أعلنت إثيوبيا حالة الطوارئ بعدما أعلن جيش تحرير تيجراي سيطرته على بلدتي ديسي وكومبولتشا الاستراتيجيتين في منطقة أمهرة المجاورة، استعدادًا للزحف العسكري على أديس أبابا التي باتت على بعد حوالي 380 كيلومترًا فقط إلى الجنوب من مواقعه الأمامية.

المدن الإستراتيجية قريبة أيضًا من الطريق الذي يربط أديس أبابا وجيبوتي، وهي الميناء الذي تشحن أديس أبابا من خلاله غالبية واردات وصادرات إثيوبيا.

جاء إعلان حالة الطوارئ أيضًا بعد يومين من حثِّ رئيس الوزراء آبي أحمد المواطنين على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم من جبهة تحرير شعب تيجراي، طالبة من سكان أديس أبابا تسجيل أسلحتهم لدى السلطات، والاستعداد لحماية أحيائهم بأنفسهم، أو تسليم السلاح لمن يستطيع حمله من أقاربهم أو أصدقائهم.

وتكرر نداء أديس أبابا في أربع من مناطق إثيوبيا العشر، حتى هذه اللحظة، وهو الرقم الذي نُرشِّحه للارتفاع بشدّة خلال الأيام المُقبلة.

ويخوض الجانبان حربًا منذ ما يقرب من عام. كان الصراع حينها يقتصر غالبًا على شمال البلاد. لكنه انتشر جنوبًا مؤخرًا، وتصاعد بشكل حاد في الأيام القليلة الماضية.

ولشهور، قال جيش تحرير تيجراي إنه يقاتل في أمهرة لمنع الحصار الحكومي على الشعب التيجراني، حيث يحتاج 5 ملايين مواطن إلى إغاثة عاجلة، بينما تقول الأمم المتحدة إن 400,000 على الأقل وصلوا مرحلة المجاعة.

لكن المتغير الجديد أن جيش تحرير أورومو، والذي يمثل أكبر عرقية في إثيوبيا، انضم للحرب بجانب الأعداء القدامى للحكومة المركزية في جيش تحرير تيجراي، في تحالف هدفه الوحيد إسقاط حكومة آبي أحمد.

بداية الصراع

تعود جذور نزاع تيجراي إلى توترات قديمة يُمكن تلخيصها سريعًا فيما يلي:

تتكون إثيوبيا من 10 مناطق ومدينتين. المناطق مقسمة إلى حدٍّ كبير على أسس عرقية، وتتمتع بقدرٍ كبير من الحكم الذاتي، بما في ذلك شرطة إقليمية وميليشيات تقوم بدور الجيش.

خريطة المنطقة الإثيوبية مع العواصم والأعلام

قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة، كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تحكم إثيوبيا بقبضة حديدية لعقود، أشرفت خلالها على فترة من الاستقرار والنمو الاقتصادي على حساب الحقوق المدنية والسياسية الأساسية.

نتيجة للحكم الاستبدادي، خرجت انتفاضة شعبية ضد الجبهة أجبرت هايلي مريم ديسالين في النهاية على الاستقالة.

لإخماد التوترات، عينت الطبقة الحاكمة آبي أحمد رئيسًا للحكومة في 2018، دون قلب النظام السياسي القديم.

لكن، بمجرد أن أصبح رئيسًا للوزراء، أعلن آبي أحمد إعادة ترتيب الائتلاف الحاكم الذي أسسته الجبهة الشعبية الثورية الإثيوبية، التي كانت تتألف من أربعة أحزاب، في حزب واحد «حزب الرخاء» ضمن عدة إجراءات شملت إخراج الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من ترتيبات الحكم.

النظام الجديد أثار مخاوف بعض المناطق من أن النظام الفيدرالي – الذي يضمن استقلالًا ذاتيًا كبيرًا للمناطق المقسمة عرقيًا مثل تيجراي – بات تحت التهديد. لذلك، انسحب قادة تيجراي إلى معاقلهم في الجبال الشمالية، حيث استمروا في السيطرة على حكومة تيجراي الإقليمية.

منطقة تيجراي

في سبتمبر 2020، تفاقمت التوترات عندما أجّل آبي أحمد الانتخابات الإقليمية بسبب جائحة كورونا. لكن حكومة تيجراي تحدت القرار وأعلنت إجراء الانتخابات من طرف واحد، ليرد البرلمان بقطع التمويل الفيدرالي عن حكومة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بما أدى لسلسلة من التصعيد المتبادل.

