حينما تنظر إلى ميركاتو النادي المصري البورسعيدي التاريخي الذي دخل به الدوري المصري لموسم 2022-2023، وحينما تجد حلولًا جذرية لمشكلات كادت تكلف النادي 3 فترات قيد على الأقل، ثم بعد ذلك تجد مشكلة الملعب التي لم تحل من 2012 يحدث فيها تغيير جذري ولو بالكلام، فإنك تستطيع أن تلمس بالتأكيد دخول طرف قوي في المعادلة يتمثل في «المستر» كامل أبو علي، كما يحب البورسعيدية والإعلام أن يطلقوا عليه.

كامل أبو علي رجل أعمال مصري له باع واسع في قطاعات السياحة والشركات متعددة المجالات، يرأس شركة «الباتروس» الشهيرة للإنتاج الفني وأشرف على إنتاج أفلام عالقة في الوعي المصري مثل «أبو العربي» الذي يحكي قصة شاب بورسعيدي خرج إلى اليونان وعاد إلى بورسعيد ليقابل حب عمره «مهجة» فيما قيل إنه مستوحى من قصة أبو علي الحقيقي.

ذلك أن أبو علي، المولود عام 1954، غادر مصر بعمر 20 عامًا إلى سويسرا شأنه شأن عديد من شباب بورسعيد الذين يعرفون طريق الهجرة جيدًا، بدأ مشوارًا عصاميًا من خانة العمل في مطعم حتى بات رجل أعمال كبيرًا، وأسس مجموعة شركات ضخمة تعمل في مجال السياحة، وطرق أبواب الرياضة من خلال ملكية أسهم في نادي نيوشاتل تزامنًا مع فترة وجود التوأم حسام وإبراهيم حسن في النادي السويسري.

ولأنه دائمًا يحب عنوان «عودة كامل أبو علي إلى.. » وضع بعد «إلى» أي شيء يناسب المرحلة، فإن أبو علي عاد إلى مصر لإقامة مشروعاته السياحية بها، وكانت نقطة تمركزه ونفوذه الكبرى سياحيًا هي الغردقة ولا تزال، والحق أن الرجل ناجح للغاية بالورقة والقلم في هذا المجال، وأن نسبة لا يستهان بها من الفنادق المرموقة في مدن السياحة المصرية تنسب دائمًا في طور تأسيسها الأول لأبو علي، وأن البنية التحتية التي دشنها في تلك المدن هي الأساس الذي جعلها فيما بعد مدن سياحة عالمية تجذب السياح ورواد صناعة السياحة في العالم إلى مصر.

دخوله لعالم الفن فتح له آفاقًا مختلفة، شركة «الباتروس» للإنتاج الفني من الأسماء التي توهجت مطلع القرن الحادي والعشرين بحفنة من الأفلام التي يتذكرها الجمهور المصري دون حاجة إلى حصرها جميعًا.

رئيس إنفانتينو

هاني أبو ريدة عضو اللجنتين التنفيذيتين للاتحادين الإفريقي والدولي لكرة القدم قال إن رئيس «فيفا» الحالي، السويسري جياني إنفانتينو، سبق له العمل في إحدى شركات كامل أبو علي بسويسرا.

وظيفة لم يحددها أبو ريدة ولكنها تفتح الباب على مصراعيه أمام شلال من الاحتمالات التي حسمها كامل أبو علي نفسه بتصريحات لصحيفة «اليوم السابع» حول أن إنفانتينو بالفعل عمل معه في إحدى شركاته بسويسرا، ضمن فريق مكون من 300 شخص، وإنه أظهر علامات النبوغ والتفوق منذ بداياته، معبرًا عن سعادته بـ«وصول إنفانتينو إلى قمة الكرة العالمية» ومتمنيًا له التوفيق.

بعد أن عاد إلى مصر، كان لا بد أن يبحث عن ظهير شعبي كبير يستند إليه بخلاف مجتمع المستثمرين، شخص بطموح أبو علي يحب دائمًا أن يلتصق بفئة شعبية كبيرة وهو أمر يسهل استنتاجه، ويسهل استنتاج الخطوات التي بدأ اتخاذها حيال هذا الأمر.

الفتى الذي خرج من مدينته بورسعيد ومصر كلها بعمر 20 عامًا، وعاد إليها بعمر 40 عامًا تقريبًا، يعرف أن إنجازًا محليًا مع النادي المصري سيعني أن بورسعيد كلها ستؤدي له فروض الولاء، لا تستهن بهذا في حسبة رجل يعرف أنه سيصادق كثيرًا ويعادي أكثر، ذلك «الظهر الشعبي» سيستند إليه يومًا ما، وسيخرجه من أزمات عديدة.

