تشهد إيرانتظاهراتٍ هي الأضخم منذ احتجاجات عام 2009، التي قام بها الإصلاحيون اعتراضًا على نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز أحمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية آنذاك. اندلعت عدة تظاهرات في مدينة «مشهد» ثاني أكبر المدن الإيرانية، وأحد أهم معاقل رجال الدين المتشددين يوم الخميس قبل الماضي 28 ديسمبر/كانون الأول احتجاجًا على سوء الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، ثم اتخذت التظاهرات طابعًا سياسيًا، وانتقلت إلى العديد من المدن الأخرى، كـ طهران وأصفهان وكرمانشاه. رفع المتظاهرون شعارات «الموت لروحاني» «لا غزة، لا لبنان، روحي فداء إيران» «الموت للديكتاتور» «لا تخافوا لا تخافوا، نحن مع بعضنا البعض» «الموت للغلاء».


تصريحات حكومية واثقة

نشر روحاني عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي أن النقد والاحتجاج حق للشعب، لكنه أسلوب يجب أن تحل به مشاكل البلاد وتحسين حياة الشعب. ولن يقبل أي شخص حدوث تدمير للممتلكات العامة أو الإضرار بالنظام الاجتماعي.

تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية المظاهرات في بداياتها، ولم يدلِ رئيس الجمهورية حسن روحاني بأية تصريحات سوى يوم الاثنين الأول من يناير/كانون الثاني الحالي بعد مرور خمسة أيام على اندلاع هذه المظاهرات. صرح روحاني أثناء اجتماعه مع رؤساء اللجان التخصصية بمجلس الشورى الإسلامي، وفقًا لموقع «خبرگزاري اقتصادي إيران»، أن الاحتجاجات فرصة للحكومة وليست تهديدًا للنظام.
كما نشر روحاني في اليوم ذاته عبر حسابه الرسمي على تويتر: «يتحدث الناس عن وجود مشاكل اقتصادية وفساد وانعدام للشفافية في أداء بعض المؤسسات، ويطالبون بمزيد من توفير مساحة لهم. ليس كل أولئك الذين جاءوا إلى الشوارع قد تم دفعهم من مكان ما. ويجب أن يتم الاهتمام برغبات الشعب ومطالبه».
وفقًا لما نشرته صحيفة «ابتكار» الإصلاحية، فإن روحاني كان قد صرح أثناء اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء، الثالث من يناير/كانون الأول،: «لدينا ثقة كاملة في أمن إيران واستقرارها».
أما عن موقف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية «علي خامنئي»، فقد صرح حسب صحيفة «كيهان» المحسوبة عليه أثناء لقائه الأسبوعي مع عائلات الشهداء يوم الثلاثاء بأن أعداء إيران يستخدمون مجموعة متنوعة من الأدوات، منها: المال، الأسلحة، السياسة، والأجهزة الأمنية، ويتحالفون مع بعضهم البعض من أجل خلق مشكلة للنظام الإسلامي.فيما صرح قائد الحرس الثوري للثورة الإسلامية اللواء «محمد علي جعفري»، وفقًا لـ وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري، بأنه عندما تنتصر دولة ما في منطقة مضطربة ولا تقبل بالسيادة الأمريكية عليها، ولا تولي الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامًا، وتقف بجوار المظلوم ضد الظالم، فإنه من الوارد أن يتم تهديدها، وسوف تستمر هذه التهديدات في الوقت الحاضر والمستقبل أيضًا، لذا يجب علينا أن نكون حكماء دائمًا.
وأضاف: التظاهرات الأخيرة التي شهدتها البلاد لم يزد عدد المحتجين في المحافظة الواحدة عن ألف وخمسمائة شخص، بل لم يزد عدد المحتجين في جميع أنحاء البلاد عن ألف وخمسمائة شخص. وأكد جعفري أن القوات الأمنية تحقق في هذا الأمر في الوقت الحالي، وإذا تأكدوا من ضلوع مسئول سابق (لم يسمّه) في هذه الأحداث، فسوف يتم التعامل معه بالطريقة المناسبة.ووفقًا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية «إيسنا» التابعة للتيار المحافظ، صرح وزير الداخلية الإيرانيعبدالرضا رحماني فضلي، يوم السبت 30 ديسمبر/كانون الأول، بأن الشعب لن يشارك في تجمعات غير قانونية،وأكد أنه إذا كان الناس يعتزمون التجمع، يجب عليهم أن يقدموا طلبًا بذلك، حتى تبحث وزارة الداخلية والمحافظات طلباتهم.ومن ناحية أخرى، أكد «إسحاق جهانغيري»، النائب الأول للرئيس حسن روحاني، يوم الجمعة 29 ديسمبر 2017، أن الأشخاص الذين أشعلوا هذه التظاهرات بالشوارع لن يكملوها، وأنهم سوف يجنون ثمارها. وأضاف أن البعض يستغلون الأوضاع الاقتصادية، فمن الواضح أن وراء هذا الأمر قضايا أخرى ستتم معرفتها بالطبع.كما نشر عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر، يوم الثلاثاء، أن الدفاع عن الحرية ومكافحة العنف هي مسئوليتنا المشتركة. نحن جميعًا نفكر في أمن البلاد، وليس أمن فئة ما، كما أننا نقبل النقد والاحتجاج، وليس الدمار والفوضى.نشر «محسن رضائي»، أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام وقائد الحرس الثوري الأسبق، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تحت وسم «الناس يشكون»: يجب الفصل بين المتظاهرين الذين يعانون من الغلاء، التضخم، وظروف العمل، والمنافقين والمتربصين.ووفقًا لصحيفة «مشرق» التابعة للحرس الثوري الإيراني، صرح رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله جنتي الذي ينتمي إلى التيار المحافظ: «إننا شهدنا في هذه الاضطرابات وجود بعض الأشخاص الفوضويين جنبًا إلى جنب مع المواطنين الذين كانوا يحتجون على المشاكل الاقتصادية، وقد حلوا محل أعداء البلاد، خاصة هؤلاء الذين تدعمهم السلطات الأمريكية. إن هذه الاضطرابات واحدة من ضمن الرذائل الناتجة عن الرذائل الأخرى التي لم يتم التصدي لها، والتي تسببت في حدوث الغلاء والمشاكل الاقتصادية».ومن الجدير بالذكر، أن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي شاهرودي والمحسوب على التيار المحافظ لم يدلِ بأية تصريحات حول هذه المظاهرات. كما لم يدلِ رئيس مجلس الشورى الإسلامي والمنتمي للتيار المحافظ علي لاريجاني وشقيقه رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني بتصريحات حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة الإيرانية.