في 4 نوفمبر 2020، اتهمت الحكومة المركزية، الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بمهاجمة قاعدة للجيش الاتحادي خارج ميكيلي، عاصمة إقليم تيجراي ومحاولة سرقة أسلحتها، ليأمر آبي بشن هجوم عسكري يقوده الجيش وميليشيات منطقة أمهرة المجاورة، وجنود إريتريين.

أعلن آبي نجاح الهجوم بعد ثلاثة أسابيع فقط عندما استولت القوات الحكومية على ميكيلي، وعينت إدارة مؤقتة موالية لأديس أبابا. لكن قوات تيجراي أعادت تنظيم صفوفها، فطردت القوات الحكومية من الإقليم، ثم بدأت الزحف المضاد تدريجيًا.

الزحف الثاني على أديس أبابا

منذ بدء الصراع في تيجراي، اندلعت أعمال عنف بدوافع عرقية في أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك منطقة أوروميا، مسقط رأس آبي أحمد، المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد.

في مايو، تعهد جيش تحرير أورومو بشن «حرب شاملة» ضد حكومة آبي أحمد.

في يونيو، أعلنت الحكومة الإثيوبية وقف إطلاق النار من جانب واحد في يونيو في تيجراي، التي استعادت قواتها العاصمة الإقليمية ميكيلي. لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي استبعدت بشكل قاطع الانخراط في هدنة، وامتد القتال إلى ما وراء حدود تيجراي إلى منطقتي أمهرة وعفر المجاورتين.

في أكتوبر، أعلنت ​​الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي انخراطها في تحالف تاريخي مع أعدائها السابقين جيش تحرير أرومو ضد حكومة آبي أحمد، ثم قالت إنها استولت على بلدتين رئيسيتين على الطريق الرئيسي المؤدي إلى أديس أبابا.

نفت الحكومة المركزية في البداية أن تكون قوات تيجراي قد سيطرت على البلدتين، لكنها اعترفت ضمنيًا بأن الأمور خرجت عن سيطرتها، بعدما اتّهمت، في بيان لاحق، قوات تيجراي بإعدام 100 شاب في البلدتين موضع النزاع.

الاستيلاء على البلدين يعني أن القوات المهاجمة باتت في أقرب نقطة إلى أديس أبابا، مع تقدم سريع يثير تخوف الحكومة المركزية من أن قوات تيجراي قد تهدد العاصمة نفسها قريبًا، وهو ما أدى لإعلان حالة الطوارئ ومطالبة السكان بحمل السلاح.

الجنرال تسادكان جبريتنساي الذي يقود قوات تيجراي – أورومو حاليًا هو نفس القائد العسكري الذي أسهم في تحويل الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي إلى جيش هائل يتجاوز 100 ألف مقاتل، شنوا الهجوم الكاسح على أديس أبابا، ونجحوا في الإطاحة بالنظام الماركسي في 1991، حيث دخلوا المدينة في 28 مايو، وأعادوا فرض النظام سريعًا في العاصمة، ليقود بعدها جهود إعادة تشكيل الجيش الإثيوبي الحالي.

وهو نفسه الذي قاد جهود إعادة تشكيل جيش تحرير تيجراي الذي نجح في طرد قوات الحكومة المركزية من الإقليم في 2021، قبل أن يعلن الزحف الثاني نحو أديس أبابا.

الأمور أكثر تعقيدًا هذه المرة فيما يخصُّ محاولات بسْط السيطرة على العاصمة إن سقطت حكومة آبي أحمد فعلًا. الإيكونوميست تقول إن جبهة تحرير تيجراي هي الأخرى بلا أصدقاء تقريبًا. لكن العضو البارز في الجبهة غيتاتشو رضا يقول إن قواته «طورت ترتيبات مؤقتة» استعدادًا لتلك المرحلة.

جرائم حرب

لعدة أشهر، نفى آبي أحمد أن المدنيين تعرضوا للأذى، أو أن جنودًا من إريتريا قد انضموا إلى القتال. لكن التقارير الواردة من مراقبين دوليين وجماعات حقوقية وتقارير صحفية قالت، إن العكس حدث.

لقي آلاف الأشخاص حتفهم في القتال، وفقًا لتقديرات عديدة، مع أنباء عن تدمير مخيمات اللاجئين والنهب والعنف الجنسي والمذابح والقتل خارج نطاق القضاء. وفر كثيرون إلى السودان فيما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ هجرة جماعية للاجئين من إثيوبيا تشهدها منذ عقدين.

وفرضت الحكومة الإثيوبية قيودًا شديدة على وصول الصحفيين، كما أدى حجب الاتصالات الذي تفرضه الدولة إلى إخفاء الأحداث في المنطقة، مما يجعل من الصعب قياس مدى الأزمة أو التحقق من روايات الناجين.

