كل عام وأنت بخير. أوشك الموسم على الانتهاء، وقد كان أحد أكثر مواسم كرة القدم إثارة على الإطلاق. سنذكره دومًا بالمنافسة الشرسة على قمة البريميرليج، وبسباق بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند على البوندسليجا، وبهذا الكم المهول من المفاجآت التي حملها دوري الأبطال، حتى أن الموسم يأبى أن ينتهي دون أن يترك ذكرى جديدة تضفي مزيدًا من الإثارة!

فاجأ الخبر الجميع حينما ظهر، لكنه أخذ في الانتشار كلما اقتربنا من نهاية الموسم، حتى وصل للذروة بعدما فاز مانشستر سيتي بالدوري. وبينما كانت كتيبة «بيب جوارديولا» تحتفل بالدرع، خرجت عشرات التقارير الصحفية تربط مصير مدرب الفريق السماوي بنادي يوفنتوس. لم يتأخر رد بيب كثيرًا، وأكد أنه باقٍ مع السيتي ولا يفكر في الرحيل الآن، إلا أن الصورة في الكواليس لم تكن بتلك البساطة أبدًا، بل شابها كثير من التفاصيل والمفارقات.

هل كان جوارديولا بالفعل قريبًا من البيانكونيري؟ متى بدأت المفاوضات معه؟ وكيف تعثرت؟ ومن هم المرشحون الآخرون لتولي المهمة؟ كل تلك الأسئلة لم تجد لها إجابة واضحة وسط سيل الأخبار الذي لم يتوقف، لكننا هنا سنحاول إزالة بعض الغموض عما جرى بين جوارديولا وإدارة اليوفي.

اعتمدنا في إعداد هذا التقرير على أكثر المصادر الموثوقة فيما يتعلق بأخبار يوفنتوس.إنه «لوكا مومبلانو» الصحفي الذي ذاع صيته خلال الأعوام السابقة بفضل دقة أخباره؛ فهو أول من كتب عن اتفاق «كرسيتيانو رونالدو» مع السيدة عجوز، وأول من توقع رحيل المدرب «ماسيميليانو أليجري» قبل نهاية الموسم. ويبدو أنه يمتلك تفاصيل كثيرة حول اسم المدرب الذي سيخلف أليجري سواء كان جوارديولا أو غيره!


في عز الهزيمة

في العشرين من مايو/آيار الجاري، خرج مومبلانو على متابعيه ليكشف موقف المدرب القادم. كان لدى الرجل الكثير ليقوله، لكنه كان يؤكد دومًا أن الموقف يتغير بين اليوم والثاني لذا علينا تحديث المعلومات يوميًا لفهم ماذا يدور. وفي ذلك الوقت، كان بيب جوارديولا هو هدف إدارة اليوفي الأول.

سأله أحد المتابعين: متى وكيف بدأت المفاوضات مع جوارديولا؟ وهنا كان لوكا يستعد ليفجر أولى المفاجآت، إذ أجاب بأن التواصل مع بيب لم يبدأ اليوم، ولا من شهر، ولا حتى من سنة، بل بدأ منذ ما يقرب العامين، وتحديدًا بعد نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2017 حين تلقى البيانكونيري خسارة مريرة من ريال مدريد.

تفاجأ المدرب الكتالوني بتلك الدعوة، وشعر بتقدير كبير تجاه إدارة اليوفي لأنها تضعه في حساباتها، كما أحس بقدر العزيمة الذي تحلى به النادي الإيطالي رغم الفشل في الفوز بالتشامبيونزليج، لكنه في النهاية رفض هذا العرض. لماذا؟ لأنه لم يكن قد حقق أي شيء بعد مع مانشستر سيتي، ومن المبكر للغاية أن يترك الفريق بعد موسم واحد فقط في إنجلترا، موسم نال فيه ما يكفي من الانتقادات والتشكيك ولم يكن قد انتقم لنفسه ولأسلوب لعبه بعد.

إذن رفض بيب، لكن مومبلانو يؤكد أنه حرص على بقاء خطوط الاتصال مفتوحة، وهو ما دفع الإدارة للتفكير بأن فرصة انتدابه مستقبلًا واردة، أما في ذلك الوقت فكان عليهم تجديد الثقة في أليجري ولمدة ثلاثة أعوام قادمة.


