رغم تفوقه في أغلب المواجهات أمام أندية القمة في إنجلترا، فشل ليفربول في إكمال سلسلة النجاحات التي حصدها خلال مقارعته للكبار. الفشل لم يكن منحصرًا بالنتيجة فحسب؛ بل كان يرتبط بالصورة التي رسمها «يورجن كلوب» وعناصره في عقول المتابعين. فبعد تعود الجميع على كرة هجومية فيها كم هائل من الفرص، لم ينجح ليفربول في تهديد مرمى الخصم بسبب قلة الخيارات المتاحة، وانعدام المساحات. عناصر ليفربول مقيدون، يفتقدون للخيارات، وللخبرة في بعض الأحيان، وفي النهاية خسارة وهدف يتيم جاء بنيران صديقة.

أما يونايتد، فأكمل المهمة بنجاح قبل مواجهة الحسم الأوروبي أمام نادي إشبيلية الإسباني. الشياطين كانوا يعرفون ما يريدون من المباراة، رغبة واضحة في الفوز منذ البداية، وتشكيلة متوازنة من «مورينيو» رغم كثرة الإصابات، وفي النهاية انضباط دفاعي غاب عن الخط الخلفي لليونايتد في عديد المناسبات هذا الموسم. منذ البداية كان جليًا أن البرتغالي أكثر جدية من خصمه، أكثر رغبة في تحقيق النقاط الثلاث، وكان له ما أراد، وبالطريقة التي يحب.


المؤتمر الصحفي: تصور مسبق لسيناريو المباراة

عبر كلا المدربين عن انطباعاتهما عن المباراة في المؤتمر الصحفي. في المؤتمر الخاص بالمدرب الألماني، عَبَّر كلوب عن تقبله لطريقة لعب الشياطين تحت إدارة البرتغالي، فلم يتذمر كما حدث في المواجهة السابقة بسبب لجوء اليونايتد لركن الحافلة والدفاع بعدد كبير من اللاعبين.

لا توجد لدي أي مشاكل مع الدفاع إطلاقًا. أنا على دراية كبيرة بالموقف، وأعلم ما يقوله الناس عن ركن الحافلة. هم يلعبون بطريقة معينة، ونحن أيضًا لدينا طريقة معينة. في نهاية الأمر هناك طرق مختلفة لحصد النقاط الثلاث في مباريات كرة القدم
تصريحات «يورجن كلوب» عن طريقة لعب مان يونايتد

أما «مورينيو» فكان مدركًا لصعوبة المهمة التي ستواجهه خلال الأسبوع بأسره، مواجهة حاسمة أمام ليفربول في الدوري، وأخرى فاصلة أمام إشبيلية في دوري الأبطال، وأخيرة أمام برايتون في نصف نهائي كأس الاتحاد.

لدينا ثلاث مباريات مهمة خلال الأسبوع. إذا سألتني إذا كان بإمكاني اختيار واحدة منها لتصنيفها بالأكثر أهمية، فلا يمكنني اختيار أي منها. مهمتي هي أن أقوم بإعداد اللاعبين بأفضل شكل ممكن في كل مباراة، وعلينا مواجهة كل مباراة بنفس العقلية. في نهاية الأمر هي مباراة بـ 3 نقاط، وبالطبع لدي رغبة كبيرة في حصدها.
تصريحات «جوزيه مورينيو» متحدثًا عن مواجهة ليفربول

الشوط الأول: ترجمة احترافية لرغبة المترجم السابق

أجبرت الغيابات العديدة «بوجبا-مارسيال-هيريرا» مورينيو على الاعتماد على بعض الأفراد في خطته. ربما لو أتيح للبرتغالي تشكيلة مكتملة غير منقوصة، لما قام باختيار بعض العناصر في تشكيلته الأساسية اليوم. بكل تأكيد هناك خيارات لا جدال عليها في الفترة الأخيرة كالمتألق الصغير «سكوت مكتوميناي» وزميله «نيمانيا ماتيتيش»، لكن يوجد آخرون كالإسباني «خوان ماتا وماركوس راشفورد» ما كانوا ليصبحوا الخيار الأول لمدرب الشياطين للبدء في مواجهة كبرى كهذه.

