دعنا في البداية نؤكد لك أننا الآن نقوم بشيء تُحبذه إدارة برشلونة للغاية، فلا يمكن أن تهرع إدارة إلى التوقيع مع كل هذه الأسماء في كل سوق انتقالات، دون أن تجد نفسها هي الواجهة الأولى لكل الصحف. لذا، من الطبيعي أن تجد «بارتوميو» مبتسمًا سعيدًا وهو يتصفح كل المقالات التي تتصارع لانتقاء التشكيلة الأمثل لفريق كتالونيا بعدما ضم نجومًا هزت عروش الـ«ميركاتو».

تظل المُعضلة الأكبر في رؤية مشجعي الـ«بلوجرانا» لهذه الصفقات بعين النقد، فمن ذا الذي يعترض على ضم لاعب بقيمة «جريزمان» مثلًا حتى لو كان يملك سندًا فنيًا؟ المؤكد أنه شخص يعتقد أن الإدارات تهتم دائمًا للرؤية التحليلية للجمهور قبل عقد أي صفقة، والمفاجئ في الأمر أن كل المرات التي حققت فيها إدارة نادٍ ما أغراضها من التعاقد وتقابلت هذه الأغراض مع رؤية المشجعين أو رغباتهم، كانت صدفًا غير مقرونة بالتكرار، لكن الغريب هنا أن عملية انتقال «أنطوان» إلى أسوار «كامب نو»، رغم كل هذا السخط والاعتراض عليها، إحدى هذه الصدف النادرة.


فواتير «كوتينيو»

في يناير/كانون الثاني 2018، ضمت إدارة برشلونة «فيليب كوتينيو» بعد مسلسل طويل من التقارير، والأنباء، والانقطاع عن التدريبات، وتقديم رغبات في الرحيل، إلخ. أثرت هذه الصفقة على جماهير الفريق بشكلٍ بالغ، فبعد صفقات غريبة قامت بها إدارة النادي بعد رحيل «نيمار»، كصفقة «باولينيو» مثلًا، كان من الطبيعي أن تتعشم الجماهير في لاعب بقيمة نجم ليفربول السابق في رفع جودة الفريق.

وضع عشاق الفريق الكتالوني آمالهم في تنوّع أدوار البرازيلي بين ثلاثي خط الهجوم وبين ثلاثي خط الوسط وصناعة اللعب، أملًا في خلق دور مزدوج يُكمل به مسيرة «إنيستا» البراقة، وينسيهم ويلات رحيل مواطنه.

وبالرغم من استحالة ذلك الدور الذي أخذت الصحافة تُرسخه في عقول المتابعين لأشهر، لكن فشل «كوتي» في تأدية أي من هذه الأدوار، منفردًا حتى، حوّل هذه الصفقة إلى ما يمكن أن يُطلق عليه: الفشل القاتل؛ أي الفشل الذي لن يُقبل بعده أي نجاح عادي، ولابد من توافر صفة الخارق فيه، بل وسيؤثر بالسلب ويُحكم بالفشل على أي صفقة جديدة تحمل نفس الظروف، قبل ارتداء قميص النادي حتى، لحين ثبوت العكس.

لذا، يبدو بوضوح أن الانتقاد الذي وُجه لصفقة جريزمان يعود لسببين: الأول، تسديدًا لفاتورة فشل صفقة كوتينيو، والثاني لأنها إضافة نجم جديد لخط يمتلك كلاً من: «ميسي»، «سواريز»، «ديمبلي»، «كوتينيو»، و«مالكوم»، في ظل فقر واضح في الشق الدفاعي. لكن وعلى عكس ما يثار، فإن وضع برشلونة الهجومي ليس أفضل كثيرًا من نظيره الدفاعي، بل ربما أسوأ، إذا ما نُظر إلى عناصره.


برشلونة فالفيردي وبرشلونة كرويف

يجب في البداية وضع حد فاصل بين نسختين من فريق برشلونة: الفريق الذي يتكوّن في خيالات مشجعيه بناءً على الإرث الفني والصورة الذهنية المعتادة لأداء الفريق عبر السنين الماضية، أو ما يُمكن تسميته بنسخة «يوهان كرويف»، وبين الفريق الآخر الموجود حاليًا والمُتحلي ببراجماتية «فالفيردي»، أو هكذا اعتادت الصحافة أن تُسميه. وبالطبع، لا نحتاج لتأكيد أن احتياجات النسختين لا تتوافقان أبدًا، وعليه يجب بناء كافة تحليلاتنا لأي وافدين وفقًا لنسخة فالفيردي الموجودة واقعيًا.

