لم تعد كرة القدم تلك المهنة التي تقتصر على الشباب الذين لم يحظوا بتعليم دراسي في صغرهم، فالعديد من لاعبي الجيل الحالي لديهم توجهات مختلفة بعيدة كل البعد عن ميدان كرة القدم ورقعته الخضراء سواء خلال ممارستهم اللعبة أو ما بعد اعتزالهم لها. فبعد انتهاء المشوار الكروي للاعبين يبدأ التفكير ينحصر في المرحلة التي تلي هذه الرحلة الطويلة، فمنهم من يتجه للتدريب والعمل الإداري في الأندية أو الاتحادات الكروية، وبما أن اللعبة لن تتسع لكل هؤلاء للاستمرار في المجال الذي أمضوا فيه ما لا يقل عن عقدين من الزمن؛ لذلك يجد لاعبون آخرون فرصتهم في الوسائل الإعلامية التي تطورت مع الزمن ومنحتهم اللعبة فرصة أخرى الاستمرار فيها كمحللين وصحفيين مختصين في الشأن الكروي، أما آخرون اتجهوا لممارسة نشاطاتهم الخاصة في مشاريع تجارية وسياحية أو ترفيهية.

لكن قلة من اللاعبين اتجهوا من ميادين الرياضة إلى ميادين أكثر صعوبة ومسؤولية كميدان السياسة الذي يعد فيه هامش الخطأ ضئيلًا، ولا مجال فيه لتكرار الهفوات والمخالفات، فالبطاقة الحمراء لن تعيدك إلى الميدان بعد عدة أسابيع كما اعتدت سابقًا في كرة القدم. حديث اليوم لن يكون متعلقًا باستغلال الطبقة السياسية للنجاحات الرياضية واستخدامها كأداة تسعى لإرساء الشرعية، ولن يكون عن آراء وتوجهات بعض الرياضيين المتعلقة بالأنظمة السياسية ومواقفهم الرافضة لبعض السياسات، بل سيكون عن بعض اللاعبين الذين انخرطوا بشكل جدي في عالم السياسة والسياسيين، وعن طموحاتهم الشخصية ورغبتهم في جمع الشهرة والنفوذ في آن معًا، وسنتحدث عن أبرز التفاصيل التي واجهتهم خلال تجاربهم السياسية.


كاخابير كالادزة، ما بين وزارة الدفاع والطاقة

بلا شك أن جميع المهتمين بالشأن الكروي يعرفون بأن اللاعب الجورجي كاخابير كالادزة كان أحد أفراد وزارة الدفاع في الخط الخلفي لنادي ميلان الإيطالي، وتوج معهم سابقًا بلقبين في دوري أبطال أوروبا، لكن ما لا يعرفه كثيرون بأن كالادزة يشغل منصب وزير الطاقة والموارد الطبيعية في دولته جورجيا، بالإضافة لمنصب نائب رئيس الوزراء أيضًا. فبعد اعتزاله في أواخر عام 2011 عندما كان لاعبًا لنادي جنوة الإيطالي، اتجه كالادزة للعمل السياسي وانضم لحزب معارض «جورجيون يحلمون بجورجيا ديمقراطية»، وأصبح عضوًا في البرلمان الجورجي بعد أشهر من اعتزاله، وبعد عدة أشهر تم تعيينه وزيرًا للطاقة ونائبًا لرئيس الوزراء في الوقت ذاته.

«كاخابير كالادزة» لاعب ميلان السابق ووزير الطاقة الجورجي.

بدأ التفكير الجدي بدخول المعترك السياسي بسبب تعرض عائلته لفاجعة كبيرة أودت بحياة أخيه الأصغر ليفان، وكانت رغبته حينذاك بتغيير الواقع السيئ للدولة وأملاً بمستقبل أفضل لها. فبعد أشهر من انتقاله إلى ميلان تعرض ليفان للخطف من قبل شخصين تنكرا بزي الشرطة وطالبوا عائلته بدفع فدية مقدارها 600 ألف دولار، تدخل الرئيس الجورجي في تلك الآونة ووعد الشعب الجورجي وعائلة كالادزة بتجنيد أجهزة الشرطة والاستخبارات لتحديد مكانه وإعادته لعائلته، لكن جهود الدولة لم تكن كبيرة ولم تتمكن من الوصول للخاطفين؛ ولذلك شعرت العائلة باليأس وخيبة الأمل بسبب عدم اهتمام الشرطة بالقضية، وصرح كالادزة فيما بعد عن نيته بأخذ الجنسية الأوكرانية بسبب تراخي الدولة في عملية البحث قبل أن يتراجع عن قراره بسبب محبته للشعب الجورجي وارتباطه الوثيق بالمنتخب.