إذا قال لا

لم ينتظر السيد «أندريا أنييلي» ثلاثة أعوام كاملة، وبادر بالتواصل مع جوارديولا بعد مضي عام واحد فقط. عام نجح خلاله الأخير في حسم البريمرليج مبكرًا، وقدم أحد أقوى نسخ مانشستر سيتي، فيما فشل يوفنتوس مجددًا في الظفر بذات الأذنين، وودع البطولة بسيناريو دراماتيكي أمام الريال.

المهم أن رفض بيب هذه المرة لم يكن بحسم الأولى، بل طلب من إدارة اليوفي أن تمهله بعض الوقت، ليتمكن خلاله من صناعة شخصية أقوى للسيتي على الصعيد الأوروبي. ويبدو أن أنييلي كان على استعداد للصبر عامًا آخر، فوافق على الفكرة وبدأ في التحضير لسوق انتقالات تاريخي تحت قيادة أليجري.

ثمانية أشهر أخرى، وفي يناير الماضي تحديدًا، كان بيب يخطو خطوة كبيرة نحو يوفنتوس. إذ يؤكد لوكا مومبلانو أن هذه كانت المرة الأولى التي يجلس فيها جوارديولا للحديث بصورة إيجابية عن مستقبله في اليوفي، وهنا أرسل أنييلي الثنائي الذي يرافقه في الإدارة: «بافل نيدفيد» و«فابيو باراتيسي» لوضع الخطوط العريضة مع المدرب الكتالوني.

استمر العمل والاتصالات،بحسب مومبلانو، لمدة أربعة أشهر كاملة، بذل فيها نيدفيد وباراتيسي جهدًا ضخمًا في الاتفاق مع بيب على كثير من التفاصيل، لكن أمرًا بعينه سيعرقل كل ذلك التقدم الذي أنجزاه.

لم يوضح لوكا في حديثه لماذا توقفت المفاوضات، لكن يمكننا استنتاج الأمر بالنظر لخروج السيتي من ربع نهائي دوري الأبطال للمرة الثانية على التوالي تحت قيادة جوارديولا، وهو ما جعل بيب مترددًا بشأن الرحيل عن مانشستر في مثل هذا التوقيت، بل وميالًا للبقاء مدة أطول حتى ينجز مهمته. ما يؤكده الصحفي الإيطالي أن ثمة اتفاقًا تم مطلع هذا الشهر على أن بيب سيخبر إدارة اليوفي بموقفه الأخير قبيل نهائي دوري الأبطال.

المشكلة هي ماذا سيفعل البيانكونيري إذا كانت إجابة مدرب برشلونة السابق هي «لا»؟

أندريا أنييلي رفقة بافل نيدفيد وفابيو باراتيسي

كلمة السر: لندن

طبعًا لم تكن الإدارة لتتورط في مثل تلك المشكلة، بل إنها بحثت عن البدائل مبكرًا لتجنب حدوث أي أزمة. وأول هؤلاء الذين كانوا على تواصل دائم مع يوفنتوس هو «أنطونيو كونتي»، إذ يؤكد لوكا أن رغبة كونتي الأولى كانت العودة من جديد لتدريب اليوفي، حتى أنه اجتمع مع ممثلي النادي ليناقش تفاصيل فنية وأخرى خاصة بالميركاتو، وبدا أن الرجل عازم على قيادة الفريق نحو تحقيق اللقب الأوروبي المنشود، لكن كل ذلك بقي رهينًا لقرار بيب جوارديولا نفسه.

المشكلة أن كونتي كان يمتلك عرضين؛ أحدهما من إنتر ميلان، والثاني من روما. وقد اتفق بشكل مبدئي مع إدارة الإنتر على بعض الأمور، لكنه ظل يؤخر توقيع العقود حتى الأسبوع الأخير من مايو الجاري على أمل الاتفاق مع اليوفي. مر الوقت ولم يتواصل معه أحد، لذا حسم وجهته وقرر في النهاية الرحيل نحو مدينة ميلانو.