رسم بياني يوضح انخفاض المعدل التهديفي لهجوم برشلونة خلال موسم 2018/19

يضع الرسم البياني السابق مقارنة بين موسمي قيادة فالفيردي للكتلان، من حيث معدل الأهداف المتوقع استقبالها، ومُعدل الأهداف المتوقع تسجيلها. وبالرغم من حسم برشلونة لصراع خط الهجوم الأقوى محليًا، بتفوق على أقرب ملاحقيه بـ 0.21 هدف متوقع تسجيله في كل مباراة، إلا أن عداد موقع «ستاتس بومب» يشير إلى انخفاض ملحوظ في كلا المعدلين المُشار إليهما، وهو ما يضعنا أمام نتيجة سلبية وإيجابية في آن واحد، وتلك إحدى مميزات فالفيردي الفريدة.

يعود انخفاض مُعدل الأهداف المُتوقع استقبالها إلى تحسن واضح في الجانب الدفاعي بعد شهور من الأرقام الهزيلة، وهو عكس المُثار تمامًا، إذ تعتقد الأغلبية أن الوضع الدفاعي يسوء وأن التعديل به أولى من الخطوط الأخرى. ويرجع ذلك التحسن إلى تكرار الاعتماد على لاعب خط وسط ثالث -حتمي- بأدوار دفاعية، هو «فيدال» أو «أرثر»، وذلك من أجل القيام بالأدوار التي يغفلها أو يفشل فيها كل من «بوسكيتس» و«راكيتيتش»، لكن باستمرار الارتكان إلى ذلك التسكين للعيب الدفاعي، طرأت مُشكلة في منطقة الهجوم، ما يمكن وصفه بالمشهد الطريف للمثل المصري «سمير غانم»: «جيت ألم البنطلون، الجاكتة ضربت مني».

مقارنة بين معدل تصويبات لاعبي برشلونة خلال موسم 2018/19

تعبّر أرقام المشاركة الهجومية، عن طريق التصويب، للاعبي خط وسط برشلونة خلال موسم 2018/2019 عن مدى بؤسهم في هذا الجانب، إذ ساهم الشابان «ألينيا» و«مالكوم» اللذان لم يشاركا في أكثر من نصف الموسم، في عدد تصويبات أكثر من راكيتيتش، وبالطبع لا يجوز مقارنة أرقامهما مع أرقام بوسكيتس، لأن أرقام الأخير بهذا الصدد تكاد تكون معدومة.

إذن، تكمن المشكلة الأساسية وحلها في خط الوسط، وهنا، يُفترض أن تظهر قيمة ضم متوسط الميدان الشاب «دي يونج» قادمًا من هولندا، الصفقة التي نالت استحسان الجماهير وبدا أن هناك ثناءً على دور الإدارة في حسم صراعها للجانب الأزرق والأحمر، لاعتقاد الأكثرية في امتلاك اللاعب لجين النسخة المُحببة من الفريق، نسخة كرويف.

لكن، ظاهريًا فإن هذه الصفقة ستجدد الدماء فقط، لكنها لن تحل المعضلة -رقميًا- في خط الوسط، أو، للدقة، لن تضيف جديدًا للأدوار الهجومية للاعبي ذلك الخط في ظل نسخة فالفيردي العقيمة هجوميًا بدون ليونيل ميسي.


لكنكم تُحبون «دي يونج»

لخَّص موقع «ستاتس بومب» مُجمل إحصائيات الهولندي الوافد الجديد للكتلان، في رسمين بيانيين، يُعبر كل منهما عن موسم من الموسمين اللذين سبقا انضمامه إلى صفوف برشلونة. ومن محصلتهما يُستنتج حفاظه على مُعدلات: التمرير، اعتراض الكرة، والتدخلات المباشرة الدفاعية بمعدلات شبه ثابتة، ما يعني أن نقاط قواه تميل للجانب الدفاعي مع قدرات التمرير الأمامي والمراوغة على استحياء، في حين تنعدم -تقريبًا- إسهاماته التهديفية، سواء على مستوى الصناعة أو التمرير أو حتى خلق الفرص بالتمريرات البينية المفاجئة.

