جيروزاليم بوست: كيف صدرت أوروبا جهاديي داعش كما فعلت مع النازية؟

محتوى مترجم
المصدر	جيروزاليم بوست
التاريخ	2016/10/09
الكاتب	سيث جي فرانتزمان

تلك القصة روتها مجندة سابقة في تنظيم داعش للصحفيين خلال مقابلة، وكانت تتحدث عن الأسرى النساء من الأقلية الإيزيدية.

كانت هذه هي افتتاحية مقال الكاتب الإسرائيلي «سيث جي فرانتزمان»، في صحيفة الجيروزاليم بوست، والتي أشار فيها بأصابع الاتهام إلى أوروبا، في مسئوليتها عن تصدير الجهاديين لتنظيم داعش، ورعايتهم، كما فعلت في السابق مع النازية.

في خريف 2014، تم منح المقاتلين الأجانب – والعديد منهم من أوروبا – الأولوية لاغتصاب النساء اللاتي تم احتجازهن كإماء. النساء اللاتي هربن من الموصل في العراق روين قصصا مماثلة للبي بي سي: «المقاتلون الأجانب يختارون أولًا، ثم يليهم القادة المحليون لداعش».

في الفترة ما بين عامي 2014 و2015، انضم أكثر من 5 آلاف أوروبي لداعش، وارتكبوا جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا والعراق، ولم تتم ملاحقتهم على تلك الجرائم.

وشأنهم شأن النازيين في القرن العشرين، فإن الكثير من المتشددين أوروبيي المولد التحقوا بحماسة للقتل والاغتصاب وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وصدرت بحقهم أحكام متساهلة أو لم تصدر بحقهم أحكام على الإطلاق.

أوروبا، الأرض الخصبة للفاشية، أصبحت مصّدرة للتطرف الإسلامي الذي يهددها ويهدد العالم بأسره.

رجل ألماني (28 عامًا) انضم لتنظيم داعش، عاد لبلاده وأخبر المحققين أنه على الرغم من أنه انضم للتنظيم، إلا أنه كان يقف على الحياد أثناء تنفيذ الإعدامات، وخلص المحققون إلى أن الرجل نأى بنفسه فعليًا عن التنظيم الإرهابي.

ووفقًا لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فإن الرجل كان واحدًا من بين أكثر من 870 ألمانيًا انضموا إلى داعش، وهو أيضًا واحد من بين 290 آخرين عادوا من جرائم إبادة جماعية في العراق وسوريا، ليعيشوا حياة طبيعية في ألمانيا.

المطلوب مننا تعليق المنطق وإصدار الأحكام في كل مرة نقترب فيها من حقيقة أن الدول الأوروبية تُعد أراض خصبة للقتل الجماعي. دعونا نسترجع بعضًا مما قاله مجندون ألمان بالتنظيم.

في تدمر السورية وبعد سقوطها في قبضة داعش عام 2015، قام مسلحون ألمان ومتطوعون أجانب آخرون بالتنظيم بإيقاف الرهائن المذعورين مصطفين، ووفقًا لمقابلة لصحيفة واشنطن بوست، فإن متشددًا إسلاميًا عرفته السجلات الألمانية على أنه نمساوي ويُدعى «محمد محمود»، كان بين أوائل المقاتلين الذين أطلقوا النار على الرهائن.

ثم قام المتطوع الألماني بالانضمام إليهم وتعمير مسدسه وصاح «الله أكبر» ثم أطلق رصاصه صوب الرهائن. تُعد تلك عمليات قتل وإبادة جماعية عمل خلالها المتطوعون الألمان والنمساويون المتحمسون معًا من أجل قتل السكان الأصليين في سوريا، لقد حدث ذلك الأمر من قبل، فقد فعلوا ذلك في بولندا وأوكرانيا وإيطاليا خلال القرن الماضي.

إن عمليات الإعدام الجماعية في تدمر، والتي نفذها بحماس جهاديو داعش الأوروبيون، كانت مماثلة لمجزرة فرقة «آكي» في جزيرة سيفالونيا، والتي قُتِل خلالها 5155 سجين حرب إيطالي من قبل إحدى فرق المشاة الألمانية عام 1943.

الضابط الألماني الذي أدار تنفيذ المجزرة، الجنرال هوبيرت لانز، حُكِم عليه بالسجن 12 عامًا في سجن بمدينة نوريمبيرج الألمانية، لكنه خرج من السجن عام 1951، وعاش حياة جيدة حتى عام 1982، مثلما سيفعل لاحقًا مجرمو داعش الأوروبيين.

