لقد قدمنا ملفًا قويًا بالاشتراك مع كندا والمكسيك لاستضافة كأس العالم 2026. سيكون عارًا على الدول التي ندعمها دائمًا أن تعارض هذا الملف، لماذا يتعين علينا مساندة هذه الدول بينما لا نحصل على دعمها؟

هكذا صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حسابه الخاص بموقع تويتر ليعلن تأييده للملف الخاص بأمريكا الشمالية لاستضافة كأس العام في نسخته الخاصة بعام 2026.

ربما اعتاد الجميع على تصريحات الأمريكي والتي تتسم دومًا باستعلاء واضح وتهديد مبطن وخطاب لا يخلو من الكراهية. لكن الأمر قد يبدو مختلفًا هذه المرة، فالتصريحات السياسية بخصوص كرة القدم كتصريحات ترامب السابقة هي أكثر ما يؤرق الفيفا والذي يحمل على عاتقه ضرورة عدم الخلط بين الرياضة والسياسة، كما أن الأمر مس بصورة مباشرة الدول التي أعلنت دعم ملف المنافس الرئيسي في سباق 2026 وهو الملف المغربي.

كقاعدة عامة لا يمكننا التعليق على تصريحات خاصة بالملفات المقدمة ولا يمكننا سوى الرجوع للوائح الخاصة باستضافة كأس العالم 2026 . تلك القواعد تمنع الدول المتقدمة من خلق تأثير غير ضروري على عملية تقديم العطاءات مما قد يؤثر سلبًا على نزاهة المنافسة.
تصريح المتحدث الرسمي باسم الفيفا تعقيبًا على تغريدة ترامب.

أثار التصريح الخاص بترامب عاصفة من الانتقادات من الجانب الأمريكي نفسه قبل الجانب المغربي والعربي، فتصريحات كتلك قد تذهب بالملف الشمال أمريكي إلى الهاوية رغم ما يتميز به من توافر البنية التحتية والملاعب الجاهزة .التعامل بشكل استعلائي مع الدول الداعمة للملف المغربي ومن أهمها الدول الأفريقية والعربية قد يتطور إلى ما يشبه العداء الواضح.

تلك الدول تتعامل بحساسية مفرطة مع مثل تلك التصريحات الأمريكية بما تملكه من تاريخ مناهض للعنصرية. أضف إلى ذلك أن دولًا جديدة قد تنضم لدعم الملف المغربي خاصة أن الرئيس الأمريكي لا يحظى بأي شعبية على مستوي العالم. لكن تلك التصريحات كما أثارت موجه من الانتقادات قد جددت أيضًا المخاوف المغربية من المؤامرات التي لم تسلم منها المغرب من قبل، ربما أضافت شكلاً رسميًا فقط حتى لا يتهم البعض المغرب بالانخراط في جو المؤامرات رغم ضعف الملف المقدم.


المغرب ما بين مؤامرة 2010 والتخوف من مثيلتها في 2026

ملف 2026 هو الملف الخامس الذي تقدمه المغرب لاستضافة كأس العالم بعد أعوام 1994 – 1998 – 2006 – 2010. كان ملف 2010 هو الملف الأقرب للنجاح بعد أن قررت الفيفا أن التنافس سيكون بين الدول الأفريقية فقط، ولأن المغرب كانت لها ثلاث محاولات سابقة فاعتبر البعض أن هذا التمرس سيصب في مصلحتها حتمًا، إلا أن الجميع فوجئ بفوز جنوب أفريقيا باستضافة كأس العالم 2010.

شمل الحديث عن الفساد في الفيفا والذي أطاح ببلاتر من على مقعد رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم ملف المغرب لاستضافة كأس العالم 2010. حيث انتشرت أخبار تلقي أعضاء ذوي مناصب هامة في الفيفا لرشاوى مالية وعينية لتمرير الملف الجنوب الأفريقي على حساب الملف المغربي. فقد صرح وزير سابق بالحكومة المصرية أنه قد تم التلاعب بنتائج الاقتراع السري لكي تفوز جنوب أفريقيا باستضافة كاك العالم بينما كان التصويت يصب في صالح المغرب لا جنوب أفريقيا.

وبالرغم مما شاهدته الفيفا من تطهير وكشف للفساد بعد رحيل جوزيف بلاتر إلا أن العلاقة ظلت متوترة بعض الشيء بين المغرب والفيفا في ملف 2026. فقد اعترضت المغرب على ما يسمى بنظام التقييم الفني الذي قدمته الفيفا للدول أصحاب ملفات الترشح بسبب ميعاد وصول نظام التقييم، حيث لم يصل نظام التقييم للمغرب إلا قبل يومين من تقديم الملف الرسمي للفيفا، كما أنه ضم بعض الشروط المجحفة كالطاقة الاستيعابية للمطارات والتي تتراوح بين 30 مليون و60 مليون وهو ما يصب بالطبع في صالح الملف الشمال أمريكي.

رفض الفيفا اعتراضات المغرب وصرح أن نظام التقييم الفني الغرض منه معرفة مدى استجابة الدول المتقدمة للحد الأدنى من التفاصيل الخاصة بالبنية التحتية والتكاليف والإيرادات المتوقعة، ولكنها ليست شروطًا لاستبعاد الملف المغربي.

