ورقة صغيرة بيضاء لا تحمل سوى ثلاث كلمات، ألقيت فوق مكتب الموظف المدني الوحيد داخل بناية الأمن المصري العتيدة لإعداد تقرير عن تلك الأسماء. كانت تلك الأسماء بخط السيد اللواء كبير تلك البناية، إذ تلقاها هو الآخر من رئيسه بشكل حازم في إشارة لأهمية التأمين المفترض.

«ريتشاردسون ودافيدسون وإي إس بي إن»، تلك كانت الكلمات الثلاثة وهذا ما ورد في التقرير:

أنتوني ريتشاردسون ومارك دافيدسون، ثنائي كوميدي إنجليزي يقدمان العديد من مقاطع الفيديو الكوميدية عبر موقع يوتيوب. قرر الثنائي تحت رعاية شبكة ESPN الرياضية التليفزيونية أن يقوما بتحدٍ طريف وهو أن يزورا ملاعب الفرق الإنجليزية المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز لهذا العام جميعها في 24 ساعة فقط.

بدأ الثنائي رحلتهما من خلال ملعب فريق بورنموث، وكان مخططًا أن يختتما تلك الرحلة بحضور مباراة افتتاح الدوري بين فريقي ليفربول ونوريتش سيتي على ملعب الأنفيلد.

 

فشل الثنائي في هذا التحدي، إلا أن الفيديو الذي تم بثه لتلك الرحلة لاقى رواجًا جيدًا، إذ تخطى عدد مشاهديه المليون فرد. كان من المعجبين بالفيديو اللاعب المصري المحترف في فريق ليفربول محمد صلاح، وهو ما اعتز به القائمون على الفيديو ليقرروا عبر فيديو خاص أن يخوضوا نفس التحدي لكن في بلد محمد صلاح، هنا في مصر.

سيصل الثنائي يوم الأحد القادم إلى مصر لتكون البداية من إستاد السلام، على أن ينتهي التحدي بحضور مباراة أسوان و إف سي مصر بملعب أسوان.

ملحوظة: قرر الثنائي عدم التعاون بشكل رسمي مع الحكومة المصرية خلال تلك الزيارة، حتى لا يتم إعاقتهما عن طريق الاحتفاء الزائد مما سيؤثر في عامل الوقت الذي يمثل المحور الأساسي في التحدي، حيث يقوم الثنائي بتصوير نفسيهما خارج الملاعب والتقاط بعض الصور مع تمائم الأندية المختلفة ثم ينطلقان سريعًا.

قام الأمن بتوزيع تقرير مختصر عن تلك الرحلة المفترضة لجميع أندية الدوري المصري الممتاز، مع التشديد على ضرورة المحافظة على مظهر مصر أمام الإعلام الأجنبي.

ميت عقبة أولًا: لأن لا شيء يعلو فوق الوطنية والكرامة

تلقى فجر الأحد الحاج محمود المنياوي، السائق بإحدى شركات السياحة والمنوط به اصطحاب «أنتوني ومارك» من المطار بعد ساعات، رسالة على هاتفه من رقم مجهول. تحتوي الرسالة على عدة نقاط من ماضي السيد محمود الذي لا يذكره هو شخصيًا، كيف أنه تزوج عرفيًا من راقصة وهو في سن العشرين، كما أنه اعتاد الجلوس في المقهى مع بضعة أشخاص اتضح فيما بعد أنهم جزء من قضايا فساد، كما أن ولده الأكبر من أعضاء الأولتراس المجرم قانونًا.

رغم أن الحاج محمود لم يتزوج سوى مرة واحدة ولديه بنتان فقط ولا يحب الجلوس في المقاهي، إلا أنه أحس بأنه في خطر مستتر وعليه أن ينفذ ما جاء بالرسالة، وهو التوجه نحو نادي الزمالك أولًا وليس ملعب السلام.

هكذا بدأت الرحلة حيث وجد مارك وأنتوني والطاقم المساعد لهما بعد فترة ليست بالقصيرة أمام بوابات نادي الزمالك، خرج رئيس نادي الزمالك لاستقبال الزوار وبجواره أولاده أحمد وأمير مؤكدًا لوسائل الإعلام أنهم صمموا على زيارة نادي الزمالك أولًا بعد أن عرفوا أنه نادي الوطنية والكرامة، ثم قرر سيادة المستشار أن يتفقد مع الثنائي المنشآت الجديدة خلال النادي مؤكدًا أن هذا النادي كان مجرد خرابة قبل مجيئه.

بعد توسلات «أنتوني ومارك» وتأكيدهما أنهما يجب أن يرحلا سريعًا نحو ملعب آخر، قرر المستشار أن يرضخ لكن طلب منهما أن يلتقطا الصور مع تميمة النادي مثلما فعلا في إنجلترا. ولأن الأندية المصرية لا تملك تمائم مثل أندية إنجلترا، قام المستشار مرتضى منصور بتأجير أحد الأشخاص ليكون هو التميمة.