تشكيلة الفريقين، ليفربول (يمين) ومانشستر يونايتد (يسار)

أما غيابات ليفربول فلم تكن بالمؤثرة، فالغياب الوحيد كان للقائد «جوردان هندرسون» الذي لا يعد ركيزة أساسية في رأي كثير من مشجعي الريدز. لكن غياب هندرسون جعل خيارات كلوب معدومة في خط الوسط، فقرر الاعتماد على الثلاثي «إيمري تشان، ميلنر، تشامبرلين» في خط المنتصف بدلًا من ترك الجبهة اليسرى للاعب الجوكر جيمس ميلنر.

رغم عدم امتلاك ماتا للسرعة اللازمة للضرب بالمرتدات، وبالرغم من عدم تقديمه المساندة الدفاعية، فضل البرتغالي الاعتماد عليه في مركز الجناح الأيمن. من يعرف مورنييو يدرك أن نية البرتغالي ليست السيطرة على اللقاء، لكن تفضيله للإسباني على لينجارد كان بسبب تفضيل خوان الحركة باتجاه عمق الملعب خلال استحواذ الشياطين على الكرة بدلًا من البقاء على الأطراف.

خطة البرتغالي كانت تتركز بشكل كبير على عدم خلق المساحات، فكان فالنسيا يترك مركزه في الحالة الدفاعية لخوان ماتا، وينضم إلى كل من بايي وسمولينج في عمق الدفاع. أما في الحالة الهجومية فكان يونايتد يستهدف الجهة اليمنى لدفاع الريدز، حيث يوجد لوفرين وأرنولد. كل عناصر اليونايتد الهجومية كانت تميل منذ البداية نحو الخاصرة الأضعف لدفاع ليفربول، وبالفعل لم يمض سوى 15 دقيقة من المباراة ليثبت مورينيو أنه قرأ المباراة جيدًا.

تركيز اليونايتد الهجومي على الخاصرة اليمنى لدفاع الريدز

هدف سريع من «راشفورد» بعد تحضير رائع من «لوكاكو» من أمام الكرواتي الذي لم يفلح في الحد من سيطرة البلجيكي في الهواء. الإنجليزي «راشفورد» وبعبقرية كبيرة تمكن من تسهيل مهمته بعد دفعه للكرة برأسه للأمام ما منحه الأفضلية في السباق مع الظهير الأيمن أرنولد، وإنهاء مثالي على طريقة الغزال الفرنسي تيري هنري في الزاوية البعيدة من المرمى. هدف ترجم رغبة البرتغالي الواضحة في الفوز منذ تصريحه في المؤتمر الصحفي.

خلال مجريات الشوط الأول كان وسط ليفربول تائهًا لا يعرف كيف يتعامل مع المباراة. العيب الأكبر في ثلاثية خط المنتصف أنها افتقدت للميزة الأكثر أهمية في مواعيد كهذه. وسط ليفربول امتلك القوة البدنية والسرعة، لكنه افتقد من يضبط رتم اللعب ويتحكم به، افتقد الذكاء والإبداع والحنكة في إدارة المباراة. فكانت الخطورة تقتصر على الكرات الثابتة وبعض المحاولات الخجولة في التسديد من خارج المنطقة.

التدخلات الناجحة التي قام بها نيمانيا ماتيتش في شوط المباراة الأول

المهمة لم تكن سهلة على الإطلاق بكل تأكيد، فعلى الكفة المقابلة من الميزان، امتلك يونايتد ما كان يفتقده خصمه. مورينيو كان في جعبته خط وسط يجمع بين القوة البدنية والذكاء في التعامل مع الهجمات الليفربولية. قدرة كبيرة على السيطرة على الكرة واستخلاصها من الخصم والتخلص من الضغط، أمر احتاجه وسط ليفربول بشدة في النصف الأول من الشوط.

خطأ ساذج آخر من لوفرين كلف فريقه الهدف الثاني بعد 10 دقائق من هفوته الأولى، من جديد تفوق كاسح للبلجيكي في الالتحامات الهوائية نتج عنه هدف ثانٍ لراشفورد في ظل حالة ضياع من عناصر الخط الخلفي لليفربول، لينهي الشوط الأول متقدمًا بأقل مجهود هجومي ممكن.