بدأ كالادزة بالتخطيط لمستقبله في عام 2008 عندما أسس شركته «kala capital» للاستثمار في مجال الطاقة، وامتلكت شركته حصة من الأسهم 45٪ في أكبر شركة للطاقة في جورجيا، وكانت علاقاته السياسية واضحة منذ تلك الفترة حيث كان المدير التنفيذي لشركته أحد رؤساء الوزراء في السابق، وعند ترشيحه لاستلام منصب وزير الطاقة أٌجبِر على بيع حصته في الشركة لتجنب التضارب في المصالح.

في 2008 أيضًا، افتتح كالادزة «Buddha Bar» في كييف وقام بشراء مطعم «Giannino» في مدينة ميلان الذي يُعد أحد أفضل المطاعم في المدينة، وبعد ذلك بعام أصبح كالادزة عضوًا في المجلس التنفيذي لأحد البنوك في جورجيا. ويعتبر اللاعب الجورجي من أنجح السياسيين في جورجيا وعلامة ثابتة في المشهد السياسي هناك، والتوقعات تشير إلى أنه سيصبح زعيمًا لجورجيا في المستقبل.


روماريو، بطل في أعين أطفال البرازيل

يعتبر النجم «روماريو» أحد أبرز نجوم كرة القدم البرازيلية على مر تاريخ كرة القدم في بلاد السامبا، وتعود نجوميته إلى مهارته الكبيرة داخل أرض الملعب والتي أوصلته إلى مسيرة توّجها بعدد من الأهداف فاق الـ 1000 هدف. وما ميز البرازيلي كغيره من أبناء بلده الذين شدوا الرحال إلى أوروبا هربًا من الفقر، هو سلوكهم المختلف عن أقرانهم خلال تجاربهم الجديدة مع الأموال وحياة الرفاهية.

روماريو وبحسب مدربيه كان لديه بعض المشاكل السلوكية، فكان كسولًا لا يرغب بخوض التمرينات لكنه يعرف كيف يؤدي خلال المباريات، وكان يضع شروطه الخاصة كالسهر ليلًا في الحانات عندما كان لاعبًا في فالنسيا، وكان هناك نوع من الغطرسة عند تعامله مع زملائه خلال ظهور المشاكل، لكن كل هذا تغير عندما تحول روماريو للعمل السياسي منذ 7 أعوام، روماريو تحول من شخص متعجرف إلى سياسي يملك لسانًا لاذعًا وحادًا ينتقد الحكومة في كافة المجالات وخاصة الاجتماعية والاقتصادية والرياضية.

لقد كنت متغطرسًا بعض الشيء، كانت هذه طريقتي في التعبير عن شخصيتي، لكن اليوم أنا أدرك أنني سياسي وأبلغ من العمر 50 عامًا، لقد تعلمت أن أكون أفضل مع مرور الوقت، فأنا الآن أتصرف بصورة مختلفة وأتحدث بطريقة أفضل.
روماريو متحدثًا عن شخصيته قبل دخوله المعترك السياسي.

لم يفكر البرازيلي قط في التوجه للعمل السياسي بعد الاعتزال، لكن ما حدث في عام 2005 غيّر حياته للأفضل وجعله يفكر بطريقة مغايرة على حد قوله، فعندما كان ينتظر ولادة طفله السادس تبين أن ابنته إيفي تعاني من متلازمة داون. عند ملاقاته لعائلات وأقارب الأطفال المصابين بهذه المتلازمة اكتشف روماريو بأنه لا يوجد أحد يمثل ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن المجال السياسي، وشهرته كلاعب كرة قدم لم تكن كافية لتغيير الواقع، لذلك فكر في استغلال شعبيته واعتبرها كأداة للحصول على النفوذ والوصول إلى السلطة لمساعدة الأطفال، فقرر الترشح وخوض الانتخابات كنائب عن الحزب الاشتراكي البرازيلي وحقق نجاحًا غير مسبوق بحصوله على 180 ألف صوت في ولاية ريو دي جانيرو.

«روماريو» من داخل الكونجرس البرازيلي.