إجمالي إحصائيات «دي يونج» عن مجمل نشاطاته بالملعب موسم 2018/2019

وفي ظل وجود مشكلة حقيقية من خط الوسط في هذا الجانب، فإن الصفقة التي لم تغطِّ احتياجات الفريق -ظاهريًا- هي صفقة انضمام دي يونج، وليس جريزمان، إذ سيُعطي الأخير متنفسًا هجوميًا جديدًا في ظل تقديم مهاجم الفريق الأساسي لأحد أسوأ مواسمه على الإطلاق. وبالرغم من وقوع كلا الصفقتين تحت وصف «جلاكتيكوس كتالوني»، لكن بشكلٍ مبدئي، فإن احتياجات «برشلونة – فالفيردي» تتواجد في المهاجم الفرنسي.


الوداع الحتمي

دي يونج، برشلونة، جلاكتيكوس، تشكيلة برشلونة، فالفيردي
ربط بين معدل أعمار لاعبي برشلونة وعدد دقائق اللعب خلال موسم 2018/19

يقدم الرسم البياني السابق ربطًا بين مُعدل أعمار لاعبي فريق برشلونة ومُعدل مشاركاتهم -بالدقائق- خلال موسم 2018/2019، والذي يُظهر أن رأس الحربة «سواريز» هو ثاني أكبر لاعبي الفريق سنًا، وثالث أكثر لاعب من حيث المشاركة، وبغض النظر عن وجود ضرورة حتمية لضم لاعب أصغر سنًا – بعض الشيء – ليكون بديلًا مُتاحًا، ولكن تُظهر أرقام الأوروجوياني كذلك انخفاضًا ملحوظًا وتدريجيًا في نسب مشاركاته في الأهداف خلال المواسم الماضية.

بالنظر للموسم الذي سبق تولي فالفيردي للقيادة الفنية في كتالونيا،شارك سواريز بـ 54 هدفًا عن طريق تسجيل 37 وصناعة 17. انخفض ذلك المُعدل ليصبح 50 هدفًا في الموسم الأول بقيادة الإسباني، ثم انهار إلى 38 هدفًا فقط، سجل من بينهم 25، في أحد أسوأ مواسمه مع فريق برشلونة، موسم 2019.

يمثل ذلك الانخفاض التدريجي عدم تجاوب واضح بين أسلوب وطريقة لويس وبين أسلوب وطريقة مدربه الجديد، فبعد أن كان المهاجم المثالي لحركية خط الهجوم الكتالونية والتي هي أحد أهم أجزاء الكُرة الشاملة التي جاءت مع كرويف، يعيش الآن فترة من التخبط في ظل أسلوب لعب مباشر يعتمد على فرديات عناصره، ويميل إلى الانضباط الدفاعي كانطباع أولي في أغلب الأحيان.

لذا، قد تجد الكثيرين يختلفون حول المركز الذي سيحتله المهاجم الفرنسي فور وصوله، لكن الجميع يعلم في قرارة نفسه أن تهميش وجود سواريز في التشكيلة الأساسية بشكل تدريجي حتى يتم عزله تمامًا سيحدث آجلاً أم عاجلًا، وهو الدور الذي خططت له الإدارة قبل تمام عملية الانتقال بموسم كامل تقريبًا.

تميل الإدارة بالطبع لأهداف تسويقية في الدرجة الأولى، دون الخوض في النقاط التحليلية، إذ كان السعي الأهم هو اختيار طريقة لا تقضي على شريك ميسي الهجومي تسويقيًا، وفي ذات الوقت تُحقق رفع القيمة السوقية للفريق بالكامل، فوقع الاختيار على جريزمان. وباعتياده على القيام بدور المهاجم الوحيد في خطط دفاعية تحت ولاية «سيميوني»، فنحن بانتظار أن تُثبت الأيام القادمة ما إذا كانت الصفقة إحدى الصدف النادرة التي تجمعت فيها الرغبات الجماهيرية مع الرغبات الإدارية مع احتياجات الفريق الفنية، أو أن تُثبت أن نسخة برشلونة – فالفيردي قادرة على رمي أي رؤية فنية أو تحليلية بعرض الحائط، لتحيي الواقعية في سلامٍ إلى الأبد.