الشوط الثاني: رءوف خليف يجهل ما يعلمه الجميع

كان من الطبيعي بعد انطلاق الشوط الثاني وعدم تغير حال الريدز للأفضل أن يفكر الألماني في التغيير لمحاولة زعزعة الترابط الدفاعي للشياطين. أول الخيارات التي فكر بالاستغناء عنها كان القادم من الشمال اللندني «تشامبرلين». الإنجليزي لم يكن أداؤه مخيبًا لأن الآمال لم تكن مبنية عليه في صناعة الفارق، بل كان أداؤه سيئًا فحسب بدون أي تدخلات دفاعية تذكر، أو تمريرات مميزة، أو حتى تسديدات خطيرة.

رغم محاولة ماني وصلاح الرجوع إلى منتصف الملعب لاستلام الكرة خلال الـ45 دقيقة الأولى من المباراة، فإنهما لم يفلحا في خلق الفارق نتيجة تراص خطوط اليونايتد، لذلك قرر كلوب الزج بـ «لالانا» الذي يمتلك حلولًا فردية أفضل من تشامبرلين، ومن يريح نجماه الأفريقيان من المهام الإضافية في المساعدة ببناء اللعب.

العرضية الوحيدة التي قام بها ساديو ماني ونتج عنها هدف ليفربول اليتيم

بعد دقائق قليلة من دخول الإنجليزي، تمكن السنغالي ماني من التحول أكثر نحو الأطراف نتيجة دخول لالانا أكثر لمساعدة فريقه في العمق. ومع الكرة العرضية الأولى له نجح السنغالي بمساعدة فريقه في تقليص النتيجة بعد تسجيل إيريك بايلي بالخطأ في مرماه.

بعد تسجيل ليفربول لهدفه الأول، زج البرتغالي بنجمه المفضل «فيلايني» للحد من خطورة ليفربول. الجميع كان يعي أن يونايتد ضغط زر تشغيل الدفاع المضاعف إلا «رءوف خليف» الذي لم يفهم سر تراجع الشياطين. لم يدرك خليف أن نزول «مروان» يعني العودة إلى القواعد، العودة إلى أساسيات «مورينيو» عندما يستشعر الخطر.

«كلوب» حاول التعويض بعد أن استطاع إنجاز النصف الأول من المهمة، فسحب الظهيرين وزج بكل من فينالدوم وسولانكي في المقدمة. رد مورينيو على الفور ودفع بلينجارد على الجهة اليمنى في محاولة للحد من المد الهجومي للريدز.

رغم تشكيل ليفربول الخطورة في بعض الكرات، فإن المباراة كانت شبه منتهية لصالح الشياطين. لينهي اليونايتد القمة لصالحه بعد مباراة عصيبة في دقائقها الأخيرة، ويوسع الفارق مع ملاحقه إلى 5 نقاط كاملة قبل نهاية الموسم بـ 8 جولات.


أين فشل كلوب؟

مقارنة تمريرات «ساديو ماني» بين الشوطين، العرضية الوحيدة التي قام بها السنغالي نتج عنها هدف ليفربول اليتيم

بكل تأكيد قام كلوب بعمله على أفضل شكل ممكن خلال فترات الموسم، فجعل من صلاح نجمًا كبيرًا في الدوري بعد تجربة خجولة سابقة مع البلوز، وتمكن من التفوق على كل الأندية الكبرى وعلى وجه الخصوص بتغلبه على فريق جوارديولا الشرس.

لكن خطأ الألماني لم يكن خلال دقائق المباراة، ولا بقراراته الفنية من حيث التغييرات أو التكتيك المعتمد. خطؤه الأكبر عندما قرر ترك فريقه بلا أي خيار هجومي صريح يعتمد عليه في المقدمة في حال تعرضه لمواقف مشابهة. قرار الاستغناء عن «ستوريدج» كان صحيحًا بسبب الإصابات المتكررة وعدم تقديم الفائدة للفريق، لكن عدم تعويضه بمهاجم آخر قادر على تقديم الحلول الإضافية لزملائه كان هفوة لا تغتفر لإدارة الريدز.