مقارنات.. مقارنات.. مقارنات، هذا هو ما ستعيشه إذا كنت مهتمًا بإحدى الرياضات وتملك حسابًا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. أذكر تمامًا عندما كان يحتد النقاش بيني وبين صديق حول من الأفضل «لامبارد» أم «إنييستا»؟

كنت أذهب مباشرة إلى صفحة «Troll Football» باحثًا عن تلك الصورة التي تجمع لامبارد بزيدان وإنييستا، وبها عدد الأهداف؛ لأحسم النقاش لصالحي وأخرج منتصرًا عندما أريه عدد أهداف لامبارد المهول مقارنة بالبقية.

عالم المقارنات مجحف تمامًا؛ لأنه يتجاهل كل الظروف والمتغيرات، واضعًا إياك أمام أرقام مجردة، وكأنها معادلة رياضية ينبغي للجميع أن يتوصل إلى نفس الناتج في النهاية، لكن عالم الرياضة غير ذلك. قد تستخدم الأرقام للوصول إلى حق يراد به باطل، قد تتجمل لكي تتقن الكذبة.

مارادونا فاز بكأس العالم، ميسي لا. ميسي فاز بدوري الأبطال، مارادونا لا. «مايكل جوردان» فاز بستة ألقاب للـNBA، بينما فاز «ليبرون جيمس» بنصف هذا العدد. لكن «ليبرون» يحطم الأرقام الفردية لـ«جوردان»، ما العمل؟ أيًا كانت الظروف فهذه الأرقام يجب وضعها في الحسبان لكن ليست وحدها، وفي السطور التالية سأعرض لك أرقامًا مشابهة.

سباقات السرعة

في عام 1904 كان الزمن القياسي المسجل في الماراثون الأوليمبي: ثلاث ساعات وثماني وعشرين دقيقة وثلاثًا وخمسين ثانية 3:28:53، لكن في عام 2012 كان الزمن القياسي المسجل لنفس السباق: ساعتين وثماني دقائق وثانية واحدة 2:08:01، تقريبًا بفارق ساعة وعشرين دقيقة. كأن من كان يخوض الماراثون في بداية القرن العشرين كان لاعبًا لرياضة السومو وليس عدّاءً.

في عام 1936 قطع «جيسي أوينز» مسافة المائة متر في 10.2 ثانية، وفي عام 2013 أتى «أوسين بولت» ليقطع نفس المسافة في 9.77 ثانية. يتقدم «بولت» تقريبًا على «أوينز» بمسافة 14 قدمًا.

في عام 1972 حقق «إيدي ميركس» أطول مسافة مقطوعة بالدراجة في زمن قدره ساعة، وكانت 30 ميلاً و3774 قدمًا، لكن في عام 1996 سُجل رقم جديد وكان 35 ميلًا و1531 قدمًا..أي فارق المسافة يزيد على الخمسة أميال.

فلاش باك نحو مزيد من التفاصيل

الأمر في غاية البساطة، تمامًا كالساحر الذي يريك ما يود هو أن تراه لينفذ خدعته..لقد سردت الأرقام كما هي دون تغيير وتركت لك الاستنتاج، لكن الآن ستتضح لك الصورة أكثر مع مزيد من التفاصيل.

الأمريكي «توماس هيكس» الفائز بالماراثون الأوليمبي لعام 1904 كان يتناول الخمور «Rat Poison and Brandy» لزيادة مجهوده وقدرته على التحمل؛ لذلك لا عجب في إنهائه السباق في هذه المدة خاصة أنه نُقل للمستشفى مباشرة بعد السباق.

«جيسي أوينز» كان يركض على أرض ناعمة (رماد الخشب المحترق) تتطلب من قدميه طاقة أكبر للركض، فضلًا عن بدايته للسباق من خلال ارتكاز قدمه داخل حفرة وليس على حاجز كالموجود حاليًا..لو توافر لـ«أوينز» نفس الظروف ووفقًا لتحليل السرعة بواسطة الميكانيكا الحيوية فسوف ينهي السباق خلف «بولت» بخطوة واحدة فقط.

