إن أي صراع في المستقبل مع إسرائيل سيكون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولن يكون هناك مكان بمنأى عن صواريخ المقاومة ولا عن أقدام المقاومين.

هكذا قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في أحد خطاباته المتلفزة عام 2017، والتي أظهرت قائل هذه الكلمات كمن يمتلك ما يجعله يتسلل إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية. ففي 4 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن جيش الاحتلال يقود عملية تدعى «درع الشمال» لتدمير أنفاق حفرها حزب الله تحت الأرض، تصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقال نتنتياهو إن «عملية درع الشمال ليست محددة بل هي عملية واسعة ولم تنته بعد، وإن ما يظهر الآن منها هو جزء صغير جدًّا للصورة العامة لاستعداد الجيش الإسرائيلي».

وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2018 نشرت دولة الاحتلال الإسرائيلي مقطع فيديو قالت إنه من داخل نفق يبدأ من لبنان وينتهي في الداخل الإسرائيلي، يظهر في الفيديو شخصان وصفهما الاحتلال بأنهما عميلان لحزب الله، كانا يقتربان من روبوت صغير مزود بكاميرا، ومع اقترابها فجّر الروبوت قنبلة صغيرة، كانت هذه بداية عملية عسكرية أطلق عليها جيش الاحتلال درع الشمال، ووصفها بأنها عملية عسكرية شاملة لتحديد وتعطيل الأنفاق الحدودية بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، كما نشر أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيديو وصفه بأنه «توثيق من داخل أحد أنفاق حزب الله».


متى اكتشف الاحتلال أنفاق حزب الله؟

رغم أن حزب الله كشف في مرات عديدة عن وجود أنفاق يستعملها لمواجهة الاحتلال، وأن بعضها يتسع لسيارات وصواريخ بعيدة المدى، كانت قيادة الاحتلال الإسرائيلي تصر على استبعاد وجود هذه الأنفاق، ونفى ضابط الهندسة الرئيسي في سلاح الهندسة بجيش الاحتلال، العقيد أوشري لوجسي، في مقابلة مع الإذاعة العسكرية، وجود أنفاق تبدأ من لبنان وتصل إلى المستوطنات الإسرائيلية.

ولم تستجب سلطات الاحتلال في 2015، لمستوطنين قالوا إنهم يشعرون بأن حزب الله لديه أنفاق تصل إلى الأراضي المحتلة، ولم يكن شعور سكان المستوطنات حينها مجرد تخوفات من تهديدات أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي دعا في أكثر من مناسبة للاستعداد لاحتلال قرى الجليل، لكنهم أيضًا سمعوا أصواتًا تحت الأرض، واعتقدوا أنها ناجمة عن حفر أنفاق تحت منازلهم، ما جعلهم يلجئون إلى التعاقد مع شركات محلية للبحث عن هذه الأنفاق، وهو ما جعل جيش الاحتلال أخيرًا يتحرك، ويقوم بعمليات بحث عديدة، أبرزها عملية بحث في 2015، عملية البحث التي حدثت قبل ساعات من هجوم حزب الله اللبناني على دورية للاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، واستمرت هذه العملية في مستوطنات الجليل الأعلى، لكنها لم تسفر عن نتائج.

وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون أعلن حينها أن حزب الله ليس بحاجة إلى هذه الأنفاق، وأن طبيعة المنطقة تسمح له بالتسلل والدخول إلى إسرائيل، وفي عام 2016 أكد تصريحه السابق مرة أخرى ونفى وجود أنفاق لحزب الله، لكنه عاد في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وبعد اكتشاف 4 أنفاق، ليزعم في تصريح لصحيفة معاريف العبرية أنه كان على علم بوجود أنفاق، لكنه نفى ذلك في 2014 من أجل تضليل حزب الله، ولطمأنة سكان المستوطنات الشمالية.


متى بدأ حزب الله في حفر الأنفاق؟

بدأ حزب الله في الإعداد لمعركته التالية سريعًا، بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من لبنان في عام 2000، ويبدو أنه أنشأ بنية تحتية كاملة ضمت شبكات أنفاق عديدة ومستودعات، وذكرت تقارير صحفية أن تلك الأنفاق قد استخدمت بشكلٍ كبير في حرب عام 2006، بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، والتي اعتبرها حزب الله انتصارًا رغم أنها أسفرت عن سقوط 1191 قتيلًا لبنانيًّا، معظمهم من المدنيين، بينما قتل 121 جنديًّا إسرائيليًّا و44 مدنيًّا، واستمر حزب الله في إطلاق الصواريخ حتى اليوم الأخير من الحرب، فوجدت القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية نفسها في حالة من التخبط.