في السويد، كشفت بي بي سي عن شبكات الجهاديين التي قادت أكثر من 300 سويدي للانضمام إلى داعش، حيث يقول مراسل البي بي سي: «التقيت مراهقة في قبو منزل في مدينة جوتينبرج، ثان مدن السويد، حيث عادت مؤخرا من الرقة في سوريا، بعد أن قُتِل زوجها أثناء القتال في سبيل الدولة الإسلامية المزعومة».

الانضمام لداعش، شأنه شأن متطوعي الوحدة الوقائية المراهقين الذين انضموا للنازية في ثلاثينيات القرن الماضي، بدا أمرًا جذابًا، هم كانوا أيضًا يرغبون في أن يكونوا شهداء وأن يجدوا الوسيلة الأسرع للموت والذهاب إلى الجنة، وشاركوا في جرائم الإبادة الجماعية.

وتسترجع السيدة السويدية بعض من الأهوال التي شهدتها في الرقة، والتي من بينها أصوات النساء الإيزيديات، اللاتي كن يتعرضن للاغتصاب في الغرفة المقابلة لها، وتعرض المخالفات منهن للأوامر للضرب بالسياط والإعدام.

تلك الأمور ليست مجرد أهوال شهدتها السيدة، لكنها شاركت فيها، فمثل العديد من الجهاديين الأوروبيين، لم تذكر تلك السيدة على الأرجح دورها ودور زوجها في الاغتصاب والإبادة الجماعية بحق المواطنين الإيزيديين.

الكثير من الأوروبيين الذين خدموا في الجيش الألماني إبان الحرب العالمية الثانية تم تبييض سجلاتهم بالمثل.

«كورت فالدهيم»، الذي أصبح رئيسا للنمسا وأمينًا عاما للأمم المتحدة، سعى لإخفاء فترة خدمته في الجيش مع الألمان ويوغسلافيا واليونان.

عندما كان فالدهيم في ألمانيا، كان مرابطًا بالقرب من نقطة المغادرة لمعسكر أوشفيتز للأقلية اليهودية بسالونيك اليونانية، واعترف باقترافه أخطاء في خطاب نُشر بعد وفاته، لكنه لم يعترف على الإطلاق بما كان يعلمه في الهولوكوست.

ووجهت بي بي سي إلى رجل شرطة سويدي في مدينة جوتينبرج سؤالًا حول ماحدث لاحقًا لمئات السويديين الذين ساعدوا في عمليات الإبادة الجماعية في سوريا والعراق، ورد قائلًا: «يُقدر عدد المنضمين السويديين إلى داعش بـ 311 شخصًا، لكن لم يتم القبض على أي من الذين عادوا منهم».

وأضاف: «قانون الإرهاب في السويد لا يعمل جيدًا بالدرجة الكافية، لذا فهم يرتكبون جرائم إبادة جماعية وقتل جماعي واغتصاب، لقد استمتعوا بوقتهم كغزاة معاصرين في سوريا والعراق، ثم عادوا إلى السويد ولم يتم اعتقال أي منهم».

الأمر نفسه ينطبق على 200 متطوع سويدي عملوا في وحدات «إس إس» (الوحدة الوقائية)[1] النازية إبان أربعينيات القرن الماضي، مثل هانز جوستا بيهرسون، الذي عمل مع الوحدات الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية.

في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن السلطات في الدنمارك، التي خرج منها المزيد من المقاتلين الأجانب أكثر من أي مكان آخر، قررت مكافأة مواطنين على جرائمهم.

وأوضحت الصحيفة أن المسئولين هناك يقدمون استشارات نفسية مجانية ويقومون بإيجاد وظائف للعائدين من سوريا والعراق ويوجدون لهم أماكن في المدارس والمستشفيات.

وجاء ذلك بعد شهرين من مقتل آلاف من الإيزيديين وإلقاءهم في مقابر جماعية، وبيع آلاف النساء من أجل الاغتصاب الجماعي.

وفي مقابلة مع مواطن دنماركي، قال: «إنه سافر في البداية إلى سوريا من أجل القتال إلى جانب جماعة أحرار الشام التابعة للمعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، وفي نهاية المطاف كان تنظيم داعش جذابًا بشكل أكبر له».

وأضاف: «لا يمكنك تصديق كل شيء تسمعه عن داعش، ربما تكون هناك أشياء سيئة لكن هناك أشياء جيدة أيضًا».

ذلك الرجل، الذي رأى أشياء جيدة في عمليات القتل الجماعي واغتصاب المواطنين في العراق وسوريا، تلقى مساعدة لتسديد الضرائب من أجل الالتحاق بكلية الهندسة.

إن مصير المتطوعين الدنماركيين بتنظيم داعش متشابه مع مصير 6 آلاف دنماركي أو أكثر انضموا للوحدات الموالية للنازيين خلال الهولوكوست. البعض من هؤلاء انضم لفرقة البانزرجرينادير في نوردلاند وفيلق شالبورج وسلاح المشاة الدنماركي والدفاع الشعبي الدنماركي، وجميعهم كان يدعمون النازيين.

