هل تتابع قناة سكاي سبورت على يوتيوب؟ حسنًا إذا كانت إجابتك هي لا، فعليك أن تفعل بمجرد الانتهاء من هذا المقال. لماذا؟ بصراحة لأنك تفوِّت على نفسك قدرًا كبيرًا من المتعة. هناك ستجد عددًا لا يحصى من المقاطع لنجوم اللعبة السابقين وهم يتجادلون في أمور أنديتهم بكل حرية. ربما يحتد بعضهم على إدارة ناديه التي لا تنفق المال بشكل صحيح، أو يمازح أحدهم الآخر بذكر ما دار بينهما خلال ديربي مانشستر قبل عشرة أعوام، ولعله أيضًا يطالب بإنهاء التعاقد مع لاعب معين من فريقه بعد مباراة ما. 

تلك الأخيرة فعلها «جاري نيفيل» الموسم الماضي بعد خسارة فريقه من بورنموث برباعية نظيفة، حيث خرج قائد الشياطين الحمر السابق وألقى بالمسئولية كلها على كاهل اللاعبين، ثم تحدث بوضوح عن غياب الانضباط والاحترافية في نفوس بعضهم، وأخيرًا دعا المدرب «جونار سولشاير» للإطاحة بهم لأنهم يعرقلون ما يود القيام به. 

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يتهم فيها «نيفيل» لاعبًا بعدم الاحترافية، بل تمادى بإلصاق التهمة بلاعب محدد، ثم غرد عبر حسابه على تويتر علانية معربًا عن سعادته برحيله عن أسوار النادي. من كان هذا اللاعب؟ إنه المهاجم «روميلو لوكاكو».

«لوكاكو» الذي رفض تلك الاتهامات مع بداية هذا الموسم، وأثبت فعلًا لا قولًا أن مشكلة اليونايتد لا تكمن فيه أبدًا، إنما تكمن في زميل «نيفيل» السابق وإدارة النادي التي لا تزال تثق فيه مدربًا للفريق، بل إن رحيل روميلو ساهم في زيادة أعباء مانشستر بصورة واضحة لا جدال فيها.

من هو روميلو؟

طبعًا لوكاكو لم يقدم أفضل نسخة له مع مانشستر يونايتد، بل على الأرجح قدم النسخة الأسوأ في مسيرته. ولكي نصل للسبب خلف ذلك علينا فهم أمرين هامين للغاية؛ الأول: من هو أصلًا روميلو لوكاكو؟ والثاني: كيف تم توظيفه داخل منظومة لعب الفريق؟

دعنا نبدأ بالأمر الأول، روميلو يمتلك كل مواصفات رأس الحربة، هو مهاجم طويل وضخم وميزته الأهم هي إنهاء الهجمات، سواء من عرضيات أو من خلال كرات بينية تمرر له في ثلث الملعب الأخير. وقد جاوزت دقة تسديداته مع إيفرتون خلال موسم 2016/2017 نسبة 50%، لذلك حل ثانيًا بقائمة هدافي البطولة الإنجليزية مسجلًا 25 هدفًا، من بينهم ضربة جزاء وحيدة، قبل انتقاله لليونايتد مباشرة. 

في الوقت نفسه، روميلو ليس سريعًا، ولا يمكننا وضعه في قائمة أسرع 5 مهاجمين في العالم سواء سابقًا أو حاليًّا. صحيح أن إيفرتون استفاد منه خلال التحولات الهجومية بفضل قدرته على الفوز بالكرات الثنائية، ونجاحه في تجاوز المدافعين في موقف واحد لواحد، لكنه احتاج دومًا لصنَّاع لعب يمدونه بالكرات ومنظومة عمل توفر مجهوده لثلث الملعب الأخير. 

وهذا يحيلنا للأمر الثاني، وهو كيفية توظيف لوكاكو داخل منظومة اليونايتد. لحظة واحدة، أي أسلوب؟! مانشستر يعاني بوضوح منذ بداية موسم 2018/2019 من غياب أي ملامح فنية.

كل ما كان يقوم به مورينيو هو التراجع لوسط ملعبه، والاعتماد على الكرات العالية بهدف اصطيادها وتحويلها لمرتدات تهدد مرمى الخصوم. لم يكن هناك تنظيم دفاعي أو هجومي من الأساس، بل لاعبون يتمترسون حول دي خيا، وآخرون يحاولون الفوز بالثنائيات ثم يمررون لراشفورد ولينجارد المنطلقين في المساحات الفارغة.

لوكاكو البرميل

ترتب على ذلك تراجع شديد في أداء البلجيكي، بل عزله عن مجريات اللعب. وقد بدا ذلك واضحًا خلال مباراة مورينيو الأخيرة مع اليونايتد في مواجهة ليفربول. تخيل أن لوكاكو لمس الكرة 20 مرة فقط خلال المباراة بأكملها، من بينها سبع مرات في وسط ملعب فريقه، وأربع داخل منطقة جزاء «أليسون بيكر»!

