المباراة كانت متجهة إلى التعادل، لكن ما يهمني أننا وفقنا في حسمها في النهاية. صلاح لاعب كبير وغيابه أثّر بالطبع على منتخب مصر، ولكني أؤمن بكرة القدم وأن الفريق أهم من أي لاعب.

هكذا تحدث «أوسكار تاباريز» المدير الفني لمنتخب الأوروجواي في المؤتمر الصحفي عقب مباراة المنتخب المصري أمام نظيره الأوروجواياني في الجولة الأولى من دور المجموعات بكأس العالم روسيا 2018. تصريح يخبرك الكثير عما شعر به ملايين المصريين في الدقيقة الـ90 من عمر المباراة حين ارتقى خوسيه خيمينيز بين ثلاثة مدافعين بالقمصان الحمراء ليسكن الكرة الشباك برأسه.

سكنت الكرة الشباك وسكنت معها صيحات المصريين التي لم تتوقف في ملعب «إيكاترينبرج أرينا» منذ الدقيقة الأولى في المباراة. حزن شديد شعر به المصريون بسبب إحساسهم أن المباراة قد اقتربت من التعادل تمامًا كالعجوز أوسكار تاباريز وأنهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق التعادل.

ولكن بالرغم من تلك الخسارة إلا أن هناك أربعة مؤشرات تعطي الأمل للكثير من المصريين في التأهل لدور الـ16 وليس مجرد التمثيل المشرف في البطولة.


1. الضغط العالي غير المعتاد

دخل الفريقان المباراة بلا أي مفاجآت تُذكر. هيكتور كوبر المخلص لطريقة 4-2-3-1 والرجل الكلاسيكي أوسكار تاباريز بخطة تشبهه تمامًا لا يغيرها كثيرًا 4-4-2. بداية حذرة للغاية من الفريقين. عشر دقائق أولى من زمن الشوط الأول واللعب لا يتحرك كثيرًا من منطقة وسط الملعب، لكن ثمة شيئًا جديدًا على المنتخب المصري أجبر جماهيره على الانتباه إليه وأكسبهم شعور أن فريقهم اليوم يظهر بشكل جديد.

كلمة السر كانت في الضغط العالي في الشوط الأول. وما الجديد؟ فهيكتور كوبر مارس الضغط العالي في العديد مبارياته السابقة بعضها كان في ودياته الأخيرة قبل المونديال. لا عزيزي القارئ، الجديد في هذه المرة هو ممارسة الضغط العالي ككتلة واحدة للفريق «Compact Pressure» ليس فقط بمروان محسن والثلاثي القابع من خلفه.

الضغط كان بلاعبي المنتخب المصري كوحدة واحدة، ساعد ذلك في تقدم الفريق لأمتار عديدة من أمام مرمى الشناوي وتواجد شبه دائم للكرة في منطقة وسط الملعب، وسط الملعب الخصم الأوروجواياني تحديدًا كما ترى في الخريطة الحرارية للنصف ساعة الأولى للمباراة.

الخريطة الحرارية في النصف ساعة الأولى من زمن اللقاء.

2. خبرة كوبر

لاحظ أوسكار تاباريز – أو ربما تفاجأ – سياسة الأرجنتيني كوبر في الضغط بشكل منتظم على لاعبي الأوروجواي ورأى أن فريقه لم ينجح في الوصول إلى مرمى مصر بشكل حقيقي إلا من خلال هروب إديسون كافاني ولويس سواريز خلف لاعبي الوسط طارق حامد ومحمد النني. لم تصل الأوروجواي إلى مرمى الشناوي إلا من خلال فرصتين فقط، تصويبة كافاني في الدقيقة 8 وفرصة سواريز الضائعة بشكل غريب من ضربة ركنية في الدقيقة 28 بعد فشل أحمد فتحي في التغطية على القائم الأيمن لمرمى المنتخب المصري.

بدأت الأوروجواي في الاعتماد على المدافع المخضرم جودوين في الخروج بالكرة و اختراق خطوط المنتخب المصري حتى الوصول لثنائي الوسط المصريين. تكررت تلك الاستراتيجية ثلاث مرات في الربع ساعة الأخيرة من الشوط الأول وبالفعل بدأت تظهر ملامح الخطورة للمنتخب اللاتيني في الربع ساعة الأخيرة.

إذا كنت من محبيه أو كارهيه، فإن ذلك لن يغير من حقيقة واضحة للجميع أن لكوبر خبرة كبيرة في التعامل بالمحافل العالمية. وجّه كوبر المدافع الأيسر محمد عبدالشافي والأيمن أحمد فتحي للانضمام إلى العمق لمقابلة جودوين أو خيمينيز عند التقدم بالكرة بشكل مبالغ فيه في نصف ملعب المنتخب المصري.

