ريف حمص في مايو 2013 التي استمرت ما يزيد عن أسبوعين، وهي منطقة إستراتيجية تساعد على ربط حمص ودمشق وربط قوات الجيش إلى ساحة البحر المتوسط وميناء طرطوس، وقدرت المعارضة السورية خسائر حزب الله حتى ديسمبر 2013 بما لا يقل عن 1000 قتيل ([8]).

شارك الحزب في معركة القلمون الإستراتيجية في أواخر 2014 التي سعى فيها الحزب إلى قطع الاتصالات اللوجستية بين عرسال في لبنان والثوار في القلمون، والتي لها أهمية إستراتيجية كونها تقع على الممر المركزي الإسترتيجي السوري التي يربط دمشق بحمص مثل القصير، وهي ذات أهمية للطرفين، فبالنسبة للمعارضة والجيش السوري الحر ترجع أهميتها لاعتبارها نقطة وصل بين عناصر الجيش السوري الحر وبين سوريا ولبنان، كما أنها تتمتع بالمساحات الواسعة من الأراضي الجبلية مما يسهل عمليات التدريب والمناورة.

كما تسمح القلمون للمعارضة بتلقي الإمدادات عبر الحدود من بلدة عرسال اللبنانية الداعمة لمقاتلي المعارضة، وبالتالي فإنها بالنسبة للنظام ولحزب الله ذات أهمية كونها تساعد على قطع خطوط الإمداد على عناصر الجيش الحر ومنع تسلل المقاتلين من وإلى سوريا، كما تربط القلمون بين العاصمة دمشق ومعاقل النظام الساحلية في طرطوس واللاذقية.

وقد أشار الحزب إلى أن مشاركته في الحرب السورية منعت وصول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى الداخل اللبناني حيث قال حسن نصرالله: “لو أننا لم نتدخل في سوريا في الوقت المناسب وبالطريقة والكيفية المناسبتين لكانت داعش الآن في بيروت” ([9]).

وقد تحول حزب الله في الفترة الأخيرة إلى فاعل ومحرك رئيسي في قضايا إقليمية عديدة، وسيتصاعد هذا الدور كلما تأزمت الحالة السورية والعراقية كذلك، وبات حسن نصر الله يلقى بيانات المعارك التي تجري في القصير والقلمون والتي قال عن معركتها الأخيرة: “المقاومة اللبنانية والجيش السوري استعادا مساحة 300 كم مربع في معارك القلمون الأخيرة وأنه تم إلحاق هزيمة مدوية بالجماعات المسلحة هناك وخروجها من كافة مناطق الاشتباك، وأن عدد من قتلوا من مقاتلي حزب الله قد بلغ 13 عنصرا، و7 من الجيش السوري نافيًا الأعداد الكبيرة التي تناقلتها مصادر إعلامية داعمة للجماعات المسلحة”([10]).

وكل هذا في ظل استمرار التحالف مع إيران التي تسعى لدور إقليمي في المنطقة.

الموقف التركي من حلفاء سوريا (إيران وحزب الله)

تبحث الدول في علاقاتها الخارجية عن مصالحها بالدرجة الأولى، وفي هذا الإطار فإن تركيا تسعى بالأساس للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية، وتحاول ألا تجعلها عرضة للخطر أو للابتزاز.

لذا فقد قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إيران في إبريل/نيسان 2015، وصرح خلال الزيارة بأن: “تركيا تستورد نحو 90 – 95% من الغاز الطبيعي الإيراني، وهو أغلى غاز تستورده تركيا من مختلف الدول. العلاقات التجارية كانت على مستوى عال حتى عام 2013، إلا أنها شهدت بطئًا في العام المنصرم، وضعنا هدفًا بأن نصل إلى حجم تبادل تجاري 30 مليار دولار، العقوبات المفروضة على إيران لعبت دورًا في عدم وصولنا إلى الهدف المحدد([11]).

والعلاقات فيها موازنة دقيقة ومدروسة، أما لغة المواجهة المباشرة إلى درجة الحرب فهي آخر الوسائل لتحقيق غرض سياسي، حيث يتم توظيف المصالح دون الانتقال إلى مرحلة القطيعة أو المواجهة أو الحرب، حيث عاد أردوغان ليزور إيران مرة أخرى في 7/5/2015، لتسوية بعض المشكلات وخاصة الاقتصادية لضمان عدم تأثرها بالأزمات السياسية.

