نيك: «حسنًا، دعنا نقول إنك تدافع عن الشوكولاته وأنا أدافع عن الفانيليا. الآن، إذا قلت لك إن «الفانيليا أفضل نكهة آيس كريم» ماذا ستقول؟»

جوي: «لا، إنها الشوكولاته»

نيك: «بالضبط. ولكن لا يمكنك الفوز بهذه الحجة. لذلك، سأسألك: إذًا، تعتقد أن الشوكولاته هو ما يجب أن يكون عليه الآيس كريم، أليس كذلك؟»

جوي: «إنها أفضل نكهة آيس كريم. لن أطلب أي نوع آخر»

نيك: «أوه. إذًا الشوكولاته هي كل شيء بالنسبة لك، أليس كذلك؟»

جوي: «نعم، الشوكولاته هي كل ما أحتاجه»

نيك: «حسنًا، أنا بحاجة إلى أكثر من الشوكولاته. ولذلك أريد ما هو أكثر من الفانيليا. وأعتقد أننا بحاجة إلى الحرية والاختيار عندما يتعلق الأمر بالآيس كريم، وأن هذا يا جوي نايلور، هو تعريف الحرية»

جوي: «ولكن هذا ليس ما نتحدث عنه»

نيك: «آه، ولكن هذا ما أتحدث عنه»

جوي: «ولكن، لم تثبت أن الفانيليا الأفضل»

نيك: «لم أكن بحاجة لذلك. لقد أثبت أنك على خطأ، وإذا كنت مخطئًا، فأنا على حق»

جوي: «لكنك لا تزال لم تقنعن»

نيك: «لأنني لا أسعى لإقناعك. وإنما أسعى لإقناعهم»

يجسد لنا هذا المشهد من فيلم «Thank You For Smoking» الفكر وراء الجماعات التي تحرك الرأي وفقًا لأغراضها الخاصة بتصدير فكرة الاختيار الحر، لكنها في الحقيقة تشيح النظر عن الموضوع الرئيسي، وهو النهج الذي تتبعه جماعات الضغط وأباطرة الصناعات المختلفة، مثل التبغ.

فقد ذهب الملايين ضحية سرطان الثدي، ودفع نحو 330 ألف ضحية للموت المبكر في جنوب أفريقيا من الإيدز ثمن إنكار العلاقة بين السرطان والتدخين وبين الإيدز وفيروس نقص المناعة المكتسبة، مرورًا بإنكار الأدلة حول مقاومة المضادات الحيوية وثقب الأوزون، وحتى الجدل الدائر حول المناخ والاحتباس الحراري، وصولًا بتفشي داء الحصبة من جديد بين أطفال ولاية مينيسوتا الأمريكية بعد دعوات بإيقاف استخدام اللقاحات بزعم ضررها.


التطعيم الحل!

كاريكاتير يوضح طلب توثيق المعلومات العلمية

هذا ما يحدث عندما يتجاهل المرء ما يقوله العلم الحقيقي، كذلك تتدفق المعلومات التي تبثها وسائل الإعلام والمصانع التي تنشر المعلومات المغلوطة؛ حفاظًا على مصالحها بتصدير مخاوف للعامة بالإضرار بالاقتصاد أو خسارة الوظائف وغيرها، مما قد يوقع المرء في فخ تصديق الخرافات والمعلومات المضللة.

وقد يحتم المنطق أن محاربة المعلومات المغلوطة تكون بمزيد من العلم، ففي إحدى التجارب،قدم طبيب نفسي أدلة «ليست حقيقية»، تفيد بعدم بعث المسيح بعد الموت.

إلا أن الأمر أحدث نتائج عكسية؛ فقد ازداد تمسك المشاركين في التجربة بما يعتقدون به. فعندما تقدم معلومات قد تهدد ما يعرفه المرء تتعزز المفاهيم والمعتقدات السابقة لديه، ما يعرف باسم «تأثير الرؤية العكسية للعالم».