لكن الأدلة على الفظائع التي جرت في تلك المنطقة بدأت تتسرب في وقت سابق من هذا العام، حين كشفت تحقيقات منفصلة أجرتها شبكة «سي إن إن» ومنظمة العفو الدولية في فبراير عن أدلة على مذابح ارتكبتها القوات الإريترية أواخر العام الماضي.

وكشف تحقيق آخر لشبكة «سي إن إن» نُشر في يونيو عن تفاصيل جديدة عن مذبحة ارتكبها جنود إثيوبيون في يناير. حدد التقرير أحد مرتكبي المجزرة، وحدد الموقع الجغرافي للبقايا البشرية في موقع الهجوم.

وفي تقرير حصري في أبريل ، رصدت سي إن إن قوات إريترية – بعضها يتنكر في زي عسكري إثيوبي قديم، يقيم نقاط تفتيش ويمنع المساعدات الإنسانية الحيوية للسكان الجائعين بعد أكثر من شهر من تعهد آبي أحمد للمجتمع الدولي أنهم سيغادرون.

جميع الأطراف في الصراع متهمة بارتكاب فظائع، لكن القوات الإريترية كانت مرتبطة ببعض من أكثرها شناعة، إضافة إلى ارتكاب عمليات قتل جماعي واغتصاب.

مجاعة في تيجراي

أدى الصراع، الذي اندلع خلال موسم حصاد الخريف في أعقاب أسوأ غزو للجراد الصحراوي في إثيوبيا منذ عقود، إلى إغراق تيغري في حالة انعدام أمن غذائي شديدة.

في سبتمبر، قالت الأمم المتحدة إن «حصارًا فعليًا للمساعدات الإنسانية» يحد من قدرتها على الوصول إلى أكثر من 5 ملايين شخص في تيغراي – أو 90% من السكان – بحاجة إلى مساعدات إنسانية ، بما في ذلك 400 ألف شخص يواجهون ظروف المجاعة.

 

وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أعلن مدير مساعدات الأمم المتحدة مارتن غريفيث أن مساحات شاسعة من المنطقة التي مزقتها الحرب كانت في خضم مجاعة «من صنع الإنسان» وحث الحكومة الإثيوبية على تسهيل الوصول.

ورفضت الحكومة الإثيوبية مرارًا مزاعم بأنها تمنع وصول المساعدات. بعد أيام فقط من تعليقات جريفيث، أمرت إثيوبيا بطرد سبعة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة من البلاد، بما في ذلك من المنظمات التي تنسق جهود الإغاثة.

 

وتقدر التقارير الدولية ضحايا الصراع في تيجراي بآلاف القتلى، وأكثر من 2.5 مليون مشرد، و400 ألف شخص وصلوا إلى حالة المجاعة.

عقوبات أمريكية

اتسم الصراع بحرب دعائية اتهم فيها كل طرف الآخر بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

في خطابه المفتوح إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، اتهم آبي أحمد، الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بممارسة الإرهاب والمسؤولية الرئيسية عن الأوضاع الإنسانية المرتدية. وقال إن الحكومة المركزية في وضع دفاعي عن وحدة إثيوبيا وحياة شعبها.

لكنه فشل على ما يبدو في إقناع بايدن، الذي اتهم حكومة إثيوبيا رسميًا بارتكاب «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًا» وأعلن إزالة أديس أبابا من برنامج قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا) الذي يعفي السلع الإثيوبية المصدرة من الرسوم الجمركية الأمريكية.

ويجلب قانون أغوا لإثيوبيا حوالي 100-200 مليون دولار من العملة الصعبة سنويًا، ويولد بشكل مباشر فرص عمل لنحو 100,000 شخص، معظمهم من النساء في جنوب إثيوبيا، وفقًا لفاندا فيلباب براون، المدير المشارك لمبادرة الأمن الأفريقي في بروكينجز.

بخلاف ذلك، أعلن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان أن هذه الإجراءات ستُشجع «العدالة الدولية والمساءلة ضد المسؤولين عن الفظائع التي فرضوها على الشعب الإثيوبي»، محذرًا من المزيد من الإجراءات ضد حكومة آبي أحمد إذا لم تنه الصراع خلال أيام، متهمًا آبي أحمد بإطالة أمد الحرب، والتهرب من مفاوضات حقيقية تؤدي إلى وقف التصعيد ووقف إطلاق النار، ورفض وصول المساعدات الإنسانية لتجنب وقوع كارثة.