في مارس/أذار عام 2002 كنت طفلًا في الثامنة من عمره، أجلس بجانب والدي أشاهد مباراة السوبر الأفريقي بين النادي الأهلي المصري ونادي كايزر تشيفز الجنوب أفريقي. في الدقيقة الخامسة والستين، يحتسب حكم المباراة ركلة حرة مباشرة للنادي الأهلي من أمام منطقة جزاء النادي الأهلي.

يترك وائل جمعة الركلة لعصام الحضري، يلاحظ الحضري تقدم الحارس الجنوب أفريقي عن مرماه ويقرر أن يصوب الكرة من المرمى للمرمى تقريبًا، ثم حدث ما تعلمه بالطبع وصارت واحدة من أبرز لقطات عصام الحضري في تاريخه.

لم يلفت احتفال أبي الجنوني انتباهي بقدر ما شغلني سؤال: ما مدى قانونية تلك اللقطة في كرة القدم؟ هل من حق الحارس التسجيل بالفعل؟ وإذا كان ذلك متاحًا، فما سر قلة من يفعلون ذلك حول العالم؟

مرت الأيام وعلم الطفل أن اللقطة قانونية بنسبة 100%، وأنه بالرغم من أحقية الحراس في القيام بها إلا أن قليلاً منهم من يملك القدرة، وأقل منهم هم من يمتلكون الشجاعة لفعلها.

في الواقع لا أتذكر بدقة ما حدث بعد ذلك المشهد في تطور علاقتي كطفل بقوانين كرة القدم حتى وصلت لمشروعية إحراز حراس المرمى لأهداف، لكني أتذكر بكل دقة تعليق ميمي الشربيني على ذلك الهدف حين قال: «دخل التاريخ عصام الحضري، بيفكرنا بتشيلافيرت».

فلتكن بدايتنا مع الأسطورة الباراجوانية «خوسيه لويس تشيلافيرت»، ومن بعده أسماء تميزت بحس تهديفي عالٍ بالرغم من تعارض ذلك مع طبيعة مركزها.

خوسيه لويس تشيلافيرت

جرت العادة في فرق كرة القدم الكبيرة أن يكون هناك لاعب أو اثنان متخصصان في تسديد الركلات الحرة. يتقبل الجمهور فكرة أن احتمالية إحراز الكرة في المرمى تظل قليلة مهما بلغت دقة تصويب اللاعب، فماذا لو قرر المدرب وآمن الجمهور أن تلك الاحتمالية قابلة للزيادة بشكل كبير مقابل خروج حارس المرمى من مرماه ليسدد الكرة بنفسه؟

هذا تحديدًا ملخص مشوار تشيلافيرت مع كرة القدم، صحيح أن تشيلافيرت قد فاز بجائزة أفضل حارس بالعالم عامي 1995 و 1997 قبل أن تبرز موهبته الفذة في تسديد الركلات الحرة، إلا أن بداية جذب انتباه العالم، خارج حدود الدوري الأرجنتيني وأمريكا الجنوبية، لهذا الاسم قد بدأ مع مونديال 1998 وتحديدًا مباراة الباراجواي وبلغاريا.

في تلك المباراة، خرج تشيلافيرت من مرماه وسدد ركلة حرة مباشرة قوية نجح الحارس البلغاري في التصدي لها، لكن ثمة شيئًا مختلفًا قد شعر به الجمهور حول العالم تجاه تشيلافيرت حينها.

تميزت ركلات تشيلافيرت بالقوة الهائلة والعنف، تمامًا كشخصيته، فمن منا ينسى حادثة بصقه عن قرب بوجه روبيرتو كارلوس وصراعه الممتد مع باليرمو مهاجم بوكا جونيورز الأرجنتيني ومناوشاته وإشاراته الدائمة للفريق الخصم؟

أحرز تشيلافيرت من منتصف الملعب ومن مسافات بعيدة للغاية، بل كانت قدرته واحتمالات تسجيله تقل نسبيًا كلما قربت الركلة من مرمى الخصم واحتاجت أكثر إلى الدقة، سجل الحارس الباراجواني 67 هدفًا خلال مسيرته تربع بهم على عرش هدافي حراس المرمى عبر التاريخ حتى عام 2006 فقط.