ونظرًا لخطورة أي تدخل عسكري منفرد لتركيا ضد النظام في سوريا فإن السلطات في تركيا حذرة في التعامل مع المعارضة السورية في جانب إمدادها بالسلاح حتى لا يكون ذلك مبررًا لأي جهة تقوم بنفس الدور ضدها مستقبلًا، لصالح مقاتلي حزب العمال الكردستاني أو أي حركة عسكرية أخرى في تركيا.

سورية في قلب الانتخابات التركية

شهد العام 2002 وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا، وبات يتصدر المرتبة الأولى وبنسب مرتفعة في كل الانتخابات التي جرت في تركيا لغاية الآن.

وستشهد تركيا انتخابات برلمانية جديدة في 7 يونيو/حزيران 2015 يتنافس فيها أكثر من عشرين حزبًا وحركة سياسية، وليس لدى حزب العدالة والتنمية أي مشكلة في الفوز بالمرتبة الأولى في هذه الانتخابات، ولكن الرغبة لدى الحزب في جعلها تمهد لمرحلة جديدة من تاريخ تركيا، من خلال حصول الحزب على نسبة من الأصوات تفوق الثلثين بعدد أعضاء في البرلمان يصل لـ 368 نائبًا، حتى يستطيع صياغة دستور جديد للبلاد منفردًا، أو بتحالف بسيط مع أحد الأحزاب أو بعض النواب، أو على أقل تقدير طرح الأمر للاستفتاء العام، ليتمكن من تغيير شكل النظام السياسي التركي من النمط البرلماني إلى النمط الرئاسي.

ولكن ما علاقة سوريا بأمر الإنتخابات في تركيا؟

حسن روحاني وأردوغان في أحد اللقاءات

صحيح أن الملفات المؤثرة في الانتخابات التركية كثيرة ومتعددة ومتنوعة ومعقدة، ولكن تظل سورية أهم تلك الملفات بالنسبة لتركيا، وتستخدمها الأحزاب التركية كورقة في الدعايات الانتخابية، فمثلًا، حزب العدالة والتنمية يريد حسم الأمر لصالح الاستقرار السياسي في تركيا، والانتهاء من قضية شكل نظام الحكم ليتمكن صانع القرار في تركيا من التفرغ بشكل جدي وعملي للتطورات الإقليمية، وكذلك يعني صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية ودورًا أقصر لمسار القرار في الأروقة البيروقراطية، وخاصة زيادة الدعم العسكري الكمي والنوعي للمعارضة السورية([12]).

أردوغان وسط حرس الشرف

أما قضية اللاجئين السوريين فإن المعارضة التركية تستخدمها كورقة ضغط على الحكومة وحزب العدالة والتنمية كونهم المنطقة الرخوة التي يستطيعون استغلالها([13])، في حين أطلقت اللجان الإنتخابية التابعة لحزب العدالة والتنمية دعوات إلى السوريين للمشاركة الكثيفة في حفلات استقبال أردوغان في عدد من المدن التركية متمنية على الضيوف الكرام الحضور الكثيف نظراً لأهمية الحشود الكبيرة في الدعاية الإنتخابية إعلامياً، إضافة إلى حملات تجنيس السوريين التي تسير على قدم وساق وبلا كثر ضجر([14]).

أما رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قلتشدار أوغلو فقد اختار أن يبدأ حملته الإنتخابية بوعد إنتخابي يتعهد فيه بطرد السوريين من تركيا في حال فوزه، وهو من المؤيدين للرئيس السوري بشار الأسد، وقد زاره خلال الثورة السورية معلناً تضامنه معه، وهو يعتبر السوريين نوعان: مؤيد عليه أن يقاتل مع النظام حتى آخر رمق، ومعارض “داعشي” حتى وإن كان مسيحياً أو علوياً، وطرده واجب مقدس([15]).

كمال قلتشدار أوغلو

ويأتي رد حزب العدالة والتنمية حازم في هذا الشأن حينما قال رئيس الحزب أحمد داود أوغلو، أن من يريدون إعادة اللاجئين إلى سوريا سوف لن يفوزوا في الانتخابات.

أما حزب الشعوب الديمقراطية فإنه أيضا يرى أن كل معارض سوري “داعشي” ويهاجم الحكومة التركية بإعتبارها جزءاً من داعش لأنها تدعم المعارضة السورية، ولكن هذا الحزب لا يستطيع القول أنه سيطرد السوريين جميعاً لأن مناطق قوته الإنتخابية تحوي عدداً كبيراً من السوريين الأكراد، وهذا يسبب له إحراجاً([16]).