على كل حال رحل جوزيه، وأتى سولشاير الذي بدأ عهده بحفنة من التصريحات العاطفية. حيث وعد جماهير اليونايتد بالتغيير، وبعودة شخصية الفريق الهجومية التي غابت خلال الأعوام الماضية. حتى إن البعض بدأ في الربط بينه وبين جوارديولا وزيدان، حين تولى كلاهما مسئولية فريقه دون خبرة سابقة وحصدا نجاحًا كبيرًا، خصوصًا مع النتائج الإيجابية التي حققها جونار في البداية.

لكن بمرور الوقت اكتشفنا أن تلك النتائج لم تكن إلا بسبب حماس البدايات، وأن الرجل لا يمتلك القدرة على تطوير أسلوب لعب قوي، أو رفع كفاءة أحد من لاعبيه. إنما يمكن اختصار عمل سولشاير في الربع الساعة الأولى من المباراة، حيث يطلب من فريقه الضغط بقوة على الخصم بغية خطف هدف يرجح كفة اليونايتد، ومن ثَم العودة بعد ذلك للتحفظ بوسط الملعب، ويستعين فقط بالكرات المرتدة والتحولات الهجومية السريعة. 

لذلك عادت من جديد أزمة لوكاكو مع الفريق، فهو لاعب لا يحظى بالصفات التي تلائم هذا النمط السريع الخاطف، لذا بدأ تأثيره يتضاءل حتى انحصر على الفوز بالكرات الهوائية فقط. وهنا شرع البعض في اتهامه تارة بالتخاذل وتارة بالبطء وتارة بالوزن الزائد، حتى إن بعض الصفحات الجماهيرية لقبته بالبرميل الذي لا فائدة له. 

وكأن روميلو كان صاحب وزن مثالي حين لعب لإيفرتون، أو بإمكانه الركض مثل يوسين بولت، أو أهدر فرصًا تسببت في ضياع صدارة الدوري أو خسارة نهائي دوري الأبطال من مانشستر يونايتد. لوكاكو لم يتغير أبدًا منذ ظهر، المسألة كلها أن اليونايتد هو من تغير وأصبح نادٍ بلا منظومة خططية. 

الوجه الآخر للبرميل

الآن دعني أسألك؛ هل كان لوكاكو عبئًا على اليونايتد كما يحب البعض وصفه؟ وكي تجيب فأنت بحاجة لبعض الإحصائيات الهامة. منها مثلًا ما يخص معدلات ركضه، فهو بالكاد يغطي 8.67 كيلومتر خلال التسعين دقيقة، وهذه فعلًا معدلات ضعيفة؛ تضعه في المرتبة رقم 278 بين لاعبي الدوري الإنجليزي، وطبعًا لا تجعله مناسبًا لقيادة المرتدات. 

في مقابل تلك الإحصائية، هناك حزمة من الإحصائيات تبرز أهمية دور لوكاكو رغم تراجع مستواه بموسم 2018/2019. أولها يتعلق بالتهديف، حيث سجل روميلو هدفًا كل مباراتين بدقة تصويب جاوزت 58%، وجعلته يحتل المركز رقم 9 بين كل لاعبي البريميرليج، وفيهم هدافو البطولة طبعًا. 

لكن ماذا عن عدد الفرص التي استقبلها البلجيكي من زملائه كي يسجل؟ مبدئيًّا عليك أن تعرف أن لوكاكو كان يسجل أكثر من اللازم خلال الموسمين اللذين ارتدى خلالهما قميص مانشستر. مفاجأة، أليس كذلك؟! هذا ما تقوله إحصائيات موقع Skysports، حيث يظهر في الصورة القادمة مؤشران؛ الأول لونه أحمر وهو يشير لأهداف لوكاكو، والثاني أخضر وهو يشير للأهداف المتوقع تسجيلها «Expected goals»، ويبدو واضحًا أن المؤشر الأحمر يتفوق أغلب الوقت. 

إحصائيات لوكاكو خلال موسمين مع مانشستر يونايتد.
/ Skysports

من هنا نستنتج أنه لم يحصل على فرص كبيرة للتسجيل بالشكل الكافي، وهذا جعلنا نفتش عن عدد التمريرات التي يستقبلها المهاجم صاحب الـ 26 عامًا من زملائه، لنصطدم بمفاجأة أكبر وأغرب. حيث وجدنا أن بوجبا أكثر من مرر له الموسم الماضي، وهذا أمر متوقع.

