يبدو أن هناك شعورًا متناميًا لحالة من عدم المبالاة بين الأوساط السياسية فيما يخص القضية السورية على الصعيدين الدولي والإقليمي، حتى مع ظهور حقائق تثبت بشكلٍ قاطع وقوع تجاوزات خطيرة. حدثان أخيران يؤكدان هذا الاتجاه الذي يعمل على خدمة مصالح نظام «بشار الأسد» وحلفائه.

ففي الأسبوع الماضي أكدت لجنة تقصي الحقائق المستقلة العاملة في سورية والتابعة للأمم المتحدة أن النظام السوري قد استخدم غاز السارين في هجومه الذي شنه على «خان شيخون»، والذي قام به في نيسان/أبريل من هذا العام من ضمن عشرين حادثة -إلى الآن-استخدم فيها النظام أسلحة كيماوية خلال فترة النزاع السوري.

ويأتي تقرير الأمم المتحدة حول استخدام الأسلحة الكيماوية بعد سنوات قليلة من توصل الأمم المتحدة لاتفاق مع روسيا والنظام السوري للتخلص من الأسلحة الكيماوية في سوريا. وتم استغلال هذه الصفقة عام 2013 من قبل الإدارة في الولايات المتحدة لتبرير عدم اتخاذ إجراءات داعمة لتحذير «الخط الأحمر» الذي كان أصدره الرئيس السابق «باراك أوباما» فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية.

وكانت الأمم المتحدة قد سارعت بالإشادة باتفاق الأسلحة الكيماوية باعتباره نجاحًا قد تحقق، إلا أن الأدلة على الأرض أظهرت في وقتٍ لاحق مرارًا وتكرارًا استخدام النظام السوري لهذه الأسلحة غير القانونية في هجماته على خصومه، بما في ذلك الهجوم على المدنيين. ورغم ذلك، لم تكن هناك أي ردود فعل جادة في أعقاب ظهور مثل هذه الأدلة، حيث ظلت العديد من البلدان صامتة حيال ذلك، بحجة صعوبة التحقق من المعلومات الآتية من سورية. فيما حاولت روسيا وحلفاؤها عكس الرواية من خلال القول بأن جماعات المعارضة هي التي استخدمت أسلحة كيماوية في سورية وليس النظام السوري.

وقد أحدث تقرير لجنة التحقيق الذي أصدر مؤخرًا عن استخدام الأسلحة الكيماوية جلبة إعلامية قصيرة الأجل، أعيد إحياؤها مجددًا بعد بضعة أيام عندما قصفت إسرائيل ما قالت إنه منشأة أسلحة كيماوية داخل سورية. ولكن كما هو الحال مع أحداثٍ أخرى مماثلة وقعت من قبل خلال مسار الصراع السوري، كانت هذه الجلبة الإعلامية سحابة صيف.

ينطبق إحساس التراخي تجاه التناقضات هذا أيضًا على قضية الجنود اللبنانيين الذين تم استرداد جثثهم أخيرًا من «داعش» بعد اختطاف تلك المنظمة الإرهابية لهم عام 2014. في ذلك الوقت، كان مصير هؤلاء الجنود غير معروف، وتظاهرت عائلاتهم في وسط مدينة بيروت داعين الحكومة اللبنانية إلى تكثيف جهودها لإطلاق سراحهم. وعلى مدار عدة أشهر، كان الاعتقاد هو أن هؤلاء الجنود لا يزالون على قيد الحياة. وقد استغل حزب الله قضيتهم ليؤكد على أسباب الحاجة لقواته لحماية لبنان من «داعش».

وسع حزب الله من نطاق تدخله في سورية في الأعوام التالية، وأصبح من المحظور تقريبًا التشكيك في هذا الدور. وقد شهد هذا المسار ذروته هذا الصيف، حيث أعلن حزب الله «النصر» على «داعش» بعد معارك وقعت بين الجانبين على طول الحدود اللبنانية السورية. كان تحديد مصير الجنود المخطوفين أحد الأسباب التي دفع بها حزب الله ليبرر تصرفاته ويقدم من خلالها «انتصاره» في سياقٍ وطني بدلًا من كونه مسعى لمصلحة ذاتية.

عندما تم التوصل في نهاية المطاف إلى اتفاقٍ بين حزب الله و«داعش» في أعقاب المعارك خلال فترة الصيف، أصبح من الواضح أن حزب الله تمكن من توجيه مجرى الأحداث لتحقيق مصالحه. وتبين بعد ذلك أن حزب الله والسلطات اللبنانية أيضًا كانوا يعلمون بقتل «داعش» للجنود منذ عام 2015، ولم تجرؤ السلطات اللبنانية على كشف هذه الحقيقة خوفًا من ردود الأفعال المحلية، في حين استغل حزب الله الغموض الذي أحاط بقضية الجنود في بناء زخم لأعماله العسكرية في سورية و«للنصر» الذي حققه في نهاية المطاف.

وبغض النظر عن هذا، واصل المحققون المستقلون العاملون تحت مظلة الأمم المتحدة البحث والتحقق من تجاوزات جميع أطراف النزاع السوري. لكن مع مرور السنين بدا الأمر واضحًا بأن مجموعة التقارير المصوغة بعناية من قِبَل المحققين لم يرافقها تغيير في السياسة العامة للمجتمع الدولي تجاه القضية السورية.

ومن المفارقة أن أصبحت إحدى دوائر الأمم المتحدة تقول شيئًا ما (مثل التصريح عام 2014 أن سورية لم تعد تمتلك أسلحة كيماوية) بينما تثبت دائرة أخرى عكس ذلك تمامًا. وحتى وقتنا هذا، لم يعلق أحد من المجتمع الدولي على هذا التناقض، وأدى الإحباط الناتج عن عدم جدوى مهمة لجنة التحقيق بـ«كارلا ديل بونتي»، إحدى أعضاء اللجنة الأساسيين، لتقديم استقالتها قبل بضعة أسابيع، وحتى بعد انكشاف حقيقة مصير الجنود، لم تكن هناك احتجاجات عامة ضد حزب الله أو ضد السلطات.