تشير هذه التجارب إلى أن النهج الأمثل لمعالجة المشكلة والمعلومات المضللة ليس بمزيد من المعلومات، وإنما لا يستقيم الأمر دون البحث عن جذورها، وهي معتقدات المرء ومواقفه التي تحول دون قبول الأدلة.

لذا عمل علماء النفس منذ ستينات القرن الماضي، وأسفرت دراساتهم عن نظرية أطلقوا عليها «التطعيمأوالتلقيح، أو التحصين Inoculation theory»، وهي تأخذ في معناها طريقة عمل اللقاحات الطبية بتعريض المرء لصورة ضعيفة من الفيروس لإنتاج أجسام مضادة تحمي من انتشار المرض. أي أن محاربة الإنكار العلمي لا تكون بمزيد من الأدلة العلمية، ولكن تكون بتقديم الأساليب الصحيحة للتفكير السليم والفهم الصحي للعلم، وكشف الفجوات في الأدلة المضللة بفهم التقنيات التي يستخدمها المضللون.


خمس تقنيات للتضليل.. فاعرفها

اختبرت النظرية من خلال عديد التجارب والدراسات على مدار نحو نصف قرن. كانت أحدثها دراسة أكدت أن كشف قليل من الحيل المستخدمة في نشر المعلومات الخاطئة للناس يمكنهم من اكتشاف الأساليب التي تستخدمها هذه المعلومات المضللة.

يقول جون كوك، الباحث الرئيس بالدراسة:

فالغاية تبرر الوسيلة عند بعض العلماء الذين خرقوا ميثاق العلم بتزييف الحقائق وإخفائها، وهو ما يرصده كتاب «تجار الشك»، فيكشف لنا الأساليب التي اتبعوها في لي عنق الحقائق بشأن قضايا، مثل التبغ وحتى الاحتباس الحراري.

لذا يكشف لنا علم النفس خمس سمات خلف تقنيات الإنكار، يستخدمها هؤلاء العلماء وغيرهم من «الإنكاريين»، وهي:

  • الاستعانة بخبراء مزيفين ينشرون معلومات غير علمية بجانب التشكيك في مؤهلات الخبراء الحقيقيين ودوافعهم ومدى نزاهتهم، ففي عريضة عالمية للاحتباس الحراري وقعها نحو 31 ألف شخص تفيد بأنه ليس للبشر دور بشأن تغير المناخ، بعكس ما تعارف عليه العلماء في الوسط العلمي إلا أن المثير في الأمر أن نحو 9 من الموقعين لا يمتلكون أي خبرة في الأمر؛ مما يعني أن فقط 0.1% من الموقعين يتمتعون بالخبرة في علوم المناخ.
  • نظريات المؤامرة: والتي كانت السبب في إنكار رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي لمرض الإيدز.
  • دراسات فردية: تسليط الضوء على دراسات تفتقر للمصداقية الكافية وإهمال غيرها مما يتفق عليه المجتمع العلمي.
  • توقعات مستحيلة: المبالغة في طلب نتائج غير الواقعية، وتهويل الشك والثغرات الموجودة في هذه البيانات.
  • سوء تمثيل وجهات النظر المعارضة، واستخدام مغالطات منطقية التي تؤدي إلى استنتاجات خاطئة

وبعض هذه التقنيات قد يتعمد صاحبها استخدامها للخداع أو قد تظهر بشكل لا واعي من خلال الانحيازات، وهي سمة إنسانية طبيعية، فلا يستطيع المرء منا أن يكون منطقيًا تمامًا في جميع أفكاره وأفعاله وميوله.

فنحن أكثر ميلًا لتبني مواقف هؤلاء الذين يتفقون معنا، فعندما يعبر أحدهم عن حسن اختيار آخر في الملابس أو ذائقته الموسيقية، فكأنما يقول إن ذوقك عظيم لأنه ذوقي أيضًا. وبتطبيق ذلك على الخبراء الوهميين، نجد أننا أكثر ميلًا لتبني وجهات النظر التي توافق مواقفنا ونتعاطف معها. لذا تسعى النظرية للتفريق بين هذه الميول والإنكار الذي يسخر تقنيات التضليل لأهداف أخرى.