جيسي أوينز يمينًا وأوسين بولت يسارًا – لاحظ ارتكاز قدم كل منهما

أما سباق الدراجات، ففارق الخمسة أميال يعود في المقام الأول لتطور تكنولوجيا صناعة الدراجات، لذلك اقترح الاتحاد الدولي للعبة على من يريد كسر رقم «إيدي ميركس» استخدام نفس الدراجة.. الرقم الجديد المُسجل الآن أصبح 30 ميلا و4657 قدمًا، أي فارق 883 قدمًا وليس خمسة أميال.

يبقى اللغز في عرض الأرقام دون الإشارة لما حولها، لذلك فالمقارنات العابرة للأزمان تكون ظالمة، وإن كنت تظن أن الألعاب الفردية معقدة فالألعاب الجماعية أكثر تعقيدًا، ولنأخذ مثالًا من لعبة جماعية أخرى.

ميامي هيت وفريق الأحلام

في عام 2010 حاول ميامي هيت بناء فريق الأحلام في الـNBA بجمع الملك «ليبرون جيمس» – قبل أن يصبح ملكًا – مع النجمين «دواين وايد» و«كريس بوش»، توقع الجميع اكتساحهم للدوري، لكنهم فشلوا في الفوز باللقب في الموسم الأول.

في الموسم التالي لم يستقدموا نجمًا جديدًا من نجوم الصف الأول، لكنهم استقدموا «شاين باتييه». لم يكن الجمهور سعيدًا أو منبهرًا بقدومه، فهو ليس من أصحاب المعدلات المرتفعة من النقاط أو ممن يقدمون للجمهور لقطات الدريبلينج الجذابة، لكن الغريب أن وجود باتييه في الملعب كان يمنح فريقه الأفضلية دائمًا.

إحصائيًا، كان كل لاعب من فريق ميامي أقرب للفوز في وجود شاين باتييه. يفسر «مايكل لويس» مؤلف كتاب «Moneyball : The Art of Winning an Unfair Game» ذلك بأن «باتييه» كان يفعل ما لا يهتم النجوم بفعله على أرض الملعب، لم يكن يستطيع مجاراة «كوبي براينت» من حيث السرعة لكنه كان ذكيًا بما يكفي لإجباره على التسديد من أماكن تقل فاعليته فيها. باختصار كان يخدم الفريق دون أن يتصدر المشهد، لذلك لعب دورًا مهمًا في فوز ميامي هيت بلقبين متتاليين.

قد يكون مارادونا مثلًا امتلك شبيهًا لـ«شاين باتييه» ساعده على الفوز بكأس العالم.. الأمر أكبر من أن تنسب الفوز إلى لاعب واحد أو تحمله الخسارة بمفرده. النجوم يتصدرون المشهد لأنهم نجوم، لأنهم الأقدر على الحسم.. لكن عند لحظة معينة عليك ألا تبالغ.

لا مفر من المقارنة

بالعودة إلى ميسي ومارادونا فإن التشابه الكبير بينهما أضفى مزيدًا من الارتباك على هذه المقارنة، وبعيدًا عن الأرقام فإن ميسي يمتلك سرًا إضافيًا من أسرار اللعبة. ذلك المتعلق بالتوقيت والمساحة.. يتحكم برتم اللعب، يدرك تحركات من حوله، يستطيع مهاجمة الفراغ إما بنفسه عن طريق الجري بالكرة متجاوزًا الجميع أو بتمريرة لزميله المتحرك. قد يكون اكتسب ذلك من تشافي وإنييستا، لكن في الأخير ذلك يعطيه أفضلية كلاعب جماعي.

احصائيات مارادونا وميسي (حتى 2015)

قد لا تفضل – مثلي – تلك الأفلام ذات النهاية المفتوحة، التي يأبى فيها الكاتب جعل الخير ينتصر على الشر بكل بساطة كما في باقي الأفلام، ويتركك حائرًا لتختار النهاية التي تناسبك، تناسب ميولك تجاه الأحداث والأبطال. النهاية المفتوحة مناسبة لمثل هذه المقارنات في عالم الرياضة، فلا الجيل الحالي الذي يشاهد إبداعات ميسي سيغير رأيه، ولا الجيل القديم المصاب بهوس النوستالجيا سيترك العرش لغير مارادونا. في الأخير فإنك تستطيع أن تستخدم الأرقام لتكذب وتتجمل في نفس الوقت دون عناء.