وكما كان بارعًا في قيادة الهجوم داخل الملعب، لعب روماريو دورًا بارزًا خلال عمله داخل الكونجرس البرازيلي، فكان أحد النقاد الشرسين للحكومة البرازيلية وخاصة في ملفات الفساد والتي ارتبطت بشكل كبير بمونديال 2014، وساهم بشكل أساسي في إصدار قانون يخص الأطفال الفقراء وآخر يخص ذوي الاحتياجات الخاصة.


أردوجان: من دوري الهواة إلى سدة الحكم

يعتبر رئيس جمهورية تركيا الحالي رجب طيب أردوغان أحد أبرز الساسة المشهورين الذين كان لهم صلة بكرة القدم في شبابهم، فلقد كان أردوغان لاعبًا لنادي قاسم باشا الذي يلعب حاليًا في الدرجة الأولى، ولم يكن النادي في تلك الآونة من الأندية المحترفة وكان أردوجان بمثابة لاعب هاو. أتيحت للشاب التركي فرصة الانتقال إلى فنربخشة لكن والده رفض ذلك.

الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» خلال إحدى المباريات مع مشاهير أتراك.

خلال ممارسته لكرة القدم كان لأردوجان نشاطات أخرى ضمن الجامعة التي درس فيها، وهناك بدأت رحلته السياسية تخطو خطواتها الأولى عندما كان عضوًا في اتحاد الوطني للطلبة الأتراك في جامعة مرمرة. وفي منتصف السبعينات استلم رئاسة المنظمة الشبابية لحزب السلامة الوطني الذي تم إغلاقه خلال الانقلاب العسكري في الثمانينات، وهو ما أجبر أردوجان على التوجه للعمل كمحاسب في القطاع الخاص. ويعتبر الرئيس التركي الحالي أن كرة القدم جعلت منه شخصًا أفضل على الصعيد السياسي وكان لها دور بارز في نجاحاته المهنية.

بسبب كرة القدم أصبحت سياسيًا ناضجًا،كرة القدم أكسبتني أشياء كثيرة منها روح العمل مع الفريق والانضباط بالعمل الجماعي.

رجب طيب أردوجان، رئيس الجمهورية التركية.


جورج ويا، ودرس سياسي من العراب

لاعب ميلاني آخر دخل الحياة السياسية بعد ممارسته للعبة، وكأن ليبرلسكوني أثر في هذا التوجه المغاير لكرة القدم، فبعد نهاية مسيرته الكروية واعتزاله في عام 2003، بدأ جورج ويا في التفكير بولوج عالم السياسة بعد انتهاء الحرب الأهلية في بلاده ليبيريا والتي استمرت ما يزيد عن 4 أعوام. حاول ويا حينها استغلال شهرته في ليبيريا الفقيرة ودخل بقوة كمرشح رئاسي في عام 2005، واستطاع تجاوز الرحلة التمهيدية بنجاح، لكنه فشل في التغلب على منافسته إيلين جونسون التي وجهت له ضربات قوية خلال المناظرات الرئاسية جعلت الشعب الليبيري يكف النظر عن شهرة ويا الرياضية والنظر لخبرته السياسية المعدومة مقارنة بخبرتها السياسية الطويلة.

ويا أصبح بعد ذلك ناشطًا وعضوًا في البرلمان كما أصبح رمزًا سياسيًا وإنسانيًا ضد العنف والحرب، ويقول ويا بأن أرسين فينجر هو العراب والناصح الذي أرشده وجلعه يرسم مستقبله، ليس رياضيًا فحسب، بل سياسيًا و اجتماعيًا أيضًا، وحدث ذلك خلال تواجدهما في نادي موناكو الفرنسي في الثمانيانات، حيث تعاقد معه فينجر عندما كان لاعبًا في الكاميرون، ويقول ويا بأن فينجر كان كالشمس التي أنارت حياته؛ لأنه اكتشف من خلاله ومن كلماته بأن هناك حياة اجتماعية ممكنة بين البيض والسود، وكان لفينجر الفضل الكبير في جعله أكثر انفتاحًا وتقبلاً للآخرين. وعند حصول ويا على الكرة الذهبية عام 1995 عندما كان لاعبًا مع ميلان، أهدى الليبيري جائزته للمدرب الفرنسي خلال الحفل لأنه آمن بموهبته منذ البداية وأقنعه بأن العمل الجاد سيوصله للكرة الذهبية في يوم من الأيام.