دفاع إصلاحي متقدم

كتب الناشط الإصلاحي والأستاذ الجامعي بجامعة طهران «صادق زيبا كلام» في تصريحات لجريدة «إيران» المحسوبة على التيار الإصلاحي في بداية اندلاع المظاهرات، يوم السبت الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول، أنه لابد من الاستماع إلى صوت المحتجين. ففي الوضع الراهن، بدلًا من التركيز على توجيه اتهامات إلى الحكومة أو أي جهة أخرى بالتقصير، من الأفضل أن تتم دراسة ومناقشة الآراء المشروعة والعقلانية للمحتجين لمعالجة مخاوف الشعب.وأضاف: «اليوم، وعلى الرغم من الإنجازات الواضحة في العديد من المجالات المختلفة، لا يمكن للمرء أن ينكر عدم وجود مشاكل في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية في البلاد، منها الغلاء الذي أصبح واقعًا ملموسًا يعاني منه الشعب».كما كتب «زيبا كلام» في مقال نشره الموقع الإلكتروني «خبر داغ» الأربعاء الماضي: مما لا شك فيه أن التمسك بالوحدة والتضامن القومي وتعزيزه هما عاملان مهمان دائمًا، إلا أن الحاجة إليهما تبدو ملحة للغاية حيث تعاني بعض المدن بالبلاد من عدم الاستقرار. إن اختلاف وجهات النظر والرؤى سيظل موجودًا دائمًا ولا يعني التمسك بالوحدة والتضامن القومي تجاهل هذه الخلافات، ولكن يجب على المسئولين في هذه المرحلة أن يتناقشوا سويًا حتى يتوصلوا إلى وجهة نظر مشتركة بخصوص هذا الأمر.وأضاف أنه لابد من إيجاد رأي موحد لدى القوى السياسية من أجل مواجهة الأمر وحل هذه المعضلة. للأسف يبدو أن الاحتجاجات الأخيرة في بعض المدن حدثت بسبب عدم وجود هذا التوافق الذي على الأقل لم يتحقق حتى الآن. وأكد ضرورة أن يجلس رؤساء السلطات الثلاث والمسئولون ولو خلف الأبواب المغلقة لمناقشة الأسباب الحقيقية لهذه الاحتجاجات. فيما نشرت جريدة «جهان صنعت» التي تنتمي للتيار الإصلاحي في إحدى افتتاحياتها مقالًا للكاتب «علي دماوندي» يقول: «إن التطورات التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة لا تعد فقط أحد أشكال العنف السياسي، ولكن القضية الرئيسية هي ظهور أعمال الشغب بهذا الشكل». ويرى الكاتب أن أهم الأسباب لاندلاع هذه الاحتجاجات هو رفع سقف توقعات المجتمع من أجل الحصول على تأييد شعبي للاتفاق النووي من ناحية، ومن ناحية أخرى اتباع الحكومة لنهج خاطئ في حل العديد من القضايا والمشاكل الاقتصادية، أعطوا الفرصة خصومهم لاستغلال وسائلهم لتسليط الضوء على هذه القضايا والمشاكل الاقتصادية. كما فشلت الحكومة أيضًا في توضيح إجراءاتها لتحسين اقتصاد البلاد بسبب افتقارها للمعلومات.وصرح المرشح السابق للرئاسة الإيرانية «هاشمي طبا» المحسوب على تيار الاعتدال فيما يتعلق بالشائعات التي يرددها بعض الإصلاحيين بشأن دورة حسن روحاني الرئاسية بأن السيد حسن روحاني هو نفس الشخص الذي ظهر ولم يتغير، وأنه ليس من الصواب أن نتوقع حدوث تقارب مع المحافظين المتشددين، فإن شخصية رئيس الجمهورية كانت دائمًا ذاتها لم تتغير.