الخريطة الحرارية لكل من أحمد فتحي ومحمد عبدالشافي خلال الشوط الأول

نلاحظ الخريطة الحرارية لكل من محمد عبدالشافي وأحمد فتحي خلال الشوط الأول كاملًا، الجزء الأزرق في العمق تكوّن في الربع ساعة الأخيرة من الشوط الأول فقط، عندما بدأ جودوين في الوصول إلى مناطق متقدمة بالكرة.


3. المرونة التي افتقدناها

في بداية الشوط الثاني، أصيب لاعب الوسط المتألق طارق حامد. طارق هو أكثر لاعب لمس الكرة خلال الشوط الأول في المنتخب المصري. استبدل كوبر طارق حامد بلاعب ويجان الإنجليزي سام مرسي. أرقام سام مرسي في الشوط الثاني تقول إنه نجح في مهمته بشكل كبير، بل إنه كان أفضل من طارق حامد، الأرقام تقول ذلك!

سام مرسي نجح في لمس الكرة 34 مرة أظهر من خلالها مهارة كبيرة في التسليم والتسلم، نجح في استخلاص الكرة 6 مرات خلال الشوط الثاني. بينما لمس طارق حامد الكرة 38 مرة نجح خلالها في قطع الكرة 4 مرات خلال الشوط الأول.

هل الأرقام تخبرنا دائمًا بكل شيء؟ بالطبع لا. أغلب من ستسألهم بعد المباراة من كان أفضل طارق حامد أم سام مرسي؟ سيخبرك بشكل قاطع طارق حامد. في الواقع أن الأمر يبدو منطقيًا. سام مرسي وبالرغم من أرقامه الجيدة إلا أنه كسول لا يظهر أي حمية أو عنف مطلوب منه في هذا المركز. تراه في لحظات كثيرة يجري جريًا خفيفًا بلا مبالاة ربما. أما طارق ففي كل كرة يشعرك أنه يقاتل على الكرة التي ستمنحه الفوز في الدقيقة 90، حماس لا ينقطع، تركيز لا يتوقف، وهذا ما تحتاجه في المباريات الكبيرة.

وبعيدًا عن تلك الإشكالية، فإن هذا التبديل، والتبديل الآخر الذي تلاه في الدقيقة 63 بخروج مروان محسن ودخول محمود كهربا أعطوا شعورًا للجمهور بوجود مرونة نوعًا ما في قائمة كوبر التي لاقت هجومًا شديدًا عند الإعلان عنها.


4. رجل المباراة

المنتخب المصري, كأس العالم, أحمد فتحي, محمد عبد الشافي

ثقة كبيرة في الخروج على الكرات العرضية، إنقاذ رائع بقدمه من انفراد لويس سواريز به في الدقيقة الـ46 ثم إنقاذ تصويبة كالسهم من إديسون كافاني في الدقيقة 83 برونق رائع جعل الإنقاذ يحتل العديد من صفحات التواصل الاجتماعي بين المباراة، وبين هذين الإنقاذين استخلاص للكرة ببراعة من لويس سواريز في انفراد خطير جدًا دون لمس سواريز أو التسبب في ركلة جزاء.

مباراة كبيرة قدمها محمد الشناوي جعلته يفوز بجائزة رجل المباراة عن جدارة. أهو التوفيق؟ ربما. أهو الاجتهاد والمثابرة؟ ربما أيضًا، الشيء الأهم الآن أن الشناوي اكتسب قدرًا هائلًا من الثقة لما هو قادم وخلق مساحة كبيرة جدًا من الاستقرار في مركز حراسة المرمى للمنتخب المصري.

مكاسب عديدة حققها المنتخب المصري من لقاء اليوم، ولكن يجب الانتباه أن تلك المباراة لم تكن إحدى الوديات التي لا نعبأ بنتائجها، ولا هي إحدى المباريات في دور المجموعات بكأس الأمم الأفريقية. خسارة مباراة اليوم هي خسارة في أكبر محفل كروي عالمي انتظرناه 28 عامًا، فلا يجب الاحتفاء بالأداء الجيد والاكتفاء بالتمثيل المشرف وما شابهه من تعبيرات، فالقرعة قد لا تخدم المنتخب المصري مستقبلًا كهذه المرة، المنتخب المصري ذاته قد لا يستطيع الوصول للمونديال مرة أخرى قريبًا!