لكن هل يمكنك تخمين من يحل ثانيًا بعد بول؟ ربما راشفورد؟ لا. لعله لينجارد؟ لا. مارسيال؟ هيريرا؟ أشلي يونج؟ لا. إنه دي خيا. نعم حارس المرمى الإسباني ثاني أكثر من يمرر لمهاجم الفريق، هنا نحن لا نتحدث عن غياب منظومة لعب واضحة وحسب، بل نتحدث عن مهزلة.

هذا ليس كل شيء، هناك أيضًا إحصائيات تخص الأدوار الدفاعية والبدنية لروميلو. منها نجاحه في الفوز بـ 54% من تدخلاته الهوائية، و50% من العرقلات على الأرض. أضِف لذلك نجاحه في إتمام 21 تمريرة مفتاحية Key-Pass لزملائه خلال 22 مشاركة بالدوري، أي بمعدل يقترب من تمريرة واحدة/المباراة.

كل ذلك يجعل من تسمية لوكاكو بالعالة مجرد نكتة سخيفة لا معنى لها، لأنه كان يقوم بأكثر مما يجب، حتى في أقل مواسمه على الإطلاق.

تأثير كونتي

لا حاجة لنذكرك أن لوكاكو ليس أفضل مهاجم في العالم، لكنه يمثل إضافة هجومية رائعة لأي فريق لعب له، ورحيله قبل بدء هذا الموسم جرد الشياطين الحمر من رأس الحربة الوحيد في صفوفهم، وبالتالي كان عليهم تعويضه في الميركاتو، لكن يبدو أن سولشاير رأى الاعتماد على راشفورد كافيًا ليصل هجوم مانشستر إلى تلك الحالة المزرية.

تؤكد شبكة Skysports أن رفاق مجواير يعانون بشدة على صعيد إنهاء الهجمات، فمنذ بدء الموسم ومؤشر الأهداف والتسديدات صوب المرمى آخذ في الانخفاض بشدة. هذا بالإضافة لتراجع إجمالي عدد التسديدات التي يطلقها لاعبو الفريق من مناطق خطيرة، في مقابل التسديد من خارج منطقة الجزاء.

وتلك نتيجة طبيعية بعد التخلي عن المهاجم الذي يحظى بدقة التسديد الأعلى بين رفاقه، والوحيد الذي يملك معدلًا يتجاوز 2 تسديدة/المباراة من داخل منطقة الجزاء.  

إحصائيات مانشستر يونايتد على صعيد الأهداف والتسديد.
/ Skysports

ما هو الحل؟ بالتأكيد التعاقد مع رأس حربة خلال الميركاتو الشتوي. الأزمة أنه لا يوجد مهاجم من الطراز الأول متاح حاليًا، لذلك سيلجأ النادي للبحث عن لاعب بجودة أقل. ماريو ماندزوكيتش مثلًا؟ ربما، لكنه بالتأكيد حل قصير المدى نظرًا لعامل السن واللياقة، وسيدخل اليونايتد في صفقة صيفية العام القادم إن أراد منافسة حقيقية على البطولات. 

عمومًا هذا آخر ما يشغل بال روميلو بالوقت الحالي، إذ يعيش فترة متميزة رفقة النيراتزوري، وينافس على لقب هداف البطولة الإيطالية بعدما سجل 9 أهداف بواقع هدف كل مائة دقيقة. بالتأكيد سبب التحول في أداء لوكاكو معروف، وهو أنطونيو كونتي. ليس لأن المدرب الإيطالي راهن عليه وأعاد ثقته في نفسه وحسب، ولكن لأنه طور أسلوب لعب يستوعب إمكانيات لاعبيه وتبدو فيه أدوارهم واضحة.

الإنتر مع كونتي يتميز بشيء أساسي وهو التنظيم، إذ يلعب بالرسم التكتيكي 3/5/2 ويكلف الكرواتي بروزوفيتش بمسئولية الخروج بالكرة وبناء الهجمة، أما الثنائي: أسامواه وكاندريفا فينطلقان بامتداد الخط بهدف توزيع العرضيات، مع مساعدة الثنائي باريلا وسينسي في صناعة اللعب والانطلاق عبر عمق الملعب.  بينما يظل لوكاكو في المقدمة رفقة شريكه الجديد والمتألق أيضًا لوتارو مارتينيز، بحيث يتمركزان بالقرب من بعضهما سواء في الحالة الهجومية أو حين تنفيذ الضغط.

كونتي يعرف جيدًا من هو روميلو، لذا لن يطلب منه الركض بطول الملعب لقيادة التحولات، ولن يكل إليه مهام صناعة اللعب، لكن منحه الفرصة داخل فريق منظم ومحكم، فعادت نسخة لوكاكو القوية مجددًا. هذا هو الدور الحقيقي للمدرب، وليس دغدغة مشاعر الجماهير عبر تصريحات عاطفية لا تسمن ولا تغني من جوع.