توجه الثنائي سريعًا نحو الرجل الذي يرتدي الزي الفرعوني في وضعية رامي السهم المقترنة بشعار نادي الزمالك، هذا الرجل لم يغير من وضعيته منذ ساعات بناء على أوامر رئيس النادي. احتمل الرجل كثيرًا تلك الشمس الحارقة الموجهة نحو رأسه، لكنه وفي اللحظة الحاسمة تمامًا لم يستطع أن يتحمل أكثر من ذلك، أفلت الرجل السهم الذي احتفظ به لساعات ليمر بجوار رئيس النادي الذي صرخ قائلًا: فعلها القطريون، أين أحمد وأمير؟ تحفظ على هذا الولد يا علاء يا مقلد.

وخلال تلك الجلبة قرر «أنتوني ومارك» أن يهربا نحو ملعب السلام.

بيان عاجل: فعلها مرتضي منصور

علم المسئولون في النادي الأهلي بما حدث، رغم استعدادهم التام لاستقبال الوفد الأجنبي على ملعب السلام سابقًا وملعب الأهلي حاليًا. قرر سريعًا المسئولون إصدار عدة بيانات قوية للرد على ما حدث.

اتهم النادي الأهلي اتحاد كرة القدم المصري بالتواطؤ مع رئيس نادي الزمالك فيما حدث، ثم أشاد بالجهود المبذولة لانتظام الدوري. وعبر بيان آخر، استغرب النادي الأهلي موقف الأمن المصري مؤكدًا على اعتزازه بدور الأمن الذي يحمي مصر من الأخطار. تعددت البيانات التي اتهمت الجميع وأشادت بالجميع، مع التهديد بعدم استكمال الدوري إن تكررت تلك الواقعة.

رغم تلك البيانات، كان استقبال مسئولي الأهلي هو الأفضل والأكثر تفهمًا خلال تلك الرحلة. استطاع «مارك وأنتوني» أن يخرجا سريعًا بعد دقائق رفقة مسئولي النادي الأهلي متوجهين نحو ملعب الإسماعيلية.

على أنغام السمسمية حدثت الكارثة

خرجت مدينة الإسماعيلية بأكملها لاستقبال الثنائي الشهير على أنغام السمسمية. رغم كل ما شاهده «أنتوني ومارك»، إلا أن ما حدث في الإسماعيلية كان صادمًا. علم الثنائي أنهم سيواصلون السير من حدود المحافظة وحتى ملعب الإسماعيلية سيرًا على الأقدام، إذ قرر رئيس النادي أن يصطحب المحافظ راعي الرياضة الأوحد لاستقبالهم والسير بهم نحو الملعب على أنغام السمسمية.

لم تجدِ توسلات الثنائي بالنفع أمام هذا الاستقبال الرسمي والاصطفاف الشعبي والترحيب الهائل. قرر أخيرًا «أنتوني» أن يبادل الجميع التحية رافعًا يده في مودة مصطنعة لتتوقف الموسيقى فجأة ويصمت الجميع وكأنهم رأوا شبحًا. لقد رفع أنتوني يده حاملًا شعار النادي الأهلي الذي قد أهداه له المسئولون خلال زيارته لملعب السلام.

بدأت الكارثة بمحاولة الجماهير الوصول للشعار الأحمر وتمزيقه أمام الكاميرات كنصر مبين، وهو ما أوقع صدامًا موجبًا مع الأمن الخاص بتأمين المحافظ لا مارك وأنتوني، لتبدأ أحداث شغب اختفى خلالها الثنائي تمامًا.

تخلص «مارك وأنتوني» من كل ما هو أحمر وقررا ألا يتوقفا عند ذلك، إنهما ممثلا كوميديا وما يحدث هو قمة الكوميديا خاصةً عندما يتم إذاعته في إنجلترا، ولذا قرر الثنائي مواصلة الرحلة.

 الأمن يتدخل والتحدي يفشل

بسبب ما حدث في الإسماعيلية، قرر الأمن المصري التدخل سريعًا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. صدرت التعليمات بوجوب وجود تأمين رسمي خاص بالثنائي خلال ما تبقى من رحلتهما، وافق الثنائي على تلك الدعوة باحثين عن كوميديا أكثر فقط لا غير.

لأول مرة يرى الثنائي الشوارع المصرية خالية تمامًا خلال ساعات وساعات من السفر، من بورسعيد إلى طنطا ثم الإسكندرية وبالطائرة إلى الجونة، حيث استقبلتهم الفنانة بشرى بنفسها ثم إلى أسوان حيث ينتهي كل شيء.

توجه الثنائي نحو ملعب أسوان ليحضرا المباراة التي تؤكد على نجاح التحدي الخاص بهما، إلا أنها اكتشفا إلغاء مباريات الأسبوع جميعها. وعندما حاولا معرفة سبب التأجيل، أكد لهم المسئول الأمني أن قرار الإلغاء جاء لتفرغ الأندية لاستقبال وفد أجنبي من إنجلترا مكون من شخصين سيزوران جميع أندية وملاعب مصر.