ففي عام 2006 ظهر الحارس الأفضل على الإطلاق في تلك المنطقة، وفقًا لرأي المحرر الرياضي البريطاني «جاكوب ستينبيرج»، الأسطورة البرازيلية روجيريو سيني.

روجيريو سيني

في عالمنا العربي، قليلون هم من يتجاوزون نادي المائة في الأهداف، فماذا لو كان من أحرز 131 هدفًا هو حارس مرمى؟

روجيريو سيني، حارس مرمى فريق ساوباولو البرازيلي والمعتزل منذ 4 سنوات بعد مسيرة حافلة بالأهداف، أعلم أنك سئمت قراءة تلك الجملة «مسيرة حافلة بالأهداف» في المقالات الصحفية، لكن دعني أذكرك أننا نتحدث عن «حارس مرمى» وتلك الأهداف التي حفلت بها مسيرته في مرمى الخصم وليست في مرماه!

كنت ألعب مع فريق البنك الذي أعمل به كمهاجم صريح، وفي يوم تغيب مديري والذي كان حارس مرمى فريقي عن المباراة فلعبت مكانه وتألقت في هذا المركز، لكني أعشق إحراز الأهداف حتى اليوم لأنها تشعرني بمتعة خاصة وحنين إلى الماضي.
روجيريو سيني حارس مرمى فريق ساوباولو البرازيلي السابق.

دون أن تقرأ التصريح، يمكنك ملاحظة ذلك بسهولة، ذلك الإتقان للركلات الحرة بدون قوة هائلة والهدوء غير المعتاد من حراس المرمى أثناء ضربات الجزاء حينما يتولون مهمة التصويب، يخبرانك بأن البداية لم تكن أبدًا بين الثلاث خشبات.

نجح سيني في إحراز ركلة جزاء على طريقة بانينكا قبل ذلك في مباراة ساوباولو أمام كورينثيانز قبل ذلك، لو كان هناك تجمع رسمي لحراس المرمى حول العالم لكان سيني هو أول المطرودين منها بالطبع!

لورينت موندي

يعرف أغلبنا دولة غينيا، ونسبة أقل صارت على علم مؤخرًا بالفرق بينها وبين غينيا الاستوائية، وفي النسخ الأخيرة من كأس الأمم الأفريقية ظهرت غينيا بيساو، وإذا كنت تشعر بالحيرة بينهم مثلي، دعني أزيدك من الشعر بيتًا وأخبرك أن هناك نسختين أخريين من غينيا: الأولى هي غينيا الجديدة شمال أستراليا، والثانية هي غينيا الفرنسية التي تقع في أمريكا الجنوبية، وهي موطن الحارس لورينت موندي.

موندي هو حارس مغمور، وأغلب الظن أنك لم تسمع عنه من قبل كما لم تسمع عن بلده التي تشترك في حدودها مع البرازيل، لكن موندي في عام 1989 وفي إحدى مباريات الدوري المحلي بغينيا الفرنسية قام بواحدة من أغرب لقطات حراس المرمى عبر تاريخهم.

قرر موندي في لحظة ما استعارة شخصية صديقك حارس المرمى الذي يقرر في نهاية اللعب الأسبوعي أن يخرج عن مرماه بالكرة، غير مهتم بنداءات زملائه الذين يطلبون الكرة، تنتهي تلك اللقطة عادة بقطع الكرة وقيام أحد مهاجمي الفريق الخصم بإيداع الكرة في المرمى الخالي.

لكن موندي قرر كتابة سيناريو مختلفًا تلك المرة، قطع موندي الكرة من أحد المهاجمين بالقرب من منطقة جزائه وانطلق راكضًا جهة اليمين، مراوغًا 4 مدافعين بطول الملعب كاملًا، حتى وصل لحدود منطقة جزاء الخصم ويطلق تصويبة قوية ودقيقة للغاية سكنت فريق المنافس!

الفيديو الوحيد الذي يوثق ذلك الهدف ذكر أن حارس المرمى الذي قام بتلك المغامرة هو ستانلي مينزو، حارس أياكس أمستردام السابق والذي كان يتمتع بقدرة هائلة على التحكم بالكرة، لكن فريق التحرير في جريدة الجارديان البريطانية قالوا إنها للورينت موندي، وقاموا بالحفاظ على أحد الحراس المغمورين بتاريخ الكرة.