بعض هؤلاء الدنماركيين، مثل كريستيان بيدير كروسينج، الذي خدم في الوحدة الوقائية، حصل على أحكام بالسجن لمدة 4 سنوات أو أقل.

لقد زاد عدم اهتمام القارة الأوروبية بالأمر، حيث انضم أكثر من 5 آلاف مواطن أوروبي إلى داعش في الفترة ما بين عامي 2014 و2016، والبعض منهم يأتي ويذهب من سوريا والعراق عدة مرات وأيديهم ملطخة بالدماء. يُعد ذلك جزءا من الإنكار على مستوى القارة لحقيقة لا تزال موجودة منذ الهولوكوست.

هناك أيضًا عدم رغبة داخل أوروبا في أن يكون هناك نظام قضائي مخصص لمعاقبة المخالفين، وهناك عدم رغبة أيضا في احتواء الغضب الناجم عن جرائم الإبادة الجماعية التي ينفذها تنظيم داعش.

لقد ارتكبت الكثير من الدول الأوروبية جرائم إبان العصر الاستعماري، ثم ذهبت بعيدًا عن المستعمرات متظاهرة أن شيئًا لم يحدث، فضلًا عن أن عدم قدرتهم على مواجهة التاريخ أضرت بالبيروقراطيين الأوروبيين.

في الوقت الذي يقوم فيه مسئولو الاتحاد الأوروبي بتحريك أصابعهم تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن مثل الفلبين، يرفضون معالجة المشكلة داخليًا، فالقارة الأوروبية لم تصبح فقط أرضًا خصبة لنازية جديدة، وهي الجهادية الإسلامية، بل أصبحت مُصّدرة للقتل والإبادة الجماعية، أكثر مما كانت عليه في الفترة ما بين عامي 1939 و1945.

بعد الهولوكوست، حاول الحلفاء تطبيق العدالة من خلال محاكمات جرائم الحرب، لكن في يومنا هذا لن تقوم القوى الغربية بمحاكمة أفراد تنظيم داعش لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، لأن الجزء الأكبر من الدول الغربية مسئول عن تعليم وتمكين داعش من ارتكاب جرائم الإبادة والجماعية.

صحيفة التليجراف البريطانية زعمت أن أنجم تشودري الداعية البريطاني السجين له صلات بـ 500 جهادي بريطاني يقاتلون إلى جانب تنظيم داعش.

هناك أدلة وافرة على أن تركيا قامت بعد عام 2015 بإيقاف وترحيل عدد كبير من الإرهابيين الذين تربوا في أوروبا، وكانوا يسعون للانضمام لداعش، مثل عادل كيرميش الذي قام بقطع رأس كاهن نورماندي، وإبراهيم البكراوي أحد منفذي هجمات بروكسل، إلا أن الدول الأوروبية تركتهم يتجولون بحرية حتى قاموا بقتل أبرياء.

لقد استخدم عناصر داعش خوادم الإنترنت وغرف المحادثات ووسائل التواصل الاجتماعي الأوروبية والغربية لترتيب المتطوعين وحتى لمحاولة بيع النساء، حيث قام بعض منهم بعرض النساء للبيع على تطبيق واتس آب مقابل 3700 دولار، وعلى تطبيق المراسلة تليجرام، حيث تم عرض عذراء تبلغ من العمر 12 عامًا للبيع.

أبو أسد الألماني وهو عنصر ألماني في تنظيم داعش نشر صورة لنساء للبيع مقابل 8 آلاف دولار في مايو/أيار الماضي 2016. العجيب في الأمر، أن أحدًا في أوروبا لم يتهم هؤلاء بارتكاب جرائم الإنسانية، على العكس فقد تفاخروا بجرائمهم.

ينبغي على الدول الأوروبية إعادة التأكيد على أخلاقياتها والبدء في محاكمات جرائم حرب لأعضاء تنظيم داعش، وينبغي عليها أيضا إنهاء أعذارها بعدم استطاعتها إيقاف مواطنيها عن الرحيل أو العودة. في العديد من الحالات، قامت خدمات الاستخبارات بتعقب تحركات عناصر تنظيم داعش.

إذا كانت الدول الأوروبية تريد إنهاء إنكارها لدورها في جرائم الإبادة الجماعية في العراق وسوريا، وتجنب الإرهاب الذي يعود بشكل متزايد لأوروبا، وينبع من شبكات داخلية، فعليها فرض عقوبات صارمة وألا تتسامح مع التطرف والتعصب الإسلامي.