تصريحات ترامب زادت من القلق المغربي إزاء التعرض لمؤامرة جديدة بخصوص ملف 2026 والذي سيتم التصويت عليه قبل يوم واحد من انطلاق كأس العالم روسيا 2018، ولكنها في ذات الوقت تأمل أن تأتي تلك التصريحات المتعجرفة بنتائج عكسية وهو ما يتخوف منه الجانب الأمريكي أيضًا. دعنا نتعرف الآن على الدول التي أعلنت دعمها للملف المغربي والتي يقصدها ترامب في تصريحه.


الدول التي تدعم ملف المغرب ومدى تأثير تصريحات ترامب عليها

نحن على قناعة كاملة أن المغرب تستطيع تنظيم كأس العالم كما فعلتها من قبل جنوب أفريقيا عام 2010.

هكذا أعلن رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم «أحمد أحمد» تأييده للملف المغربي، وهو ما يتزامن أيضًا مع تصريحات الحملة المغربية لاستضافة كأس العالم والتي قالت فيها إنها تحظى بتأييد معظم الدول الأفريقية بما فيها جنوب أفريقيا نفسها.

ربما الدول الأفريقية هي الدول الأكثر حساسية تجاه تصريحات ترامب، فالدول التي عانت كثيرًا من العنصرية ربما تكون قد حسمت أمرها بعد تصريحات ترامب الأخيرة. الدول التي عانت من أضرار الاحتلال في السابق لن تنظر للدعم الأمريكي والأوروبي إن وجد على أنه منحة يجب أن ترد بل هو إصلاح ضرر قد وقع بالفعل.

حتى تلك الأخبار المسربة أن جنوب أفريقيا ستصوت لصالح الملف الشمال أمريكي رغم تصريحات رئيس الاتحاد الجنوب أفريقي لكرة القدم بأن جنوب أفريقيا داعمة للمغرب لن تجد مصداقية الآن بعد تلك التصريحات. فجنوب أفريقيا والتي لها باع طويل في مناهضة العنصرية لن تجد مبررًا في دعم ملف ذي تصريحات عنصرية صريحة ضد ملف أفريقي مغربي.

الدول العربية لها نصيب كبير أيضًا من التأثر بالتصريحات الأمريكية، فالتخبط الذي تشهده المنطقة العربية في الخليج العربي والصراع السعودي القطري قد ألقى بظلاله على الملف المغربي لاستضافة كأس العالم.

الموقف القطري كان واضحًا وهو دعم غير مشروط للملف المغربي وهو ما قد أثار حفيظة الجانب السعودي من جهة أخرى، حيث أعلن «تركي آل الشيخ» رئيس الهيئة العامة للرياضة في السعودية أن الملف المغربي أخطأ البوصلة فالدعم أساسه السعودية وليس قطر، ثم أردف في تصريح تالٍ أن مصلحة السعودية تأتي أولًا إزاء تحديد أي ملف ستدعمه السعودية. ورغم المحاولات السعودية لتدارك الأمر إلا أن تركي قد أبدى مرة أخرى إعجابه بالملف الشمال أمريكي.

فهل تضع تصريحات ترامب السعودية في مأزق لتبدو أنها استجابت للتهديدات الأمريكية وهو ما سيثير حفيظة الشارع السعودي بالطبع؟ فالخلاف العربي -العربي شأن والانبطاح أمام غطرسة الولايات المتحدة على حساب البيت العربي شأن آخر تمامًا.

فرنسا وروسيا أيضًا أعلنا دعمهما للملف المغربي لتأتي تصريحات ترامب الأخيرة لتثير حفيظة الدول المساندة لروسيا والمجاورة لفرنسا، فهل يرى ترامب العلاقة الأمريكية بالقوى العالمية الأخرى كعلاقة تعاون وشراكة أم علاقة يشوبها التهديد؟


المغرب تستطيع أن تفعلها

دونالد ترامب, كأس العالم, المغرب, رياضة, كرة القدم

يجدر الإشارة أخيرًا أن الملف الشمال أمريكي بالطبع ليس بالملف السهل أو الضعيف، فالخيار الشمال الأمريكي هو الخيار الأسهل نظرًا لما يتضمنه ذلك الملف من ملاعب وإنشاءات ومطارات وبنية تحتية قوية للغاية، إلا أن الملف المغربي قادر تمامًا وبنزاهة على الفوز خاصة بعد رصد مبلغ يفوق المليار دولار لتحسين جودة الملاعب والبنية التحتية.

كما تملك المغرب موقعًا متميزًا للغاية قريبًا من الدول الأوروبية وهو ما يفيدها أيضًا بخصوص فرق التوقيت والبث والذي يعتبر عاملاً مهمًا للغاية في صناعة كرة القدم، كما أن سابقة استضافة أكثر من بلد لكأس العالم لم تلقَ نجاحًا في السابق، خاصة مع فرق التوقيت في تلك البلدان عن باقي دول العالم، كما حدث بالطبع في مونديال 2002 بكوريا واليابان.

نعم تستطيع المغرب أن تفعلها وتفوز في محاولاتها الخامسة لاستضافة كأس العالم وهو ما نتمناه جميعًا.