تولى أبو علي رئاسة المصري في 1997 بالتعيين، عرف كيف ينسب إليه تكوين فريق المصري الذي توج بكأس مصر في فبراير 1998، وبعد أن انتهت مدة تعيينه كان داعمًا دائمًا لفريق المصري بسخاء، محافظًا على الصورة الشعبية المحببة له، الرجل الخلوق قليل الكلام كثير المال سخي الإنفاق. ما أجملها صورة لو اقترنت بالنجاح الساحق في حياته العملية.

«الشعب يريد كامل أبو علي»

في 2011، عاد أبو علي معينًا لرئاسة المصري البورسعيدي، لا يمكن بالتأكيد أن تنفصل تلك التعيينات عن نفوذ هاني أبو ريدة «بلديات» أبو علي في الاتحادين المصري والإفريقي لأكثر من 20 عامًا، ورغبة أبو علي في ضمان الظهير الشعبي باللحظات الحالكة، وكم كانت مصر حالكة على أي رجل أعمال في 2011.

لوح بالاستقالة من منصبه بل واتخذ القرار بالفعل، وخرج مع مدحت شلبي في لقاء تلفزيوني من أيام الزمن الجميل على قنوات «مودرن» ليفاجئه المراسل البورسعيدي الأشهر محمد غندر بتقرير ناري من بورسعيد كتب في عنوانه على صدر الشاشة «الشعب يريد كامل أبو علي».

وبالمفاجأة أيضًا، يقوم محمد نصر بقسمة الشاشة بحيث تظهر دموع أبو علي وهو يشاهد الجماهير تندفع مطالبة إياه بعدم التنحي، و«بمحض الصدفة» أيضًا يطالب مدحت شلبي ضيفه بالبقاء في منصبه لعام إضافي كي يقابل «حب الناس» برد الفعل المناسب له، و«دون ترتيب» وبعد أن سمع جملته المفضلة وهي «عد يا أبو علي» يعود ابن بورسعيد البار عن قراره ويكمل مسيرته في صفوف النادي. يا له من مشهد!

ظل كل شيء على ما يرام حتى أتت اللحظة التي تورط فيها أبو علي في ما لم يكن يحسب له حسبانًا. وجد الرجل نفسه متورطًا بشكل ما في مذبحة بورسعيد التي استضافها ناديه، التي راح ضحيتها 74 مشجعًا للأهلي، فما كان منه إلا تقديم استقالته والتفرغ لمشروعاته ورأى في ذلك أسلم حل لتلك الموجة التي لا يمكن مواجهتها. امتلك أبو علي من الخبرة ما جعله يعرف أن تلك موجة يجب أن يطأطئ لها.

لكن غضب الأهلي، الذي يقول أبو علي إنه أحد مشجعيه، كان كبيرًا على بورسعيد عمومًا والمصري خصوصًا. وغضب الأهلي يجلب بالتبعية تدابير مختلفة من الدولة وأجهزتها التي لا تستعد أبدًا لمعاداة معظم شعب مصر الذي يشجع الأهلي، وبالتالي واجه أبو علي مشكلات استثمارية ربما تكون غير مسبوقة له.

بدأ يغلق مشاريع له في مصر، اعتمد المغرب كنقطة ارتكاز لمسيرته في عالم السياحة، وأعلن أنها هي من قدره كمنتج سينمائي وامتعض من عدم استدعائه لمهرجان القاهرة السينمائي في أي نسخة ورغم كل ما قاله عن الإخوان وحكمهم من مساوئ، فإنه لم يتنازل أبدًا عن آرائه في ما يتعلق بتعامل المسؤولين عن السياحة في مصر مع المستثمرين عمومًا ومعه خصوصًا.

مع استقرار أبو علي واستتباب الأمور في مصر بشكل عام وعودة السياحة بشكل نسبي لمعدلاتها السابقة، كان لا بد أن يركز على مدن جنوب سيناء على وجه التحديد التي أولاها اهتمامًا كبيرًا من ناحية المشاريع، والحق أن مشاريع الرجل لم تتوقف أبدًا حتى في أكثر فترات انتقاده لسلوكيات المسؤولين عن السياحة في مصر، ولكن الأمور استقرت بشكل ما، وكان بين الحين والآخر حريصًا على إظهار الجانب الرياضي لديه للشعب، باستدعاء سيرجيو راموس إلى الغردقة تارة وتكريم والدة كريستيانو رونالدو تارة مع دعم ظل مستمرًا للمصري البورسعيدي.