الخلاصة

لقد شهد تاريخ العلاقات التركية السورية تراوحاً مستمراً ما بين التحسن والتراجع، ولكن فترات الخلافات والقطيعة كانت هي الغالبة على العلاقات في أغلب الفترات، ورغم أن حزب العدالة والتنمية قد أعلن في بداية وصوله للحكم في تركيا عن تصفير المشكلات مع الخارج وخاصة دول الجوار وسوريا بشكل أخص، ورغم وصول العلاقات لأفضل المستويات في تاريخها، إلا أن الأمور عادت أكثر سوءاً من الماضي بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية، ومواجهتها بقسوة وعنف شديد من قبل النظام.

وهذا دليل على أن العلاقات لم تكن مبدأية وأزلية، ويدل أن التحسن كان شكلي ومصلحي، ولم يعالج القضايا العالقة بين البلدين جذريا، حيث دائما تعود تلك القضايا للبروز مجدداً عند أي تراجع في العلاقات.

وما يزيد الأمور تعقيداً هو الحديث عن تدخلاً عسكرياً تركياً ضد النظام السوري، والذي وإن راق لبعض الدول في البداية، لكنه سيترتب عليه تبعات أخرى مستقبلاً، في نظرة السوريين أنفسهم لتركيا، ومن تخوفات المحيط العربي وإتهامهم لتركيا بأن لها أطماع توسعية في المنطقة، ورغبات دفينة بالسيطرة، وإعادة ما سميَّ بالعثمانية التي ينادي بها البعض.

لذلك يجب أن يتم حل المشكلة السورية في البيت العربي، مع التنسيق مع الدول الإقليمية بما لا يقود إلى مزيد من الدماء العربية النازفة في هذا القطر العربي الشقيق.

الهوامش

[1]- محمد عبد العاطي التلولي: السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا 2002-2008 , رسالة ماجستير غير منشورة , جامعة الأزهر- غزة ,2011, ص15.

[2]- محمد نور الدين : العرب والدور المستقبلي لتركيا, فصل في: العرب وتركيا, تحديات الحاضر ورهانات المستقبل, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, مجموعة مؤلفين, بيروت,2012, ص743.

3-علي حسين باكير: محددات الموقف التركي من الأزمة السورية : الأبعاد الآنية والانعكاسات المستقبلية, الفصل السادس عشر في : العرب وتركيا , تحديات الحاضر ورهانات المستقبل , المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات , مجموعة مؤلفين , بيروت 2012 , ص615-616[3]

[4] فرانس24/أ ف ب-

[5]- محمد سيف الدين : تسليح المعارضة , تهديد قد يتحول إلى فرصة للنظام , موقع قناة الميادين , 14 حزيران/يونيو 2013

[6]- باراك أوباما: لقاء متلفز مع قناة العربية , 16/5/2015.

[7] – خير الله خير الله: أين سيتوقف النفوذ التركي في سورية ؟ الرأي الكويتية , 16/5/2015.

[8]- تدخلات حزب الله مخاطر لبنانية واقليمية متصاعدة، معهد العربية للدراسات،يوليو 2014

[9]- خطاب حسن نصرالله في الاحتفال بالعيد 29لإنشاء كشافة الإمام المهدي، 17 يونيو 2014

[10]- حسن نصر الله : كلمة متلفزة , قناة المنار , 16/5/2015.

[11]- رجب طيب أردوغان : مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني بقصر سعد آباد بالعاصمة طهران, ت ر ت التركية العربية, 1/4/2015

[12]- علي حسين باكير : لماذا منتصف هذا العام سيكون في غاية الأهمية بالنسبة لسوريا, 28/4/2015 السورية نت.

[13]- محمود عثمان : على أبواب الإنتخابات التركية… بعض ملاحظات للسوريين, 1/5/2015, ترك برس.

[14] – بيسان الشيخ : الإنتخابات التركية …سورية بامتياز , 9/5/2015 , الحياة.

[15] – عبد القادر عبد اللي : الورقة السورية في الإنتخابات التركية, 11/5/2015, جريدة المدن الإلكترونية.

[16] – نفس المصدر السابق.

إقرأ المزيد

انفوجراف | كل ما تحتاج أن تعرفه عن الانتخابات البرلمانية في تركيا

تأثير الانتخابات التركية على العلاقة مع الكيان الصهيوني