لا جديد يذكر ولا قديم يعاد، سيناريو متكرر عشناه العام الماضي في إحدى جولات الموسم المنصرم، واختبرناه مرة أخرى هذه الليلة، خسارة متوقعة ومستحقة لأرسنال الذي ظهر فاقدًا للروح والعزيمة والتنظيم رغم الدافع المعنوي بعودة نجمه الأول سانشيز من الإصابة، وانتصار أكثر من مبهر للريدز بعد عرض يمكن وصفه بكامل الأوصاف، وأكمل فيه ليفربول نشوة الفرحة بعد تأهل الفريق إلى دور المجموعات في دوري الأبطال.

مباراة حملت في طياتها القليل من الشفقة على أداء هزيل وبليد من المدفعجية المعطلة والمهترئة لكتيبة أرسين فينجر، الفرنسي الذي ربما ما زال يجلس على كرسيه في أنفيلد يفكر في حل استثنائي لمشكلة استعصى عليه حلها رغم معرفة الجميع بالطريق الأنسب لحلها. وعلى الكفة المقابلة كان هناك الكثير من الحماس والإثارة من مدرب حالم وطموح محب للصخب ويحاول تطوير نفسه للأفضل بشكل دائم، وهذا ما ظهر من خلال اختياراته وتعاقداته التي تحقق ما يرغب به الألماني حتى الآن.


ما قبل المواجهة

في الأيام التي سبقت انطلاق المباراة، كانت هناك العديد من الأمور المهمة التي ستحدد الشكل النهائي لها، في ليفربول هناك هاجس مزعج حول مستقبل كوتينيو ورحيله المحتمل إلى برشلونة، بالمقابل هناك بعض الشكوك حول رغبة سانشيز بإكمال عقده مع الجانرز حتى نهايته في الموسم الحالي.

ليفربول أزال بعضًا من هذه الريبة بعد تأهله إلى دوري المجموعات من دوري الأبطال على حساب هوفنهايم رغم غياب النجم البرازيلي، وأرسنال أعلن عن استمرار سانشيز وجاهزيته للمشاركة في مباراة الأنفيلد من البداية، مما يعني أن ليفربول يسير بخطا واثقة رغم غياب كوتينيو، وأن أرسنال حسم مسألة بقاء سانشيز في ملعب الإمارات حتى آخر يوم في عقده بعد قبوله بالمشاركة قبل أيام من إغلاق أبواب سوق الانتقالات.

أليكسيس سانشيز (يمين) – فيليب كوتينيو (يسار)

كلوب أظهر بعض الثقة بلاعبيه وبالأداء المقدم من قبلهم داخل الرقعة الخضراء، وطالبهم بعدم الإفراط والمبالغة في إظهار الثقة بالنفس، وفينجر اكتفى بالتغني بلاعبيه رغم بدايته المتعثرة في الدوري، وأعلن بشكل ضمني إقفال باب التعاقدات الصيفية وعدم سعيه لتطوير وتقوية دكة الفريق بعد تصريحه عن إنهاء اهتماماته بليمار جناح موناكو الفرنسي. فكانت القمة مناسبة لتعزيز الثقة المكتسبة لدى عناصر ليفربول بعد التأهل، ولدحر كافة الشكوك حول موسم أرسنال بشقيه الفني والنفسي.


روتين القمم

كما عودنا الألماني، دخل يورجن كلوب المباراة بخطته المفضلة واستمر باعتماد ذات العناصر مع تغيير وحيد باعتماده على الحارس الألماني كاريوس في حراسة المرمى بدلًا من البلجيكي مينوليه، أما فينجر كما كل قمة وفي كل موعد منتظر من قبل جماهيره لإصلاح الأخطاء السابقة، إلا أنه يكرر الخطأ الفادح ذاته بتغيير بعض الأفكار وبعدم اعتماده على التشكيل الأقوى لديه، الفرنسي يفضل دائمًا ترك بعض الأوراق الرابحة بيديه كما يعتقد، إلا أنه يدخل المواعيد الكبرى، وكأنه يسعى لإثبات فكرة أن هذه التشكيلة ليست الأفضل، لكن رغم ذلك يجب عليه التأكد.

تشكيلة الفريقين من موقع Whoscored

في الخط الخلفي، فضل فينجر إراحة مدافعه الألماني موستافي وظهيره الجديد كولاسيناك منذ البداية، والاعتماد على تشامبرلاين وبيليرين على الأطراف، ومنذ بداية الشوط الأول وحتى إعلان الحكم نهايته، بقيت أحداثه مرتبطة باختيارات فينجر في الخط الدفاعي.

الفرنسي لم يدرك أن قوة ليفربول تكمن في أجنحته الهجومية رغم معرفة الجميع بذلك، ولم يدرك أن الطريقة الأفضل لشل العصب الرئيسي المحرك للريدز هي عدم ترك المساحات على الأطراف، ورغم ذلك قرر فينجر اعتماد على أظهرة هجومية تترك خلفها الكثير من المساحات التي يفضلها كلوب ولاعبوه أصحاب السرعة العالية.

منذ البداية كان واضحًا أن ليفربول يمتلك راحة أكبر في عملية السيطرة على الكرة، وتناقل لاعبوه الكرة بسلاسة رغم امتلاك آرسنال لعناصر أكثر قدرة على التحكم بالكرة وتدويرها مثل تشاكا ورامسي وأوزيل، لكن لم يكن باستطاعة لاعبي آرسنال فرض سيطرتهم على المباراة بسبب سوء التحضير النفسي والفني لها، فآرسنال كما العادة إما أن يدخل بقوة ويكمل بنفس النسق، أو يدخل بلا روح ويكمل ما بدأه بطريقة مستفزة لجماهيره ومتابعي المباراة في آن معًا.