وعن بداية حفر الأنفاق قال الخبير بالشئون العربية دورون بيسكين للإذاعة الإسرائيلية إنه «منذ عام 2006 هناك كثير من التقارير العلنية في وسائل الإعلام العربية وغيرها، تتحدث عن وجود أنفاق في جنوب لبنان، وحزب الله لم يحاول إخفاء أنه يوسع شبكة أنفاقه، وما هو معروف أنه من جنوب الليطاني وحتى الحدود الإسرائيلية توجد شبكة أنفاق تابعة لحزب الله، ونحن نتحدث عن أنفاق إذا ما قارناها بما يحدث في غزة، فإن الأمر يبدو كلعبة أطفال مقابل ما يوجد لدى حزب الله».

وأضاف بيسكين: «أولًا، وقبل كل شيء، فإن حزب الله هو من جلب أسلوب وتكتيك الأنفاق إلى منطقتنا، وحماس تعلمت هذا الأسلوب من حزب الله، فحزب الله منذ أواسط سنوات التسعينيات يستخدم هذه الأنفاق، أي إن لديه خبرة أكثر من 20 سنة».


هل تشكل الأنفاق خطورةً على الاحتلال؟

أنفق جيش الاحتلال أكثر من 250 مليون دولار منذ عام 2004 وحتى عام 2016، وخصصت الولايات المتحدة الأمريكية 40 مليون دولار في عام 2016 بهدف تأسيس قدرات لتحييد الأنفاق التي تهدد إسرائيل والولايات المتحدة، وفق ما ذكره المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية كريستوفر شيروود.

ففي حال استغل حزب الله هذه الأنفاق العابرة للحدود، سيتمكن من إرسال مقاتلين لمهاجمة الداخل الإسرائيلي، وقد ينتج الهجوم المباغت خسائر فادحة بين صفوف الاحتلال، لا سيما إذا كانت هذه الأنفاق تسمح بمرور معدات ثقيلة وصواريخ طويلة المدى. فقد خضعت أنفاق حزب الله لعمليات تحديث وتطوير لافتين، ولم يعد استخدام الأنفاق مقتصرًا على تخزين الوسائل القتالية فقط، بل باتت مصممة لتكون مراكز سيطرة وتحكم واستيعاب مئات المقاتلين، وبما يشمل خدمات مدنية كمطابخ وحمامات وعيادات طبية.

كانت الأنفاق التي بناها حزب الله في الضاحية، واحدة من أبرز أسباب صموده أمام الاحتلال، كما أن الحزب استعمل الأنفاق لتمويه تحركات حسن نصر الله، حيث تفيد بعض التقارير أن الحزب كان يمد أنفاقًا تصل إلى ما تحت المنبر الذي يخطب منه نصر الله.

ونجح حزب الله في الاستفادة من تجربة الأنفاق التي بدأ الاعتماد عليها في التسعينيات، فقد تمكن من إخفاء مقاتليه وأسلحتهم لفترة ليست قصيرة، كما نجحت تجربة الأنفاق بشكل واضح في حرب يوليو/ تموز 2006، بين حزب الله والاحتلال، وكانت عاملًا مهمًا فيما أُطلق عليه مجزرة الدبابات الإسرائيلية، حيث دمر حزب الله نحو 30 دبابة ميركافا إسرائيلية في يوم واحد، يبلغ وزن الدبابة منها ستين طنًا، ومزودة بثلاث رشاشات ومدفع هاون من عيار 60 ملم وبإمكانها إطلاق قذائف يصل مداها إلى سبعة كيلومترات بواسطة مدفع من عيار 120 ملم، وتجمع في آن واحد قدرة كبيرة على الحركة وحماية شديدة ضد الهجمات الكيميائية.

واتضحت خطورة الأنفاق على دولة الاحتلال أيضًا إبان شنها حربًا ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس، في غزة عام 2014، فقد نجح المحاربون الفلسطينيون في التسلل عبر الأنفاق مرات عدة من غزة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لشن هجمات مفاجئة.


معركة الأنفاق لم تنتهِ بعد

في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلن نتنياهو انتهاء عملية «درع الشمال» بعد تدمير أنفاق حزب الله، على الحدود بين لبنان وإسرائيل. و قال إنه «تم تحييد هذه الأنفاق التي استثمر حزب الله الملايين من أجل إقامتها»، وقالت قوات حفظ السلام الدولية في لبنان (يونيفيل) إن اثنين من الأنفاق التي أعلن عنها تخترق الخط الأزرق.

لكن القصة لم تنتهِ بعد، فمنذ ساعات وتحديدًا في ليلة 27 ديسمبر/كانون الأول أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي تفجير نفق آخر لجماعة حزب الله، تم اكتشافه مقابل بلدة عيتا الشعب الحدودية في جنوب لبنان، وذلك رغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عن انتهاء عملية «درع الشمال»، ثم توعّدت إسرائيل ببناء جدار على الحدود اللبنانية بعد الانتهاء من تدمير كامل أنفاق حزب الله.