لكن فكرة «عودة أبو علي» ظلت تشغله، يبدو أنه مهد كل الطرق كي يعود إلى المصري، ولكن حدث مرة أخرى ما لم يكن في الحسبان!

نجله هيثم، يسير عكس الاتجاه بسرعة جنونية في الغردقة، يصطدم بسيارة «أوبر» كانت تحمل مهندسة شابة فيرديها قتيلة، يتهم بالشروع في القتل وتضبط معه مخدرات وينفجر الرأي العام حول ابن الملياردير المصري الذي يدهس البشر بسيارته.

لم يكن أحد يتوقع أن يخرج الفتى منها، صدر له حكم بالبراءة رغم كل ذلك، حكم طعن عليه النائب العام بعد جهود حثيثة لإثبات أن هيثم سويسري الجنسية ولا يستطيع الحديث بالعربية، وإن عدم وعيه كان السبب وراء الحادث في محاولة لتخفيف الحكم الذي ينتظره إن تحققت العقوبة في تهمة الشروع بالقتل.

حكم بالسجن عامًا واحدًا بعد ذلك، وطعن على الحكم، ولكن الأمر استتبع فوضى لم يكن أبو علي يحسب لها حسابًا من جديد، وهنا لابد من «الظهير الشعبي».

من جديد «عودة كامل أبو علي»

يعود الرجل إلى المصري البورسعيدي عودة الفاتحين، نادٍ مديون معرض للإيقاف 3 فترات قيد بسبب عدم دفع مستحقات مدربه السابق معين الشعباني، يواجه مشاكل كثيرة في التنقل والسفر بسبب عدم إقامة مبارياته على ملعب بورسعيد منذ المذبحة، يواجه مشاكل كروية وترنحًا في المستوى، وضعية مثالية لبطولة أبو علي.

يبدأ الأمر بميركاتو ناري، مشاريع طموحة منها خط إنتاج زجاجات مياه تحمل اسم النادي المصري، تعاقد مع شركات دعائية على أعلى مستوى، رعاية خليجية لقميص الفريق الجديد، بدء خطوات فعلية في مشروع الاستاد.

سدّ أبو علي من جيبه الخاص كل مقدمات عقود الصفقات الجديدة، حل مشكلة الشعباني، والأدهى من كل ذلك أنه يتخذ خطوات من تحت الطاولة لإعادة العلاقة مع الأهلي.

قبل أن يعود إلى المصري رئيسًا، عرض على الأهلي دفع غرامة محمود كهربا للزمالك سرًا ونفاها مجلس الإدارة في العلن، وأقسم رئيس سموحة فرج عامر أنه تحدث مع أشرف بن شرقي قبل رحيله إلى الزمالك وعرض عليه 300 ألف دولار لتسهيل توقيعه مع الأهلي.

اتفق مع هيئة قناة السويس على استضافة الملعب الجديد الخاص بها مباريات المصري، هذه نقلة نوعية منذ 2012 ليس فقط على مستوى الملعب، بل على مستوى الكيلومترات التي كان يقطعها اللاعبون أسبوعيًا وأحيانًا نصف أسبوعيًا، من أجل خوض المباريات على ملعب برج العرب.

حين لم تتم الموافقة الأمنية على ما أبرمه أبو علي، لوح بالاستقالة وأشعل الكرة المصرية قبل أن يعدل عن قراره لأنه «رجل دولة»، يمكنك أن تفهم الآن أنه بات بطل بورسعيد، وتلك هي الوضعية الشعبية التي يريدها دائمًا.

ربط كل الخيوط ببعضها يجعلك تدرك أن الرجل يستمد قوته في مصر بخلاف ماله، من الظهير الجماهيري البورسعيدي على وجه التحديد، وأنه بعد أن تخلى عنه الوسط الفني وضايقته تصرفات المسؤولين عن السياحة في مصر، وجد أحضان الحنان في المصري البورسعيدي التي تحب دائمًا أن تطالب بـ«عودة كامل أبو علي».

والآن يمكن أن تنصرف عناوين الأخبار قليلًا عن نجله السويسري والمهندسة القتيلة، جائزة تستحق كل هذا الإنفاق الذي يبذله الرجل بسخاء.