استغلال «محافظ» لثورة الشارع

صرح
حجة الإسلام «غلام رضا مصباحي مقدم» الذي ينتمي للتيار المحافظ خلال حواره مع الصحيفة الرقمية «خبر أونلاين» الإصلاحية بأن القول إن أحد المنافسين السياسيين للحكومة هو مَن وراء هذه المظاهرات أمر غير مقبول. فإن الشعب غير راضٍ بالفعل عن أداء الحكومة وخرجوا للشوارع يعبرون عن ذلك. وأعلنوا عن مطالبهم بشكل سلمي من خلال هذه التظاهرات، ويجب على الحكومة أن تفتح لهم الطريق حتى يستطيعوا أن يعبروا عن أنفسهم.
ووفقًا لتقرير وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني الخاص ببيان حزب «مؤتلفة» الإسلامي المحسوب على التيار المحافظ التقليدي حول التظاهرات، أكد البيان ضرورة سرعة استجابة مسئولي الحكومة لمطالب الشعب في حل مشاكلهم. وأنه من حسن الحظ أن المحتجين على الأوضاع الاقتصادية قد فصلوا أنفسهم منذ الساعات الأولى لهذه الاحتجاجات الفوضوية عن مثيري الفتن، وبقي المخربون وحدهم. يجب أن يعاقب مسئولو الأمن والعدالة مثيري الفتن الذين هاجموا المواطنين بالأسلحة، ما أسفر عن سقوط عدد من الشهداء أشد العقاب.

وأضاف البيان أن حزب «مؤتلفة» الإسلامي يدرك جيدًا المرحلة الخطيرة التي تمر بها البلاد، وأنه على الرغم من تقصير إدارة بعض المسئولين الحكوميين في حل مشاكل الشعب، إلا أنه يؤيد بقوة الحكومة وجميع المؤسسات والأجهزة، ولن يسمح للأوباش والمنافقين، وكذلك قوى الاستكبار العالمي بالتشكيك في الحكومة.صرح المرجع الديني آية الله «نوري همداني» الذي ينتمي إلى التيار المحافظ المتشدد في حوار له مع الموقع الإخباري الإصلاحي «خبر أونلاين»: شعبنا ليس ضد النظام، بل إنه يحب هذا النظام المقدس ويحميه مثل عينيه. يعاني الناس من ظروف معيشية صعبة مثل الغلاء والبطالة التي تزداد يومًا بعد يوم، وأصبح الوضع المعيشي للناس مؤلمًا ومأساويًا للغاية، فالخدمات والسلع تزداد تكلفتها يومًا بعد يوم، ومعظم الشعب يعاني من الفقر وسوء المعيشة.