العقلانية مقابل الحدس

أحد الأمور المدهشة للنظرية هو أننا لم نذكر في الواقع المعلومة المضللة التي كنا نقوم بالتحصين ضدها. لكن شرحنا المغالطة العامة وراء هذه المعلومات المضللة، مثل استخدام خبراء وهميين لإثارة الشك في اتفاق الخبراء حول موضوع علمي. هذا يخبرنا أن شرح تقنيات الإنكار يمكن أن يساعد الناس في كشف محاولات تضليلهم، ومن ثم تحييد التضليل المستغل لتلك التقنيات.

تلعب قدراتنا الإدراكية دورًا في عملية صناعة القرار. فكثير منا قد يكون استنتاجات تجاه بعض القرائن بناء على الحدس الأولي، إلا أن الشاهد هنا هو أخذ برهة وتفعيل حس المنطق لديهم.

ولتوضيح ذلك أدعوك لحل هذه المسألة الرياضية البسيطة. لديك مضرب وكرة، وسعرهما مجتمعان يبلغ 1.1$، إذا أخبرتك أن سعر المضرب يزيد على سعر الكرة بنحو دولار كامل، فكم يكون سعر الكرة؟

إذا أجبت بـ0.1 دولار، فالجانب الحسن هنا أنك واحد من نحو 3500 فرد شملتهم عينة بحثية ضمت طلابًا من ثماني جامعات مرموقة. لكن الجانب الآخر هو أن الإجابة الصحيحة هي 0.05، أعد الحساب مرة أخرى، لتجدها مثل التالي: 1.05$+0.05$=1.1$ .

في أحد أبحاثه،أشار أنتوني ليسيرويتز، مدير مشروع جامعة ييل «التواصل من أجل تغير المناخ» إلى أنه فيما يتعلق بقضية الاحترار العالمي يشعر نحو 18% من الأمريكيين بالانزعاج بشأن هذا الأمر وهي الفئة الأكثر تفاعلًا واهتمامًا بالقضية، فيما لا يشعر نحو 7% أن الأمر يحتاج لإعارته أي اهتمام. إلا أن السؤال الحقيقي التي تطرحه الدراسة هو كيفية الوصول لنحو 75% من الفئات الباقية ،وكيف يمكن تشكيل الرسالة والوسائل اللازمة للوصول لهؤلاء؟

لوحة تقول: خطر بسبب خطأ المعلومات

يتوقف نجاح هذه النظرية على عاملين أساسيين؛ أولهما إثارة شعور المرء بالتهديد تولده الرسالة الموجهة إليه والتي تحمل حجة مغايرة والذي يولد لديه تحديًا وحافزًا لحماية ما يعتقده. وثانيها، التفنيد الاستباقي لشحذ قدرات المرء على تكوين حجج دفاعية وتفنيد الحجج في المستقبل.

يعود كوك ليخبرنا:

يمكن القول إن الطريقة الأكثر فعالية لتنفيذ التحصين عمليًا هي في الفصول الدراسية. فقد وجدت عقود من البحث أن إحدى الوسائل الأقوى لتدريس العلوم هي من خلال (التعلم القائم على الفهم الخاطئ) –ويعرف أيضًا بالتعلم القائم على دراسة علم الجهل
أي تدريس العلوم من خلال معالجة المفاهيم والمعلومات الخاطئة عن العلم بشكل مباشر. وقد انتهجنا طريقتين في الممارسة العملية وهي من خلال دورة مكثفة مفتوحة على الإنترنت حول (إنكار العلوم المناخية) وتستخدم نهج التعلم القائم على سوء الفهم/التحصين مع كتاب جامعي لعلوم المناخ مع تفنيد الأفكار المغلوطة الشائعة حول المناخ.

وهذا النهج يعود بنتائج مثمرة للغاية أعلى من الطرق التقليدية في التدريس، وعندما يتعلم المرء التفرقة بين الشك العلمي والإنكار؛ سيستطيع تحليل الأدلة والخروج باستنتاج أكثر دقة.