أما كلوب، كان يعرف طريق المرمى منذ الموسم الماضي، وبعد محاولات عدة مميزة لم يطل الأمر حتى وصل إلى نهايته في الدقيقة الـ16 بعد تسجيل فيرمينيو هدفه الأول بعد عرضية مميزة من الظهير الأيمن جوميز.

بشكل ضمني يمكن معرفة أن المباراة انتهت بعد الهدف الأول لأن آرسنال عودنا على هذه البدايات وعودنا على استمراره في الإخفاق عند تأخره مبكرًا، لذلك كانت تتمة المباراة عبارة عن إرضاء للنفس بأن ما توقعته في البداية سيكون صائبًا ولن يخيب ظنك.

أكمل ليفربول المهمة قبل نهاية الشوط الأول بعد العديد من الهجمات والمحاولات الرائعة والممتعة، واستطاع تسجيل الهدف الثاني بأقدام جوهرته الإفريقية ساديو ماني والذي تمكن من إسعاد جميع من يتابع المباراة بعد تسجيله بطريقة مميزة أكدت أنه يسير في الطريق الصحيح نحو مسيرة مميزة مع ليفربول كما أكد مدربه يورجن كلوب قبل بداية المباراة.


ليلة القبض على المتهم

انتهت المباراة كما اتضح منذ بدايتها، آرسنال بدأ تفاصيلها بشكل ممل واستمر بنفس النسق حتى النهاية بلا أي تغيير، وليفربول بدأها بشكل مميز وأكملها مع استمرار تفاصيلها كما أي فيلم تتصاعد أحداثه وتستمتع بمشاهدته بلا أي تململ من المتابعة، حتى النهاية، الرباعية كانت قاسية على المدفعجية لكنها مستحقة بلا أدنى شك وأكدت أن المشاكل مستمرة في الفناء الخلفي لاستاد الإمارات، والانتصار الليفربولي أكد أن كلوب يبني بشكل صحيح ويحاول إصلاح المشاكل التي واجهها في الموسم الماضي بهدف السير نحو اللقب الذي يطمح إليه.

أرسين فينجر – مدرب أرسنال

جريمة فينجر بحق نفسه وبحق فريقه مازالت مستمرة، وتؤكد أن تجديده للعقد ليس مبنيًا على رغبة جدية منه بإصلاح مكامن الخلل في فريقه بقدر ما هي رغبة شخصية لإثبات أنه مازال قادرًا على خلق واقع مغاير للظروف التي مر ويمر بها.

فينجر هو المتهم وهو الضحية في الوقت ذاته بسبب عناده وعدم اقتناعه بضرورة الرحيل وترك المهمة لربان آخر قادر على إعادة السفينة إلى الوجهة الصحيحة بدلًا من المضي في المجهول، وهزيمة الليلة يجب أن تقنع فينجر بهذه الفكرة وبوجوب الرحيل في أقرب فرصة ممكنة.


ليلة تعزيز الثقة

يورجن كلوب – مدرب ليفربول الإنجليزي

على عكس المواجهة السابقة التي جمعت الفريقين في الموسم الماضي، كان ليفربول ممتعًا وحاسمًا رغم تعاقداته القليلة في الموسم الحالي وغياب نجمه الأول، كلوب يعلم أن تشكيلته ليست الأفضل في البريمرليج، وبكل تأكيد يعلم أن حظوظه في حصد اللقب وفرصه أقل من الآخرين، لكنه يعلم أنه يعمل بشكل صحيح كي يصل للحالة المثلى التي يطمح لها.

في خلال بضعة أيام تمكن ليفربول من تسجيل 8 أهداف مميزة تنم عن عمل كبير على الصعيد التدريبي والنفسي، ويؤكد كلوب مع كل مناسبة أن فريقه يملك الأدوات المناسبة لكنه يحتاج للمزيد من الثقة، ويحتاج لإثبات شخصيته داخل أرض الملعب أمام جميع المنافسين، وهذه الليلة أكدت أن ليفربول أصبح أكثر حسمًا وأكثر قدرة على السيطرة والتهديد، ولا ينقص الفريق إلا الإبقاء على كوتينيو وإضافة قائد جديد في الخط الخلفي قادر على منح المزيد من الثقة لعناصر الفريق في الحالتين الدفاعية والهجومية.


الصفقة الأفضل ونقاط مضيئة

الألماني يورجن كلوب

مباراة بعد أخرى يؤكد ساديو ماني أنه من أفضل تعاقدات البريمرليج في الفترة الماضية، وأن إصرار كلوب على التعاقد معه كان محقًا لأنه يخدم أسلوب لعبه ويمتلك القدرة على عكس مجريات اللعبة أو حسمها برمشة عين، ماني خلال الفترة الماضية أظهر تطورًا كبيرًا على صعيد اتخاذه للقرارات سواء في التحركات أو التسديد أو التمرير، وهذا ما سيجعله اللاعب الأبرز في ليفربول وسيسلط عليه الأضواء من الأندية الكبرى التي ستبدأ بالتفكير به منذ الآن.

بجانب ماني، هناك كل من فينالدوم وإيمري جان اللذين يقدمان مردودًا مميزًا في العمليتين الدفاعية والهجومية، وأظهرا تطورًا ملموسًا منذ انطلاق الموسم الحالي، واستمرارهما بالنسق نفسه يؤكد أن ليفربول سيكون منافسًا لا يستهان به في البطولة المحلية والقارية أمام أبطال الأندية الأوروبية الأخرى.