كونتي لم يكن الاسم الوحيد على طاولة أنييلي، بل كان إلى جانبه اسمان لا يمتلكان حظوظًا أقل هما؛ «ماوريسيو ساري»، و«ماوريسيو بوتشيتينو». الأول لا يعيش أفضل فتراته هذا الموسم، وتخرج بين الحين والآخر أخبار تؤكد أن نادي تشيلسي سيستغني عن خدماته هذا الصيف. وقد أكد مومبلانو أن ساري يمتلك فرصة لا تقل عن 60% لتولي مهمة اليوفي.

المثير أن لوكا لم يعلق على فرص بوتشيتينو. لماذا؟ لأنه يمتلك الفرصة الأكبر حاليًا بين كل الأسماء المطروحة، إذ تعتقد الإدارة أنه البديل الأفضل لجوارديولا، خصوصًا بعدما أثبت جدارة في جولات خروج المغلوب هذا العام. ويتميز المدرب الأرجنتيني بأمرين رئيسين هما محل تقدير على طاولة يوفنتوس؛ الأول هو نجاحه في تكوين فريق قوي وصلب ينتهج أسلوب لعب واضح، ولا ينهار عندما يغيب أحد لاعبيه. والثاني هو أنه يحظى بدعم أسماء هامة جدًا لليوفي، في مقدمة هؤلاء يأتي «أندريا بيرلو»، الأسطورة الإيطالية الذي صرح غير مرة عن إعجابه بعمل ماوريسيو وثقته في نجاحه إذا تولى قيادة البيانكونيري.

ماوريسيو ساري، ماوريسيو بوتشيتينو، وبيب جوارديولا

الآن دعنا نلخص ما يدور؛ حاليًا لا يمتلك يوفنتوس فرصة كبيرة في التعاقد مع جوارديولا هذا الصيف، وكونتي لن يكون مدرب اليوفي القادم فقد أتم كل شيء مع الإنتر، والثنائي: ساري وبوتشيتينو يمتلكان الفرص الأعلى في تولي المسئولية مع أفضلية أكبر لمدرب توتنهام، وهذا ما لفت إليه مومبلانو الانتباه عندما أكد أن بافل نيدفيد لا يريد سوى أحد مدربي فرق القمة الأربعة في إنجلترا.


من هو جوارديولا أصلًا؟

لحظة واحدة! لماذا تسعى أصلًا إدارة البيانكونيري خلف أسماء كجوارديولا أو بوتشيتينو؟ اليوفنتوس نادٍ له تقاليد تاريخية، فهو يعتمد دائمًا على مدربين محليين ينتسبون للمدرسة الإيطالية الكلاسيكية، فماذا يدفعه لتغيير كل ذلك الآن؟

في الواقع هذا سؤال مهم للغاية، لأن إجابته تكشف لنا عن تحول طرأ على النمط الذي تعمل به الإدارة، وتنظر به إلى فريق كرة القدم. اليوفي كان يواجه دائمًا مشكلة مع الأدوار الإقصائية الأوروبية، سواء مع كونتي أو الذين سبقوه. هذه المشكلة لم يتغلب عليها نسبيًا سوى ماكس أليجري، لكنه كان ينهار حينما يصل إلى النهائي ويلاقي فرقًا تعتمد أسلوب لعب هجومي شرس، بل إن أليجري نفسه وقع في الفخ مجددًا هذا العام وعجز عن تخطي دور الـ 8 أمام أياكس صاحب الإمكانيات والخبرة الأقل.

الآن تفكر الإدارة أن وقت التغيير قد حان، وأن الأولوية ينبغي أن تكون لأسلوب لعب مغاير ومختلف، ولبناء فريق مبادر وفاعل يحسم الأدوار الإقصائية. ولذلك ستكتشف أن كل الأسماء التي ارتبطت باليوفي، بداية من جوارديولا وحتى بوتشيتينو، جميعهم ينتهجون أسلوب لعب هجومي قائم على الضغط والاستحواذ وتهديد مرمى الخصوم أولًا.

على كل حال، لن ننتظر كثيرًا. باتت تفصلنا أيام معدودة على نهائي دوري الأبطال، وبعده بوقت قليل سيظهر السيد أنييلي رفقة مدرب يوفنتوس الجديد. سنكون على موعد مع تجربة جديدة ومثيرة، علها تفك نحس البيانكونيري مع البطولة الغائبة منذ 22 عامًا، وعلها تغير مصير كرة القدم كله في إيطاليا!